- 7 -
لعبة القدر أم متاهة القدر؟! هاقد انتبه ريو لتلك الفتاة ذات الشعر الأشقر المنسدل لتضيق عينيه بجدية: هيجي... تلك هي التي سرقت محفظتي...
علا صوتها منادية لها: ريو... تعال و انظر، بهذا القميص أجمل لون تستطيع اختياره.
لكن آذانه لم تكن صاغية و أفكاره لم تكن واعية، خطواته هي القائدة التي توجهه نحو ما يعلم سر أقداره، و تظن إيريكا أنها تعلم دون أن تفكر بتلك النقاط المجهولة التي واجهتها....
أدار جسدها و قال بجوهرية: أنت... كيف لك أن تسرقي محفظتي؟
أجابته بعينين باردتين: أنا...!
هزها بإنفعال مع ردها البارد الذي تلقاه: و من أعني إذا؟!
أحنت حاجباها قليلا: هل من المألوف أن تبحث عن سارق محفظتك في الشوارع؟!...أم أنك لاتدل مركز الشرطة؟
أحكم قبضته عليها ليبدأ بجرها: أظن أنك تحتاجين بعض الأدب...سأوصلك للمخفر بنفسي..
حاولت إيريكا التدخل: ريو.. هذا ليس وقته، تنتظرنا ميواكو...
بدأ ريو بالتحرك بينما تخفق تلك الفتاة في إبعاد نفسها عنه: اسبقوني..فلدي عمل مع هذه الوقحة هنا.
أغاظ كاوروا ماسمعت: من تقصد بالوقحة ياهذا!... ألا ترى أنك من ألصقت تهمة السرقة بي ، تطلب مني عدم الدفاع عن نفسي!..
تحاشى هيجي ما يرى و ذهب مكملا مسيره: أراك بعد قليل.
تبعه هاروكي تاركا الساحة للاعبيها .....
نظرات كاوروا بدت تحدق بإيريكا بغضب و استغراب، لم هي صامتة... لم تتركها في هذا الموقف مع هذا الفتى التي لاتذكره... قد يكون صادقا لكن لم لا تدافع عنها التي ادعت الصداقة في صباح هذا اليوم...!!
اضطربت في داخلها ... فبؤبؤتين تحدقان بها مذ أمسكت كفها بقوة من قبل ذاك الفتى و كأنها تعلن تكهرب الوضع الذي شعرت بحلاوته توا ...و ماض و زمن آخر يتوقفان على قرارتها المترددة...
أخذتها ذاكرتها لقرار اتخذته مع صديقها...
قرار عدم التدخل لتعي سبب ذهاب هاروكي مع هيجي...
أخذت نفسا طويلا قبل أن تتدارك الأمر و تتقدم نحو ريو: ريو.. أنت خاطئ بلا شك، هي صديقتي.
توقف بذهول ظهر عليه: صديقة.
ابتسمت كاوروا لتجر يدها التي آلمتهت و ابتسمت بإنتصار: لسوء حظك.. أن تعرفني مرافقتك.
حدق بها دون مبالاة: صديقتك منذ اليوم.. حقا، لقد تمت سرقتي منذ ثلاثة أيام مضت.
شعرت كاوروا أن أملها من الخلاص من هذا الفتى الذي حلل كل شيئ قد اضمحل، و أن فرارها أمام صديقتها فضيحة تهرب منها طبعا...إذا، ما المفر؟.... و ما الخيار المنقذ لها حاليا؟...
لم تطل التفكير.... ففكرة الخلاص من المأزق كانت سهلة، حيث مدت يدها نحو الحقيبة البرتقالية التي التفت حول رقبتها حتى وصلت للخصر، و أخرجت بعض النقود من جيبها الجانبي: خذ، هذا عوض ما تدعي سرقتي له.
ملامح ريو البريئة في غضبها بدت تطغى عليها ملامح جدية و صرامة ألفتها إيريكا فورا... تلك الصرامة و الجدية الممتزجة قبل كل خروج لمهمة، و عند رؤية كل ظلامة...
كانت ملامح نفاذ الصبر....من فتاة أظهرت الجرأة دون الإعتذار... و اختارت سبيل خلاصها دون الخجل أو الفرار....
أخذ النقود و رماها فوق رأسها متناثرة تحت قدميها لتكون هي و من بجانبها في صدمة: هذه الأوراق مهمة لك و ليس لي، لكن فكري بمن تسرقي قوته قبل أن تقدمي على ذلك، فليس كل شخص يستطيع التخلي عنها..
