عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 03-06-2016, 10:05 PM
 

انشغلت السيدة " ليونيل " في تجفيف وجه الصغير والتربيت على ظهره برفق ، إنَّ الأطفالَ مثيرون للجلبة كثيرا ، فكرت بأن السيدة لنْ تكونَ قادرة على تحملِ إزعاجاتهم المستمرة بينما تواجه مشكلة كبيرة ، استدرتُ نحوَّ عميْ المبتلُّ بالماء فتوجهتُ إليه بخطواتِّ واسعة قدَّمتُ إليه القليل من المناديلِ التيْ كنت قد وضعتها سابقا في جيبيْ لأراه يرفعُ حاجبيه في استغرابْ بينما يرمقنيْ بابتسامة ، تقلصتْ ملامحيْ لوهلة ، لا أدريْ لم يظن الجميع بأنيْ لا أملكَ مشاعر ! ، كلُ مافي الأمر بأننيْ لا أحبُ إعطاءَ الأمور أكثر ممَ تستحقْ ، تناولها من بين أًصابعيْ برفقْ فشكرنيْ قبلَ أن يربت على كتفيْ ، التفتُ نحوَّ السيدة التيْ استطردت بتساؤل نحو ذلك الصغير المبتل : هل كنتَ تعبث ثانية " كلينت " ! ..
لمْ يكن ليقدر على الإجابة تحتَ وطأة رجفة سريعة استولت على جسده ، لن يقدر أحد على لومه ، أجابتْ فتاة شقراءَ عوضا عنه : لقد تشاجر مع " ديكان " ثانيَّة ! ..
زفرت تلك السيدة بعمقْ فظهرت عقدة حاجبيها معبرة عن استيائها الذي بدأ بالتفاقم ، استدارت نحوَّ صبيْ بدى ليْ وكأنه يبلغ الثانيَّة عشرة ، ملامحهُ الطفوليَّة توحيْ على العناد كثيرا وبرؤية ثيابه المتسخة بالطين والترابْ بدى وَ كأنه قد دخلَ في عراكْ مع أحدهمْ ، انتفضَ ذلك الصغير المدعوُ ب " ديكان " من مكانه لينظر نحوَ السيدة هاتفا بعناد : لم أكن لأفعل ذلك لو لم يتهمنيْ بسرقة النقود التيْ مُنح إيَّاها ليلة البارحة ! ..
احتدت ملامح السيدة أكثر وهتفت بتساؤل : أحقا لم تفعل ذلك ! ..
تقلصَّت ملامح وجهه بقوة وبدى غير قادر على الرد ، موقفه يبدو ضعيفا أمام نظراتِ الأطفال وعدم تصديق السيدة له ، ارتدَّ على عقبيه وركضَ مهرولا عائدًا إلى الملجأ رغمَ أنه كاد يتعثر لمرتين ، نهضت السيدة " ليونيل " من مكانها وهتفت بالأطفال بصرامة بألا يعبثوا معه و يتركوه إلى حينِ تحادثه هيَّ ، استدارت نحوَ عميْ ليظهر الأسف جليَّا على ملامحها ونبرة صوتها المعتذرة : أنا سفه " ويلبرت " ، لقد فعلت الكثير ! ..


وأخيرًا ، قرر عميْ العودة بنا إلى المنزلْ قائلا بأن عليه تبديل ملابسه ومن ثمَّ يعود هو لاستكمال توزيع بقيَّة التبرعاتْ ولكم شعرتُ بالراحة حينها ، أظن بأننيْ لن أفكر بالخروجَ من ثانيَّة ، حال دخولْيْ للمنزلْ رأيتُ والديْ جالسًا على أحد الأرائكِ بهدوءْ ، من الغريبِ أن يبقى هادئا بلا حراك فطباعه لا تتغير بسهولة ، تقدمت أكثر نحوه مستفسرة لولا أننيْ فوجئت بوجود سيدة أخرى تجلسُ مقابلة له ، ترتسم الجديَّة على ملامح وجهها وكم أعطتها خصلات شعرها المشدودة للخلفِ مظهرا مرتبا مع معطفها الذيْ يحتويْ على الكثير من الفرو ، تسمرت في مكانيْ عندما رأيتُ حدقتيها تستقرانِ عليْ ، ما بال هذه النظرات ! ، هذا سيءْ لم أحبَّها البتَّة ، أدار والديْ عنقه نحويْ ثمَّ هتفَ قائلا : عزيزتيْ ، تعاليْ وألقِ التحية على السيدة " لورينز " ! ..
امتثلتُ لأمره أخيرا بعد أن تحررت من عينيها الحادتين حيثُ شعرت بأن نظراتها تلك قد تحدثُ ثقبا في جمجمتيْ ، تقدمت نحوهما أكثر لأقف قريبا من الأريكة التيْ يجلسُ عليها أبي ، جذبت نفسا عميقا بعدها هتفت بينما أحاول ُ جاهدة إظهار بسمة على ملامحيْ : صباح الخير ، سعيدة بلقائك ! ..
لاحظتُ ملامح وجهها التيْ لا نتْ فجأة وكم شعرت بالسعادة لأنها لمْ تعد تنظر إليْ كما السابقْ ، تبسمت في وجهيْ يتملقْ قبلَ أن تدير بصرها صوب والديْ وتتحدثَ بطريقة اعتبرتها مجاملة نوعا ما ، هتفت قائلة : ربما تكونُ محظوظا لأنك تملك ابنة مثلَ " لوسيانا " سيد " هارولد " ! ..



تقلصت ملامحيْ رويدا وبقيتُ أحملق فيها بشكل مريبْ إنها بالفعلِ غريبة ، هذه السيدة أعجز عن تفسير تصرفاتها ، فملامح وجهها تظهر عكسَ ما تقوله ، بخلافِ والديْ الذي صدَّق ما قالته نوعا ما إذ أنه تبسم مجاملا وشكرها بطريقة لائقة ، طلبَ منيْ الجلوسْ لأفعل في ذات الوقتِ الذي دخل فيه عميْ " ويلبرت " بعد أن ركن الشاحنة قريبا من مدخلِ المنزل فهو سيخرج ثانيَّة على أيَّة حال ، بدت ملامحه متفاجئة حال رؤيته لتلك السيدة إذ أنه وسريعا نفض كفيه من الترابْ العالق بهما ثم تقدم نحوها بخطواتِ واسعة ، أمسك كفها برفقْ ليحنيْ ظهره قليلا مُرحبا بها بتلك الطريقة الغريبة ، حينها فقط علمت بأنها مختلفة عنا ،هي ليست كأيِّ سيدة عادية ما دام عميْ يعاملها بتلك الطريقة وهو الذي لا يفرق بين أيِّ من كان ، بعدها عاد يجلسُ على أريكة قريبة من مكان جلوسها ، استطردت بقليل من الهدوء : وصلنيْ بأن حفل البارحة كان مثاليَّا .. أردفت : كنتَ خير عون لهم بالفعل ! ..
ظهرت ملامح الامتنان جليَّة على وجه عميْ الذي هتف بطريقة تختلف كليَّا عن طريقة حديثه العاديَّة : ممتنٌ لكِ سيدة " لورينز " .. عاد يضيف باستغراب واضح : كنتُ أظن بأننيْ سأجدكِ من الحضور في الحفل البارحة ! ..

لماذا لا أزال مدهوشة بها ! ، أظنُ بأني لأول مرة أرى شخصا يتصرف كالنبلاء فعلا ، هل هم هكذا دائما ! ، متحفظون ، وتتسم تصرفاتهم بكثير من الكبرياء ، هذه السيدة تبدو أكثر من ذلك ، أتساءل كيف تعيشُ براحة إن كانت تتصرف بمثل هذه الطريقة دائما ، شعرتُ بأنها أحسَّت بنظراتي المطوَّلة نحوها لذلك فكرت بالنهوضِ سريعا ، أخبرت والديْ بأني ذاهبَة لاستنشاق الهواءْ وقال ليْ بأن أعود سريعا ، لا أدريْ لمَ ولكننيْ شعرتُ بأن ملامحه كانت تنقبض فجأة عندما ينظر نحويْ هل لذلك الأمر علاقة بذهابيْ للملجأ يا ترى ! ، لست أدريْ ! ..

على كلِّ خرجتُ من المنزلِ سريعا وفور أن فعلت ذلك حتى ملأتُ رئتايَّ بالهواء ، لقد انقطع نفسيْ لوهلة تلك السيدة مزعجة فعلا ، لمْ أعتقد بأننيْ سأضطر إلى تجربة الكثير من الأشياء المختلفة هنا ، بالفعل الحياة في المزرعة تختلفُ كثيرا عن حياة العاصمة ، حيثُ الثانيَّة مليئة بالمشاغلْ عديمة أوقات الفراغْ ، مع أننيْ لست أدريْ كيف يحتملُ عمي و " إيرما " العيشَ في مكانِ منعزلْ كهذا ، لا أتخيل نفسيْ أعيشُ هنا بلا تلفازْ ، بلا هاتف محمول بدون حتى سماع أصواتِ السيارات المزعجة ، لا أظن بأني سأحتمل مكانا بهذا الهدوءْ ! ..

دسست كفي بجيبي سترتي وفكرت بالعودة وقضاء بقية اليوم برفقة " إيرما " لولا سماعي لصوت حركة قريبة من الأشجار على يميني ، ظللت أحدق في ذلك المكان لفترة من الوقت إلا أن شيئا لم يحدث فكرت بأنني كنت أتوهم ، شجاعة غريبة استولتْ على كياني وجعلتنيْ أتقدم بخطواتِ بطيئة إلى هناك ، وقفت بمسافة متوسطة تقريبا عن جذع شجرة قريب ، اكتشفت حينها وبوقت متأخر بأن تلك الحركة كانت لشخصِّ ما ، إذ أننيْ استطعتُ رؤيةَ ظلِّه ممتدا على الأرضية لقد فضحه وانتهى الأمر ، شيءٌ غريبْ ، بلْ هاجسٌ مخيفْ جعلنيْ أعتقد بأن ذلك الشابْ قد يكون ذاته شابُ البارحة ، الشابُ الغريبْ ، لماذا لا يزال هنا ؟ يحومُ حول منزلِ عمي ! ، ليتني فقط أذكر ما حصل معي ليلة البارحة ، قبضت على أصابعيْ بقوة واستلهمتنيْ قوَّة غريبة جعلتنيْ أطيل النظر في ذلك الظل الغريبْ ، ابتلعت ريقي بصعوبة في محاولة صعبة لترتيبِ الكلماتِ في ذهنيْ ، هتفت قائلة بصعوبة : من هناك ؟ .. أعلم بذلك ثمَّة شخص هناك ..

الثوانيْ الصامتة التي مرت عليَّ بعدها جعلتنيْ أشعر بقليل من الخوف والرهبة ، لأول مرة أشعر بمثل هذا التوتر فيْ حياتيْ ، كيف استطعتُ سؤاله ! كيف تمكنت تلك الكلمات من الخروج ! ، لا أدريْ أِشعر بأننيْ أتصرف بغرابة أحيانا حينما أكونُ مضطربة ، ارتددت على عقبيَّ بسرعة في ذات الوقت الذيْ خرجَ فيه من وراء الجذع ينظر إليَّ بملامح هادئة إلا أنها بثت الرعبَ في داخليْ وجعلتنيْ غير قادرة على الحركة ، عدمُ القدرة على الحركة ! ، أشعر وكأنَّني أحسست بهذا الشعور من قبل ، الخوف والرهبة مع الانتظار ، الحفل التنكري ليلة البارحة مع ذكرى مسدس مريب ، تذكرت ! ، لقد تذكرته إنه الشاب الذي رأيته مختبئا البارحة ، هذا مخيف ليتني لم أتجرأ على القدوم إلى هنا ! ، لم أعتقد بأنه سيستجيبُ لندائيْ وَ يخرج فعلا !..

تراجعتُ خطوتين إلى الخلفْ بينما لم يفارق جسده ناظري ، خشيتُ بأن يفعل شيئا مخيفا ، لا تزال زبرجديتيه المخيفتين تجبرانني على الوقوف أمامه بدون أن أتراجع ، لماذا يمتلك هذه النظرات المرعبة المخضِعَّة ؟ ، ذلك سيء ، شعرتُ برأسي ينبض بقوة فور أن التقطت مسامعي صوتا غريبا ينادي باسمي ، اعتقدت لوهلة بأن ذلك الشاب قد نادى علي إلا أنه بدى متفاجئا بذلك الصوت مثلي فهو قد هرب سريعا ، استدرت للخلف أبحث عمن نادى باسمي ، ويا للمفاجأة ، الثري من الملجأ ! ، كيف تبعنا إلى هنا ؟ ، الأهم من ذلك كيف له أن يعرف بأمر اسمي ، ظلَّ يحدقُ بي بهدوء منتظرا إجابة مني ولكن لا أظن بأني قادرة على فعل أي شيءِّ الآن ، عدت أستدير للخلف أرمق ذلك الشاب المختبئ ولكن لا أثر لأي أحد هناكْ ، لا بد وبأنه هرب فعلا ! ، عدت أنظر صوب ذلك الثري الذي اقترب من مكان وقوفي هاتفا بملامح باسمة : صباح الخير ! ..

هل فقد عقله يا ترى ! ، أقسم بأن من أراه أماميْ الآن يختلف تماما عن ذلك الشخصٍ الذي رأيته في الملجأ ، هل هو ذلك المتعجرف عديم التهذيب حقا ! ، لست متأكدة ، جذبت الكثير من الأنفاس وباضطراب رددت التحية عليه ، مالذي يمكنني فعله ! ، لا أستطيع التصرف بشكل صحيح الآن ، عدت أنظر إليه مرة أخرى بعد أن نادى باسمي ثانية ، حينها فقط شعرت بشيء غريب ، أحسست بأن هذا الصوت ليس غريبا عني ، أجزم بأنني سمعته قبل الآن ، عقدت حاجبي لفترة من الوقت قبل أن أرفع بصري نحوه بتردد لأتساءل باستغراب واضح : أنت .. " إيرل " ؟! ..


تمَّ البارت الثاني ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس