صباحٌ غريبْ ، لمْ أشعر بمثل هذا الهدوءِ من قبلْ ولا أظنُ بأني استغرقتُ في النومِ كذلك أيضا ، هذه الميزة الوحيدة في مزرعة عميْ " ويلبرت " حيثُ يكونُ المنبّه للاستيقاظِ هو صوتُ العصافير بدلا من صخبِ العاصمة ، في الحقيقة كنتُ قد استيقظتُ بعد بزوغ الشمسِ بساعاتِّ قليلة خلالها تنعَّمت بماءِ الصنبور المنعشْ . الحرارة هنا عاليَّة لذا لمْ أرتديْ الكثير من الملابسْ وطبعا لمْ أنسى قبعة كنتُ قد جلبتها معيْ ، على الأقل ستكونُ مفيدة فيْ مجابهة شمسِّ ساطعة !
نزلتُ إلى الطابقِ السفليْ حيثُ لمْ أكن أتوقعْ بأنْ يستيقظُ أحدٌّ قبلَ العاشرةْ إلا أننيْ أصبتُ بالدهشة عند رؤيتيْ ل " إيرما " تجلسُ على الطاولة قريبا من المطبخ تستمتع بتناول طعام الإفطار ، رفعتُ أحدَّ حاجبيْ ثمَّ تقدمتْ نحوها بخطواتٍ واسعة ، رفعتْ بصرها نحويْ فابتلعتْ لقمتها سريعا وألقت تحيَّة الصباحْ بسعادة لمْ تغادرها منذ البارحة ، تبسمت فيْ وجهها قبلَ أنْ أقف قريبا منها ، لم يكن إفطارها مبتذلا بل مثاليا لمثل حالتي ، مددت ذراعي بقصد تناول قطعة الخبز المحمَّصْ من طبقها لولا أنها ضربت ظاهر كفيْ بشوكتها ، نظرتُ إليها باستغرابْ قبلَ أنْ أهتفَ بتضجر : ماذا عنيْ !أنا أشعر بالجوعِ أيضا .. تمتمتْ بتحسُّر : لم آكلْ شيئا منذ البارحة ! ..
قامت بالتقاط ملعقة مليئة بالمربى لتدهنَّ بها الخبزْ قبلَ أنْ تجيبَ على تساؤليْ بطريقة مستفزَّة : لا تكونيْ مدللة ، كلُ شخصِّ هنا مسؤول عن طعامه ، تريدين الطعام البراد والمطبخُ موجودانْ دائما ! ..
أقسم بأنها لم تكن هكذا قبل سنوات ، أذكر بأنها كانت تقاسمني لعُبها وطعامهاْ ، زفرت بعمق وحاولت التغاضي عن تصرفاتها المثيرة للغضب ، استدرت متوجهة إلى المطبخ ، لا أذكر آخر مرة أمسكت بها خلاطا أو قدرا فكيف لها أن تطلب مني إعداد الفطور ! ، فتحت البراد الذي كان خاليا نسبيا إلا من فاكهة والقليل من بقايا لطعام ، التقطت تفاحة ثم خرجت عائدة إلى حيث تجلس هي حيث هتفت سريعا وبانفعال :لقد كان حفل البارحة جميلا ، أخبريني بصدقْ ألمْ تشعريْ بالسعادة ؟! ..
لوحت بكفيْ بلا مبالاة أيَّا يكنْ لقد كانَ حفلا صاخبَّا ،صحيح بأنه كان ناجحا وقد استمتعت بوقتي كثيرا إلا أنني شعرت بأني مثقلة نوعا ما ، ظهر الانزعاجُ جليَّا على ملامحها قبلَ أن تعودَ لتأكل ، قضمتْ القليل من التفاحة فيم بقيت أتذكر يوم الأمسِ الحافلْ ، المساعدة فيْ تجهيز الحفل كانَ ممتعا حقا وكذا الأشخاص الذين قابلتهم ، لم أستطع أن أخفي استغرابي حينما تذكرت أمر ذلك الشاب الذي قابلته في النهاية ، كان يقف منزويا عن الجميع ويخفي شيئا غريبا بين ثنايا ملابسه ، الغريب في الأمر بأنني لست أتذكر تفاصيل ما حدث بالكامل ، فقط أطياف أشياء غريبة كانت تنهال على مخيلتي ، رفعت بصري صوب " إيرما " لأسألها بفضول : " إيرما " كيفَ هوَّ عمي " ويلبرت " !
صمتت لثوان قبل أن تجيب باستغراب :ماذا ! .. أعقبت : لقد رأيتِه البارحة فقط ، أنتِ مجنونة !
عدتُ أسألها بسرعة : ماذا عنيْ ، أعنيْ هل لاحظتِ شيئا غريبا فيْ تصرفاتيْ ليلة البارحة ؟! ..
نسيت أمر إفطارها لوهلة لتدير رأسها نحوي بحيرة بدت على وجهها ، يجبُ أن أعرفَ ماذا حدث حينها ! ، لماذا أشعر وكأن جزءَّا من ذاكرتيْ قد مُحيْ ، لماذا لا أستطيعُ تذكر ما حصل ليْ عند مقابلة ذلك الشابْ ! ، أشعر بالغرابة والقلق فيْ آن واحدْ ، ماذا حدثْ ! ، رفعتْ أحد حاجبيها باستغرابْ قبلَ أنْ تتحدثْ مندهشة : مالأمر معكِ " لوسيانا " ! ، أنتِ غريبة هذا الصباح .. نهضت من مكانها ثم حملتْ طبقها متوجهة إلى المطبخ خلفها ، القليل من الثواني فقط حتى سمعت إجابتها المُحيِّرَّة : لا أدريْ لقد قضيتِ معظمَ وقتكِ مع " إيرل " البارحة ، حتى أنكما قد غبتما لفترة من الوقت ! ..
" إيرل " ، هل يعرف شيئا ياترى ! ، يكاد رأسيْ ينفجرْ يا إلهيْ ،أعني إن كنت برفقته فلابد أن يكونَ قد رأى ذلكَ الشابً أيضا ! ، زفرتُ بتضجر بينما قمتْ بالضغطِ على التفاحة بين أًصابعي ، لا أحبُ هذا الوضع على الإطلاق ، أنا متوترة ، انتفضت من مكانيْ سريعا فور سماعي جلبة قريبا من الباب الرئيسي للمنزلْ ، أدرت رأسيْ للخلفْ أنظر إلى عميْ " ويلبرت " الذي بدأ يجفف جبينه بمنشفة تدلت من على كتفه ، تنبه على وجوديْ حينها ثم هتف باسما : صباح الخير عزيزتيْ .. أضاف بمزاح : أهل العاصمة يحبون النومَ كثيرا ، هل تستيقظانِ في وقتِ متأخر بالعادة ؟ ..
أمأتُ بأجل قبل أن أسأله باستغرابْ : ألم يستيقظ أبي ؟ ..
أجابَ بأجل فيمَ تحركَ سريعا نحو الطابقِ العلويْ في ذات الوقتِ الذي خرجت فيه " إيرما " من المطبخ متسائلة : هل عاد أبيْ ؟
أمأت برأسيْ بتململ بعد أن عدتُ آكل القليل من التفاحة بين أًصابعيْ ، كادتْ تلك اللقمة أن تتوقفُ في حلقيْ بعدَ أنْ جذبتنيْ " إيرما " من معصميْ إلى الخارج بسرعة بينما تهتفُ بنشاط زائد : لا وقتَ لدينا إذا ، هيا أسرعيْ ! ..
لا وقتْ لأيِّ شيءْ ! ، لستُ أدريْ ، هذه الفتاة تفاجئنيْ دوما بتصرفاتها ، لقد تغيرت عن الماضيْ كثيرا ، أكاد أجزمُ بذلك ، هل هو بسب وفاة والدتها ياترى ؟، التظاهر بالنشاطِ والسعادة هل تحاولُ الظهور بعكسِ ما تشعر به ، رغمَّ أن السيدة " فيوليت " توفيتْ منذ وقتّ ِطويلْ ، تنهدتُ بقليل من الانزعاجْ فيمَ رحت أنظر خلفَ زجاج الشاحنة ، أجبرتنيْ " إيرما " على ركوبِ شاحنة عمي " ويلبرت " ذاك الذي خرجَ بعد أنْ أخذ حماما سريعا ، صممت أذنيْ عن مزحاتِهما خاوية المعنى رغمَ أنهما يحاولانْ مشاركتيْ بالحديثْ ، من الواضح أنهما يفعلان ذلك لتمضية الوقتْ ، أخبرانيْ بأننا ذاهبانِ إلى أحد الملاجئ الآنْ لإعطائهمْ ما يحتاجونه من تبرعات ، أود الصراخَ بأننيْ لا أريد ذلكْ ، أظهرت الانزعاج على وجهي بقدر ما أستطيع حتى تعرف تلك المشاكسة فداحة تطفلها ! ..
توقفت عجلات الشاحنة أمام الملجأ ، لم يكن يبعد الكثير عن منزل عميْ " ويلبرت " إنه قريب نسبيا ، هالة غريبة من الظلام والبؤسِ تحومُ حوله عدا عن القليل من الأشجار والأعشابِ الشائكة ، وقريبا من المكان تقبعُ بركة متوسطة على أحد ضفافها سياجْ ، عقدتُ ساعديَّ بتململ فيمَ رحتُ أنظر إليهما وهما ينزلان من الشاحنة ثمَّ ينظران إلى الأغراضِ المحشورة في داخلها ، يتساءلان عن ما قد يضعانه هنا و ماقد يحتاجه أصحابُ الملاجئِ الآخرينْ !..
شعرت بشخص ما يقف خلفي وبحركته تلكْ قام بمنع النسيم من مداعبتي ، أزعجني ذلك إذ أنني ظننته أحد الأطفال المشاكسين ، أدرت عنقي للخلف لأفاجأ بشخص طويل هزيل يتوشح بالسواد حتى أن شعره مخبَّأ أسفلَ قطعة من القماشْ كالقبعة ممَ جعل رؤية ملامحه أمرا صعبا ، شعرت به ينظر نحويْ ثمَّ يمد كفه محاولا الإمساك بكتفيْ ، مالذي يفعله ! ، صرختُ بانفعال ثمَّ تراجعتْ للخلفِ سريعا ، صوتيْ جذب انتباه عميْ و " إيرما " أولئك الذَيْنِ أخذا يرمقاننيْ باستغرابْ ، بدأت ملامح " إيرما " تلينُ قليلا وحاولتْ كبت ضحكتها وبصعوبة ، أما عنْ عمي "ويلبرت " فقد أخذ ينظر إليَّ بتأنيبْ قبلَ أن يتقدمَ نحو ذلك الشخصْ ويهتف : آوه سيدة " ليونيل " صباح الخير !
استدرت سريعا أرقبُ من تُسمى ب " ليونيل " ، كيف يمكن لسيدة أن تكونَ هزيلة إلى هذه الدرجة ثمَّ لماذا تضع قماشا كالقبعة أعلى رأسها ، هل تعانيْ من شيءِّ ما ! ، أخيرا أزاحت تلك القطعة لتظهر خصلات شعرها المشيبة البيضاء ، ملامحها كانتْ شاحبة جدا و كأن الراحة غادرتها منذ وقتِ طويل ، حاولت تقوية بصرها الضعيف عن طريق ارتداءِ نظارة كرويَّة الشكلْ ، تبسمت بضعف قبلَ أن يظهر صوتها مهزوزا كحالتها : صباحُ الخير " ويلبرت " ، أنت تقومُ بالكثير لأجلنا ثانيَّة ! ..
بدأتْ تتحدثُ مع عميْ قليلا من الوقتْ فيمَ حاولتُ إبعاد الإحراجَ عني عندما جذبت نفسا عميقا أحاول بذلك تهدئة نفسي ، نظرت صوب " إيرما " التي وقفت بالقربِ منيْ إلا أنها لم تكف عن الضحكْ بل إنه بدأ يزداد ، احتدتْ ملامحيْ بلؤمْ وحاولتُ تجاهلها فتبعتُ عميْ و السيدة إلى الداخلْ رغمَ سماعيْ إلى صوتَ ضحكها الذي بدأ يتعالى قصد إغاظتيْ !
__________________ سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم Sleeping Beauty | Ghasag
التعديل الأخير تم بواسطة غسَقْ | ; 03-06-2016 الساعة 10:23 PM |