ضيق عينيه لشدها لسماعه: ..مثلك تماما، أناس لهم أعذارهم.
كانت متيبسة..لتلك الكلمات، و تلك النظرات، و تلك اللحظات التي أرتها الذل فجأة...
أحكمت قبضة يدها و فتحت فمها لترد بجرأة لألا تخسر....
لكن و قبل ذلك، قد باشرها بإشارة من سبابته لإيريكا: دعينا نذهب.
تحركت متجهة نحوة مودعة صديقتها، تلك الأم التي بدت تظهر مكنونات حياتها : أراك غدا.
لم تتلق ردا ، فكل ما استطاعت فعله تلك الفتاة...الجلوس مكانها و جمع تلك النقود التي ارتسمت بكل ورقة منها طعنة في القلب الآن...
خطوات لتبدأ محادثة غريبة بين أب و ابنته، صديق و صديقته، جار و جارته، أم احساس يقرب الأخوة لقوته...
كان يمشي بخطوات ثابتة حيث مبتغى سبيله إلا أنه أخرج ما يشغل تفكيره: هل كنت فظا؟
ارتخت عينيها بعالم من الفرح المخبوء: بل كنت عادلا.
هذا ما كانت تعيده في ذاكرتها و تستقرأه في ذهنها..
(( إذا، أول سمة رأتها أمي هي عدالة ريو...أقصد، أبي..أجل، أبي الذي أفخر به..))
حاولت التدقيق بملامحه التي لاتعبر عن شيء سوى الصبيانية البريئة...
(( لكن إن كان الأفضل أن لا يتزوجا... فلا أعلم من سيكون..))
فتح يوري الباب ليدخل ريو بشرود و تتبعه إيريكا: مرحبا.
أجابها بلسانه و عيناه تتبع ريو المتوجه نحو المطبخ بصمت: مرحبا.
وجه سؤاله لها: مابه؟!
أغلقت الباب خلفها: ألم يخبرك هيجي و هاروكي؟
" بم ؟... "
" لقد أمسك فتاة يقول بأنها سرقت محفظته... يشعر و كأنه كان فضا معها...هذا كل شيء"
" هكذا إذا..."
تبعت يوري بخطواته الواثقة، دون أي تصور عن المكان الذي ستجلس به معهم....
رؤيتها لتلك الألوان البنفسجية و الفيروزية ، شرحت نفسها المكبوتة و رسمت على ملامحها استرخاء راحة...
ألوان من النادر أن تدمج لديكور منزل.....
واضح أن لا مشاكل مادية لدى يوري، فهذا المنزل الضخم و مطعم يكاد يفتتح دليلان على غنى صاحبهما...
اقتربت جالسة بجانب هاروكي بعد ترحيب حار من قبل ميواكوا التي أخجلتها لأريحيتها معها، تلك الأريحية التي ترسم تصور أمومتها في أذهانهم جميعا....
حساء لحم و كريات أرز بينتوا مع أطباق السلطة الموزعة متوسطة بطبق الدجاج المقلي قد زينت السفرة...
كلها أطباق من صنع يد ريو ، و لعدم المبالغة بمهارته... للمسات ميواكوا المتدخلة أثر جوهري في تلك المائدة...
اتجه الجميع نحو تلك الطاولة بعد مناداة ريو و اتخذ كل منهم مقعده...
ريو توسط هيجي و هاروكي و ميواكوا جاورت زوجها يوري و بيسراها إيريكا...
اندمجوا في الأكل و الثناء على صاحب الموهبة الذي جمعهم حتى توقفت ميواكوا فجأة لتشد أنظارهم...
ترك يوري الملعقة التي بيده و أمسكها: مابك ميواكوا؟... هل تتألمين؟
حاولت تدارك نفسها برسم بسمة تنزع منه حالة الهلع: لا تخف... فاجأني تحركه فقط.
بدأ هيجي يتم طبقه بعدما اطمأن: حرك كوالده.
ريو ساخرا: و سخيف يقطع مائدتنا...يحتاج لتأديب منذ الآن.
رمقته ميواكو بنظرة: ابني سيؤدب ابنك.
نظر هيجي لصديقه: و هل لنسل هذا الرجل أدب؟
قالت إيريكا مقاطعه: أفضل من نسلك على كل حال.
ضيق هاروكي عينيه : ماذا قلت؟
أخرجت لسانها نحوه: هل ستدافع عنه؟
بلع ريقه و بدأ يأكل: و ما شأني بهذا الممقوت؟
اعتلت ضحكات ميواكو و يوري لهذه المحادثة الغريبة ليعلوا صوت مجاراة الباقين....
كانت تلك أول جلسة اجتماع عائلية لمت هذه الضحكات المريحة للنفس...
بعد دقائق حين سكت الجميع، وجهت إيريكا سؤالا لمن بجانبها: ميواكو، كم بقي على ولادتك؟
بسطت يدها فوق بطنها و هي تنظر له بحالمية: أنا في الشهر الخامس الآن.
بدأ ريو يشير لميواكوا و زوجها: مازلت أفكر أنني في حلم عند النظر لكما، لم أتخيل أن يوري الطفولي سينجح بإقناع عائلته بهذا الزواج...
أبدى هيجي بعض الإنزعاج في كلماته الباردة: هل تستمتع بالتحدث عن الأسرار العائلية ..
قال يوري بمرح: لا ضير... من الجيد أن يعرف الناس معاناتي للحصول عليها... كاد يشيب رأسي.
وضع ريو يده تحت ذقنه: كدت تجن و أنت تتحدث مع ميواكوا في النوم ...
بدأ يمثل على يوري بحركات متصنعة: ميواكو...لن أتركك.
تكتف يوري مجيبا: و ما أدراك عن صنيع القلب... لم أكن أستطيع تجاهل غاليتي.
شعرت ميواكوا ببعض الإحراج و هذا ما بينته حمرة وجنتيها: توقف يوري..أنت تحرجني.
نهضت من مكانها : سأذهب لترتيب المطبخ.
نهضت إيريكا تابعة لها: سأساعدك.
عندها تبسم يوري ابتسامة غامضة: لنبدأ اللعب إذا..
نطق هيجي بجملته مبتسما: يا للسخف.
تبعت هذه الجملتان ترقب هاروكي لما يقصدونه، كأن ما حدث كان لطرد الفتاتان المتجهتان نحو عمل المطبخ. ....
بدأا بتجميع الأطباق و الظروف الوسخة ثم وقفا بتواز لبدء الغسيل...
فرشاة الغسيل بيد ميواكوا و أنبوب المياه بيد إيريكا...
" يبدوا يوري مغرما بك.. "
"أعرف، معاناته لهذا الزواج كفيلة بإفهامي.... وقف أمام عائلته العريقة ليأخذ فتاة تربت بميتم... أنا أخشى أن لا أكون مستحقة لما فعله"
" و هل أحببته منذ البداية؟"
تلونت وجنتيها..
" لا أعرف... ما أعرفه أنه كان مميزا... و الآن على غفلة، دارت الأيام ليكون زوجي...و ماذا عنك؟.."
"ماذا؟... "
" من هاروكي لك؟..."
حركت يدها اليمنى نفيا: ليس كما تتوقعين... إننا تربينا مع بعض منذ الطفولة... و كونه معنا أغلب الوقت جعله جزئا من عائلتنا.
حدقت بإيريكا مبتسمة: حقا؟... يبدوا و كأنه يميزك أيضا...
أنزلت عينيها لتختفي خلف خصلاتها: كل ما هناك، أنني أشعر بالأمان بجانبه... هو سند لي في أوقات الشدة التي أواجهها.
أسعتها ضخكة خفيفة تحاول إخفاءها: آسفة..لم أقصد السخرية.. لكن...
قالت بفضول: لكن ماذا؟
أوقفت ضحكتها: هذه كانت نظرتي ليوري...سند.
و صرخة مرح وصلت لمسمعهما: ربحت..
أدارت إيريكا جسدها نحو الباب: ما بهم؟!
فهمت ميواكوا ما يجري فورا فبلت يديها خارجة: بدأوا بالفوضى مرة أخرى... كل مرة يجتمعون لدي هذه المعاناة...
"معاناة!"
غمزت لها غمزة قبل خروجها لهم: بليستيشن... هوايتهم المفضلة... الرجال دوما أطفال يحتاجون رعاية...
صباح يوم حار آخر...
حين التقت كفي هاروكي و نيك مبسوطة في الهواء: صباح الخير.
أجابه : صباح الخير...
انتبه نيك لتلك الفتاة المجاورة لهاروكي: صديقتك؟
نظر لها موضحا: أجل، منذ الطفولة ... والدينا كالأخوة.
" لابد أنك نيك"
صوتها الذي ورد على مسامعه ليجيب: نعم... هل أخبرك هاروكي عني؟
أهم.. أنا إيريكا.""
يد التفت فوق رقبتها بصوت طفولي لطيف: مرحبا إيريكا..
أغمضت عينيها قبل أن تدير جسدها بسرعة و مرح: أهلا ليندا...
نظرت ليندا للشابين مسلمة: مرحبا نيك، مرحبا هاروكي... يبدوا أنكما تعرفتما على بعضكما.
نيك و هو يشير لهاروكي: بالأمس تحادثنا قليلا.
ابتسم هاروكي : الأمس كان أول يوم لي في المدرسة.
نيك: حقا!
جرت ليندا يدها مبتعدة عن الشبان هناك: سآخذ صديقتي.
تبعهما هاروكي بنظراته التي أخفت بين طياتها بعض الضيق.... ضيق لعدم نظر ليندا له، و تصرفها الذي يبدوا فرارا منه أكثر من أي شيء...
دخلا الفصل و اتجها نحو مقعد ليندا لتجلس و تأخذ نفسا براحة و كأنها كتمت أنفاسها في صدرها لتختنق فترة...
نظرة إيريكا التي غيبت بعض الأمور انتبهت لها: هل من خطب ؟
حركت رأسها نفيا بعدما ارتسمت الإبتسامة: لا شيئ.. لا تكترثي.
بسطت كفها فوق كتفها مع ابتسامة لطيفة: تستطيعين الحديث مع لو شئت.
اكتفت بنظرة الإمتنان بصمت.......
كانت تتجه نحو مقعدها حين سمعت ذلك الإرتطام لتوجه جسدها نحوه بصدمة......
نظرت ليندا بملل : كاورو ...
نهضت متجهة نحو ليندا جالسة بمقعدها المجاور لها: جيد، قبل أن يدخل المعلم.
نظرات إيريكا كانت ثابتة عليها.... على العينان الحمراوان و الهالات السوداء حولها....واضح أنها لم تنم البارحة....
((يبدوا أنها شعرت بتأنيب الضمير بسماع ريو...))
أما كاورو فقد شعرت بنظرات تراقبها و علمت مصدر هذا الشعور ، لكنها لم تأبه...و حتى لو أرادت التحدث معها لما كان ممكنا... فذي الطلاب اجمعت و الجرس قد دق لدخول المعلم.......
فتحت صناديق الغدا لترسم إيريكا الإعجاب في ردة فعلها: رائع...
مدت ليندا صندوقها: خذي ما يعجبك.
سألت بحماس: هل أنت من طبخت هذا؟
بدأت تأكل: بالنسبة لي، لا أمي من طبخته.... لكن بالنسبة لكاورو...
نظرت لصندوق كاورو الذي بدا و كأنه يشع أمامها: وااااو..
كانت كاورو تأكل بهدوء ملاحظة ولع إيريكا لكنها استمرت بتجاهلها لتلاحظها و تقول: هل أنت غاضبة مني؟
برود كلماتها تكفلت ببيان الجواب: و ماذا تضنين؟
حاولت تبرير موقفها: لكني وضحت له أنه مخطأ.
أشاحت بعينيها غير مكترثة لما سمعت: بعدما لاحظت نظراتي الغاضبة..... أنسيتي أنك كنت تودين إبعاده فقط؟...حتى أنك لم تدافعي عني قبل أن تري نفسك مضطرة ، لقد بانت حقيقتك بالنسبة لي.... لا أتشرف بصداقتك.
نقاش تنظر له ليندا و أسئلة عديدة تتداولها بترتب و مع سماع كل جملة : لحظة...لحظة، ما الذي يجري هنا؟.... لم كل هذا الغضب كاورو.
أشارت بسبابتها لإيريكا : بالبارحة أمسكني صديق لهذه الفتاة متهما إياي بالسرقة، و هي فقط حاولت إبعاده دون أن تنفي تهمته عني...
كانت تحاول أن تكتم مدى انزعاجها فكل مافعلته ترك أفكارها تنساب في ذهنها...
(( ماذا دهى هذه الفتاة...و كأنها صدقت براءتها بنفسها..؟!..... بودي لو أعاركها الآن...و الأدهى و أمر شعوره بالذنب تجاهها...أف......))
أما ليندا حاولت أن تفهم مايدور حولها علها تصلح أول مشكلة حلت في صداقتهم.....
كان يمشي و يركل ما تصل إليه قدماه.....
