عرض مشاركة واحدة
  #65  
قديم 04-21-2016, 09:39 PM
 



أوقف سيارته قريبا من أحد الأحياء البسيطة وخمَّن بأنه سيستطيعُ إكمال الطريق بنفسه فالمنازل متلاصقة وقريبة من بعضها ، لم تنفك عبارة " جيرارد " ترنُ فيْ مسامعه ، فبعد مرور نصفِ ساعةِ من طلبه ذاك عاد يتصل عليه قائلا بأنه استطاع إيجاد المنزل ، قطع مسافة لا بأس بها متجولا بين تلك المنازل البسيطة والمعدمة حتى أن الصدأ بدأ يتآكل أبوابها ، يبدو هذا الحي خاليا من الأهالي بالرغم من أنك تستطيع رؤية بعض الأطفال الذين كرسوا هذا الوقت من اليوم للعب في الأزقة القريبة ، ولأنه يبدو غريبا – بالنسبة إليهم – تجدهم يتوقفون بين الفينة والأخرى ينظرون إلى قامته الطويلة و ملابسه النظيفة بعدها ينظرون إلى قطع ملابسهم الرثة والمتربة ،ولأنه ليس من النوع الذي يفضِّلْ محادثة الأطفال يجد نفسه مرغما على النظر بتململ إلى ما حوله ويتمنى بقلبه أن يجد ذلك المنزل بسرعة لينتهي هذا الأمر على خير ، لمَ أقحمَ نفسه في البحثِ عن عائلة مريضه الصغير ؟! ، ربمَا لأنه شعر بالشفقة حيال الصبيْ الذي لم يمس الماء فمه الجافْ ليُمسيَ جسده يعانيْ من القحط و التوجعْ ، يعلمُ بأن ذلك صعبٌ عليه فأن يفقد صبيُ الخامسة بصره وفي اليومِ التالي يفقد الإحساس بوالدته قربَه لهوَ شيءٌ كافِ لترويعه ربما ! ..


قبل أيام جاءه ذلك الصبي برفقة والديه اللذين أخبراه بأن طفلهما يشكو من علة في عينيه ، قادته قدميه إلى حيثُ منزلِّ صغير حاله كحال المنازل المنعدمة بجواره ، فتحاتٌ أشبه بالنوافذ والصدأ يأكل الأبواب بتلهفْ شديد ، بقيَّ يتطلع إليه لثوانِّ معدودات وراح يفكر في ذلك الأمر الذي غفل عنه تماما ، ماذا لو قام بمواجهة ذلك الرجل ، يبدو وبأنه لم يستلطفه على الإطلاق تلك النظرات التي كان يتطلع بها إليه كانت مغتاظة فعلا ، لا يستطيعْ أنْ يضمنْ أعصابه من أن تفلت و لربما يخطئُ في حق ذلك الرجلِ المتحاذقْ ، فكرة قدومه إلى هنا ربما كانت خطأ من الأساس ، لمْ يسمح لتلك الأفكار أن تثنيه وترجعه أدراجه فقد خرج من ساعات عمله وقطع مسافة لا بأسَ بها للبحثِ عنه ولن يتراجع لسبب كهذا ثمَّ قد يتغير كل شيءْ إن قابلته تلك السيدة ، راح يضربُ الباب بأطراف أًصابعه ، إلا أن تلك الطرقات البسيطة تحولت إلى سيل من الضربات المتتالية لذلك الباب ، لن يسعه احتمال حرارة الشمسِ أكثر من ذلك كما أن بعضا من الدقائق قد ولت على وقوفه هنا ، زفر بشيءِّ من الضيقْ قبلَ أن يرجع عدة خطواتِّ إلى الخلفْ ، لمْ يكد يكمل شتائمه التيْ بدأ يطلقها في رأسه حتى قاطع أفكاره صوتُ امرأة عجوز مرت بجانبه حينها و أردفت باستياء واضح : لقد غادر ذلك الرجلْ المنزلَ أما عن السيدة فهيَ لم تخرج أبدَّا ..





أتبعت بتضجر وهي تدلف إلى المنزل المجاور : لا نرغبُ بدخيلِّ يقلق نومنا أو يجلبُ المصائب إلينا لذا عد من حيثُ أتيتْ ، مدللون ! ..
بقيَّ يتطلع بشيءِّ من التفاجؤ صوب الباب الذيْ أُغلقَ بقسوة قبل قليل ، لقد مرت بجانبه واختفت بعدها بثوان ، تلك العجوز كالشبحِ فعلا ، حتى أنها نزقة الطباع ، رسمَ بسمة ساخرة على شفتيه حينما لاح ذلك اللقب يداعبُ مسامعه [ مدللون ] بالرغم من أنها همست به همسا إلا أنه استطاع سماعها بوضوح ، تلك المرأة لا تزال في المنزلِ إذا لماذا لا تفتح له الباب ما دامت قادرة على سماعه إلا إن كان هنالك ما يمنعها فعلا ،عمل جاهدا على إبعاد تلك الأفكار من رأسه حينما باشر يضربُ الباب مرة أخرى وصوته يعلو ببن فينة وأخرى يناديْ على تلك السيدة أن تفتح له الباب ولكن ما من فائدة ، فمن ينظر إلى المنزل للوهلة الأولى يرى بأن كلَّ مظاهر الحياة قد هجرته فعلا ، التقط أنفاسا قبل أن يعمل ذهنه على جلب فكرة طائشة أخرى له واستمع إلى تحليله ببساطة .. الباب صدئ .. وفيه ثغرات كثيرة .. ربما لن يكون بحاجة إلى إتلاف معطفه إن دفعه بكتفه فقط ، كما أن ذلك الرجل ليس هنا والآخرون في منازلهم لذا لن يعتقد أحد أنه لص ناهيك من أنه سيشرح الأمر للسيدة وستتفهم خوفه وقلقه عليها ، تراجع عدة خطوات إلى الخلف وتمنى أن تسمح له قوته في الولوج إلى المنزل ، ربما لم يفلح في المرة الأولى ولكن في المرة الثانية استطاع الدخول فعلا ، لم يكن الباب سهلا فعلا ! ..


قطب جبينه باستياء قبل أن يخرج من جيبه قطعة منديل ليحجب عن أنفه وفمه تلك الرائحة الفظيعة التي استقبلته فور دخوله ، راحتْ أصابع كفيه تتلمس الجدار بتهادي بحثا عن مكبس الضوء فالظلام يغطي كامل المنزل ، وأخيرا ، استطاع الوصول إليه ، لم يهتم إلى قطع الأثاث المستعملة أو إلى الجدران التيْ تبدو وكأنها متهالكة وستقع في أيِّ وقتِّ قريب ، استرعى انتباهه تلك الرائحة العفنة والتيْ لم يستطع معرفة مصدرها حتى الآن لو كان بوسعه التقدم والبحثْ لفعل إلا أنه يشعر وكأنه سيفقد الوعيَّ عمَّ قريبْ ، راحت أصابعه تتحرك بدوائر مغلقة على جيبه بحثا عن هاتفه ، وبحركة متوقعة ومعروفة من أصابعه ضغط على عدة من الأرقام ولم يلبث أن انتظر طويلا حتى جاءه الرد سريعا ، استجمع طاقته قبل أن يستند على الجدر خلفه ويعمل جاهدا على النطق بحروف بدت صعبة اللفظ عليه : من فضلك أنا بحاجة إلى المساعدة ، ثمَّة جثة في المكانْ ! ..





لم يعتقد بأنه سيشعر بكل هذا الفراغ الذي يعصف به الآن ، ذهنه المثقل بالأفكار وصدره كلاهما فارغان الآن ، لا أحاسيس تزعجه ولا أمور تشغل تفكيره ، جُل ما كان يراه داخل رأسه هو البياضُ فقط ، لم يعتقد يوما بأنه سيوضع في موقف كهذا ، لقد سبق له وأن رأى جثثا في المشفى ذلك غير مفاجئ لكنه لم يتوقع بأن يكتشف وجود هذا الجسد مفارق للحياة بالرغم من أنه كان يحدثه فقط قبل أيام ، ذلك غير مقبول ! ..


حفلة على شرف بلوغ ابنه العاشرة تقام في منزله لكنه لم يحظى فقط سوى بفرصة تهنئته حتى أنه لم يسلمه الهدية التي ابتاعها له ، لقد تلقى اتصالا من العمل بعد بداية الحفل بقليل يخبرونه فيه بأنه تم الإبلاغ عن حصول حادث ، تنفس بشيء من العمق قبل أن يشد على طرف معطفه ذاك الذي طُبع عليه شعار الشرطة ذاته الذي طُبع على ملابسِ الرجال المنتشرين في أرجاء هذا المنزل ، بدت عينيه ذي الزاويتين الحادتين بالنظر إلى كل ركن في هذا المنزل وكأنه واثق بأنه سيستطيع فهم كل شيء إن رمى قطع الأثاث بنظراته الثاقبة تلك ، تقلصت ملامح وجهه كما الجميع فيم امتدت تلك الأذرع ممسكة بذلك الجسد وبحذر تم وضعه على الناقل ليتم تشريحه في المشفى بعد أن تتم التحقيقات اللازمة لذلك ، تراجع للخلف ملتفتا صوبَ من يقف بالقربِ من أحد الجدران يرقبُ إلى ما يحدثُ هنا بصمتْ ، الانزواء بعيدا ، لكن ذلك لن يحدثْ فهو الوحيد الذي اكتشف وجود جثة هنا وعليه أن يخضع للاستجوابْ ، ملامحه الشاحبة تلكْ وعينيه المغيبتان كفيلتان لجعلهِ يبدو مستبعدا عنْ الاشتباه لكن ما عساه يفعل بحدسه الذي يجعله يشكُ بكل من يراه ، أدخل كفه بجيبِ معطفه بعدها أخرج الرخصة وأشهرها أمام عيني ذلك الشابْ وهتف : أنا المحقق " آدولف " ، لست مخولا للكذبِ وإلا فستدخل في مشاكل لا طائل لها .. أردف بانزعاج : هل تسمعني ؟! ..


من عادته أن يرى الارتباك والتوتر على وجه من يحدثهم ويوجه إليهم الاشتباه إلا أن ذلك لمْ يحدثَ ، فالشابُ الواقف أمامه يبدو ذهنه مشغولا في شيءِّ آخر بالرغمِ من أنه ينظر إليه بعينيه ، زفر " آدولف " بشيءِّ من العمقْ قبل أن يهتفْ : لماذا جئت إلى هذا المنزلْ ؟ هل تجمعك صلة قرابة مع قاطنيه أم أنهم يدينون بشيءِّ لكْ ؟! ..
أتبع باستفزاز : أجل ذلكَ صحيح ، لربما تأخروا في دفع المال وردِّه إليك لذلك فكرت بمثل هذه الطرق الخسيسة أليس كذلك ؟ القتل لا يحل المشاكل دائما ..
بدت ملامح ذلك الشابْ تلين فجأة إذ أنه التقط العديد من الأنفاس واتضح الانزعاج في صوته حالما نطق مدافعًا : أنتَ محقق والشكُ يجبُ أن يكونَ من أولوياتك دائما ، لذا سأتجاهل ما قلته قبل قليل .. أتبع غير آبه بالعقدة التيْ ظهرت في حاجبيْ من يواجهه وهتف : أنا طبيبْ وتستطيع أنْ تتحقق من ذلكْ إن راجعت المشفى المدوَّن على بطاقة عملي ، لديَّ مريضٌ فقد بصره وقد جئت للتأكد من حال والديه اللذين لم يعودا لزيارته منذ تسليمه لنا ، لا تجمعني صلة قرابة بهم و لا يدينون ليْ بأيِّ شيءْ ، همْ عائلة مريضيْ لا أكثر ! ..


