عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-28-2016, 08:20 PM
 

ما فعلته كان كفيلا لجعلنا نضحك نحن الثلاثة نرقبُهما وهما يرشقان بعضهما بكلمات بسيطة إلا أنها طريفة ولا تندرج تحت مسمى شجار بالاسم الفعلي ، اتضح فيم بعد بأنهما يدرسان في ذات المدرسة وبذات الصفِّ أيضَّا ! ..
لا أستطيعُ القولُ بأننيْ سأكونُ بمثل هذه السعادة لو قضيت هذا اليومْ برفقة والدتيْ فالشعور الذي أحِسُ به الآن مختلفْ ولا أحد يقدر على قول خلاف ذلك ، كما أننيْ لا أعتقد بأنيْ انخرطت بسرعة في الحديثٍ مع أشخاص كنت تعرفت عليهم لتويْ مثل الآن ، حسنا إن ذلك مشجِّعٌ قليلا ، قضينا القليل من الوقتِ في الحديثْ والتعرفِ على بعضنا إلى أنْ سمعتُ صوتا ألفته أذنايَّ بسرعة ، ذلك الصوت كان كفيلا ليقطع كل تلك الضوضاء ويصل إلى مسامعنا ، لمْ يكن سوى عمي " ويلبرت " الذي صفق بيديه وهتفَ بأعلى صوته قائلا : أعيروني انتباهكم من فضلكم !
لم تكن سوى جملة صاحبِ العين لواحدة والرأسّ المعصوبْ كلماتُ عمي " ويلبرت " التي جعلت الجميع يسكتُ فجأة وكأنه ألقى عليهم تلك التعويذة السحرية التي جعلت الحضور بلا استثناء يُصابون بالخرس ، استغربت كونّ الجميع التزم الصمت فور حديثه ، وكأنهمْ ينتظرون فقط سماع صوته لتكف أفواههم المزعجة عن الحديثْ ، لم أستطع أن أخفيَّ اندهاشي من هذا ، إن ذلك لغريبٌ تماما ، انتفضت من مكانيْ عندما تسلل صوتُ " إيرل " البسيط إلى أذنيْ هامسا ومبررا في الوقت ذاته : إنَّ العمِّ " ويلبرت " رغمَّ أنه مجردُ مزارع بسيط إلا أن اسمه كافٍ فقط لجعل الجميع يظهرون الاحترام ..
طرفت بعيني قبل أن أنقلها نحوه أدار رأسه ناحيتي لأرقبَّ عينيه الداكنتين المزرقتين اللتين تظهران من خلف قناع بشع المظهر لا أتحمل النظر إليه ، رفعت أحد حاجبيَّ في استغرابْ لأرتد ببصري ناحية وقوف عميْ الذيْ تنحنح بمبادرة منه لتعديل صوته ومن ثمَّ عاد يهتف بأعلى صوته مرة أخرى : الجميع شاكر لحضوركم ، كنتم ولا زلتم الأوفى والأكرمْ في حضوركم لمثلِ هذا الحفل الخيري الذي أقيمه كل عامْ ، الكثير من الناس يشعرون بحال أفضل بسبب ما تتبرعون وتقدمونه إليهم من مساعدة على الدوام ، لا أستطيع أن أصف لكم شعورهم وامتنانهم الكبير إليكم .. أضاف بعد أن أدار ظهره صوب من يقف بجانبه : اسمحوا لي بانتهاز هذه الفرصة لتعريفكم بشقيقي الأصغر " هارولد " لقد جاء هذا ليوم ليكون واحدا منا وهو من الداعمين لنا أيضا ، رحبوا به يا سادَّة ! ..
و فور نطقه آخر كلمة حتى تعالى صوتُ التصفيق يملأ المكان ، أشعر بالفخر ، عمِّيْ " ويلبرت " يحتل مكانة عظيمة في قلوب هؤلاء الناسْ رغم بساطته وحياته الغير مكلفة ، لم أعتقد بأنه سيكون بمثل هذه السمعة وهو قد اختار الانعزال بعيدا عن الناسْ في عيشه بمثل هذه المزرعة ، أستطيع أن أرى الاختلاف الواضح بين والدي وعميْ ، على الرغم من أن والدي ذو سمعة جيدة أيضا إلا أنه يفضل عدم الاحتكاك في الآخرين كثيرا ، أتساءل لو كنت ورثت هذه الصفة منه أيضا ، تنبهت على شيءِّ لتويْ إذ أننيْ عدتْ نظر صوبَ " إيرل " مرة أخرى وسألته بقليل من الاستغراب : هذا حفلٌ خيري ! ، ما معنى هذا ؟ ..
أجاب بتلقائية : كل من يأتي إلى هذا الحفل يجوز له بالتبرع بأيِّ شيءِ يملكه حتى وإن كان غرضا شريطة أن يكون نظيفا ولم يستخدم بكثرة وبدوره العم " ويلبرت " يقوم بنقله إلى بعض الملاجئ أو الدير ..
عقدت ساعديْ بعد أنْ أظهرت الموافقة على ملامحيْ ، لقد وجد طريقة مثلى لمساعدة أولئك المساكين ، عاد " إيرل " يخبرني ْ بضرورة التقدم إلى الأمام كما فعل الآخرون أيضا ، هل هو وقت تناول طعامِ العشاء يا ترى ؟ ، كنتُ على وشكِ اللحاق به لولا سماعيْ لصوتِ آلفته أّذنيْ سريعا ممَ جعلني أقبضُ على أصابعي بقوة ، رفعت بصري نحوه بتردد ومن ثمَّ هتفت بانفعال هادئْ : سألاقيكم فيما بعد ، يمكنكَ أنْ تسبقني !..




لم تخفى علي نظرة الاستغراب التي قفزت في عينيه إلا أنه أماء بأجل ومن ثمَّ استدار ذاهبا ليتبع بـ " إيرما " والبقية ، أطلقت زفرة منزعجة لأنزل بصري إلى الأسفل أرى المصيبة التيْ حلَّت على رأسي ، لقد كُسر كعب حذائيْ وأكاد أجزم بأنه ليس الوقتَ المناسبْ على الإطلاقْ ، لماذا الآن يا ترى ؟ لو قمت بخلع الفردة المكسورة فمظهريْ سيبدو مضحكا لو مشيت بواحدة لذا سأضطر لخلع الأخرى أيضا ، خلعتهما بضجر بينما أوشك على الصراخ بصوتِ عال ، اتسخ أسفل جوربيْ الأبيضين بالترابْ في حين حملت الحذائين ثم استدرت للخلف متوجهة إلى أبعد بقعة لا تكون فيها أجواء الاحتفالات الصاخبة هذه ، استندت على جذع الشجرة خلفيْ بعدها رفعت بصري عاليا متأملة دُكنة السماء التيْ كوَّنت لوحة رائعة باحتوائها على ذاك البدر خلَّاب المنظر ، فكرتُ بأنَّ الحذاء قد اختار الوقت السيءْ ليمرضْ ولكن لا ضير في بعضِّ من الراحة على ما أعتقد ، لقد بذلت مجهودا كبيرا اليومْ ورأسيْ بدأ يؤلمنيْ قليلا ! ..
فكرتُ بأنَّ والدتيْ قد تكونُ تعمل في المكتبِ الآن فهيَّ لا تعود إلا في منتصف الليل وأكاد أجزمُ بأن هذا هو السبب الرئيسي في انفصالها عن والديْ الذيْ يقبضُ أجرا أقلَّ بقليل من الأجر الذي تقبضه هيَّ ، كنتُ دائما أستمع إلى مشاحنتهما في الليل إلا أننيْ لمْ أكن أخرج من غرفتيْ وأظل ملتصقة بسريري بينما أتمنى أن يصمتا لأنامْ ، لقد كانا يمثلانِ بإتقان في صباح اليومِ التاليْ خشية أن ألاحظَ شيئا ، على كلِّ ملامحهما وتصرفاتهما المنقبضة كانت تفضحُ كلَّ شيءْ ! ..
لم أستطع تذكر كلَّ شيءْ بسبب لسعات البرد القاسية تلك التي بدأت تقرصً قدمَّي فركتُ ساقيَّ ببعضهما طالبة بعض الدفءْ في حين زفرت بانزعاج ، لو أننيْ لم أقم بارتداءِّ هذا الكعبْ العاليْ ، إننيْ لا أحبذه ولكن لست أدريْ لمَ أًصرَرتُ على انتعاله ، يا إلهيْ !
شعرتُ برغبة ملحَّة أجبرتني على السعال بقوَّة لدرجة أنني شعرت بأن الهواء الذي استنشقته كان ملوثًا وللغاية رفعت بصري أبحث عن مصدر هذه الرائحة لأنظر ناحية من يجلسُ أسفلَ شجرة بلامبالاة ويستمتع في مداعبة تلك السيجارة البسيطة بين أصابعه ، لم أكن أقدر على تمييز ملامحه فهو يجلسُ بمسافة تبعد ثلاث شجراتِ عن مكان وقوفيْ يرخي قدمه اليسرى على الأرض بينما ينصبُ الأخرى ويسند عليها ذراعه وقد بدى لي منسجما في دندنة لحنِ غريبْ ، أستغربُ كيف لم يختر زيًا للظهور به إلا إن كان يعتقد بأن ارتداء ملابس رسمية ستجعله يبدو كما لو أنه من ذوي الشخصيات المرموقة ، لاحظت حركة بسيطة صدرت من رأسه ولم تكن سوى التفاتته المباغتة لي ! ..