حركة أفهمت مجاريه في السير بأنه مشتت الذهن: هل تفكر بتلك الفتاة؟
توقف متنهدا: أظن أني قسوت عليها البارحة...هي حاولت إعادة نقودي لكني...
لم يتم كلماته بل أفهم صديقه بأن بالباقي سبب تأنيب ضميره له...
هيجي و هو يكتب بعض السطور في مفكرته الصغيرة: حسنا، على هذا المنوال... لا بحث اليوم.
وضع يديه في جيبي بنطاله: و كأننا نحصل على شيء بهذا التحقيق البدائي.
أغلق هيجي مفكرته: لا فائدة منك بهذه الأعصاب التالفة... مادمت لا تستطيع تحمل ما تقول... لا تخرجه من لسانك... لا تناسب أن تكون بطلا.
نظر لصديقه نظرة سخرية مما به: و من السخيف أن تلك الفتاة صادقتها إيريكا صباح الأمس.
رفع هيجي سواد بؤبؤتيه: حسنا، ريو.. ما رأيك لو...؟!
أما نيك و من بدأ بمعاشرته فقد جلسا بالمكان الذي جمعهما بالأمس....
و بدأ هاروكي محادثة اليوم: تعرف ليندا؟
" معرفة سطحية، أصبحوا جيراننا في الآونة الأخيرة..."
" أها... "
أخرج نيك قلمه و بدأ بالتحديق ...
توجه هاروكي له ببعض من الغيظ: هل من اللطيف ترك محادثتي لتكتب بدفترك؟!
أغمض عينيه بلطف: هذا الدفتر يحوي كل ما لا أستطيع قوله.
استند على الحائط خلفه: يبدوا أنني سآخذ دفترا لنفسي بهذا الوضع الذي أنا به.
" و ما الوضع الذي تقصده؟...."
سؤال جعل شعره يقشعر لحظة لتوتر: ألم تقل أننا نكتب ما لا نستطيع قوله ؟!
رفع كفه ليفرك شعره: آسف ، جرني الفضول للسؤال.
رفع بصره نحو الشجرة التي أمامه: لا بأس.. أستطيع القول لك أنني كشجرة دون جذور.
أغلق دفتره واضعا إياه بجانبه: دون جذور... و هل هناك شجرة كهذه؟... تبدوا كشجرة سحرية .
ضربة أخرى شعر بها بهذا التقريب : هذا ما أشعر به لا غير.
وضع يده فوق كتف مجاوره لينهض: قد لا ترى الجذور، لكن الأشجار ذات أغصان متفرعة كثيرة ظاهرة.
" تفكر في المستقبل البعيد يارجل... مذا عنك، ألا تستطيع تقريب ما تكتب..."
ابتسامة و بريق حزن صامت جراه لقول كلماته المبهمة: أنا شجرة خريفية... تتساقط أوراقها فقط .
" لم أفهم.. لا يهم، أوراق الأشجار تعاود النمو..."
تمت حصة الفيزياء التي تميزها ليندا بعكس من حولها ...
فقد كانت تلك الساعة أطول مافي اليوم من دقائق...
خرجت الفتيات مع هاروكي في الجانب متحدثا لصديقته: هيا إيريكا.
أومأت بالإيجاب و رفعت يدها نحو صديقتيها: أراكما غدا.
خطوات أعلنت إبتعادهما....
أظهر كل منهما التعابير التي كانا يخفيانها طيلة الصباح...
هاروكي مظهر عدم تقبله لوضع ليندا معه: مابها تلك الفتاة؟...أنا أسيطر على نفسي بقوة لألا أخرج المكبوت في صدري تجاهها و هي تتجاهل حتى النظر ناحيتي.
إيريكا بغضب مما واجهته: حقا، تعاتبني على خطأ اقترفته أيضا... أوف، يا لهذا الوضع المتعب.
وضع يده فوق جبينه بضيق واضح: هذه الإبهامات و المجهولات تشعرني بالنرفزة....
"أنت محق..."
بوابة المدرسة التي كانت تختلي من الطلاب كهاروكي و ايريكا اللذان ابتعدا منذ لحظات ،استقبلت مجيئ طالبيها القديمين....
توقف هيجي على بعد أمتار : اذهب و حادثها، أنا أنتظرك هنا.
تعجب تصرفه: هي، ألن تأتي معي؟!
نظرته الجافة دلت على اعتراضه فتقد ريو مبتعدا عن صديقه: حسنا..حسنا، فهمت.
