عرض مشاركة واحدة
  #68  
قديم 03-10-2016, 02:38 PM
 



- 8 -
حقائق...ثم صدمة..!

توسعت عيناه و شحب لونه .....
لم يستطع النطق بأي شيئ و هو ينظر لامتثالها واقفة أمامه...
حلم..حقيقة...خيال...وهم...واقع.... أهي واقفة أمامه ، أ هي من توجه بؤبؤتيها الزرقاوان نحوه... أهي من تيبست أطرافها صدمة ؟......
حاول كبت الفوضى المتأججة في داخله حين جلس على إحدى الكراسي الجانبية دون ترحيب...
ظهر تعجب كاوروا بتصرفه: ما بك يا فتى؟.... بعض اللباقة لا تقتل.
بدأت ليندا تآخذ أنفاسها بوضوح لتقترب إيريكا ممسكة بها: ماذا جرى لك ليندا؟!... أ أنت بخير؟!
وضعت حقیبتها الخضراء فوق کتفها و توجهت نحو المخرج مبعدة إيريكا عنها: دعينا نخرج كاوروا.
لم تستجب بل ظلت واقفة مكانها: ليندا مابك، للتو حصلت على عمل لائق...أتفهمين مايعني خروجي الآن، و قبل أن أجرب شيئا...
استدركت ليندا أمر صديقتها : حسنا، آسفة... لكني لا أستطيع العمل هنا، اعفني... أنا مكتفية بعملي في التدريس.
تأوهت و أمسكت بيدها: ما الذي يمنعك؟
صمتت و حاولت الخروج بأقصى برود تستطيع إظهاره ليوقفها شخص آخر: ليندا... هل تستطيعين التفسير لي؟... ذاك الفتى الذي يدعي الصداقة لا يشرح شيئا و لا يجيب أي سؤال، إذا أجيبي أنت...
استقرت عيني كاوروا على الجالس مركزا ناظريه على مجلة: أنا أرغب بتفسير أيضا..أنت تعرفينهم؟!
استشعرت إيريكا المأزق الذي أحيطت به ليندا فأرتأت أن تنهي هذه الفوضى : لا بأس كاوروا لا تضغطي عليها.
تدخل بسيط لكنه أشعل شرارة غضب لدى هاروكي مما جعلها تعود لسكوتها و الإكتفاء بالنظر . ....
قطع هيجي قرائته التي كان يدعيها و نهض مقتربا من الفتاة التي كانت تزداد ارتعاشا بإقتراب خطواته: دعوها و شأنها، هي ترغب بالذهاب و لا تفضل العمل هنا.
وضعت كاوروا يدا فوق خصرها بوقفة جريئة تظهر طابعها:،و يبدوا أنك السبب للغز لا أعرفه.
ردها بنظرة حادة : مادمت لا تعرفين فهذا يعني أنها لم تشأ أن تتدخلي.
تأفف ريو ثم قال: تجاهلكما المتبادل يجرني للجنون.
نظرا له و نطقت ألسنهم بوقت واحد: لا شأن لك ريو.
بدأ هيجي بتوجيه كلماته لها بتثاقل: آسف حقا، لم أشأ أن تصادفي المشاكل.
أحكمت قبضتها على حقيبتها و هي تخرج كلماتها القليلة للإجابة: ليس مهما، لا دخل لك بما جرى.
توجهت للمخرج مكملة ما كانت تنويه و هو الخروج بينما دخل يوري بآن خروجها...
لم تخفى عليه تشنج الأوضاع : هل مر القط ليأكل ألسنتكم؟
أجابه هاروكي: سيكون جيدا لو التزمت الصمت.
أشار يوري لحيث رأى الفتاة تتجه: ألم تكن تلك الفتاة صديقتكما هيجي؟
شعر بضغط يد فوق كتفه و كأنها تنوي إسكاته: أخبرتك أن تلتزم الصمت.
توجه هيجي لغرفة جانبية مبتعدا عن هذه الأجواء: لم تشأ العمل هنا.
جلست كاوروا مكان ما استوقفتها حركاتها: أشعر و كأني أعرفها توا.



تجمع الأفراد بأمر يوري بعد دقائق بسيطة ليستمعوا حديثه المنتظر، خاصة بعد خروج ليندا المتوقع إتمامها للطاقم ....
عدستيه العسليتان تدور بينهم بسكوت يقتل إيريكا تدريجيا حتى كسرت لحظات صبرها: ألن تقول شيئا؟
رفع أكياسا من ورق مزين على الطاولة: هذا زي العمل.
فتح ريو الأكياس فضولا: حددت زي إذا... و متى العمل؟
" في اليوم الأبيض..."
عينيه كانت تشبع فضوله دون أي يبين شيئا: تقصد الثلاثاء القادم؟
تلقى الجواب: ليس هذا ، بل الذي يليه؟
كاوروا بإمتعاض: أليس بعيدا؟... أن أنتظر أكثر لدفع الراتب يضايقني.
ابتسمت إيريكا مجاملة: كوني صبورة قليلا عزيزتي.
أما يوري فقد حل المشكلة بقوله: و من أخبركم أنكم لن تعملوا؟...عملكم باد منذ اليوم، يجب أن تستكملوا تحضيرات الإفتتاح ...لدي خطط كثيرة .
بسط هاروكي يسراه فوق الطاولة: دعني أغير لك هذا الديكور التقليدي، سيكون مقدمة جيدة لجلب الزبائن.
أيدته إيريكا: صدقت، هذا المكان بحاجة لبعض التعديلات...
دندنت بشكل غير مفهوم قبل أن تقول: ... و بعض الأقمشة .
بات يفكر قليلا لهذا الإقتراح ثم قال: ارسما لي ما تخططان له، مع التلوين طبعا...ثم سأبلغكم قراري.
وجه هاروكي كلماته لشريكة رأيه: مهمتك إيريكا...أنت بارعة في الرسم.
اندفعت قائلة: أليس من الأسهل ، أن أصنع تصميما كمبيوتريا ؟
سمعت ما بين استغرابهم من يوري: تصميم كمبيوتري؟!
"،تقصد رسمة ثلاثية الأبعاد..."
جرت خصلتين من شعره الأسود: و ما علاقة الرسم الثلاثي الأبعاد هنا؟...
" ألا تستطيعين ترك الأمر لي؟!"
" أتعرف، كلانا زاد الطين بلة.."
صفق يوري للفت الإنتباه ثم أعلن: سوف يكون كل شيء منذ اليوم تمهيدا للإفتتاح، كاوروا و إيريكا اذهبا لشراء بعض الأقمشة و الزينة... و التوأمان، يجب أن تتدربا على ما أخبرتكما به من قبل... هذا كل شيء لليوم.
هيجي بتثاقل مما سمع: أنت لا تقصد خطة الإستقبال الغبية تلك.
هاروكي: ظننتك عدلت عنها بعد معارضتنا.
أجابه هيجي: لا فائدة، رأسه يابس و قراره غير قابل للتبديل.
مد يوري الزي الذي أمامه:،هذا، ابدأا التمرين.
وجه عينيه نحو،الفتاتان: و أنتما، لم لازلتما واقفين؟
أمسكت إيريكا بيد كاوروا خارجة معها من المكان: حسنا، انتظروا المفاجأة.
اقترب يوري منهما: انتظرا.
أوقف خطواته بجانبهما: خذا ، هذه بعض النقود و إن نقصت أخبراني.
مدت كاوروا يدها لتأخذ الممتد نحوها و شعورها بمراقبة ريو صاحب ذلك، و ذلك ما شدها لتوجيه نظرة اعتراض بإتجاهه...



تلألؤ بؤبؤبتيهما أبدى مدى شغفهما بما ينظران له...
كل منهما ترفع قطعة تستفسر الأخرى عن مدى جمالها، و هل هي مناسبة لتكون مبسوطة فوق طاولات مطعم.....
صرخة كاوروا المرحة شدت إيريكا للنظر لها: كاوروا.. دعي اختيار القماش علي .
(( اختيارها تقليدي كزمنها...))
رفعت قطعة قماش زهري غامق مزينة بورود و أغصانها باللون الأزرق السماوي: ما رأيك بهذا؟
أخذت القماش و بدت تقلبه بروية: جيد، لكن...
رفعت قماشا فضي ذات نفس النقوش للذي اختارت، و شريكه في اللون أيضا: هذا أفضل في نظري.
باتت تبرق عينيها الخضراوان: ياه، سيكون المكان رائعا به..
أخذت نفس راحة: أخيرا اقتنعت بشيء...أنت صعبة الإرضاء.
جرت القماش و بدت تمسحه بوجنتها لتشعر بنعومته : آسفة لكوني كذلك، لكن انظري لما وصلنا إليه ... سيكون المكان مزدهرا و مشعا..صدقيني.
"أعلم، لأني اخترته..."
جمعت شفتيها بطفولية: لا تتكبري الآن...دعينا نكمل تسوقنا.
تقدمت و هي تميل شعرها يمنة و يسرة: و ما أجمل التسوق... أشعر و كأني في الجنة حين أستطيع إختيار أي شيئ دون تفكير في سعره...
رفعت ما وقع الإختيار عليه: فرصة نادرة ...دعينا نتجه للأقمشه ذات اللون الواحد..لاننسى الكراسي.
تحولت خطواتهم يمينا نحو المطلوب و بدأا بتحويل سباباتهم للأقمشة التي يرتؤوها مناسبة اللون...
استقرت كف إيريكا فوق قماش فضي به بعض اللمعة: هذا جيد.
أيدتها و بدأت بمقارنة القماش الذي اختارانه قبل دقائق و لاحظت شدة التناسق: أشعر أننا نبلي حسنا...
اتخذت الصمت و هي تلاحظ ما اشتاقت له، تسوق مع أمها....
تضارب المشاعر و تمالك النفس لعدم احتضانها و البكاء في حجرها الدافئ لم يكن هينا على فتاة تشعر في الضياع...
و توقها لاستقرار حياتها و العودة لطبيعة زمنها و استشعار حنان أمها هي الأمور التي تزلزل قرارها... ذاك القرار الذي قد يكون محوها من الوجود، أو تغيير المستقبل و الماضي جذريا....
علا صوتها لتخرجها من شرودها: هيا إيريكا، أنهيت المحاسبة.
ابتسمت و توجهت نحوها رامية بتلك الأفكار خلفعا، فهي الآن في حال الإستمتاع بالتسوق مع صديقتها...



إستمتاع الفتاتان لم يسر مفعوله للصبيان اللذان بدأا بكره نفسهما قبل غيرهما...
زي أسود بقميص أبيض و ياقة فيونكا كحلية اللون قد أعطيا طابع النادل اللطيف لهما.... لكن كان سيكون طابعهما ألطف لو أزالا تشنج الملامح من على وجهيهما...
أظهر يوري استحسانه لهما: جميل..جميل، و الآن لنبدأ بتدريبكما...سأكون أنا الزبون.
كان ريو ينظر لهم بملل : لم لا أكون أنا الزبون يوري.
جلس على احدى الكراسي: إذا، لك المهمة... أخرج و افتح الباب داخلا، و هما سيستقبلانك.
فعل ذلك فهو قد خرج و أمسك بيد الباب لتنحني و تعلن دخوله....
شعر بنوع من الفخامة و طبقة راقية عند رؤية انحناء نادلين توأمين (في نظر من لايعرفهم )...
أسمعه الأول جملته: أهلا بك سيدي.
و الآخر يتبعه الترحيب بلغة أخرى :
Welcome master......

كان ذلك ما يشعر بالبهجة و الرضا لعين زبون ، فربت بكلتا يديه فوق كتفيها : عمل رائع صديقي.
لكن ورد اعتراض من ذاك المدير الشاب: جاف للغاية، و ممل..
تنهد هيجي: ما رأيك بالوقوف مكاننا؟
سحب الآخر نفسا تفاديا من إظهار غضبه: و هل أنت جدي بجعلنا نقف هنا طيلة الوقت؟
توجه نحوهما و هو يقول بين خطواته: و على ماذا سأهدر نقودي عليكما إذا؟
توقف و بدأ بجر خدودهما واحدا تلو الآخر: بعض البشاشة...إبتسامة... الناس تأتي لنسيان همومها لا أن تستعيد جميع ذكرياتها السيئة.
أخذ يد هاروكي ليجعلها مبسوطة بجانب خصره: انحني الآن بإستقامة، و لا تنسى الإبتسامة...
تخلخلت خصلاته بأنامله: لا أصدق أني سأفعل هذا الغباء...إلهي.
و هذا جل ما تكرر طيلة فترة الدوام...
فترة تحطيم الأعصاب....



مرت أيام صامتة...أقصد تخللها الصمت عن كل شيء...
فرغم كثرة التساؤلات إلا أن الجميع لم تكن له الشجاعة بالسؤال...
هاروكي أبقى معرفته لمرض نيك مكتوما داخله، و أخفى رغبته الملحة لمعرفة كل شيء من لسان صاحب المشكلة...
كاوروا و إيريكا تجاهلا موقف ليندا مع هيجي، و أبديا عدم الإهتمام رغم أن فكرة غرابة الموقف لم تترك أذهانهم لحظة... لأنه لن يبقى شيئ على حاله، فما دام هناك خيط فلابد من إيجاد رأسه فتنفك الألغاز و ينكشف الغموض...
و وصل اليوم الذي لا أحد يعلم عن ما خبأه من مفاجآت...
حيث انتبه هاروكي لتقدم شبيهه نحو البوابة ليحدث مجاوره مع تجاهل كامل له: مرحبا نيك... هل تستطيع إعطائي القليل من وقتك؟
أشار نيك بكفه لهاروكي بالوداع: للغد ...
بادله هاروكي تلك العلامة برفع اليد ، ثم انصرف كليهما لوجهته...
دقائق و قد جمدت قسمات وجهه: تمزح معي...
" و ما الذي يستدعي المزاح؟... لقد أخبرنا الأستاذ أنهم قبضوا على من تسبب بالحادث .. و هم قيد التحقيق؟"
" و هل توصلوا لنتيجة؟.."
" يبدوا أن لها رابطة بتجارة المخدرات..."
" مخدرات... و ما شأن والدي؟!"
" بالظاهر أن والدك اكتشف أن رئيس عمله مرتبط بعمليات تجارية للمخدرات.. و هدده بإبلاغ الشرطة، فأرادوا إسكاته.."
" هل أستطيع رؤيتهم؟.."
" لا تنسى أنهم لدى الشرطة... لا تفكر بإنتقام أو تهور كهذا..."
" و من سيجرأ و هم مقبوض عليهم..أود إفراغ غضبي فقط"
" هي... أنت لست بحال تسمح لك بالإنفعال.."
" ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني..."
"لا أعرف...كل ماهناك أن الضابط أخبرني أن تذهب لتحادثه بهذا الشأن.."
"حسنا..."
عض على شفتيه متجاهلا نظرات الواقفين ينظرون لهما بفضول، بالخاصة أن بينهم من يتحاشى لقياها: نيك، هل أنت معتاد على المتطفلين؟
انتبه نيك لهم: لا تهتم لهم.
حاول أن لا يهتم إلا أنه تصلب حين لاحظ دموع ليندا المجتمعة في محجر العينان السوداوان...
كان يعلم ماتفكر به، فهي تذكر ما حصل في عطلة الصيف المشومة و تعرف كل تفاصيل حياة جارها الجديد... ذلك الجار الذي شهدت بنفسها مقتل والديه... ياله من موقف لا يمكن تناسيه... و من المؤكد رابطة هذا اللقاء بما تعرف..ذلك مجزوم به...
لكن لايمكن أن تتحاشى الألم الذي يعتصر جنانها برؤية وقفته... هذا اللذي تحاشى نفسه لإنقاذها... و تحاشى حياته و ألمه لراحتها و استقرار يأمل أن يدوم بحياتها...
استدركت نفسها حين لاحظت بؤبؤتين مثبتتان تجاهها و قالت: حسنا، أنا ذاهبة.
أوقفتها يد كاوروا: مابك ليندا؟... لم يقترب ذاك الفتى و تكادين تبكين...ما الذي يجري معك؟!
ارتفع صوتها خارجا عن نمطه اللطيف المعتاد: لا تدخليه في هذا الأمر، و أنا لا أبكي.
أراد هاروكي استدراج بعض الكلمات التي يود سماعها من والدته: لشدة كرهك لهذا الفتى لا تستطيعين حتى التعامل معي بشكل طبيعي، ما الذي فعله معك لتكون رؤيته كالكابوس لك؟
رمقته بعين غاضبة و أجابته بلهجة صارمة: قلت لا دخل له، ألم تسمع؟
إيريكا: نحن نود المساعدة ليندا.
تقدم هيجي بعد سماعه لصوت ليندا المجادل لهم و تبعه نيك بعد خطوات: مابكم مرة أخرى... تستدرجونها لقول ما لاتريد قوله... لم تتدخلون فيما لا يعنيكم؟..حقا.
وجه حديثه نحوها : لا تستطيعين حتى تدبر أمر كهذا... أدخلي دورة لتعليمك كيفية التصرف.
راوغت بعينيها لتبعد ناظريها عنه: و من سبب هذا الموقف السخيف برأيك؟
ضيق عينيه ثم قال:،أليس تذكرك لما حصل هو السبب؟
رسمت بسمة حزن باهتة: أها، أنت تفهم .. إنه شعور صعب.
كان يتقطع من الداخل و هو يحاول أن يتجاهل حقيقة مايحصل بينهما: أستطيع تفسير الأمر لهم إن أذن نيك.
كان نيك حاضرا على كل حال فنطق : لم لا نذهب لمكان أفضل للحديث.
قالت ليندا فورا بإنفعال: نيك...
قاطعها: لا بأس لدي..هو ليس شيئا يخفى.



كانت الجدية ترتسم على ملامح نيك حين بدأ حديثه بجانب تلك البحيرة : حقيقة حزن ليندا كانت أنا، و ليس هيجي... في الأساس هي لا تستطيع رسم الحزن برؤيته...
قاطعه هيجي قبل أن يتم: تحدث عن نفسك فقط..
بدا ساخرا نوعا ما: و بهذا ستزيد تساؤلاتهم...لكن لا بأس، لن أتكلم...
عاد لجديته باديا بجواب بعض الأسئلة: في هذه العطلة الصيفية السابقة، قتل والداي بحادث سيارة.. و كان هناك شاهدين كادا يصدما بتلك السيارتين المتقابلين في الحادث...
قال هاروكي: هيجي و ليندا ،أليس كذلك؟
نيك: كيف عرفت؟
أجابه بثقة: واضح... حزنها بسبب تذكر ذلك.
نيك: أقصد كيف توصلت أن هيجي كان الشاهد الآخر؟
قال فورا: لأنها تتهرب من النظر له.
كانت إجابة جيدة لكن غير محكمة حيث قال نيك: أليس من المعقول أن تراه شريك ألمها في هذه الحالة؟
باغتته ضربة قبضة هيجي: أنت حقا أحمق...
بدى جديا و هو يكمل: اليوم أخبرنا السيد سايكوا أنهم عثروا على سائق السيارة المتسببة بالحادث.
انفعلت ليندا و بدأت بمحادثته بإنفعال: حقا، و كيف؟
كان صعبا أن يبعد ناضريه بين هذا الجمع المترقب لأي خطأ ، لذا تحامل على نفسه شعوره بدقات قلبه التي يكاد يقبع من مكانه: لا داعي لهجومك الإندفاعي، كانوا يتمون صفقة مخدرات على الحدود البحرية.
كاوروا: صفقة ماذا...؟!
أما ليندا فقد ضمت نفسها خجلة بصمت بعد ذاك الإندفاع اللاشعوي...
نيك: و مجيئ هيجي و حزن ليندا مرتبطان بهذا الأمر.
تكتفت إيريكا بذراعيها: هكذا إذا، لكن هناك مسألة...ما رابطة هيجي و ليندا التي جعلتهما يكونان معا وقت الحادث؟
تأفف هيجي بضجر: أتركانا و شأننا، تطفلكم بدأ يغيضني.
وقفت ليندا متقدمة للبحيرة و تاركة لهم خلفها ليعرفون مدى تأثرها بهذا الحديث و المحاورة...
تبعها هيجي بحركات لم تخرج عن إطار بروده الظاهر: تبا لكم.
كانت متوارية عن أنظارهم و كأنهم فوق تلة لا يبان أسفلها و ذلك تحقق للزاوية التي اتخذوها مجلسا لهم...لكنها ظهرت لهيجي الذي نزل منحنيا يسارها واضعا يده في البحيرة مثلما فعلت: لم أكن أظنك بهذا الضعف.
غبنتها سيطرت عليها و باتت واضحة بعد كل الوقت التي حاولت إخفاؤها: صحيح..لأول مرة أشعر بأن قواي منهدة... لأول مرة أشعر بهذا الإختناق... أود العودة لحياتي، لتبادل الحديث و الإبتسامات معك و مع ريو و يوري و ليندا، مع من شاركتهم حياتي منذ الطفولة...
قطعت كلماتها المحترة سيل دموع فاجأه..أقصد أنه بين مدى حزنها ، فالدموع طبيعية في حالتها...
يده ارتفعت بعدما كانت في حرب مع عقله، لكن القلب و ما يبغيه أقوى من همزات العقل، فأوصل كفه لتربت فوق رأسها: آسف، ليس بيدي إعادة تلك الأوقات ليندا..
شعرت بنبضها لحظة لسماع إسمها بين شفتيه مرة أخرى و كل لسانها عن النطق فبقيت تستمع لتتمة كلامه الذي يستهدف إزاحة الهم عنها:... لو لم أتحدث مع والدك لكنا نمضي وقتا ممتعا حتى الآن، لقد حطمت سعادتنا بنفسي... أنا أيضا أتوق لضحكاتك بجانبي ، و مرحك.. و لذهابنا للميتم للتبرع ... في هذه الفترة شعرت بأن أنفاسي تتمنى أن تنقطع...
أمسكت كم قميصه بكلتا يديها التي استشعر منها القلق جديا: لا تقلها... لا تنطق بهذا الحديث المشؤوم أمامي.
ضرب جبينها بسبابته ساخرا: قلت أمنية، مازلت أتنفس ...
تغيرت لكنته ليقول: تمنعيني من الحديث و تريني ما يفطر قلبي... مازلت هيجي الذي تعرفين؟
احمر وجهها بالكامل عند سماعهها مقولته و أخفت وجهها خلف خصلاتها الرمادية بخجل: هيجي...لازلت لئيما.
ضحك،ضحكة خفيفة كادت أن تنسى: هذه هي أنت، الفتاة التي سلبت فكري.
خالط خجلها الشديد حزن و أسى لم تستطع البوح به مع كلماتها المحبوسة...
لم يخفى عليه ما سببه لها من حالة كئيبة: لم أقصد إحزانك.
رفعت يدها مقبوضة بجانب صدرها: لم تأسف؟..لقد حطمت نفسك قبل كل شيئ.
نهض واقفا بإستقامة تزيده رزانة: يجب أن تعرفي أن والدك على حق، نظرته المنطقية للأمور هي ما ستسعدك مستقبلا .
باتت تتأمل الماء الصافي أمامها: رغم أنه لا يسعدني لكنه لم يغضبني، على عكسك أنت... تجاهلتني فورا دون كلمة تفسير أو حتى كلمة وداع... لم تفهم أنني كنت أنتظر إعلانا للنهاية التي وضعتها.
جاراها في النظر أماما في ظل تلك المحاورة: كنت أطمح لبداية و أنت تعرفين.
أجابته بصمت غامض ...
فسألها ما اقشعر له شعرها: أنصفيني... هل كنت تتصورين أني سأتخلى عنك و أسلمك لأخطر شخص رأيته بحياتي؟
نهضت من فورها و كأنها مصعوقة بسلك كهربائي: هيجي، أرجوك توقف...أنا لم أكن أستطيع حتى تصور شيئ لدهشتي فيما تفكران به.
ابتسم و هو يرى نوبة خجلها : و هل كنت الأهم أم هو؟
باتت تتقلب ألوانها و هي تحاول إخراج نفسها من هذه اللحظات المحرجة: أنا...لم..أفكر بأي شيئ.
تحرك عائدا لأدراجه: دعينا نعود، فأنا لن أستطيع البعد عنك لو بقيت لحظات أخرى...حينها سأشعل الحرب.
شعرت بذوبانها خجلا من كلماته التي أغاضتها أيضا..
(( كم أصبح صريحا...ألا يعي أني أخجل..))
أدار وجهه قليلا لتظهر نصف ملامحه لها قائلا جملة تبدوا إجابة لما خطر لها: استمتعت برؤية وجهك المحمر.