أشحت ببصري سريعا حالما قرأت ملامح وجهه التي بدت وكأنها تخبرني بأني مجرد مزعجة أحمد الله بأني أرتدي القناع وإلا فإنه سيلاحظ الفزع على وجهيْ ، ضغطت على فردتيْ الحذاء أكثر حينما شعرت بلسعاتِ البرد تعودُ لتقرصني بطريقة أشعرتني بأننا في فصل الشتاء إلا أنه على النقيضِ تماما ، الليالي هنا باردة كما يبدو ، عدت لابتلاع ريقي وعزمت هذه المرة على العودة إلا أن رنين هاتفٍ استوقفني وجعلني أُدير رأسيْ بتطفل إلى الجهة أخرى ، حيث أطفا ذلك الشابُ سيجارته ليرميها بعيدا بعدها اعتدل واقفا بعد أن دسَّ كفه ليلتقط هاتفه من جيب معطفه ، انسل من طرف جيبِ معطفه الرماديْ شيءٌ بدى مستدقِ الحافة أسودًا ممَ جعلني أعقد حاجبيَّ في ريبة فلم يسبق لي أن رأيتُ جسما كهذا ، أخرج هاتفه الذكي من جيبه وأجابَ بنبرة باردة بعد أن مرر اصبعه على الشاشة : لم أره بعد !
لأول مرة أشعر بأني فضولية إلى درجة تجعلني لم أتحرك من مكاني وأبقى أُنصت إلى كلماته المريبة وأحدق إلى ذلك الشيءِّ المختبئ في جيبِه والذي بدى وعلى ما يبدو في انتظار حركة واحدة ليقع على الأرضِ ، عاد ذلك الشابِ للحديثِ مرة أخرى إلا أن نبرته بدت أكثر انزعاجا هذه المرة إذ أنه حاول كتم انزعاجه من المتصل حين قال : قلتِ بأنه سيكون متفرغا ولكنني أرى حفلا هنا ، لو كنتُ أعلم لما قطعت كل هذه المسافة هل تعلمين كم سأستغرقُ من الوقت لأعود إلى العاصمة بينما ينتظرني عملٌ مهم في الغد ، من فضلك كوني أشد حرصا فيمَ بعد !
كنتُ قد التفتُ إلى الجهة الأخر أنظر إلى " إيرما " والبقيَّة حيث يقفون بمسافة قريبة قرب مجموعة من الأشخاصْ يتحدثون باستمتاع ولكم غبطت تلكما الفتاتين لأنهما لم تقعا في مثل هذا الموقف مثلي ،ضغطت على شفتيْ بضجر ثمَّ عدت ببصريْ للجهة المقابلة حيثُ يقفُ ذلك الشابْ إلا أن ما استرعى انتباهيْ ذلك الشيءُ الذي بدى يلمعُ عاودت النظر نحو جيبه وقد بدى فارغا ، يبدو وبأن ذلك الشيءْ سقط من جيبه أخيرا ليركن بجانبِ قدميه ، عقدت حاجبيَّ بريبة فيمَ أحاول النظر بدقَّة إليه ، يا إلهيْ ، ظنِّيْ كان في محله عندما اعتقدت بأنه تلك الآلة المرعبة ، مسدسْ ! ..
تيقنت أخيرًا بأنه هوَّ حالما انحنى ذلك الشابْ ليلتقطه بأصابعه ويعود لوضعه داخل جيبه بتلقائيَّة إلا أنَّ زبرجديتاه بقيت تحملق فيَّ بشكل مثيرٍ للأعصابِ .. مخيف ومقلق .. جعلتني عيناه اللتين أخضعتني في لحظة لا أجرؤ على الإتيان بأيَّة حركة .. أنظر إلى كفه التي لا تزال تمسك بذلك الشيءِ المخيفِ والذي خبأه أسفل قطعة من القماشِ لا أكثر ، كيفَ لشخصٍ بعقل سليم أن يأتيْ الحفل بمسدس إلا إن كان ينوي فعل شيءٍ به ، وهو لا يستخدمْ إلا لغرضٍ واحدْ فقط !
إنَّ قلبيْ ينبضُ بقوَّة الآن ، على ماذا ينويْ هذا الشابُ المخيفُ الآن ، لوهلة فقط راحتْ عبارته السابقة تدور في مخيلتيْ ذلك الوقت عندما قال [ لم أره بعد ، قلتِ بأنه سيكون متفرغا ولكننيْ أرى حفلا هنا ] ، خمَّنت بأنَّ المقصود بالعبارة السابقة هوَّ عمِّيْ " ويلبرت " وقد تمنيت أنْ يكونَ تخمينيْ في غير محلِّه ، مالذيْ قد يجمع عمِّيْ بمثل هذا الشابِ المخيفْ ، ولماذا قد يحملُ هذا الشابُ مسدسا ، إنه ليس من المدعوين كما اتضح ليْ فأنا لم أره في الحفلة عوضا من أنه يجلسُ في مسافة بعيدة عن أجواءِ الضوضاء هناك ، رفعتُ بصريْ بتوجسِّ نحوهْ في حين ابتلعتُ ريقي بصعوبة عندما رأيته قد استدار نحويْ بالكاملْ و زبرجديتيه الخانقتين تمنعنيْ عن الحركة ، ولا أيَّة حركة ! ..


تمَّ البارت الأول
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس