الفصل التاسع : "قلب بشري!"
أفاقني من شرودي تلكَ الدفعة التي تلقتها اﻷرجوحة ،تلكَ الدَفعة التي جَعلت قلبي يقفز من مكانُه ! ليس لقوتها بل لقدومها المُفاجيء ! في الواقع لَقد كانت دفعة حانية خَفيفة ! لَكنها جَعلتني أشعُر فجأة بأني أقترب بشدة من الشمس التي كانت تَغرُب !
- مُنذُ متي وأنتَ هُنا ؟ !
- مُنذُ ثواني قليلة !
هَكذا قالَ وهوَ يجلس علي اﻷرجوحة المُجاورة ﻷرجوحتي ، دامَ صَمتٌ مُريح لثواني وكلينا يُحدق بالشمس ! قَبلَ أن اتساءل : إذن ، ما المطلوب مني هُنا بالضبط ؟!
- قلب بَشري !
تَوترتُ وأرتجَفت يدايّ قبل أن أُردف بسُرعة وبُطء في ذات الوقت ! كَمن وقَعت عليهِ صاعقة : م ماذا ! أنا لَن أقتِلَ أحدًا مهما حدَث !
- اﻷمرُ ليسَ هَكذا ! البَشر لديهُم قلوب كريستالية ! مثلُكم ! الفرق الوحيد هوَ أنها مُتجددة !! ما أن يُنتزع أحدها حتي ينمو أخر ! ليس اﻷمر وكأنَ أحدهم سيموت بدون قلبُه !
اختفي كُل الفزع الذي تَملكني لثواني ليَحل مَحلُه بعض الدهشة قائلة : أوه . . . . إذن رائع ! هيا نبحث عن أحدهم وننزِع قلبُه ! ﻻ أدري لمَ أعطاني أبي مئة يوم ﻷمر سهل كَهَذا !
- أكره أحباطك ! لَكن اﻷمر ليسَ سهﻼً ! فالبشر ﻻ يُعطونَ قلوبهم سوي لمن يُحبونهم !!
- أمم . . . القليل من تَعويذة المحبـ ....
- "ممنوع السحر" ! كانت تلكَ القاعدة اﻷولي لهَذا اﻷختبار ! تتذكرين ؟!
هَكذا قالَ مُقاطعًـا أيايّ ﻷُردف : إذن ؟!
صَمتُ قليﻼً ثُمَ أكملتُ ساخرة .. من نفسي علي اﻷرجح ! : علينا البحث عن أحدهم وجَعلُه يَقع في حُبي ؟ ! هَذا سهل ! سهل جدًا!!
لَكنهُ أخذني علي مَحمل الجد علي ما يبدو : حسنًا! هيا! لنَذهب !!
هَكذا قالَ وهوَ ينهض عن اﻷرجوحة ﻷقولَ بسُرعة : مهﻼً !
- ماذا ؟ !
- ﻻ .. ﻻ شيء ، ﻻ تهتم !
فجأة قالَ بحماس : حسنًا! سنتجول في الحديقة وأول شاب يُقابلنا سيكون المنشود !
- حسنًا!
لم أتحدث بعدها لعشر دقائق فاﻷمور كانت أغرب من أن تَسمح ﻷحدهم بالتَحدُث حتي ظَننتُني سأفقد النُطق !
أﻻ يوجد رجال بهذه البلدة ؟ !
رأيت العديد من البَشر هُنا لَكن الجميع فتيات !
مُراهقات ،شابات ، عجوزات وطفﻼت !! وكُلهُن وبﻼ استثناء دارت رؤسَهُن من أجل ذَلِك الهاروكو !
هل هوَ وسيم جدًا أم ماذا ؟ !
عيناه عسليتان اﻵن ! لَكنهما مازالتا تبدوان عميقتان وكأنهُما تنظُران في بُعد أخر ! ويبدو أنحل قليﻼً بالمُقارنة مع شَكلُه السابق يبدو اﻵن ضعيفًـا! لَكن بطريقةً ما هوَ يُعوض ذَلك !
الغريب في اﻷمر أنهُ لم يلتفت ﻷي فتاة من كل الذين كانوا يمُرون أو حتي يُبدي أعجابه بأي شيء ! ليسَ اﻷمر وكأنهُن قبيحات ؛بعضُهم فاتنات إن صح التعبير !