كادت تقتل كاوروا بيد فضولها الذي ينهش ذهنها بكل لحظة: ما الشي الذي يجمعهما ياترى؟
نيك: أمر يودان إخفاءه.
كلمات تغيظ فعلا جعلتها تصرخ بوجهه: و أنت تعرف؟!
همست إيريكا لهاروكي بإبتسامة تهدف السخرية: يبدوا أن قصة والديك رومانسية.
أجابها بجدية ناظرا لنيك: بل حزينة.
لم تفهم إيريكا مغزى هذه الكلمات ، و كل ما لاحظته تلألؤ عينيه التي بدت مائلة للزرقة رغم سوادها و هي محدقة بنيك...
انتصب نيك و نظر لمن شده تحديقه: ماذا هناك؟
لم يستطع هاروكي إخفاء جدية ملامحه لكنه قال بشكل يوقف السؤال : لا شيئ.
استغربت إيريكا هذا التصرف المريب، لكنها لم تشأ إخراج كلمات تندم عليها ...فهذا الوجه و هذي اللهجة لا يبشران بخير....
ظهر الإثنان و كل منهما يبدي ملامح غامضة لا تقرأ ، و بينهما صمت لا يفهم...
هاقد استطاعا بعد فترة من المعاناة أن يخرجا المكبوت في قلبيهما لتسقر النفوس و تبدأ بصفحة بيضاء تستحمل الجديد في الحياة...فذا قلبيهما قد فرغ ليتسع صبره للتحمل مرة أخرى...

توجهت كاوروا نحو صديقتها: ليندا..
ابتسمت نحوها بمرح و بلاهة كعادتها: مابال ردة الفعل هذه؟... لم أذهب للمريخ .
قطبت حاجبيها و وجهت كلماتها المتسمة بحدة الأسلوب: بل ذهبت مجالسة هذا الشاب، ليندا لا تقولي لي أن ليس هناك شيئ بينكما .
ضربت سبابته عرض جبينها: للتصحيح، أنا من تبعتها و ليس هي، و لا تتدخلي.
حاولت أن تهدأ إلا أن ملامح الحزن بادلت الغضب بعد مقاومة بداخلها: أنا أتحدث مع صديقتي...
نظرت لصديقتها بثبات بؤبؤتيها :... تلك التي تدعي أننا لبعض في أوقات الشدة و الفرح، لو لم تظهر أنت أيها المعتوه... لما عرفت أن قيمة صداقتي معها هي أن تخبئك في الماضي دون أن تبوح لي بمكنوناتها.... أنتما لا تعرفان أن هذا جرحني حقا... وددت ككل الصديقات التي أراهن أن أواسيك على لحظاتك العصيبة و أشجعك على نسيانها، أو أن أحل مشكلتك كما تفعلين معي...
احتضنتها ليندا بعد أن ترقرقت الدموع في عينيها: كاوروا...
كلمة خرجت بلحن إمتنان لهذه الأحاسيس الصادقة...
لكن هيجي أومأ لها و رمقها نظرة اللامبالاة : و هل الصداقة بإشباع الفضول؟!

رأيه سديد، فالصداقة ليست بنبش الماضي كما قال لكن هناك نقطة....

بلع ريقه بعد أن تصور ريو أمامه، ذاك اللذي لايعلم شيئا و حرم صديقته و شريكة لحظات عمره دون سبب واضح... و ذلك للحظات مجهولة من ماضيه هو ...
فهل من الظلم أن لا يعلم....تلك هي الفكرة التي أوردتها كاوروا في عقله...
ابتعدت ليندا بعد دقائق جارة يد صديقتها متوجهتين نحو إيريكا الجالسة: تعالي معي.
تبعهما هيجي ليجلس متوسطا هاروكي و نيك : يا للفضاوة... ليس لديهن سوى الحديث.
نيك بسخرية: أهلا هيجي، هل واسيتها جيدا؟
تجاهل كلماته المستفزة إلا أن هاروكي تبعه بإستفزاز هو الآخر: يبدوا أنه محرج يا صاح، لو كنت أعلم أنك وصلت للدرجات العلا مع هذه الفتاة لمهدت لك الوضع للإلتقاء بها بسرعة....

رفع يده و هو يظهر غيضة ليمسك بآذانهما بقوة و هما يتألمان: أصمتا و إلا سأقطع آذانكما.

أرخى نيك عينيه و وضع كفه فوق مكان الألم قائلا ما جره للجدية: هل تقبلت الأمر؟
تركهما قائلا جوابا بإختصار: هي لا تفكر سوى بما خسرته من ماض و أصدقاء.
استلقى هاروكي متدخلا: و لا ننسى أنك أنت سبب معاناتها و خسارة استقرارها.
رمقه هيجي بنظرة حقد: و ما أدراك أنت؟
لم يظهر عليه أي اهتمام بردة فعل والده : واضح من ردة فعلها معي...هي لا تستطيع حتى النظر نحوي.
نيك: أها.
هيجي: أتظنني أبله، قل لي من أين أتيت بهذا الإستنتاج؟
تغيرت ملامحه لذاك الناضج الذي يظهر عندما يستلزم الأمر: للصدق... أنا لا أعرف الكثير، إلا أن لحاقك بها الآن يبين تأنيب ضميرك و كذا أهميتها لك..هل أنا مخطئ؟
" لا..."
أما الفتيات ففاجأتهما ليندا بقولها: سأخبركما بكل شيء لاحقا.
غمزت إيريكا و أحاطت ليندا بذراعيها: و متى هذه اللاحقا؟
جارت كاوروا ابنتها و هي تبعثر خصلات ليندا المندرجة على مقدمة وجهها : غدا على الحد الأكثر.
أبعدتها بضجر اصطنعته: صدق هيجي بقوله أنكم فضوليون...و للعلم غدا عطلة.
ربتت إيريكا فوق ظهر ليندا: أنا متحمسة لسماع ما يجري بينكما.
تنفست الصعداء ثم نظرت لساعة يدها: يجب علي العودة الآن، تأخرت بما فيه الكفاية.
تمددت يدي كاوروا اللتان تطلبان الراحة بعد تصلب خفيف: و أنا أيضا.
ودعتهما إيريكا و التفتت لهاروكي و جليسيه: دعهم يمضون وقتهم، لا بأس بالإنتظار قليلا بعد.



عاد وقت العمل و التنظيمات التي بدأت تظهر آثارها....
فقد اشتغلت الفتاتان مع ميواكوا بجلسة خياطة للأقمشة التي اختارانها، و الفتيان توزعوا بمن انتصب على كرسي يعلق الزينة الزرقاء السماوية لدى الباب و من اتخذا وظيفة التنظيف بخرقتيهما و من جلس غير مبال يشاهد التلفاز...
ميواكوا تضع إبرتها تحت القماش بين يديها: سيظهر المكان بهذه الحلة رائعا.
أومأت إيريكا موافقة و كاوروا بقيت تخيط شاردة الذهن...
جمعت إيريكا شفتيها بجانب بإمتعاض: ما بك؟... منذ أتيت و أنت صامتة، بدأت تجلبين لي الضجر.
مصت كاوروا إصبعها الذي اخترقته إبرتها بعدما انتبهت لإيريكا المتحدثة: حسنا،أنا أفكر بليندا ...
رفعت عينيها و ضربت جبينها بخفة قبل أن تقول: كفى كاوروا، حقا بدأنا نصبح مزعجين... لا يهمني ما يحصل بين هذين الإثنين و تلك من خصوصياتهما.
قربت وجهها منها: ألا يمتلكك الفضول لمعرفة مغزى تصرفاتها.
رفعت سبابتها لتحك وجنتها: حسنا، مهما يكن ليس مثلك فأنا أعرف ما...
توقفت مستدركة حديثها ثم أتمت: فأنا لا أراه مهما...
ابتسمت كاوروا ابتسامة نصر: ماذا..تعرفين؟
ابتلعت ريقها :... لاشيئ.
كاوروا: لن تفلتي بكذبة..قولي الحقيقة.
حاولت المراوغة و هي تحدث نفسها...
(( و ماذا أقول لك؟..أني أعرف أنهما سيتزوجان....أه، هذا إن لم يتغير كل شيء طبعا...))
قطع هدوء المكان تعثر هيجي و سقوطه من الكرسي الذي يعلوه لتظهر عليه علامات الألم جلية ، خاصة و يده فوق رأسه....

تحركت ميواكوا بسرعة و علامات الذهول تعلوا ملامحها الهادئة ، و كأن قطعة من قلبها زاحت عن مكانها: هيجي...!
أسرعت له لترفعه و تتفحص وجهه و رأسه: هل حصل لك مكروه؟...
توسعت حدقتيها و هي تنتبه لتلك الحمرة: هيجي... أنت تنزف.
أبعد يدها متمالكا نفسه: رجاء ميواكوا...أوقفي هذه السخافة، لست طفلا.
حاولت وضع بعض المناديل لمنع الدم من الخروج: لو لم تكن طفلا لما سقطت .
اقترب هاروكي منهم رافعا المنديل الأبيض الذي يغطي فمه: أنظر لمدلل أخته، آخر ما تصورت رؤيته.
شعرت إيريكا بلطافة الموقف و أخذتها ضحكة خفيفة ، فحقا من الصعب تخيل ذاك الضابط الثقيل ممتثلا أمام فتاة تعامله كطفل....
بقي ريو مكانه و قال مستفسرا: أين تلك المتبجحة؟
وضعت إيريكا يدا بجانب الخصر: من المتبجحة؟...
أشاح بوجهه: أقصد صديقتك.
أظهرت تأنيبا واضحا في جملتها: أنت قلتها، صديقتي... لذا ليس لديك الحق بإهانتها أمامي.
حاول أن يبدي اللامبالاة : فهمت..فهمت.
توجه خارجا من المكان ليتركهم مستغربين من تصرفه...
و بقي ذاك المدير مكانه دون حراك ، و كأنه غير موجود إلا أن عقله كان واعيا لكل شيء ....



يد نحيلة امتدت نحو الطبق الذي امتد نحوه و لسان لا تسعه الفرحة نطق بالشكر من أعماق قلبه: شكرا لك .
رسمت بسمة خفيفة و مدت ورقتين من النقود: و هذا أيضا.
أثارها دموعه التي اتخذت وجنتيه الصغيرتين المتسختين مسلكا لها: لم تبكي، ألست فرحا؟!
أجابها من بين شهقاته التي تعكس عليها طابع المسكنة و العطف : أنت... ألطف بكثير..من والدي اللذان تركاني... هما لا يأبهان بجوعي أو مكان نومي و لا بمدى الأسى الذي أعيشه دونهما.

انحدرت دموعها لتمسحها بسرعة و تنحني لمستواه محتظنة له بين ذراعيها: لا تقل هذا...هما يحبانك كثيرا، و يحترقان شوقا لرؤيتك.... صدقني.

أكمل بكاءه بصمت في حجرها الأموي بالنسبة له لمدة ليست ببسيطة، ثم مد لها الطبق راسما ابتسامة برئية على شفتيه الباهتتان: أشكرك أخيتي على هذا الطعام.
أخذته و بسطت كفها مودعة له و هو يبتعد بخطواته: لا تنسى الغد.
تأوهت لتنهض بعدها: ياله من طفل مسكين.
بهتت، دهشت، و صدمت برؤية ذاك الشاب الذي ضم ذراعيه ببعضهما مستندا على جدار ذلك الزقاق و ينظر للسماء ببرود: حقا، ياله من طفل سيئ الحظ.
ارتمى الطبق الصيني من يدها من تلك المفاجأة الغير منتظرة، أن ترى و تكون مراقبة...!
و من من، هذا الفتى الذي حاولت بكل جهدها إظهار قوتها و صلابتها، أن يرى دون غيره سمة الرحمة و الشفقة لديها... شعرت أنها في موقف ضعف لا يمكن الفرار منه... مهما يكن، فلا تريد أن تخسر نفسها الطبيعية التي تتصرف برحمة لنفسها لا لأعين غيرها..تلك الأعين التي تستحسن لسانا و تبعدها عن مسير مبتغاها، و هو الوحدة؟
ليس كل منا يرغب بالوحدة و الإختباء، إلا أنها كانت تعشق هذه الساعة التي كونتها لنفسها...راحة ضميرها و ضعف داخلها...
خطى الشاب واضعا يديه في جيبيه: ستنتهي نقودك بتوزيعك اليومي هذا، الكرم الزائد يضر.
ضربت الأرض المبسوطة تحتها بغضب: حتى هنا تحت مراقبة عينيك..!
أجابها و خطواته كانت تعلن اقترابه منها: و مابها عيناي، أليست جميلتان؟
أدارت جسدها لتقابله بظهرها: قلقك لاداعي له، فأنا لا أخطط للسرقة ثانية.
صوت توقفه و اقتراب أنفاسه جعلاها تفهم أنه خلفها، و ما خاب ظنها فها هو يمسح على شعرها الأشقر الطويل قائلا: أحسنت، بدأت أتوق لرؤية البهجة التي ترسمينها على وجهه.
شعرت بحمرة الإحراج لهذا الثناء لكنها ضربت يده بكفها مبتعدة عنه: كف عن مراقبتي.
نظر نظرة لطيفة نحوها جعلتها تتجمد لثوان و هو يقول: ممتن لك، لأنك أفهمتني معنى الإنسانية.
رفعت حاجبا مبينة تعجبها ليتم موضحا مقصده: رغم طفولتي التي قضيتها في الميتم، لم أرى شخصا مثلك...يهب الراحة أكثر من الوالدين، أنا أستطيع استشعار ما يشعر به ذاك الطفل من فرح بما تفعلينه معه.

حاولت استجماع شجاعتها للصراخ و العراك كالمعتاد إلا أنها حين تصورت أنه كان مكان هذا الطفل استوقفت فمهما قبل أن ينطق، ثم قالت: و ماذا؟... هل يزعجك كوني طيبة أم أنه غريب علي؟
أمسك كفها : أنا أقدس هذه اليد الآن، هذا كل شيئ.

نطقت بشيئ واحد منفعلة: هييييه!
قال مدعيا التعجب: مابك؟
أبعدت يدها منه ثم أشارت لرأسه: و هذا ما كان ينقصني، مجنون يقدس يدي!... تقدس يدا تجلي و تطبخ و تنظف ، لطيف...لم أكن أعلم أنك مختل العقل و ها قد علمت.
رفع وجهه ساخرا: و بقولك هذا، سوف تجعليني أفكر بالزواج منكي، فتاة تجلي و تطبخ و تنظف... و ما أفضل من هذا.
شدد لهجته:....كاوروا.
أتم كلماته و اعتلى صوته بالضحك مما جعلها تغمض عينيها و تعض على أسنانها لألا تتهور ، لكنها استسلمت لرفع يدها ففتحت عينيها قبل الهجوم نحوه....: تبا لك ريو.
إلا أنه كان مختفيا...!



لحظات تكتم ليندا بها أنفاسها، فتلك النظرات المترقبة كانت تزيد من التوتر الذي يخالجها، و تجعل كلماتها تطاير دون أن تستطيع جمعها....

ضربتها كاوروا بكوعها بخفة و ابتسامة نصر تعلوا وجهها الطفولي: و الآن قولي...
أغمضت جفنيها لحظات لتستجمع شجاعتها ثم فتحتها ببطء: هو و ريو صديقاي منذ الطفولة و كذلك ميواكو .
لم تكن بمعلومة جديدة على إيريكا لكن هذا لم يمنعها من تصنع الدهشة: حقا!
أومأت بحركة إيجاب: أجل ، فأنا و والدي كنا نذهب للتبرع بالميتم الذي هم كانوا به ، و بعدها بدأت الذهاب لهم كلما سنحت لي الفرصة.

كانت عيني كاوروا تتوسع لتظهر لمعان بؤبؤتيها البنيتان لإنعكاس الشمس التي تعلوهم: و ما ميزة هيجي.
بلعت ريقها و أنزلت رأسها حياء: قد تقدم لخطبتي في العطلة...
ما كادت أن تتم جملتها حتى احتضنتها كاوروا فورا: وااااااو ، ليندا و لم أعرف عن شيء كهذا إلا الآن...
كانت تلك صدمة لإيريكا أيضا، أن يكون متقدما لليندا و هما على هذه العلاقة الجامدة، إذا كيف سيتم زواجهما...؟!
لذا بدأت بمقدمة استفساراتها: و لم توافقي؟!
انفعلت بقولها: أنا كنت مصدومة فقط، فلم أكن أظن أنه سيفعل ذلك... و كل ذلك لأنه علم أن ابن عمي الذي يعيش في سويسرا يود خطبتي...
تنهدت و اعتدلت بجلستها:... حتى ابن عمي فاجأني.
كاوروا: أفضلت ابن عمك؟
ازدادت تساؤلات إيريكا و تعجبها من هذا الماضي الذي ابتعدت أحداثه عن أسباب النتائج التي سيظهرها الزمن: و ما الذي جرى؟
باتت تحلق للسماء و كأنها فتاة حالمة و هي تشد على العشب تحتها : خسرت فرحة الماضي لا غير.
ارتخت ملامح كاوروا بملاحظتها أن ما حدث ليس قصة حب عادية أو شيء يدعوا للضحك: خسرت الماضي!...ماذا يعني هذا؟!

ابتسمت مخفية بعض الحزن: حسنا، والدي رفض هيجي فورا... و هيجي أثبت لوالدي أن ابن عمي كاموي لم يشفى من مرضه النفسي الذي كان يتعالج منه... و منها والدي قال أن لا ألتقي بهيجي أو أصدقاءه...لذا، خسرت أجمل اللحظات التي كنت أقضيها مع أصدقائي.

كاوروا بعتاب: لم؟...ألم ينقذك من ذاك المريض النفسي؟!
أسندت رأسها على شجرة الكرز خلفها: لكن هيجي، كان لم يدخل الجامعة و لم يكن مقررا لأي شيئ و لامال و لا سكن لديه، و والدي الذي يخشى على ابنته المدلله الوحيدة لن يعطيني إياه طبعا.

فهمت إيريكا كل شيئ ، فإن مقدمات المستقبل الواعد قد بانت... فهو يدرس بالكلية العسكرية و لديه عمل... و السكن مهيأ تقريبا... لذا قررت إبداء مرح على حساب ليندا: أخبريني ليندا، لو كنت تحت الخيار...من كنت ستختارين؟...
ابتسمت ابتسامة سخيفة تثير خجلها:... هيجي، أم ابن عمك؟
باتت تتغير ألوانها...أخضر...أزرق...أحمر.. و شعورها بحرارتها التي باتت ترتفع و كأنها تستهدف الأربعين: لا أعلم... فأنا لم أفكر بالأمر.
بدت كاوروا غير مستكفية بالجواب الذي دخل مسامعها فهزت صديقتها قائلة: هيا هيا...فكري بذلك الآن.
فتحت زر قميصها لتبعد حالة الإختناق عنها: قلت لا أعلم.
تكتفت إيريكا مغمضة عينيها : هي...أليس هروبك منه هروبا من أحاسيسك بالأولى.
اعتلت ضحكات كاوروا: لا تقوليها...
صرخت ليندا بوجههما: ليس كما تتوقعان... لا تفسرا كل شيئ كما تريدان.
اعتلت ضحكاتهما لتستدرج ضحكتها الأنثوية هي الأخرى.... لحظات لن تمحى من الذاكرة...
و من الجميل جمع ذكريات تزهوا بها الحياة و تنسى بها الهموم....
عل الأيام تخون لكن الذكرى تبقى بدرس أو ببسمة تجتاز الوجه كلما مرت بالذهن....
و للذكرى رموز و عبر.....
و ذكرى الفتيات صداقة مؤنسة على ما يبدوا...



توقف دون مقدمات و قال بصوت جوهري غامض: ما رأيك بالدخول و التحدث؟
وجهه و ملامحه التي بدت مجهولة كانت تعني شيئا واحدا له _ لدي شيئ لقوله _ ، لذا فهو تقدم مجيبا : حسنا، لنأخذ نقاهة.
دخلا بالمقهى الذي بدا متواضعا أكثر أي شيئ باللون الخشبي الطاغي عليه و اتخذا مقعدين متقابلين....


تشابكت يديه تحت ذقنه بادئا: إذا، ما الأمر مع صديقي هذا اليوم؟...لن أصدقك إن قلت أنك أتيت لقليل من الراحة.

نظر نظرة استحقار لما سمع: هل تظن أني سأقول شيئا سخيفا كهذا؟... أتيت لأبلغك مايجري حولك.

بات جديا بشدة : مايجري حولي!...هل هناك خطب؟!
شابك أنامله فوق الطاولة بإمتداد قليل: أقصد ليندا.
حدد نظرته نحوه: هيجي ، ما بال هذا الوضع الغير طبيعي بينكما؟
رفع حاجبا بإستهزاء بارد: للتو قلت أني سأحادثك بالموضوع.
عاد للخلف مستندا على مقعده: أسمع.

كان باديا لحديثه لكن ورد مقاطع ود لو يوسعه ضربا ، ذاك الذي انحنى ببزة رسمية قائلا: ماذا تطلبان سادتي؟
ضرب الطاولة مجيبا عاضا شفتيه: أن تغرب عن وجهي.
فتح حدقة عينيه لآخرها للذي سمع: ماذا؟
أشار له ريو قائلا: لا تهتم له، فمزاجه سيئ هذه الفترة...فقط أغرب عن وجهه حتى يطلبك.
اغتاظ النادل حقا من أسلوبهما اللائق حقا معه!
قد تكون هذه أول إهانة يتلاقاها دون سبب... لكن عمله يجبره على الإنحناء احتراما و الإبتعاد دون افتعال مشاكل....
أشار ريو للمبتعد : ما كان يجب أن تكون فظا معه، لاتنسى أنك بعد أيام ستكون مكانه.
ازداد ضجر هيجي بتذكره موقعه السخيف بذاك المطعم: إن استمررت سأخرج دون التحدث بشيئ.
تل خصلة من شعره الأسود ليؤلمه قيد أنمله: هل الكلام حولها صعب عليك لهذه الدرجة؟
أجابه بإسترسال: بالطبع و أنا على شرفة إخبارك بتقدمي ل...
أوقف كلماته بعدما استدركها ليقول معدلا جلسته واضعا رجلا فوق أخرى: تبا.
ذهوله كان واضحا بشدة...كيف لا وهو يعرف للتو أن صديقيه كانا على أهبة الزواج دون أن يعلم شيئ...و من، شريكه في غرفة نومه..و صديقه كالأخ !
ما لبث أن حرك وجهه بسرعة نفيا لما لم يستوعبه: هي...هي...هي، لا تقل لي أنك فعلتها؟!....تمزح...لم استعجلت و أنت لم تكن تملك شيئ... أجزم أن السيد جاك خيب آمالك برفض لامثيل له، كيف له أن يزوج ابنته التي يسميها جوهرة بشاب عطال بطال لا يكاد يملك قوت يومه.

ارتسمت على وجهه تقاسيم الغضب: كل هذا بسبب ابن عمها المجنون ذاك... لقد تجرأ و طلب يدها من السيد جاك مما أغضبني و جعلني أطلب يدها أنا الآخر.
بدأ يأخذ أنفاسه بصوت مسموع و ريو يتحدث: أتقصد كاموي الذي كان يكذب بشأن علاجه... هل ذاك الهستيري تقدم لها حقا؟...واو... و ماذا حدث.
رفع هيجي كتفيه و قال بغير مبالاة أظهرها: كما قلت تماما.

بدا ريو مقيدا بتفكير حين نظر لصديقه بأمل: لكنك الآن تملك عملا و راتب، و يوري لن يبخل بمساعدة، تستطيع الحديث معه ثانية...
زفر ثم نطق بكلمات يائسة: و هل تظنه سيتقبل كلامي؟... منذ ذلك الوقت و هو قد منعني حتى من الإحتكاك مع ليندا، هو لا يريد أن يحصل بيننا لقاء البته..
" و رأيها هي؟.."
"ما أدراني...لم تتح الفرصة لأي شيئ.."

ابتسم ريو مسخفا به: هل استسلمت لشيئ كهذا؟

و بثبات عيني هيجي فهم المعنى، و بعدها استمرت تداول الجمل بهذا النقاش لفترة... فترة وعي بها هيجي خطأه تجاه هذا الصديق الذي لن يحصل على مثيل له أبدا.... فبعد معرفته لسبب تفرق الشمل.... واضعا نفسه للمساعدة.....
هذا هو ....
صديق يرد الروح....



انتشرت صدى تلك المسيقى الهادئة من مسجل خلف الستار ، و اشتعل المكان بريقا للمعان الزينة الموزعة في الأرجاء....
و طاولات و مقاعد كستها الألون الفضية المزخرفة....


أجل، فها هو وقت الإفتتاح قد حان، و توافد الناس بدأ بالتزايد تحت أثر العروضات المغرية اللتي تكفل بها ريو....

مسابقات، تحديات، جوائز و أطباق مجانية....

و الأرنب الزهري الذي ارتداه يوري جذب الكثير من الأطفال مع أهاليهم...
لا يستغرب من أب المستقبل سوى هذه الطفولية...!

وقوف هيجي و هاروكي بات شعلة الإنتصار بإنحناءهما المظهر للتواضع، و مازاد المنظر بهاء اصطحابهما للزبون لمقعده المخصص له...

و النادلتان اللتان باتا شمعة الحدث بجمالهما الخلاب و ضيافتهما المميزة، حيث كانا يرتديان زيا بنفسجي داكن اللون مشرشر الأطراف و الأكمام باللون الأبيض...
كل شيء كان رائعا و منظما...و لو شئت تحت حالة من الإنبهار سميه _مهرجان صغير_ و ليس حفل افتتاح...

لأول يوم، كان العمل شاقا و مهلكا للجميع دون استثناء.... حقا شيئ مزعج، لكن الوجوه المبتسمة و الضحكات المتعالية و التفاعلات المبهجة... تجعل بهذا الإفتتاح راحة غريبة تشدهم للعمل....

مرت الساعات و حان وقت الإغلاق...
بل وقت التنظيف و الإنهاك مجددا..

حينها لاحظ ريو اختفاءها، واضح المقصود... اختفاء كاوروا الذي شق ابتسامة لطيفة لكونه علم سر عدم وجودها..

توجه نحو مكانها و لاحظ ترقبها انتهاء الفتى من أكله، و يبدوا أنها جلبت كعك الحفلة أيضا...
ترك ناظريه تحدق بالصغير و لقلبه استشعار فرحته، هذه حالته منذ الطفولة... يبحث بين ثنايا جنانه عن حزن و فرح أمثاله...لأنه يعرف حق اليقين...
_
أن لا أحد يعرف الألم سوى ذائقه

نطق كاسرا صمته: أنت تستحقين الإعجاب كاوروا.
انتبهت لمصدر الصوت: و أنت مثير للإشمئزاز.

تجاهل كلماتها و تقدم للفتى مبتسما: مرحبا يارجل...كيف حالك؟

نفض يده المتسخة و مدها نحوه: أهلا.

بادله ريو المصافحة: حقا تبدوا كرجل صغير، مسرور لرؤيتك.

رسم بسمة بريئة: أنا نيكولاس.
اصطنع الدهشة: واو...اسم أجنبي...جميل.
أوجه نظرتيه للواقفة بجانب ريو: هذا ما أسمتني به الخالة كاوروا، فأنا لم أكن أملك إسما.

حاول إخفاء مشاعره المتناقضة و المتيقضة داخله: حقا.

قلوب كالحجر تترك ابنا كالملاك الطاهر في طرق تجلب له اسما كالمتشرد و قلب يحنوا و يسميه دون رتبطة دم، أعجب الدهر هذا!
تركهما نيكولانس ذاهبا بعد وداع...
و هما هزا يديهما استجابة له....
" تعرفين..؟"
"ماذا؟"
" لا تلوثي هذه اليد التي تسعد هذا الطفل..."
" إن كنت ترمز للسرقة فأنا كففت عن ذلك...لتطمئن"
" قصدت كل شيئ...لم أقصد الإهانة "
"فهمت"
" هذا الطفل يقدس يدك أكثر مني..."
بانت نبرة الإنزعاج: كف عن قول هذا ريو.
تقدم عائدا لأدراجه: لنكمل عملنا.
تبعته برد الإبتسامة التي واجهتها و كأنها مجبرة على ذلك: أجل.



خرجوا جميعا بعد عمل مريع فعلا متجهين للراحة في مساكنهم... و يوري أقفل الباب: انتهينا.
أدار جسده نحوهم و قال لهاروكي و هيجي:عملكما جيد .
هيجي: أعرف.
هاروكي: شكرا لمدحك الذي لم أنتظره.
أدار حدقتيه نحو الخمسة أمامه: جميعكم في طريق واحد عدا هذه الفتاة...
أتم مكملا:... فليتطوع أحدكم لتوصيلها فالوقت متأخر.

رفعت حقيبة الظهر الكحلية بتثاقل: لاداعي لذلك، فأنا سوف أوصل هذه الحقيبة أولا.
أنزل نظارته بسبابته : و هذا أسوء آنستي.
اكتفى هيجي بالإبتعاد عنهم تاركا الموضوع: آسف، أنا متعب.

و أمسك هاروكي برقبته متصنعا شد عضلاتها بتمرير كفه عليها: و أنا أحتاج للراحة ، اعذروني.
أشار يوري لريو بعينه: وقعت القرعة عليك ريو ...اهتم بها.
قال بإمتعاض و إحتجاج: لم أنا، فالتوصلها أنت .
ابتعد عنهما معلنا لهذا النقاش نهاية: ليس من الصالح ترك أختك وحدها أكثر.
حينها ابتعدت كاوروا بغيظ: سلعة تبادل...أستطيع تدبر أمري.
لحقها يوري ملاحظا استياءها: لا تغضبي...
لحظات هادئة تخللها التمعن بالأطراف ، حتى قالت ساخرة: ريو، ألا تظن أنك نسيت شيئا؟

لم يتح لعينيه النظر لها فهو مركز على مسير خطاه أمامه: ماذا مثلا؟

" عن وجهتي..."
" أمشي معك لوجهتك... لا حاجة للسؤال ...إلا إذا..."
ابتسامتها البلهاء أوصلته لمفهوم واحد:...لا تدلين وجهتك و ترغبين بمن يدلك.
شبكت يديها خلفها و أمالت رأسها : أهم..فهمتها ياذكي.
ضرب ظهرها بخفة: و ها أتلقى كلمة مديح منك... الدنيا تريك العجب.

تقدمت و أعطته ظهرها: كانت سخرية ياغبي.
تقدم و ضغط على كتفها الأيمن بيسراه: تنقلب الموجات بسرعة.

مدت له ورقة مطوية ليفتحها ناظرا للسطور : أها...عنوان بسيط، و قريب أيضا.
أعاد ورقتها و نزع الحقيبة عنها: ثقيلة، كيف تحملينها؟

توجها نحو الوجهة المطلوبة و هو يستفسر واضعا حقيبتها فوق كتفه الأيسر : لم ستذهبين لهذا المتجر؟
" لبيع الحقيبة.."
قطب حاجبيه قليلا بتعجب لم يدم ...
" أنا أبيع بعض السلع لأصحاب المتاجر الإلكترونية... لدفع ديونه.."
نظر لها بنصف عين نظرة عجب و رضا : أنت مثيرة للإهتمام .

أبعدت وجهها بتوتر من عينيه التي باشرتاها و أخفت هذا التوتر خلف كلماتها: كلماتك مثيرة للريبة .

تنحنح قائلا بجدية مفاجأة: الحركات المثيرة للريبة يرد عليها بكلمات مثيرة للريبة.
تصلبت مكانها دون أن تعرف سببا لجملته الغريبة، ليباغتها بقول: أمزح .
ودت لو تنقض عليه كالأسد الهائج لكنها تركته و مشت قدما: دعنا نسرع فقط.

فترة و هما أمام بوابة زجاجية مائلة للون البرتقالي المنعكس بأنوار المكان الداخلية....
تقدما و ما أن رأيا صاحب المتجر الواضع عصابة فوق الرأس ليصبح شعره الأصفر الفاقع واقفا كأعواد كبريت مصطفة انقبض قلبيهما...


نهض من مقعده الأسود متجها نحوهما: تفضلا.

نظراته التي لاتبشر بخير جعلتها تفكر بالخروج تاركة أمر الصفقة، لكن وجود أحد بجانبها شجعها: أنا ابنة السيد ميشيل.

ابتسم بشر : أوه، مرحبا بك... لم أتصور أن السيد ميشيل يمتلك فتاة بجمالك.
كلمات كافية لتجعل أي فتاة يقشعر شعر جسمها ، فمدت يدها نحو الحقيبة التي انتزعها الآخر كتسهيل لها...

وضعتها فوق الطاولة الرمادية قائلة بغنج: و هذا ماتريد؟ ... ائت بالنقود .
قال بإستخفاف : أوه، تبدين صارمة.
فتح الحقيبة ليتأكد من بضاعته: جيد.
تركها ملقاة و توجه لغرفة جانبية: انتظرا.

كان ريو يهز قدمه بسرعة، و كأنه وضع في فرن للطبخ...
جرت ياقة قميصه بإنزعاج: هللا كففت عن تحطيم أعصابي بهذه الحركة المزعجة.
أبعد يديها : آسف، هذا الرجل يغيضني بشدة .
التفت عينيه نحو المكان لتتوقف نحو البياض الظاهر من رأس الحقيبة: كاوروا.
" ها.."
اقترب مخرجا كيسا شفافا بداخله طحين أبيض: ما هذا؟
أجابته بإستغراب: و ما أدراني..اتركها قبل أن يأتي صاحب المتجر و تصبح بمشكلة.
فتح الكيس دون اهتمام بما قالته: إن لم يخب ظني فنحن بمشكلة.
تذوق قليلا منه ليقول: هروين!
لم تستوعب ماقاله بتاتا: قلت...هروين!
أمسك بيدها و هم بالخروج و بدأ يدخل بأزقة و يخرج من أخرى دون هدف، حتى رماها على حائط زقاق مغلق رمية تسقطها مع صرخة ألم بادية: أيتها المجنونة، كيف لكي أن تتاجري بمخدرات؟!

بدت هذه الكلمة بمثابة صاعقة فوق رأسها و لم تستطع فهم شيئ حولها بعد سماع هذا الخبر المهول...: أنا..لم...

لكن صدمتها لم تكن تهدئ ثورته الحامية: ..لم ماذا؟ ...ها، لم تكوني تعلمين... سخافة، و أنا السخيف المتأثر بطيبتك المزعومة... يدك ملوثة بمخدرات، أتعلمين كم تحطمين من حياة بشر... هل أنت إنسانة ؟.....

أراد إخراج المزيد و المزيد مما يحرقه لكنه بهت بها....
اقترب و انحنى لها ، فذي الدموع تشق طريقها بصمت و جسدها يرتعش دون توقف.... و لسانها يكرر شيئ واحد بشكل لا يكاد يفهم: أنا... أتاجر مخدرات....
يتبع....





الأسئلة:
س١: ماذا سيحدث بين هيجي و ليندا، هل سيجتمعان قريبا..أم ستظهر عقبات جديدة؟

س٢: لم قال هاروكي أن قصة هذا الماضي حزينة؟

س٣: ماقصة المخدرات التي اكتشفها هاروكي بحقيبة كاوروا؟

س٤: هل كاوروا بالفعل لاتعلم؟ و هل لوالدها علاقة؟

س٥:ماذا ستكون ردة فعل ريو؟

س٦:هل هناك نقطة مشتركة بين تجارة كاوروا و مقتل والدي نيك؟

س٧: هل أعجبكم البارت، أجمل مقطع؟

س٨:انتقادات؟




التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 03-10-2016 الساعة 10:21 PM
رد مع اقتباس