اقترب من البوابة ينظر للعابرين أمامه، ليقف شاب سائلا: أوه، هذا أنت ريو....هل تنتظر أحدا؟
أجابه بعد مصافحة: مرحبا نيك، أجل... لا أعرف ...أنتظرها منذ مدة لكني لم أرها.
علته ابتسامة تود الإستهزاء: هيييي... من هي؟
لم يعي: من؟
لف ذراعه فوق رقبته: العزيزة التي تنتظرها.
أجابه بعين مغتاظة: عزيزة من...قال عزيزة!... أتيت للتحدث مع فتاة أثارت أعصابي ، قد تكون رأيتها...فتاة ذات أشقر طويل و عينين جريئتين...
بدا يفكر قبل أن يقول: قد تقصد صديقة ليندا...كاوروا ، أجل..كاوروا ميشيل...لقد رأيتهم يخرجون منذ فترة .
أدار عينيه بامتعاض: ماينقصني أن تكون صديقة ليندا أيضا، يا للحظ.
وجه حديثه لمنحنى آخر: هل حالتك الصحية أفضل نيك؟
"أجل، شكرا على السؤال...أفضل حالا"
نطق بجمل بسيطة اعتاد نيك سماعها منه: المهم أن لا ترهق نفسك.
ابتسم نيك بصمت و أشار بيده مودعا قبل أن يرحل، ليعود ريو لصديقه الواقف جانبا: دعنا نذهب هيجي، لقد ذهبت.
استفسر هيجي منه: ألم يكن ذلك نيك؟
"أهم..هو"
"انتقل إذا...كيف حاله؟"
يدعي كونه بخير... لا أعرف" "
حياته المتعبة تزعجني..." "
طبيعي... أن يفقد عائلته، و ينتظر خلاص نفسه في كل يوم.. " "
لا نستطيع فعل شيئ له..." "
ابتسم ناظرا له: بل نستطيع.
بادله النظر ليسمع تتمة مايرمي له: أن نكون أصدقاءه، و نحقق حلمه بإيجاد من تسبب بهذا الظلم له.
فمها المفتوح بوسع جعلها مضحكة، ما الذي أتى بها لهذا المكان؟!.... أهي مزحة القدر أم ابتسامة متاهة ؟!..... ألم يكن هناك مكان آخر للبحث عن عمل....
تخيلت نفسها تمسك بياقة تلك الفتاة محركة جسدها بكل ماتملك لتخرج عتابها...
تقدمت و مدت ملصق الإعلان لمن توسط دائرة الجلسة: لقد رأيت إعلانكم منذ فترة، أرغب بوظيفة هنا.
أطلقت صرخة تعجب: ماذاااااا؟!
ضحك ريو الجالس بصوت جهوري قبل أن يقول: تفضلي، منذ الصباح و أنا أتعب نفسي للعثور عليك..و النهاية أن تأتي بنفسك لحيث أردت جلبك.
نظر هاروكي لهما: و كأن الدنيا دارت لتوصلهما لبعضهما...بدأت أعتقد أن لا فائدة من تفريقهما .
نظرت له بغضب: سترى أنني سأنجح بتغيير كل شيء.
أما الحديث الدارج بينهم أثيرت جلبته بقول هيجي: بقيت واحدة.
رفعت رأسها نحوه: هل تنقصكم فتاة؟
أجابها يوري: و تعرفين من قد تساعدنا؟
أطلقت لسانها: صديقتي، هي تحاول الخروج من عملها لعمل آخر.
أشار لها يوري: ماذا عن مهاراتك أنت يافتاة؟... ماهرة بالطبخ، بالإستقبال، بالإستضافة...؟
أخذتها نوبة حماس: الطبخ مئة بالمئة، الإستقبال و الضيافة و التنضيف...
ابتسم يوري لها ابتسامة رضا و نصر: هل تستطيعين المجيء و مساعدة زوجتي في المنزل، فهي حامل و الحركة صعبة عليها.
ضيقت عينيها و هي تشد قبضتيها: هل أتيت لعرض عمل خادمة أم عاملة مطعم؟
رفع كفيه مبسوطتين: أمزح معك، روح الدعابة....روح الدعابة قليلا.
نهضت إيريكا مقتربة منها: إهدئي كاوروا، هو طفولي بطبعه...
يوري: ماتقولينه طفولية، هو طعم الحياة.
تنهدت عند رؤيتها: لا أعرف كيف سأجتمع معكم في عمل و وضيفة... بين متهم للسرقة ، و صديقة مثلك و هذا الغريب الأطوار...
وجه هيجي نظرته الجدية لها: و عن صديقتك تلك...
كان الجميع على علم بمن تكون تلك الصديقة ، لكن فضلوا الصمت... خاصة صديقه الذي لا يعلم سببا لهذا الفراق بعد تلك المودة... لقائهما سيكون جيدا لهذا الطابع الجاف لديه بعد فراقها.....
مساعدة بصمت....و ترقب....
نهض ريو مارا منها: و ذريعة السرقة تلك، ارتفعت...
أجابته فورا دون أن ينتبه أحد لما يدور بينهما: أعلم، الشكر لإهانتك التي لا أتخيل الحصول عليها مرة أخرى.
فهمها و فهمته و هذا المبتغى...أن تكون السرقة ملغاة في سجل أفعالها اليومية....
جلسا يعيدان النظر للأوراق و نتائجها الظاهرة.....
" هيجي، هل تظهر أعراض الإدمان على الفور ، أم أنها تأخذ فترة؟"
رفع ورقة مما توزع على الأرض: أنظر هنا، مكتوب ماتريده.... أعراضه تظهر تدريجيا ، و كلما ازداد الإستخدام ازدادت الأعراض حدة و أصبح تركه أصعب.... و استخدام جرعات زائدة قد يؤدي للوفاة.. خاصة إن كانت المخدرات من الأصناف القوية.... ألم تحفظ هذه المعلومات بعد؟... يجب أن تكون معلومات بديهية كاسمك.
أخذ الورقة منه: أعرف، لكني أنساها..ليس بيدي.
" أراك هدأت بعدما تعينت وضيفتها.."
توسعت عيناه عند سماعه ذلك: أه..ارتحت فعلا.
اعتدل بجلسة القرفصاء و هو يستفسر من صديقه: قل لي هيجي..
"ماذا؟"
" لم لم تقترب من بوابة المدرسة؟"
" لم يكن هناك داع لذلك"
"حتى أنك لم تقترب لتسلم على نيك"
" قلت لم يكن هناك داع..."
فاجأته مقاطعة ريو حيث قال: أليس لأنك لا تريد مواجهة ليندا؟
" و ماشأن تلك الفتاة بوسط حديثك؟"
ضاقت عيناه ليكون جديا أكثر: تلك الفتاة!.... أصبحت ليندا لديك _تلك الفتا_!.... ما الذي جرى هيجي؟... ما الذي غير مجريات حياتكم؟
نهض ذاهبا للغرفة: لا تتدخل ريو، و اتركك هذا الموضوع عنك... انتهى كل شيء و لا يهم كيف.
(( لا يهم، سوف تراها قريبا على كل حال))
احتضنت صديقتها بحرارة: مبروك عزيزتي، أتمنى أن يكون بابا للخلاص من المشاكل.
عرضت ابتسامة شفتيها: و لقد تكلمت معهم عنك.
جمدت و أشارت لنفسها: أنا!!
دخلت كاوروا في المحادثة: نعم، فهي قالت ليوري عنك و عن رغبتك بتغيير عملك.
قالت باحتجاج مصطنع خلفه فرح و فخر بصديقتها التي لم تنسها في أجمل لحظاتها: كاوروا...
أحكمت يدها بيدي ليندا: سوف نجتمع نحن الثلاثة في عمل، أليس جميلا؟
غمزت ليندا لإيريكا بمرح: فرصة سعيدة صديقتي.
بادلتها الإبتسامة: حقا، عجيب أن نجتمع في عمل...
ضربت كاوروا جبينها بضفر سبابتها: لا تفكري بدقة في كل شيئ، الأيام جميلة كما هي..
بدت تحرك إصبعيها مكان الضربة محدثة نفسها...
(( جميلة مؤقتا.. ))
رفعت صوتها: يجب أن تكونا هناك في الساعة الثالثة...و دون تأخير لأول يوم.
اشتركت الإثنتان في الإجابة: لن نتأخر.
أما هاروكي فقد أمضى وقته بعيدا عن صاحب الطبع الغريب، ليس لأنه ممل و مزعج نوعا ما...
بل لغيابه هذا اليوم...
كان هاروكي يمشي في الساحة مفكرا بجواب ذلك الشاب الذي سأله عن نيك في فصله...
" نيك، غائب اليوم... هو دائم الغياب لمرضه، لا تهتم... احفظها كمعلومة بديهية..."
