نهضت من مكانيْ سريعا قصد إيقافها وفكرتُ في احتمالِ أن يكونَ ذلك الشابُ المريبْ مرة أخرى ، لم أستطع فتح فمي بسبب الباب الذيْ فُتح سريعا ويا للمفاجأة لمْ يكن ذلك الشابْ كما توقعت بل إنه العجوزِ المخيفْ ، وقد أصبح الأمر أكثر إخافة بالنسبة إليْ عندما أدركتُ بأنه يملك مفتاحا لهذا المنزل ، جذبت نفسا عميقا فيم حاولت ضبط أعصابي قليلا ، إنه يبتسم بشكل مخادع ويتحدث مع " إيرما " بكل لطافة وكأنه ليس السبب في المشكلة التي تخص عمي " ويلبرت " ، إنه بالفعل عجوز مخيف ، كذبته بدت واضحة فعلا حينما أخبرها بأنه عطش قليلا و بدلا من كوب ماء أعرب عن رغبته في شرب فنجان من الشاي ، رحَّبت " إيرما " بعرضه مضيفة بأنَّ عميْ قد جلبَ أفضل أنواع الشايِّ مؤخرا ! ، إنه يكذبُ " إيرما " ، استطعتُ الشعور بالاضطرابِ الذيْ سببَّ ليْ دوارا فيْ رأسيْ ، لا أستطيع البقاء في ذات المكانِ معه أنا أشعر بالخوفْ ! ..
تحركتُ سريعا من مكانيْ أقصد اللحاقَ بها ، على الأقل هو لن يستطيع فعل شيءِّ أمامها ، ضغطتُ على شفتيَّ بقوة عندما أحسست بأصابعه التيْ أحاطت بمعصميْ بقوَّة حينها فقط علمتُ بأن رغبته فيْ شرب الشاي كانت حجة فقط ، جذبت هواءَّ اضطربَ في داخليْ عندما نظرتُ إلى ملامح وجهه التيْ لا تنبئٌ بخير ، نيته شرير وقد كان ذلك واضحا في النظرة التْي اعتلت عينيه ، ضغطت على يدي بقوة وحاولتُ ضبطَ تصرفاتيْ عندما شعرتُ بأصابع كفه ترتفعُ لتحيطَ برقبتيْ بقوة ، الشعور بالخوف قد استفحلني حينها حتى أنني لم أعد قادرة على فعل شيء سوى النظر إلى ملامحه الشيطانية المخيفة تلك ! ..
رفعتُ يديْ بارتجاف وأمسكت بمعصمه فيْ رجاء علَّه يخفف من حدَّة ضغطه على ذقني بقوة فللحظة بدأت أشعر بعظامي تصطك وبأنفاسيْ تقلْ ، تعلقَّ بصري على الباب خلفي منتظرة عودة " إيرما " في أيَّة لحظة ، جعلني أنظر صوبه مرة أخرى ليتحدث بملامح أكثر حدَّة ونبرة صوته أصبحت أكثر خشونة وحقدًا من ذيْ قبلْ :
لم أستطع النومَ بشكل جيد ليلة البارحة بسببك وعندما علمتُ بأن ذلكما الغبيين ذاهبينِ للعاصمة قررت المجيءَ إلى هنا خشية أن تكونيْ قد أخبرتِ أحدًا .. صمت لعدة ثوانِ قبلَ أنْ يردف مكملا :
المال الذي رأيته هو حصاد حفلات الأعوام السابقة ولن أسمح لكِ أنْ تقوميْ بإفساد ما خططت له أبدًا ، لقد فعلت الكثير حتى أستحق ثقة " ويلبرت " ، هل تعرفين ! لقد كان يخصص ليْ مبلغا من أموال التبرعات ولكنه لمْ يعد يفعل ،وَ لماذا ! ..
شدَّ على أصابعه بقوة حينها لمْ أعد قادرة فعلا على احتمال الألمْ حتى أننيْ بتُ أشعر بالتشويشِ قليلا ، بدأتُ أدعو أن تعود " إيرما " سريعا وتنهيَّ هذا العذاب المخيف ، هل ينويْ على قتليْ فعلا ، نظر نحوَ المطبخ خشية أن تخرج ولكنها لم تفعل أِظنُ بأنها ليست هناك حتى ، عاد يسهبُ حديثه موضحا كلامه السابق :
بدلا من إعطائي المال كان يرسله إلى والدكِ المزعج وذلك لأنه يمر بأوقاتَِّ عصيبة ولا يستطيع توفير المال لكم ، حقدتُ على والدكِ كثيرا فبالرغم من أن علاقتيْ ب " ويلبرت "جيدة فعلا إلا أننيْ لم أستطع أن أحظى بثقة " هارولد " إطلاقا ، إنه فعلا مثير للشفقة ، ولأننيْ أعلم بأن " ويلبرت " لن يستطيع الشك بيْ قمت بهذه الطريقة ! ..
ضغطت على معصمه بقوة أرجوه كثيرا ، أنا بحاجة للتنفسْ وقد وصلَ الألمُ بيْ لأقصى المراحلْ ، ولا أظنُ بأن باستطاعتيْ التحمل أكثر ، استلهمتني شجاعة غريبة جعلت من لساني قادرا على الحراك ولو قليلا ، لمْ أقم بالتوسل إليه ليكف عن ذلك أو حتى الصراخَ فيه لكنه تحدثَ بالسوءِ عن والديْ وقد قامَ بخداع عميْ أيضا ، كيف له أن يجرؤ على فعل ذلك ! ، ضغطت على أطرافيْ بقوة مستمدة القليل من القوة منهما لأتحدثَ بصوت مخنوق :
لقد قمتَ بالإساءة إلى والديْ وعميْ أيضا !..
لو كانت نظراتُ الأعين تقتل لكنتُ ميتة منذ ساعاتْ ، بقيت تحتَ رحمة أصابعه الموجعة تلكْ فيمَ فقدت الأمل في الوقوف على قدمي من جديد هذا الألم الذي أشعر به الآن لا أظنُ بأني أحسست به سابقا ، ماذا أستطيع أن أفعل ! ، يا إلهيْ ! ..
عرفتُ بأن المالَ الذي كان والدي يقومً بصرفه حينها لم يكن من عمله فهو قدْ طرد منه لأسبوعين و خصم عليه الكثير ، إذا فالمال كان من حق الملاجئ قبل أن يكون من حق هذا الرجل المخيفْ ، إنها ثوانِّ فقط حتى بدأت أشعر بالهواء يندفع بقوة إلى داخل جسديْ وذلكَ عندما أفلتنيْ بقوة ، سقطت أرضا فيمَ رحتُ أحاول التنفس بصعوبة ، هنالكَ ألم فظيع فيْ صدريْ ودوار عظيم يتفاقمُ أعلى رأْسِيْ ، ذلك العجوز كان ينويْ على قتليْ فعلا ، لمْ يكن ليتركنيْ لولا صوتُ " إيرما " الذي تعالى من المطبخ فجأة وكأنها تستنجدُ بأحدهمْ ! ..
ضوءُ القمر بدى برَّاقا تلك الليلة حتى النجوم أضافت إليه جمالا لا يُضاهى ، تلك الليلة بدت الأنسب فعلا لإقامة الحفلات ، على الأقل كان اختيار السيدة " لورينز " في محله ، انعكسَ ذلك جليا على الضيوفِ الذين اكتظوا في الصالة حينها ، يوجدُ الكثير من الأشخاصْ المعروفين ، حيثُ أنَّ أسماؤهم تُقرأ يوميا على صفحاتِ الاقتصاد في الجرائد ، لنُ يتوقعَ شيءٌ آخر من السيدة الأولى ، السيدة " لورينز " ! ..
سلبَ جمال السماء ناظري فتاة لمدة طويلة تتأمل اللوحة الكلاسيكية أمامها بشغف لا مثيل له حتى أنها استحوذت على المكان القريبِ من الشرفة ، متجاهلة همهمات الناس حولها واندماجهم الشديد في أمور لا تعنيها منهم والدها الذي انخرط في الحديث مع قلَّة من رجال الأعمال ، ترحيبهم الحفيُّ بها لم يستمر سوى لدقائق معدودة بعدها وبمجرد التفاتة بسيطة منها لالتقاط كأس عصير التوت المغري بالنسبة لها بدأوا في الحديثِ عن أمور لا تستهويها ، تلك الأمور التي جعلت الشيب يستفحل رأس والدها بكثرة ، ارتشفتْ القليل من العصير وتمنت لو تعودَ إلى المنزلِ سريعا ، ليسَ الأمر وكأنها تنويْ البقاء صامتة إلى نهاية الاحتفال ، ذلك مضجر فعلا ! ، عزمت على أخذ الإذن من والدها للخروجْ لولا سماعها لصوت غريب من خلفها ، استدارت ترقبُ شابًا غريبا ! ، لقد سبق لها وأن رأت هذه الملامح من قبل ، لقد كانَ في أحد المجلات ومن المحالِ أنْ تخطئ ! ، ماذا كان اسمه يا ترى ! ، ألن تصابَ بالحرج لو أخطأت في ذلك ، كان يبسط كفه إليها بحركة مبهمة بالنسبة إليها ليتلبَّس الارتباك ملامحها لوهلة ، ضغطت على الكأس بين أصابعها لتسأل مازحة :
هل تطلبَ الرقص أمْ .. عصير التوتِ الذي بيديْ ! ..