ولسببٍ ما بدأ عقلي يُقارني بكل واحدة منهُن ﻷكتشف أني اﻷغرب شكﻼً علي اﻷطﻼق وخصوصًا شعري اﻷبيض الطويل !
جميعَهُن كُن ينظُرن لي من طرف أعيُنهن ويُتابعن السير !!
لطالما كانَ شعري غريبًا بالوطن ! وعلي ما يبدو ليس مألوفًا هُنا أيضًا !
لِمَ يحتقرونني بتلكَ الطريقة !
أشعُر بالوحدة حقًا! بالغُربة ! هل هَذا ما يَشعُر بهِ المُغترب ؟ ! المُبتعد عن وطنُه ؟ !
لَقد كُنتُ حمقاء عندما أردت القدوم إلي هُنا ! أنا ﻻ أنتمي إلي هُنا !
أو هُناك أو إلي أي مَكان !
بدأت عينايّ تَدمعان !
شَعرتُ بكف يوضع علي كتفي اﻷيمن بهدوء ،نَظرتُ إليه بنفس تلك العيون التي كادت تبكي مُنذُ قليل وأنا أدعو بداخلي أن أبدو قوية ! لَكني لم أبدُ هَكذا علي اﻷرجح ! فما كانَ منهُ أﻻ أن رَفَت عينيه بنظرة قد يكون معناها "سيكون كُل شيء بخير !"
أﻻ يُفترض أن يَكون هوَ القَلِق ؟ ! فَهو من ترتبط حياتُه بهَذا اﻷختبار ؟ !
هل يثق بي حقًا؟ !
- أنا آسِفة . . . . وشُكرًا
- آسفة علي ماذا ؟ ! وأيضًا شُكرًا علي ماذا ؟ !
- آسِفة لأني لم أثق بكَ قط بل وعاملتك بطريقة سيئة بينما لم تفعل شيئًا سوي مُساعدتي مرارًا وتكرارًا!
- عَلمتُ أنكِ تحتاجين المُساعدة مُنذُ سَمعتُ صوتِك !
- سَمعتَ صوتي ؟ !
- نَعم ! أنهُ الصوت الذي أيقظني من سُباتي في الواقع !
تَسمرتُ في مكاني لثواني ! أنا مَن أيقَظُه !
ابتسمت بأبتهاج وأنا أمُدُ يدي مُصافحة : هَل يُمكن أن نَبدأ من جَديد ؟ كَما لو لم نَعرف بَعضنا من قبل ؟ أنا هيمي ! هَل يُمكنُنا أن نَكون أصدقاء ؟ !
ظَلت يَدي مَمدودة لفترة بينَما مﻼمح وجهُه لم تَتَبدَل ! حَتي ظَنَنتُ أنهُ لن يُصافحني ! لَكنهُ فعل مُباشرة قبل أن تَكاد تبدأ ابتسامتي فالاختفاء وعندما فَعل تَجدَدت من جديد ليبتسم هوَ أيضًا بأشراق قائﻼً : بالطبع !
- إذَن ،ما أسمك ؟!
قالَ وهوَ يَترُك يدي : ظَننتك لن تسألينَ أبدًا!
رَفضتُ تركَ يدُه قبلَ أن يُخبرني ! بل وسعتُ عينيّ مُحدقة به كَمن يقول "هيا" ﻻ أظُنُ أني فَعلتُ شيئاً كَهَذا من قبل !
أخبرتني آروجانِت ذات مرة أني أستَطيع السيطرة علي الناس بأستخدام عينيّ وهاأنذا أختبر صحة قولها !
تَجمد لثواني مُحدقاً بي ثُمَ قال : أنا ﻻ أتَذكَرُه !
تباً لكِ آروجانِت ! اﻷمر يأتي بنتائج عكسية تماماً
- مَعذرة ،أنا غبية بعض الشيء ! ما الذي ﻻ تَتذكَرُه ؟ !
- كل شيء عن حياتي السابقة قَبل أن أُختم !
- لَكنك عَلمت أني اﻷميرة فقط من السوار ! ظَنَنتُ أنكَ عَلِمتَ هَذا ﻷن السوار طالما كانَ رمزاً مُعيناً بالماضي !
- هَذا ما ظَننتُه أيضاً فالبداية لَكن بعدها وَجدتُ أني ﻻ أعلم شيئاً عن نفسي !تَفهمين ما أقصد ؟ ! أتذكر أشياء عامة ! ﻻ شيء شخصي ! أتذكر الطيران ! القيام بالسحر ! كوني من اﻷنصاف !!
عَدا هَذا ﻻ شيء آخر ! بعض اﻷستنتاجات الذكية تُفيدني ! كَأنَ ﻻ فائدة من البحث عن شخص يعرفني ﻷن أحداً منهم لم يَعُد حياً !
- أنا آسِفة !
- ﻻ أخبرك لتَشعُري باﻵسَف ! لَكن ﻷنكِ قُلتِ أننا أصدقاء !
- بالطبع ! أعدك بأننا سَنجد حﻼً ستَستعيد ذاكرتك قريباً ! ﻻ تقلق !
لَكني سأحتاج مَعلومات أكثر كي أستَطيع أمساك الخيط الذي سأبدأ بالبحث من عندُه !
- حَسناً، أحياناً أتذكر أشياء لم أظُن أني أعرفها ! مَهارات ! لَكن فقط عندما تؤدي لصالحك بطريقة من الطرق !
هل هَذا مُجرد عارض جانبي لذلِكَ المشروع السخيف ؟ ! أم أنَ هَذا اﻷمر مقصود ؟ ! رُبما هَذا أساس المشروع أصﻼً !
فلو فَكرنا .. ما الذي قَد يَجعل الملك مُستعداً ﻷطﻼق أشخاص قد يكونوا ضحايا لحملة اﻷبادة الشاملة وقد يَكونوا السبب الذي جَعل جَدي يقوم باﻷبادة أصﻼً ! قَد يَكونوا ظالمين وقَد يَكونوا ضَحايا !!
ما الذي قَد يجعل أبي يقبل بذلك المشروع الذي رفضه جدي للتنفيذ إن لم يَكُن مُتأكداً من أن الهاروكو البديل لن يتذكر شيئاً عن حياتُه قبل أن يُختم وسَيكونُ في صَفِنا !!
وإن كانَ اﻷمر عارض جانبي للمشروع غير مَقصود ألم يَكُن من المُفترض أصﻼحُه ؟ !
ما مِن أحد قادر علي أصﻼح شيء ﻻ يَعلم أنَ بهِ خَطباً، صَحيح ؟ !
آروجانِت !! ماذا عَن لوسيوﻻ ؟ !
هَل يَتذكر شيء عن حياتُه قَبل أن يُختم ؟ !
هل اﻷمور بدأت تُصبح مُعقدة أم ماذا؟!
___
/رَكَضت نحوي تلكَ الصغيرة المُرتدية كيمونو وردي بسُرعة لم أعتد رؤيتها تجري بها من قبل فتَعثرت ووقعت أرضاً ! لذا هَرعتُ إليها بسُرعة ﻷُنهضها عن اﻷرض وأطمئن عليها : ما اﻷمر رين ؟ ! لِمَ تَركُضين ؟ !
- يَجب أن أجِدَ مينوري بسُرعة ! سأختفي عند الغروب !
- ماذا ؟ ! لماذا ؟ !
- أنا هاروكو هيمي ! هَذا ما نَفعلُه !
- ﻻ ! أنا أرفُض هَذا ! لَستِ كأي هاروكو أنتِ كَمينوري تماماً بالنسبة لي ! أعتبرك شقيقتي !
- أنا مُجرد نُسخة ! من مينوري !
- هيه فتيات! ماذا تَفعلنَ هُنا ؟ !
هَذا كانَ ما قالتهُ مينوري التي آتت للتو فلم تَرُد عليها أحدنا إلي أن استَجمعتُ شجاعتي وبدأتُ بقول : اﻷمرُ هوَ . . . أنَ رين سوفَـ ..
- تَختفي عند الغروب ! الذي هوَ اﻵن !
هَكذا قالت مينوري ﻷُدرك أنها كانت تَعلم !
- كلتاكُما أتفقتا عليّ إذن !