لم يستطع تجاهل تلك الكلمات التي لاتبشر بخير، خاصة حين يعيد وصفه لنفسه كشجرة تتساقط أوراقها....
اوقف قدميه ناظرا لتلك الغيوم المطلة عليه من وسط زرقة السماء التي تعلوه: أي شيئ يعزلك عن حياتك نيك؟
أخذت حماما مع ترنيمات لسانها ، و خرجت لتجهز نفسها مرتدية قميصها البني مع البنطال السكري....
رفعت شعرها كذيل حصان بعد مرور مدة طويلة من فعل ذلك، و خرجت نحو الشقة المجاورة طارقة الباب...
لم تتعطل سوى لثوان فهو فتح الباب و جعلها تدخل ، ريثما يجهز نفسه: تبدين في أحسن حالاتك.
انحنت بمرح قبل أن تجلس فوق الأريكة الخضراء: أهم..أشعر و كأني في حلم، سوف يبدأ عملي رسميا.
ربت فوق رأسها: لا تفرحي كثيرا، فقد يتسمم أحدهم و نطرد.
قطبت حاجباها: هاروكي.
ذهب للغرفة ليبدل ملابسه: أمزح معك، لكن لا تنسي أن هذا العمل سيجمع بين والديك.
صمتت بعد ذهابه و تركت لعقلها النقاش في خطط الفصل بين هذين الإثنين....
خرج لها مرتديا قميصا أبيض و بنطال أسود و كل منهما مطعج بشدة مما جعلها تنهض لترتب قميصه قليلا: هل ستجلب الزبائن حقا؟... ما هذا الوضع؟...كن أكثر تنظيما رجاء.
أخذته بسمة خفيفة و هو ينظر لها ترتب ياقته، و كأنه يمني نفسه بتكرار هذه اللحظات في أيام أخرى...
(( أستطيع تخيل نفسي واقفا أمامك بعد عشرة أعوام.... ترتبين ياقة قميص عملي...أظنني واسع الخيال....ههههه...))
خرجا للقيا جيرانهم و شركاء مسيرهم...
انتبه ريو لمرحها فبدأ بالمشي بجانبها: تبدين سعيدة.
تمايلت في مشيتها مع قفزات قصيرة: أستقبل يومي الجيد.
تقدم هيجي بلا مبالاة: سيكون جيدا إن لم تحشري نفسك في الطبخ.
توقفت واضعة يدها على الحائط في الجانب الأيسر و هي تنظر لضحكاتهم الساخرة عليها: الأب و الإبن طينة واحدة...تبا لكما.
لحقتهم قبل الإبتعاد مشاركة حديثهم المتبادل لحين الوصول..
كان الوارد الأول ريو الذي صمت بعد دخوله بشكل مريب....
لحقه صديقه متحدثا: هل هي ميواكو ثانية؟... كطفلة في الخامسة ، يجب أن تعي وضعيتها الآن.
توسعت عيناه و شحب لونه .....
لم يستطع النطق بأي شيئ و هو ينظر لامتثالها واقفة أمامه...
حلم..حقيقة...خيال...وهم...واقع.... أهي واقفة أمامه ، أ هي من توجه بؤبؤتيها الزرقاوان نحوه... أهي من تيبست أطرافها صدمة ؟......
حاول كبت الفوضى المتأججة في داخله حين جلس على إحدى الكراسي الجانبية دون ترحيب...
ظهر تعجب كاوروا بتصرفه: ما بك يا فتى؟.... بعض اللباقة لا تقتل.
بدأت ليندا تآخذ أنفاسها بوضوح لتقترب إيريكا ممسكة بها: ماذا جرى لك ليندا؟!... أ أنت بخير؟!
يتبع.....
س١- ماهو مرض نيك ، و هل هو خطير؟
س٢- كيف لنيك أن يكون على معرفة بريو و هيجي؟
س٣- ماعلاقة ليندا بهيجي حتى الآن ؟
س٤- هل سيكون لوجود هاروكي و إيريكا أثر في تغيير مجريات الزمن؟
س٥- هل ستبدأ إيريكا بفهم مايفكر به هاروكي؟
س٦- هل ستعمل ليندا معهم؟
س٧-أجمل مقطع؟
س٨-توقعاتكم؟
س٩- رأيكم بالبارت؟
س١٠- انتقادات؟ |
التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 02-18-2017 الساعة 07:04 PM |