لم يتحدثْ ممَ جعلها تصابُ بالحرج تقريبا لولا أنها استطاعت سماع صوتِ ضحكاتِ قريبة من مكانِ وقوفهم ، أدارت عنقها يمينا نحوَ " إيرل " الذيْ كان يقفُ على مسافة قريبة منهمْ ، لمْ يكن مظهره مختلفا عن الباقين ، ببذلة رسمية و تصفيفة شعر مشابهة للجميع عدا أنه لمْ يرتديْ ربطة العنقْ هذه المرة ، التقط كأس العصير من بين أصابعها هاتفا بتعجبْ :
أنتما غريبان فعلا ، بالطبع هو يطلبُ الرقصَ " كورتنيْ " ! ، تعرفين إنه ليس سوى " فريد " الخجولْ ! ..
بالطبع ، لم يكن أمامها سوى أن توافق وذلك حتى تنقضي هذه الساعات المملة بالنسبة إليها ، لقد حظيت برفقة أخيرا ، بذلك بقي " إيرل " وحيدا يجول ببصره في المكان فلربما استطاع رؤيَّة العم " ويلبرت " أو حتى " هارولد " ، ولكنه بدلا من ذلك استطاع رؤيَّة من تعجل في لقائه كل هذه المدَّة السيد " كلارك " يقف برفقة زوجته الحسناء و رجل ٌأصلع غريب إلا أنه يبدو ضخم الجثة فعلا ، ترك الكأس على صينية أحدِّ النُّدَّل المتجولين ليتقدم نحوه بخطوات مدروسة ، استطاع ملاحظة زوجته التي أخبرته بأمر قدومه إليهما ليستدير نحوه متعجبًا ، جذب " إيرل " القليل من الأنفاس قبل أن يتبسم بتملق هاتفا :
لقد جئت سيد " كلارك " ! .. أضاف هاتفا :
وجلبت معك ضيوفا أيضًا ! ..
ظهرت ملامح غريبة على وجه ذلك الرجل قبل أن يحاول تفسير كلمات " إيرل " جيدًا ، هل يحاول أن يبدأ حديثا جديا معه ! أم أنه يرحبُ به بشكل عاديْ َ ، حتى أن ملامحه لا تحمل الخير على الإطلاق ،حاول أن يتخلص من تلك الشكوك الغريبة في رأسه قبل أن يرفع بصره نحوه ويهتف بتملق أكبر :
هل تمزح ! ، كيف ليْ ألا أحضر حفل أقامته صاحبة أكبر استثمار في البلاد .. أضاف فيم يشير إلى ذلك الرجل الأصلع معرَّفا :
أقدم لك ذراعيَّ الأيمن " جيفريس " ! ..
تناول " إيرل " كفه في مصافحة عاجلة تلبية ل " جيفريس " الذي بدأ هذا ، ملامح هذا الرجل تبدو غريبة بل مخيفة حقيقة ! ، كيف استطاع " كلارك " أن يضع ثقته فيه بسهولة ، إنه يبدو كما لو أنه سيقدم على خيانته في أية لحظة ، تجاهلَ " إيرل " نظرات الأصلع التي بدت مريبة وكثيرا بالنسبة إليه إذ أنه عاد يلتفت صوبَ " كلارك " ويسأله كما لو أنه يعلمُ بذلك لأول مرة :
أظنُ بأن العملَ يسير على أكمل وجه سيد " كلارك " حتى أنك تنويْ البدء في استثمار قريبا ! ..
لمْ يرقْ كلامه ل " كلارك " أبدا ذاك الذي راح يتطلع إليه بقليل من الاستغراب ، لا يجبُ لأي أحد أن يسأله عن عمله كما أنه لا يستلطف ذلك أبدًا ، و هذا الشابْ يسأله عن ذلك وبكل ثقة حتى أنه ينتظر جوابه ، أماءَ بالإيجابْ وأضاف بضعة كلمات تؤكد ما قاله قبل قليلْ ، لا حظَ " إيرل " ملامحه التيْ تغيرتْ فجأة إلا أنه استمر فيْ الحديث متجاهلا انزعاجه ، راح يكملُ هاتفا :
كنتَ قد اختفيتَ عن الظهور لفترة وها أنت ذا تعود بمشروع جديد إلا أننيْ أعتقد بأنه يستلزمك الكثير من الوقت لتشرع فيه كما أنك أغفلتَ نقطة مهمة ! ..