كادت مينوري تَقول شيئاً لَكني قاطعتُها : مُنذُ متي وأنتِ في حالة التَبصُر ؟ ﻻ ﻻ دَعيني أحذر ! عندما ذهبتي إلي ذَلكَ الشﻼل وقضيتي أسبوعاً هُناك ! وَجدتِ نفسك آخيراً شقيقتي ! لـــِمَــ لم تُخبريني ؟ !
- أعلم كيفَ هوَ صَعباً عليكِ وداع أشخاصاً أحببتيهم !
- أنا طبيعية مينوري ! أنتِ الغريبة ! كيفَ يُمكنك أن تكونِ بهَذا الهدوء اﻵن ؟ !
- رفاق ؛ أكره مُقاطعتكُم لَكن .. أنا أتﻼشي !
نَظرتُ بسُرعة لرين التي كانت تَقف بجوار النوافذ الزُجاجية وأشعة الشمس البُرتُقالية تُﻼمس أطراف ثَوبِها بينما قدماها غير موجودَتان !
أتَجهت مينوري إليها لتَضُمها بهدوء بدون أي كَلِمة ! ابتسمت رين وتحولت إلي ذرات غُبار ﻻمعة ! شاهدتها بصمت تتجه إلي قلب مينوري بينما عينايّ ﻻ تتوقفان عن نزف الدموع مَهما رَغبتُ بشدة في إيقافهُما ! هل مينوري مُحقة ؟ ! هل أواجه صعوبة في وداع بعض اﻷشخاص ؟ !/
___
- أوتش ! ﻻ تَدُق علي رأسي هَكذا !
- أنتِ صامتة مُنذُ مُدة ! هَذا مُقلق !
- كُنتُ أُفكر !
صَمت قليﻼً ثُمَ أردفت : هَل أحضرت مَعك أي شيء قَد يَصلنا بالمملكة ؟ !
- لَقد قالَ الملك أنهم سَيُرسلون لنا كُل ما قَد نحتاجُه !
- الناقﻼت عن بُعد ؟
- نَعم !
قُلتُ بمرح : هل تَعلم ؟ لَقد حاولتُ نَقل نفسي بها مرة عندما كُنتُ طفلة !
- لَكنها تنقل الحقائب فقط !
- كُنتُ بالتاسعة ! لم أعلم هَذا !
- وماذا حَدث لكِ ؟ !
- لم يحدُث شيء ! تَلقيتُ مُحاضرة طويلة عن اﻷلتزام والتَصرُفات العاقلة وﻻ ننسي اﻷنتماء الوطني !! إلي جانب حرماني من أكثر شيء أُحبُه كَعقاب والذي لم يَكُن سوي . . . . الشوكوﻻ !
قَهقه بخفة لثواني لِأُردف : لديكَ ضحكة جَميلة !
- شُكراً !
- إذن . . . . إلي أين سَينقلون الحقائب ؟ !
- تَقاطُع الطُرق الحادي والعشرون!
- وأينَ سَنُمضي المئة يوم ؟ !
- في بيت سَفيرَنا بعالم البَشر !
- السَفير ! ألم يَمُت ؟ !
- ﻻ أعلم عَنهُ شيئاً ولَكن ﻻ بُدّ أنهم عينوا واحداً غَيُره بَعد أن مات ،واحداً تتوافر فيه الشروط المطلوبة !
- أمم ،مُحق !
وبينما نَحنُ نَتحدث مَر من جوارِنا رَجُل عجوز لِأُحدق بهِ لوهلة قائلة : عندما قُلت قَلب بشري أنت لم تَقُل شيئاً عن كَونُه شاباً أو عجوزاً !
- هَل سَتُحاولين جَعل عجوزاً يَقع في حُبك ؟ !
- ولمَ ﻻ ؟ !
- ﻻ لشيء ! فقط يبدو غريباً !
- صَدقني؛ العَجائز يُحبونني بسُرعة !
- مُتأكدة ؟ !
ضَحكت ببﻼهة : بالطبع . ! . . . ﻻ !
ﻷكون صريحة؛ علي اﻷقل مع نَفسي ! .. عليّ اﻷعتراف بإنَ العجائز طالما كَرهوني من النَظرة اﻷولي لسببٍ ﻻ أعرفُه ! رُبما لكوني شاحبة قليﻼً ! لَكن هَذا سَطحي جداً !!
أتَذكر أنَهُم طالما أحبوا لين لشَكلها الطفولي البريء وأحمرار وجنتيها ! لَكننا في عالم البَشر اﻵن ! من يَدري ؟ ! رُبما العجائز هُنا مُختلفون !.. سأتحدي طبيعتي !
- أنتَظر هُنا ! وأنظُر ماذا سأفعل !
___
ظَللتُ واقفاً لثواني أُراقبها وهيّ تتحدث للعجوز بكُل لُطف ! وأبتسامة ظريفة تَعلو وجهها ! لَكنهُ بدأ فجأة يُحاول ضَربها بعصاه بينما هيَ تَقفز هُنا وهُناك وهيَ تتحدث مُحاولة تبرير أمراً ما كما كانت تُحرك يديها في جميع اﻷتجاهات !
من كانَ يَعلم أنَ هيمي تَستَطيع أن تكون مُضحكة ؟ ! ماالذي قالتهُ لَهُ يا تُري ؟ !
رُبما ذَلك الوقت الذي يجب أن أتدخل بهِ قَبل أن يُصيب العجوز أزمة قلبية ! أو كسر في أحد فَقرات الظَهر !
قُلتُ بعد أن أصبحت قريباً منهما : ما اﻷمر جدي ؟ !
- أبعد تلكَ المُزعجة عني !
- بكُل سرور !
سَحبتها من رسغها اﻷيمن بينما مازالت تُحرك يدها اليُسري بعشوائية قائلة : صَدقني هُناك سوء فهم !
توقفي هيمي قد تُزيدين اﻷمر سوءاً !
ما أن أبتعدنا عن العجوز قليﻼً حتي سألتها :
ماذا فَعلتِ لَهُ حتي يَكرهك بتلكَ السُرعة ؟ !
- ﻻ شيء ! فَقط أُشبه حَفيدَتُه المُزعجة ونَظراً لضَعف نَظرُه ظنَني هيَ ! ﻻ أدري كيفَ يوجد بشرية تُشبهني حتي ! مَن المجنونة التي قَد تَصبغ شعرها باﻷبيض ! اﻷمر فقط غريب !
- أنتِ سيئة الحظ !
- أعلمُ هَذا ! أأوتش !! مــــن الــذي رماني بتلكَ الكُرة ؟ !
ألتَفتت لتَري طفﻼً يَهرُب مُبتعداً فَعلِمَت أنهُ هوَ ! فما كانَ منها إﻻ أن أنخَفضت لتَحمل الكُرة من جَديد لتَرميها عليه صارخة : أيــُها الــلَعين !!
لَكنها أرتَطمت برأس شاب كانَ ماراً بالحديقة مع فتاة أقصر منهُ !!
- آآه لــنــَركُــض !!
- ﻻ أنها فُرصَتنا ! أترينَ ذَلِكَ الشاب ؟!
- نَعم ! وأري أيضاً أنهُ قادم لـقَتـلي !! كما إنَ مَعهُ فتاة !
- قَد تَكون شَقيقَتُه !
وَبينما نَحنُ نَتجادل كانا قَد أصبحا أمامنا فَلم أجد مَفراً من اﻷعتذار : أنا آسِف، قَريبتي خَرقاء !
- ﻻ عَليك أنَ الخرقاوات كَثيرات هَذهِ اﻷيام !!
قالَ هَذا وهوَ يَنظُر للفتاة الواقفة إلي جواره مُبتسمة بتوتر ! من الواضح أنهما يَكرهان بَعضَهُما !!
- أنا كاورو !
مَدَ يَدُه مُصافحاً بينما أنحنت الفتاة قليﻼً قائلة : سورا !
خَرجَت هيمي التي كانت مُختبئة خَلفي قائلة : أنا هيمي ! وهوَ . . . يوتا !
تَجمدتُ لثانية ! بمَاذا دَعتني للتو ؟ !
لم تَقُل " أنتَ " أو "يا هَذا " يـوتـا ! أنهُ أسم غريب ! يبدو كاسم طفل ! لَــكـن . . . ﻻ بأس ! . . أظُن !
- حَسناً، سُررنا بمعرفَتِكُم يا رفاق ! كاورو يَجب أن نَذهب ! أمي ستَقتُلنا إن لم نَعُد بالحاجيات وخالتي أيضاً !!
نَظرتُ إلي حقائب الحاجيات التي كانوا يَحملونَها من ثَمَ صافحتُ كاورو قائﻼً : أراكَ فالجوار !
زَفَرت هيمي بأرتياح بعد أن ذَهبا ﻷقولَ مُبتسماً : تَركتُ عﻼمةً عليه !
- مَهﻼً، ألم تَقُل أنَ السحر مَمنوع ؟ !
- أنا لم أقُم بتعويذة المحبة ! ولم أصنع سائل الحب ! ولم أفعل أي شيء يَخُص هَذا اﻷمر !
- تَقصد إنَ السحر نَفسُه ليس ممنوعاً أنما السحر المُباشر ؟ !
- نَعم ! ماذا ظَننتي ؟ !
لوحت بيمينَها قائلة : ﻻ تَهتم ! . . بالمُناسبة أنتَ لم تُخبرني بقية قوانين اﻷختبار !
- صَحيح !
أخرَجتُ الورقة التي دَوَنت القوانين فيها من جيبي وَفتحتها لتبدأ بأفتراش اﻷرض أمامنا !
قالت هيمي بَعد أن أغلَقت فَمَها الذي كادَ يَصل اﻷرض من شده الصدمة : يا إلهي ! هل القوانين كَثيرة إلي تلكَ الدرجة ؟ !
- نَعم !
- أﻻ يُمكن أن نَختَصرَها قَليﻼً ؟ !
- امم ، حسناً يَجب أن تَعلمي أنهُ ﻻ يُمكنك القيام بأكثر من تَعويذة في اليوم الواحد ! المكان هُنا ليس كَعالم السحر ! مُكونات الهواء نَفسُه مُختلفة ! لَن تَستَطيعي أستمداد القوة منهُ لذا السحر الذي ستَقومين بهِ سَيكون نابعاً من داخلك ! لذا أكثر من تَعويذة يومياً قَد تُضر بصحَتك !
وكذلك أنا لن أتمكن من القيام بأكثر من تَعويذة يومياً ولَكن قَد يَضُرني هَذا حقاً علي المدي الطويل لأني بشري اﻵن بينما ﻻ تزالين كما أنتِ . ! . . وماذا أيضاً ؟ ! آه يجب أن تَتَعلمي تَعويذة جديدة من المُستوي اﻷول كُل عشرة أيام ! فالملك ﻻ يُريدك أن تُهملي دراسَتك !
- المُستوي اﻷول ! عَشرة أيام ! هَل تَمزح ؟ !
- ﻻ ! وشيء آخر !
- ماذا أيضاً ؟ !
- ﻻ تَقبيل !
- ماذا ؟ !
- الملك قال أنَ التَقبيل ممنوع !
- وكأني سأُقبل أي بشري أراه ! هل هَذا قانون أساساً ؟ ! أم مُجرد أمر من أبي ؟ !
- ﻻ أعلم ! رُبما ﻻ يُريدك أن تتعلقي بالبَشر كثيراً ! فالزواج منهم جريمة كَما تَعلمين ! . . أظُنُه يُريد مَصلَحتك فالنهاية !
صَمَتت قليﻼً مُحملقة بالسماء المُمتلئة بالنجوم ثُمَ أردَفت : أتعلم ؟ لم أُفكر فاﻷمر بتلكَ الطريقة من قَبل ! شُكراً علي جَعل اﻷمور أوضح !
قالت هَذا مُبتسمة بهدوء ﻷرُدَ تلكَ الابتسامة قائﻼً : علي الرحب !
صَمت كﻼنا لثواني بينما النسيم يعبث فشعرينا ناشراً أحساساً بالسﻼم ! مُنذُ متي ونَحنُ نَتجول فالحديقة ؟ !
لَقد أظلمت قليﻼً ! وكأن أحدَهُم يقرأ أفكاري قالت هيمي وهي تَضُم نَفسها قليﻼً : أنها تُظلم ! لنُحضر الحقائب من تقاطُع الطُرق ذاك ﻻ بُد وأنهم أرسلوها اﻵن ونذهب بَعدها إلي بيت ذَلك السفير ! أنهُ هُناكَ ليستقبلنا اﻵن ،صحيح ؟ !
- أظُنُ هَذا !
___
- لماذا أحمل كُل الحقائب وَحدي ؟ !
ﻻ أقصد التَذمُر ولَستُ ممن يُحبونه لَكن حقاً ! أنا أحمل كل شيء وحدي مُنذُ مُدة ! وأيضاً السماء بدأت تُمطر !
- لأني أحمل الخارطة وأُحاول إيصالنا للمنزل !
- ﻻ أدري لماذا أشعُر وكأنكَ تحملها بالمقلوب !
- وأنا أيضاً ﻻ أدري ! لماذا تَشعُرين بذَلِكَ هيمي ؟ !
وكانت تلكَ القشة التي قَسمت ظهر البَعير ! فتركت كُل الحقائب أرضاً أو باﻷحري رمَيتُها !
- حَــــــــــقــــــاً ؟ ! أنظُر حولك ! رمال كانت لتَبدو ذَهبية لو كُنا صباحاً في كُل مَكان حولنا ! باﻷضافة إلي أمواج مُتﻼطمة ! نَحنُ بجوار الشاطيء !! مَن مجنون قَد يعيش بجوار الشاطيء ؟ !
أشار إلي شيئاً ما بمﻼمح مصدومة فنَظرتُ ليُتابع : سَفيرَنا المَجنون يَعيش بجوار الشاطيء !
لسَببٍ ما لم أستَطع سوي اﻷعتراض بأمتعاض : رُبما يَكون بيتَ شَخصاً آخر !
- هاي هُنا بيت السفير السحري ! أنا لستُ هُنا اﻵن ! سأكون هُنا صباح الغَد ! لن ينفتح المنزل سوي بنبرة صوت اﻷميرة .. وداعاً اﻵن !
قالَ هَذا وهو يَقرأ ورَقة كانت مُلصقة علي باب المَنزل بعدها نَظر لي رافعاً حاجباً : هَل كُنتِ تَقولينَ شيئاً ؟ !
أزحتُه بَعيداً عن الباب بأنزعاج قائلة : هيا ﻻ تَكُن مَغروراً ! هَذا ﻻ يَليق بك !
أكتفي بالضحك بخفوت ووضع يديه في جيبيه بينما تابعتُ مُحدثة الباب : هيا انفَتح !
لَكن لم يَحدُث شيء فغَضبت : انـفَـتـح أيـُها الـلعـين !
آتي صوت عميق ﻻمرأة في الثﻼثينات من الباب قائلة : إن تَكررت مُحاولتك ﻷنتحال شَخصية اﻷميرة من جَديد سيتم تَفعيل أجهزة الدفاع !
- رُبما لم أكُن مُهذبة جداً !
قُلتُ هَذا للهاروكو الذي كانَ يَقف بكُل برود الدنيا واضعاً يَديه في جيبيه ! مُغلقاً عينيه ! أظُنُهُ مُتعباً أيضاً بَعد يوماً كَهذا ! وتَذمُري ﻻ يُعالج اﻷمر !
إذن هَل يتم عقابي اﻵن ؟ !
أخرجني من أفكاري تلك الزفرة وبعدها : أنَ صوتَكِ مهزوزاً ! خُذي نَفساً عميقاً وقليل من الثقة فالنفس ستَكون جيدة !
هل تَوَصَل إلي هَذا فقط بأغﻼق عينيه ؟ !
- حَسناً !
أخذتُ نَفساً عَميقاً وحاولتُ ملء نَفسي فَخراً ! وثقة أظُنَني نَجحت !
فَتحتُ عيناي : أنا أميرة " آماميزو " وأأمُرك أن تنفَتح !
أنفَتح الباب فجأة وأضاءت كُل أضواء المَنزل ! ابتسَمتُ بسعادة ليَرُد تلكَ اﻷبتسامة بأخري مُتعَبة لَكن صادقة، ﻻ يُريها لي البعض كثيراً ،عميقة!
-انتهي الفصل التاسع