بقلـم: غنيمـة فهـد المـرزوق (رحمها الله)
وَهْم الحبِّ الأوَّل
كل هذه الظروف تجعلني أطلب منك أن تفيقي من الحُلم القديم
وتحسبي موقفك بدقة وتزوجي حالاً من أكثر المتقدمين لك
ملاءمة لوضعك
سيدتي:
أنا فتاة في العشرين من العمر، منذ طفولتي وأنا أحب ابن خالتي،
وهو يبادلني نفس الشعور بالحب والإخلاص، ونشأت على
هذا الحب البريء الخالي من جميع الأغراض، لقد أحببته وأخلصت له
حتى أصبح جزءا مني وكل شيء في حياتي، ولقد
اعترف لي بحبه وأصبح يراسلني ويعبّر لي عن حبه وحنينه لي، وتقدم لخطبتي،
ولكن.. يالحكم الأقدار رفض والدي طلبه!!
والسبب أن والدي كان متخاصما مع والده لسبب تافه ليس من الضروري أن أقوله.
أصبت بصدمة عنيفة حتى انني أصبحت أعيش وحيدة وفي عزلة عن الناس والأصدقاء.
وعندما علم ابن خالتي بهذا الرفض الذي ليس له مبرر إلا السبب الذي قلته لك أصيب
هو الآخر بصدمة حتى انه عزم على
السفر، وعشت في حيرة وعذاب وليس لي حيلة أو حل لأجده لهذه المشكلة.
وبعد سنة تقدم لخطبتي رجل في العقد الرابع من العمر، فوافق والدي عليه مع العلم
أنه متزوج من ثلاث نساء، وله عدة
أطفال، وتم الزفاف، ولكنني عشت في عذاب وشقاء وجحيم معه، وكانت أخلاقه سيئة،
ولأقل سبب كان يثور ويزعل، وكنت
متحملة كل شيء لأجل كلام الناس ولأجل والدي لكي لا يزعل عليَّ.
منذ أن تزوجنا وأنا أعيش في بيت والدي، والسبب في ذلك أنه دائما يسافر ويغيب
ولا يريد أن أعيش في المنزل وحدي، ولم
يأخذني إلى بيت الزوجية السعيد الذي هو حلم كل فتاة.
وهكذا أصبحنا في انشقاق وخناق عنيف، ولم يكن يحتويني أو يفهمني في شيء،
ولا أنا أحبه ولا أبادله أي شعور،
وكل شعوري تجاه ابن خالتي.
وبعد سنة من الزواج لم أعد أتحمل هذا العذاب، فطلبت الطلاق، ولكن في بادئ الأمر رفض،
وبعد إصرار من والدي وافق
على الطلاق بشرط أن نرد المهر كاملاً ففعل والدي، وهذا تحت إرغامي لهم بالانتحار
إذا بقيت معه، وتم الطلاق
وأصبحت حرة من كل قيد.
عاد ابن خالتي من سفره وتقدم لخطبتي مرة أخرى، ولكنه أصيب بخيبة أمل ثاني
ة ورفضه أبي، وتحطمت وزاد العذاب
والحرمان، ولم يبق أي أمل في الحياة.
بدأ ابن خالتي يبتعد عني ويهرب من ملاقاتي وعيّن ضابطا في الجيش،
وبعد عن المدينة التي أسكن بها، ولكنه لم يتزوج
ولم يفكر في الزواج مطلقاً.
تقدم لخطبتي شاب آخر ورفضته، وكذلك آخر ورفضته، وغضب والدي عليَّ وثار،
ولكن والدتي استطاعت أن تهدئ من ثورته.
هذه مشكلتي أضعها بين يديك، وأرجو منك يا عزيزتي الحل الذي يريحني من العذاب والشقاء الذي أعيش فيه.. فماذا أفعل؟
ولك مني ألف شكر.. ودمت.
الحائرة: ف.ح
السعودية - الطائف
الرد:
ليس من الضروري أن تتزوج كل فتاة من أول شاب تحبه، وليس حتماً أن يفشل الزواج
إذالم يكن مبنيا على علاقة أول حب..
بل ان كل الدراسات والإحصاءات تقول إن مثل هذا الزواج هو أكثر الزيجات تعرضاً للفشل..
وأكثر من ذلك يقولون إن
الحب يعمي العيون عن كل العيوب التي تكتشف فجأة بعد الزواج فتحطمه
كالألغام المدفونة في الرمال تنتظر أي ثقل يضغط عليها.
أقول هذه الكلمات لأنك تعيشين تحت وهم الحب الأول فحطمت زواجك الأول،
وتوشكين على تحطيم كل حياتك.
لقد ابتعد ابن خالتك، وأنت الآن لا تعرفين موقفه بالتحديد، بل تقولين إنه بدأ يتهرب من حبك،
هذه الحقيقة، والحقيقة الثانية
أنك لم تعودي الفتاة الغراء التي تعيش على الأوهام، بل أصبحت امرأة خاضت تجربة
كبيرة كفيلة بانضاجها، والحقيقة
الأقسى أن موقفك من المجتمع نفسه قد تغير، فأنت الآن امرأة مطلقة، والمجتمع قد يتساهل مع مراهقة تبحث عن الحب،
ولكن موقفه يكون خطيرا ازاء المطلقة التي تسلك نفس السلوك.. كل هذه الظروف تجعلني أطلب منك أن تفيقي من الحلم
القديم وتحسبي موقفك بدقة وتتزوجي حالا من أكثر المتقدمين لك ملاءمة لوضعك.
من يدري.. ربما كانت لك معه السعادة التي حلمت بها.. نعم من يدري؟
العاقل من اتَّعَظ
عزيزتي غنيمة:
بعد التحية،،،
أكتب إليك هذه الرسالة، وهي عبارة عن قصة واقعية كتبها الله وقدر عليها.
أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري أحببت فتاة تبلغ العشرين من عمرها ولكنها متزوجة وعندها بنت، وقد تبادلنا الحب
في مقابلات عديدة.. واني أحبها حباً لا يعادله أي حب.. وهي كذلك تحبني كثيراً.. جداً.. وأنا إنسان لا أرى في هذه الدنيا
سواها، فلقد ملكت إحساسي وفكري وهي أملي وسعادتي.. وهنائي..
وأنا لا أستطيع أن أفارقها أو أبتعد عنها مهما يكن.
وقد قالت لي إنها سوف تهرب من زوجها كي أتزوجها.. وهذه أمنيتي..
ولكن ابنتها الصغيرة البريئة.. هل تقبل المعيشة معي؟
وهل سوف يقبل والدها ؟ أم يخطفها من أمها فتفقد منبع الحب والحنان؟!
وأخيرًا.. يا عزيزتي:
ماذا أفعل؟ اني لا أعرف المنام ولا السعادة ولا أعرف غير السهر والتعاسة والألم.
وأرجو أن ترشديني ولك الشكر الجزيل.
أخوك المعذب: ج.ع
خيطان
الرد:
يقولون إن الموت هو أكبر مصاب يقع بأسرة.. ولكنني أقول إن الخيانة هي المصاب الحقيقي
الذي يبدو أمامه كل شيء تافها
حتى الموت، لأن الموت قد يخطف الأب أو الأم، ولكن الأسرة سرعان
ما تلعق جراحها وتستمر في الطريق ومجالدة
الظروف.. أما الخيانة فإنها تدمر الأحياء من الداخل.. وأقرب مثل هو حالتك تلك..
تصور نفسك مكان زوجها المخدوع،
يكتشف زوجة ساقطة، قد يقتلها، أو يطلقها، ولكنه على كل الأحوال مات مسبقاً،
لقد نفذت فيه ساقطته حكم الإعدام سلفاً، لو
عاش فسيرى في أي امرأة خيانة زوجته، وسيرى في وجه كل طفل ابن حرام،
وسيرى في بسمة سخرية من رجولته، مثل
هذا الرجل قتل غدراً وموته أرحم له وللحياة.. أما الزوجة فستظل خيانتها تلاحقها،
حتى لو تزوجتها أنت فستظل غير واثقة
من إخلاصك، لأنها متأكدة أنها لا تستحق رجلاً مخلصاً. ولا يمكن أصلاً أن يأمن جانبها
رجل عرفها على خيانتها.. ولذلك
فهي في قلقها ستعود للخيانة، لخيانتك وخيانة غيرك، فكما أنه ليس للقاتل
سوى مزيد من القتل هرباً من جريمته الأولى،
وكذلك الأمر وأبشع بالنسبة للخيانة.. أما أنت فلو تزوجتها فستظل متوقعاً منها
نفس مصير زوجها المخدوع، وبذلك تكون كمن
وضع الحية في عبه، فلا هي تأمن له ولا هو آمن منها..
وهذا هو العقاب لا يرحم البريء ولا الجاني، انه تدمير مستمر
متلاحق، يطول حتى الأجيال الناتجة عنه.. واسأل الناس ح
ولك عن أبناء شوهتهم خيانات أمهاتهم.. والعاقل من اتعظ.
عـام 1972
|