سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام - 6
سيرة
سيدّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ عليهِ السَّلام
مِنْ دروسٍ
لفضيلةِ الدكتور : محمد راتب النابلسي
حفظه الله تعالى وبارك فيه وبارك في علمه وعمره آمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , والصَّلاة والسَّلام على سيدِّنا مُحمَّدٍ الصَّادقِ الوعدِ الأمينِ , اللهمَّ لا علمَ لنا ، إلا ما علمتنا ، إنكَ أنتَ العليم الحكيم , اللهمَّ علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً , وأرنا الحقّ حقّاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا مِمَنْ يستمعونَ القول فيتبعونَ أحسنهُ , وأدخلنا برحمتكَ في عبادكَ الصَّالحينَ .
وقالَ أحدُ التابعينَ : " التقيتُ ، بأربعينَ منْ صحابةِ رسول اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، ما منهم واحدٌ ، إلا وهو يظن نفسه ــ مُنافقاً ".
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي : اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي : لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ ـ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ ـ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ ، فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي ـ فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ ــ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " . ( أخرجهُ الترمذي ، في سُننهِ ، وأحمد ، في مسندهِ ). وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي ــ فَقُولُوا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ " . ( أخرجهُ الترمذي : عنْ ابنِ عمر ، في سننهِ ). إذا وقعتَ ، في مطبٍ ، عندَ دراسةِ تاريخ المُسلمينَ ، كيفَ تنجو ؟
أيُّها الأخوة : التاريخ الإسلامي ، لمْ يتوافرْ لهُ علماء مُحقِّقونَ ، مُمحصونَ ، مَحصوا رواياته ، واختاروا منها الصَّحيح ، ونبذوا المُزيّف ، هذهِ مشكلة ، التاريخ الإسلامي ، لمْ يتوافرْ لهُ ، ما توافرَ لحديثِ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مِنْ علماءٍ مُدققينَ باحثينَ مُتشددينَ ، لذلكَ في التاريخِ الإسلامي : "" شيءٌ صحيح ، وشيءٌ غير صحيح "" ، أنتَ كمُسلمٍ ـ لا ينبغي أنْ تجرَ الماضي ، إلى الحاضرِ لأسبابٍ كثيرة ، أحد هذهِ الأسبابِ ، أنَّ هذهِ المُشكلة : ربّما لمْ تقعْ أصلاً ، وربّما أُدخلّتْ تزويراً ، وربّما وقعتْ ، ولكنْ في حدودٍ ضيقةٍ جداً ، لكنَّ الشّعوبيينَ : أعداء الدِّين ـــ بالغوا فيها ، وعلى كلٍّ ، ولو وقعتْ بحجمِها الذي قرأته , فماذا يعنينا منها ؟ الذي يعدُّ عبئاً يثقلنا ، ويثبطنا ، ويجعلنا نضطرب ، فينبغي أنْ ننبذها ، وألا نقرأها ، وألا نعني بها ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ , يقول : ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾( سورة البقرة الآية : 134 ).
فكثيرٌ مِن الباحثينَ غير المنصفينَ ، عَمَدوا لكلِّ شخصية إسلامية قديمة فكفّروها ، ومنهم مَنْ بوَّأها أعلى الدرجاتِ ، يا ترى هذا الذي كفّرها , هلْ يخفض مقامها عندَ اللهِ ؟ لا واللهِ ، والذي جعلّها في أعلى درجة , هل يرفعها ؟ لا واللهِ ، فكلّ إنسانٍ : احتلَ عندَ اللهِ مقامًا ، بحسبِ معرفته باللهِ ، فهذا المقام ــ لا تهزُّهُ أقوالُ الناسِ ـــــــ لا مدحًا ولا ذمًّا ، وأروعُ آية تتعلق بالتاريخِ , قوله سُبحانه وتعالى : ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾( سورة البقرة الآية : 134 ).
و ينبغي : أنْ ننصرفَ ، إلى التاريخِ ، الذي يعدُّ حافزاً لنا ، وإذا قرأتَ حادثة ، وتأثرتَ بها أشد التأثُّرِ ، ودفعتكَ إلى البطولةِ ، فهذا هو التاريخ الحافز ، الذي نحنُ، في أشدِّ الحاجةِ إليهِ .
أحد أخواننا المُختصينَ بالتاريخِ ، التقيتُ بهِ مرَّة ، قالَ لي : يا أستاذ , هلْ تُصَدق : أنَّ قصةَ بحيرة الرَّاهب ، الذي التقى بهِ النَّبيّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، في بُصرى ، حينما كانَ طفلاً صغيراً ، هذهِ القصة ــ لا أصلَ لها مِنْ الصَّحةِ ، جملةً وتفصيلاً ؟ وهو في صددِ نشر كتابٍ حولها , وإذا وقعتْ في حجمها الذي قرأته , فخذ منها موقفًا يتناسب مع قولِ اللهِ تعالى :
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾( سورة البقرة الآية : 134). هذا الموقفِ مريحٌ جداً ، فقدْ ضربتُ مثلاً : ذات مرَّة ، وهو أنكَ مُتجهٌ : نحو مدينة ، في الشِّمالِ ، ولكَ في هذهِ المدينةِ ، مبلغٌ ضخمٌ لتقبضه ، والوقت مُحددٌ ، كأنْ تقبض مِنْ حلب : مليون ليرة ، مِنْ السَّاعةِ الثانيةِ عشر إلى الواحدةِ ، فإذا تأخَّرتَ عنْ هذا الموعدِ ، ضاعَ منكَ المبلغ ، فوجدتُ خلفكَ مُشكلة بينَ سيارتينِ ، هلْ مِنْ العقلِ ، أنْ تقفَ وتتفرجَ , وأنتَ أمامك مبلغٌ كبيرٌ : تنتظر أنْ تظفرَ بهِ ؟؟؟؟
ما ألذي فرَّقَ المُسلمونَ ؟؟؟
أيُّها الأخوة : ما الذي فرَّقَ المُسلمونَ ؟؟؟؟
هذهِ المُنازعاتِ ، ما الذي أضعفهم ؟؟؟؟ هذهِ الخُصوماتِ ، ما الذي ثبَّط عزائمهم ؟؟؟؟ هذهِ المُهاتراتِ ، لذلكَ ، ما مِنْ بلاءٍ ، ابتُلِيَ به المُسلمونَ ، أشدّ مِنْ هذهِ الخلافاتِ فيما بينهم ، التي فتَّتتْ عزيمتهم ، وأضعفت قوَّتهم ، وجعلتهم ضعفاء , قالَ تعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾( سورة الأنفال الآية : 46 ).
مِنْ خلالِ سفري الأخير : وجدتُ الكفر ، في تلكَ البلادِ قويًّا مُتفوقًا ، والمسلمونَ : إنْ لمْ يتَّحِدوا ، وإنْ لمْ يتعاونوا ، وإنْ لمْ يتفوقوا ، فلا مكانَ لهم في العالمِ ، فالقضية خطيرة جداً ، يجب أنْ ننفتح على بعضنا ، وأنْ نتعاون فيما اتفقنا عليهِ ، وأنْ يعذر بعضنا بعضاً ، فيما اختلفنا فيهِ .
مواعظ ألإمام عليّ بن أبي طالب :
أيُّها الأخوة : دققوا في أقوالِ هذا الصَّحابي ، يقول هذا الإمام الجليل :
" تعلَّموا العلمَ ـ تُعرفوا بهِ ، و اعملوا ـ تكونوا مِن أهلهِ " .
هلْ لاحظتم الفرق الدقيق ؟ إنْ عملتم ، بما علمتم ـ فأنتم مِنْ أهلِّ العلمِ ، أمَّا إنْ تعلمتم ، و تكلمتم فالأمر وبالٌ ، " ألا وإنَّ الدُّنيا ، قدْ ارتحلتْ مُدبرةً ، وإنَّ الآخرةَ ، قدْ أتتْ مُقبلةً ، ولكلِّ واحدةٍ منها بنونَ ، فكونوا مِنْ أبناءِ الآخرةِ ، ولا تكونوا مِنْ أبناءِ الدُّنيا " .
هناكَ أشخاصٌ ، يعلمونَ ظاهراً ، مِنْ الحياةِ الدُّنيا ، أمَّا أمور الآخرةِ ، فلا يعلمونَ عنها شيئاً .
يتبع رجاءاً
جمعها مع التنسيق
عبد الله الراجي لعفوه ورضاه تعالى