تنسابُ العجينة بين أصابعه بسلاسة تامة فيمَّ تتمايل تارة وأخرى إثر حركاتِ كفيه المتناغمة وبدراسة دقيقة وتفصيلية من عينيه يستطيع أنْ يعرف بأنها ستكونُ شكلِّ مذهلِّ في النهاية ، على الشكلِ الذي هي ستصير عليه ، لطالما اعتقد بأن الأشكال تُخلقُ من تلقاء نفسها بين أصابعه ، ذهنه لمْ يتعبْ في التفكير والاعتقاد عن كيفية تصويرها فبمجرد أنْ يبدأ بالعملْ وتباشر هذه العجلة بالدورانْ تبدأ الرقصة بين العجينة وأًصابعه ، وبتناغمِّ وانسجامِ تبدأَ بأخذِ شكلِّ غريبْ لمْ يفكر فيْه من قبلِ ، حالما يعملْ لا يشعر بمَ يحصل حوله ، لا يشعر بسخونة الطقسِ أو برودته ، لا يهتمُ إن كان هنالكَ ما يحادثه ، كل ما يهمه هوَّ أنْ يعمل وينتهيْ بشكلِّ يرضاه في نهاية المطاف ! ..
حاجبيه الكثيفين منعا عرقه منْ الوصولِ لعينيه الضيقتين لإعاقة عمله ، أنفه الطويل يعملُ بجدِ هذه المرة فهو يجذبُ كمياتِّ كبيرة من الهواء إلى داخل جسده ، تنطلقَ عدة دندناتِّ خافتة من بين شفتيه لتمتع بذلك أذنيه المتمركزتين أسْفلَ خصلات شعره القصيرة المصففة وبمزاحمة الشيبِ لها اتضح بأنَّ عمره كبير فعلا ، لمْ يكدْ يعقد حاجبيه لبرهة حتى توقفت كفيه عن العملْ ، أدار رأسه صوبَ اليمين حيثُ تقفُ حسناء معتدلة الطول بالقرب منه فيم تعانق أصابعها النحيلة كتفه برفقْ ، تتلألأ خصلات شعرها الأشقر أسفل خيوط الشمس المنبعثة من بين ثغرات جدران الورشة الخشبية ، بادل ملامحها المرهقة بابتسامة حالما تأمل عينيها العشبيتين الساخطتين فهو بدأ يفهمْ بأن يومها مُتْعِبٌ من بدايته ، لوتْ شفتيها الصغيرتين قبل أن تردف بانزعاجِ تجلى فيْ كلماتها : أنتَ لمْ تحضر الحفل مرة ثانية ، أعتقدُ بأنك تتهربُ من الإعلامِ وحسبْ ، ذلك غير عادلِّ أبيْ ! ..
لم يستطيع منع ضحكته أكثر من ذلك لقد أظهرت تلك العقدة بين حاجبيها الرفيعين هذه المرة ، ارتفعت أصابعه المتشحة بثوب متسخ من الطين والعجين ثم قرر مداعبة أنفها الصغير إلا أنها انتفضت من مكانها سريعا بغية إنقاذ ما بقي نظيفا من ملامحها الفرنسية ، عانقت أصابع السيد " آلبرتين " المنشفة على طرف الطاولة وعاد يهتف بشيء من السعادة : قطعة السكر تبدو منزعجة فعلا هذا اليوم .. أتبع إنما بقليل من الجدية : لا أحب تلك الحفلات صدقيني ، تملق و أحاديث فارغة لأستيقظ في الصباح على صورتي بالجريدة ، هذا شيء أعجز عن تحمله ! ..
لمْ يكد يُطبقُ شفتيه عن آخر كلمه حتى اقتحمَّ صوتٌ مُخمليُّ غريبْ المكان موافقا بكلماته عبارة السيد " آلبرتين " الماضية : لست الوحيدَ الذيْ يعانيْ ، صدقني ! ..
بقيت عينيه متعلقين بفتاته الجميلة لثوان فمن المستحيل أن يكون هذا صوتها وأن تكون نبرتها متعالية إلى هذه الدرجة ، و من غير المعقول أن تكون تلك الكائنات المزعجة قد لحقت به حتى المنزل مقتحمة ورشة عمله ، لم تستطع " فانتين " تحمل الملامح التي رسمها والدها على وجهه قبل لحظات فقد بدى مضحكا فعلا ، بعد أن أطربت مسامعه بضحكتها المفعمَّةِ بالحياة حتى تبسمت بقليل من السعادة وهتفت : تبدو فزعَّا ، لا تقلق إنه ليس من الصحافة ، بل هو الشخصُ الذيْ اشترى " أوديت " في المعرض البارحة ! ..
يتدثر ذلك الجسدِ بمعطفِّ صيفيْ فيمَ يُخبئ أسفله قميصا وسروالا بلونِ السماءِ فيْ شدة لياليها ، لمْ يُصدقْ السيد " آلبرتين " بأن قطعة " أوديت " الثمينة تستقر على أحد مناضد هذا الشابِ في منزله ، هذا غير معقولْ فبالرغم من أنه يبدو ثريَّا فعلا إلا أنه لا يزال صغيرَّا في السن ليشتري القطعة التيْ تعبَ فيْ صنعها ، أراح ذلك الشابُ كتفيه بينما يدُس كفيه فيْ جيوبِ معطفه ولمْ يلقِ بالا لتصرفِ السيد " آلبرتين " ذاك الذي عدَّه يفتقر إلى اللباقة ، أوَليسَ من المفترضِ أن تكونَ أصابعُ أكفِهِمَّا متعانقتين فيْ المصافحة الآن ! ..
أجزاءُ من الزجاج الحاد مهشمَّة على الأرضِ وعلى الجدرانِ تستلقيْ مجموعة من الأوانيْ قد تشابه بعضها فيْ الطولْ وبالقربِ منْ الطاولة التيْ يعمل عليها ذلك الرجل يوجد قليلٌ منْ أوانيْ الفخار التيْ قد كُسرت إلى نصفينْ ، يبدو وبأنه فشل فيْ إتمامها ، بقيَّ يتطلعْ إلى إحدى الأوانيْ برفقْ فمظهرها لا يبدو غريبَّا عليه يبدو تماما كقطعة " أوديت " التيْ فكر في اقتنائها ، لا بد وبأن هذا الرجلْ وجد صعوبة فيْ صنعها ، لمْ يغفل " إيرل " عن تقييم السيد " آلبرتين " له بعينيه ، فعدمُ حديثه معه إلى الآن .. هل هذا يعنيْ بأنه لمْ يحصل على إعجابه ربما ، لمْ يدمْ تساؤله طويلا فسرعانَ ما طرقت كلمات السيدُ " آلبرتين " مسامعه هاتفا به بقليل من الجديَّة و العجبْ : تبدو صغيرا لتحفلَ بهذه الأشياء المملة ، مالذي يجعلكَ مهتمَّا فيْ الأوانيْ الخزفيَّة ؟! ..
كما توقع ، هوَّ لمْ يرقه بعد ، يبدو وبأنَّ السيد " آلبرتين " تفاجأ برؤية شابَ بدلا من رجلِّ فيْ نهاية الأربعين ، تنهدَّ " إيرل " بقليل من الهدوءْ قبلَ أنْ يستطرد بكلماته غير آبهِ بمعناها الذيْ قد يُفهمُ بطريقة خاطئة : الملل ، أشعر بالرتابة مؤخرا لذا قررت أن أبدأ في الاهتمام بشيء غريب ! ..
لاحظَ " إيرل " العُقدة بين حاجبيْ السيد فمن غير المعقولِ أن تقولَ بأنك تهتمُ بالخزف كيْ لا تشعر بالملل ومن غير المعقولِ أيضا أن تطرقَ هذه الكلماتِ مسامع رجلِّ عاشَ أغلبِ عمره بين الطينِ والماء لصناعتها ، ظهر صوتُ السيد " آلبرتين " حانقا وفيْ تساؤل مستعجبْ ل " إيرل " عديمِ التهذيبِ – كما اعتقد - أمامه : هل تقولُ بأنكَ قمتَ باقتناء " أوديت " القطعة التيْ تعبتُ في صناعتها لمجردِ أنكَ تشعر بالملل ؟! ..
هل هو غاضبٌ منه الآن ؟! ، لكنه لم يقل شيئا يستحقُ كلَّ هذا ، كلُّ مافعله هوَّ أنه قال ما يشعر به ، صحيح إن الكبار فيْ السنْ يُثار جنونهمْ لأتفه شيءْ ، يجبُ عليه أن ينتقيَّ كلماته بعنايَّة أمامَّ السيد وإلا فإنه لنْ يحصل على ما يريد ، تبسم "إيرل " رغم ملامح وجهه الجامدة وتحدثِ بطريقة أقربُ ما تكونَ إلى الاعتذار فقط ليحرصَ على تغيير انطباعه لدى هذا السيد المنفعل : أعتذر إن كان فيْ كلاميْ شيءُ اعتبرته من الوقاحةْ ، ثقْ بأننيْ لم أكن أقصدُ شيئا يمسَّكَ فعلا ، بالفعلْ بدأت أهتمُ بالخزفِ منذ مدة قريبة ولنْ أجاملك إنْ أخبرتكَ بأن اسمكَ هوَّ أولُ اسمِّ عرفتُه فيْ ذلك العالمِ لذا أردتُ أنْ ألتقيكَ وأعرف الكثير منكْ ! ..
لانتْ ملامح السيد " آلبرتين " قليلا ، فبالرغمِ منه أنه لم يلقى استحسانه بالكامل إلا أنه يجيد الاعتذار فعلا ، ويعرفُ كيفَ يقلبُ الوضع لصالحه ، كيف لا وهو يتعامل مع أشخاصِّ لا يهمهمْ سوى المال و الثروة وتوقيع الصفقاتِ المُربحَة ، تبسَّمَ بشيءِّ من العمقْ قبلَ أن ينهضَّ من مقعده هاتفا بنوعِّ من الترحيبْ : إن كان الأمر كذلك فَلابأسْ .. أتبع برفق : مرحبَّا بكَ فيْ منزليْ المتواضعْ سيدْ " براسيت " ! ..
تنفسَّ " إيرل " بشيءِّ من العمقْ فيمَ يرمق ملامح السيد التيْ تلوحُ له بالخير والقبول ، ف للتو كاد يجزمُ بأنه سيعتذر عن استقباله فيْ منزله لكن لا بأسَ مادامَ قد أفلحَ فيْ تغيير سلوكه ، من المستحيلِ أنْ يفرِّطَ بذلك الشعور الذيْ دبَّ فيه لحظة إمساكه لتلك القطعة بين أصابعه ، ذلك الشعور يخبره بأن مقدمه إلى هنا سيعود إليه بالكثير ، بالرغم من أنه لمْ يكن مهتما فعلا بشراء تلك القطعة وليس قلقا بشأنِ السيدة " لورينز " تلكَ التيْ لم تعلمْ بعدْ بعدد الملايين التيْ أنفقها ! ..
ما هيٍّ إلا قليل من الثواني الصامتة حتى استطاع الثلاثة سماع خطوات متعثرة بدت وكأنها في طريقها إليهم ، التفت "إيرل " صوب الباب ينظر نحوَ خيال رجل يركض تجاههم وللحظة فقط استطاع معرفة أنه ليس سوى عامل في هذا المنزل ، بستاني ربما ، ثيابه تتخللها التراب ، قميص مهترئ بالإضافة إلى خصلات شعره الشعثاء ، التقط العديد من أنفاسه الضائعة فيم يُسندُ ذراعه على طرف الباب محاولا التحدث بنبرة مرتجفة : سيدي ، " لايت " .. " لايت "! ..
مالذي يحدث ؟! ، سؤال من كلمتين أصبح يجول في ذهن " إيرل " فبمجرد أن نطق ذلك الرجل بالاسم حتى تهافت ذلكما الاثنين صوب الباب بسرعة ، لن يستفيد شيئا بوقوفه هنا ، تلاحقت خطواته قاصدا الخروج من الورشة وبالتفاتة بسيطة نحو اليسار استطاع رؤية تلك الجلبة ..
إسطبل على الجهة اليسرى من المنزل فيم تقف تلك الفتاة بالقرب من البستاني الشاب بشيء من القلق ، وعلى بعد أربع خطوات تتخبط ذراعي السيد " آلبرتين " عاليا في الهواء في محاولة بائسة من أصابعه للإمساك بلجام حصان حالك السواد فيم تكثر تلك البقع البيضاء عل قوائمه الأربع ، هو بالفعل يبدو هائجا كما وصفه الرجل قبل قليل ، وفكرة إيقافه تبدو مستعصية على السيد نوعا ما ، ترتفع قائمتيه عاليا ثم يعود يهبط بكامل جسده للأسفل وصوت صهيله يدويْ في المكانْ ، استطاع سماع صوتَ السيد " أليرتين " ذاك الذيْ بدأ ينطق بعدة كلماتِ علَّها تهدئ من روع هذا الحيوانِ أمامه ، وبالفعل ما هيَّ إلا ثوانِّ قليلة حتى هدأت حركتُه بالتدريجْ واستكانَ أخيرا مستسلمًا للمسات السيد " آلبرتين " على عنقه الطويلة ، زفرت " فانتين " بشيءِّ من القلق فيم راحت أصابع كفها تضغط على أطراف عنقها كعادتها دائما حين شعورها بالاضطراب ، التفتت صوب ذلك العامل وهتفت بتساؤل مستغرب : مالذي حصل له ؟ لقد كان هادئا قبل لحظاتْ ! ..
جاءها الردُّ بشكلِّ فوريْ حيْثُ استطاعتْ " فانتين " سماع أنفاسِه المتهدجَّة : لستُ أدريْ ، لقد أصبحَ هائجا بشكلِّ مفاجئْ ! ..
رفعتْ " فانتين " أحدُ حاجبيها باستغراب فليسَ من عادة " لايت " أنْ يهيجَ ويثور هكذا إلا في حالِ حدوثِ شيءِّ له ، تنهد السيدُ " ألبرتين " بشيءِّ من الهدوءْ بينما بدأ ينفضُ كلا كفيه فلتوه أعاد " لايت " إلى الاصطبل بعد أنْ أحكم رباطه بإحدى العواميد الخشبية ، رفع بصره صوب الشاب مرة أخرى وطرح سؤاله متعجبا : طعامه متناثر على الأرض أيضا ، ليس من عادته أن يثور بجنون هكذا ويخرج من الاصطبل ! ..
ابتلع ذلك الشابُ ريقه بصعوبة فيمَ بدأت عينيه تتحركان بشكل غير ثابت : لست أدري سيديْ ، لقد جئت إلى هنا كالمعتاد .. أعني .. كما تعرفْ فهذا هو الوقتُ الذي يتناول فيه " لايت " طعامه .. ثمَّ .. وفجأة وجدته هائجا ولمْ أستطع التحكمَ به حتى خرجَ من الاصطبل ثائرا ! ..
تنهد " آلبرتين " بشيءِّ من العمقْ فيمَ راح يفكر في الحالة التيْ أصابت خيله المسكين فليس من عادته أنْ يحدث هذه الفوضى بدونِ مسبب ، ظهرت تلك العقدة في حاجبيه حينما التقطت مسامعه صوت ضحكاتِ خافتة بالقرب منهما ، دسَّ " إيْرل " كلا كفيْهِ بجيبيه فيمَ اقتربَ من مكانِ وقوفهم يلمح على وجوههم علائم الاستغراب والضيق و لربما استطاع ملاحظة انزعاج السيد " آلبرتين " وعدم استلطافه لفعلته الغريبة تلك ، تنفسَ بشيءِّ من العمقْ محاولا بذلك تهدئة صدره الذيْ باتت فيه أنفاسه متخبطة من كثرة استمتاعه بمَ يحصلُ هنا ، تحدثَ معتذرا : أعتذر ، لمْ أكنْ أقصدُ ذلك حقيقَة ! ..
تبسَّم وأتبع بقليل من اللامبالاة : لستُ أدريْ إن كنتَ تعملُ هنا منذ مدة طويلة لكنْ ألا يجدرُ بكَ أنْ تعرفَ بأن هؤلاء الأشخاصْ على علمِّ بحالة الحصانِ قبل قدومكْ ، يجدرُ بك أن تبتكر كذبة تكونُ سهلة التصديقْ ، كذبتك الصغيرة هذه ليست بيضاء حتى .. أتبع بسخرية : لا ، إنها لا تعد كذبة بالأصل ..
لمْ يكد يُنهيْ كلامه حتى استدار ذلك الشابُ نحوه وفي انزعاج واضح ، فصاح بوجه " إيرل " مضطربا : مالذي تقوله ؟..
أخرسه " إيرل " حال استدارته نحوهِ ، لم يبدو منفعلا أو حتى مضطربا كحال الواقف أمامه ، كل ما في الأمر هوَّ أنه تجاهل عيني السيد " آلبرتين " تلك التي عادت ترمقه بذات النظراتِ التيْ لمْ يعرفْ تفسيرا لها حتى الآن ، عاد يشرحُ بشيءِّ من البرود : كذبت لأنك تعرفُ بأن أنفكَ لن يطولْ لكنْك فُضحت في النهاية ، عليكَ أن تنتبه لحركاتِ عينيك وعثراتُ لسانكِ فلابد وبأنك واجهت وقتا عصيبا في ترتيبِ كلمات لأحداث لم تحصل ، إنك تضغط على أطرافك بقوة أيضا ، أظن بأن هذه علامات لا بأس بها لتعرف بأن الشخص أمامك يكذبْ ! ..
عاد يستطردُ لينظر صوبَ ذلك الشيءِ القابع بالقربِ من الباب بسكونْ : يبدو وبأنه تلقى ضرباتِّ من ذلك السوطْ ولأنكَ فشلت فيْ التحكم به جئتَ لاهثا طالبَّا للمساعدة ! ..
بقيَّ ذلك الشابُ يتطلع إلى " إيرل " بعينين جاحظتين قبلَ أن يشعر بتلك الرجفة التيْ احتلت جسده من أعلى رأسه مرورا بقدميه ، التقط أنفاسه مستديرا صوبَ السيد " آلبرتين " الذي طالبه بقولِ الحقيقة وأن يكف عن اختلاقِ الأعذار ، تنفسَ بعمق قبلَ أن يستطرد بأسفِّ تجلى في صوته : أنا أعتذر منك سيد " آلبرتين " ، كل ما فيْ الأمر هوَّ أننيْ فكرتُ فيْ امتطائه لقليل منْ الوقتْ إلا أنه واجهنيْ بالرفضْ ، لمْ أكن أقصد اللجوء إلى السوطِ صدقني لكن اعتقدتُ بأنه سيرضخ إليْ إذا ما استعملتُ الشدَّة معه ، أطلبُ السماح سيدي ! ..
ضيقت " فانتين " جبينها بحنقْ قبلَ أن تستطرد مؤنبة لذلك الشابِ الذي لم يجرؤ على رفع بصره عاليا : ألم أخبرك بأن " لايت " يرفضُ بأن يتم امتطائه إلا من قِبَل والديْ فهوَّ مرَوَّضُ على ذلك .. استطردت بانزعاج واضح : يبدو وبأنك كنتَ متحمسَّا للعمل متجاهلا تلك النصائحَ التيْ أطلعتكَ عليها في البدايَّة ! ..
لم يبدو السيد " آلبرتين " سعيدا بمَ حصل ، لا تزال تلك التجاعيد ظاهرة على جبنيه الضيقة فيمَ زفرَّ بشيءِّ من العمقْ فلا فائدة من اللومِ الآن ، [ أرجوكَ ، سيديْ اسمحْ ليْ بالعملِ هنا ، والديْ توفي منذ سنة لذا فأنا المسؤول الوحيد عن عائلتيْ أميْ وإخوتيْ الصغار لا مقدرة لهمْ على العملِ تحتَ أشعة الشمسْ أو تحملِ وطأة برودة الليل ، أعدكَ بأننيْ سأكونُ مطيعا لك ولن أخذلك أبدًا ] ، عاد السيدُ ينظر صوبَ ذلك الشابِ الذيْ اصفرَّ لونه وبهُت وكأنه بانتظار قرار إقصائه بعد قليْل ، قضى السيد " آلبرتين " على تلك الدقائقْ التيْ كانت بمثابة سنوات عليه إذ أنه هتف بشيءِّ من الضجر والضيقْ : لن تكونَ قادرا على العناية ب " لايت " فهو لنْ يقومَ بطاعتكَ بعد الآن .. أتبع مقترحا : لا بأسَ إن استلطفكَ زرع الحديقة فأظنُ بأنك لست قاسِّ إلى هذه الدرجة ! ..
يعرضُ عليه العمل مرة أخرى ، بقيَّ ذلك الشابُ واقفا في مكانه غير مصدقا لمسامعه ، سابقا إن أخطأ خطأ بسيطا تافها يُطردُ من العملِ فورَّا ولكنه الآن يُمنحُ فرصة أخرى بكل سهولة فكيفَ له أن يرفضها ، راقبَ " إيرل " ذلك الشابِ الذي كاد يرقصُ من شدة فرحه ولمْ تفته نظرة الحقدِ التيْ حدجه بها قبيل رحيله ، تبسم الأول بشيءِّ من الهدوءْ فلطالما اعتاد هذه النظراتِ الناقمة في الآونة الأخيرة ، تنهدت " فانتين " بتضجر قبل أن تستدير صوبَ " إيرل " هاتفة بابتسامة لطيفة : يجبُ أن نشكركَ بطريقة لائقَة ، تفضلْ معيْ إلى المنزلْ أرجوكْ ! ..
قبلَ دعوتها بلباقة وتبعها نحوَ المنزلْ متجاهلا وخزاتِ الإبر فيْ ظهره ، وكأن أحدهمْ يستمتع بإيلامه بفعله ذلك ، ليت ذلك السيد يكفُ عن النظر إليهِ بتلك الطريقة المزعجة ، فهو لمْ يرتكبْ جريمة فيْ حقِ أحدهمْ وليستْ لديه المقدرة لتغيير طباعه ! ..
__________________ سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم Sleeping Beauty | Ghasag |