لمْ تعجب طريقته في الحديثْ ذلك المحقق الذي لمْ يغير من موقفه الهجوميْ فتلك العينين الثاقبتين لا تزالان ترمقان هذا الشاب بشيء من الشك والريبة ، وكلامه ذاك لم يفلح في إقناعه أبدا ، أدار عنقه صوب اليمين حيث يقف كلا من رجل الشرطة وامرأة عجوز استطاع الشاب التعرف عليها بكل سهولة فهي ذاتها التي التقاها قبل لحظات من اكتشافه للجثة ، هتف الشرطي باحترام واضح : سيدي إنها من الجيران لهذا المنزل وتقول بأنها تعرف هذه العائله حق المعرفة ! ..
تجاهل ذلك المحقق الشاب " إريك " واقترب من المرأة العجوز التي لم تتضح علامات الجزع على وجهها ولم تظهر تلك الارتعاشات على جسدها برغم رؤيتها للجثة ممددة أمامها ، عاد ذلك المحقق للحديث مخاطبا إياها بتساؤل : من أنت ؟..
جاءه صوتها المبحوح برد واضح : أنا من معارف هذه العائلة سيدي وأدعى " آندريا " ، أعرف هذه العائلة منذ زمن طويل كما أعرف هذه السيدة الطيبة قبل أن تتزوج حتى ، لقد كانت متفائلة ومحبَّة للجميع رغم حال عائلتها المدقع ، تزوجت من ذلك الرجل الشرير بعدها انقلب حالها من سيءِ لأسوأ ، لقد منعها من الخروج من المنزل والتحدث مع الآخرين ، أخبرناها دائما بضرورة وضع حدِّ لهذا لكنها كانت ضعيفة من أن تقدر على مواجهة ذلك الرجلْ ! ..
تساءل المحقق " آدولف " باستغراب : إذا ماذا حلَّ بذلك الرجل الآن ؟! ..





زفرت المرأة العجوز بعمق قبل أن تسترسل في الحديث مرة أخرى : لقد ترك المنزلْ منذ ما يقاربْ اليومين ، إنه يفعل ذلك دائما ، يغيب لفترة من الوقت ثم يعود بعد مدة ، لم أجرؤ على المجيء إلى هنا خشية أن ألتقيه صدفه إن تصرفاته سيئة فعلا ! ..
بقي ذلك المحقق صامتا يفكر في إمكانية صحة ما قالته هذه العجوزْ فقد تكون اختلقت هذه الأكاذيبْ ، أشار نحوَّ ذلك الشابْ بطرف اصبعه و تساءل بشيءِّ من الانفعال : ماذا عن هذا الشابْ ؟ ألم يسبقْ لكِ وأن رأيته يحومُ في المكانِ قبل اليومْ ؟! ربما رأيته يطرق باب هذا المنزلْ يومَّا لكنكِ نسيتِ ..
زفر " إريْك " بشيء من الاستخفاف فيبدو وبأن هذا المحقق يحمل ضغينة ضده ويرغب في زجِّه إلى السجن مهما كلفه ذلك من ثمن ، بقيت تلك المرأة العجوز تنظر إلى الشابِ بتفحصْ قبل أن تحيل بصرها صوب المحقق و تردفْ : لا ، أمثال هؤلاء الأشخاصْ لا نراهم هنا وأؤكد لك بأنني لم يسبق وأن رأيت هذا الشابْ قبل الآن .. أتبعت بشيءِّ من السخرية : سيديْ المحقق ، كنتُ أعتقد بأنك تملكُ من الوعيِّ ما يكفيْ لتعلمَ بأنَّ المرفَّهين لا يملكون الوقتْ لتضييعه في التعامل مع أشخاصِّ مثلنا ! ..


شعر المحقق " آدولف " بشيءِّ من الإحراجْ قبلَ أن يسعل بخفة محاولا بذلك إبعاد ذلك الشيءِّ العالقِ في حنجرته ، عاد يهتف بعدها بشيء من الثقة : أنا شاكر لتعاونك معنا سيدتي وكلي ثقة بأنك لا تملكين شيئا سيجعلك تمثلين أمام القضاء كمخادعة ..
استدار صوبَ ذلك الشابْ بسرعة وهتفَ بشيءِّ من الضجر : أما أنت ، فانتظر منا اتصالا قريبا قد نطلبكَ للاستجوابِ في أيَّة لحظة ، ستكونُ ممنوعا من مغادرة البلادِ إلى أن يتمَّ حلُّ هذه الحادثة تذكر بأنك ستكونُ مراقبا ، عدْ من حيثُ جئت الآن ! ..
ألا يبدو كلَّ شيءِّ كضوء الشمسِ في كبد السماء أمامه فالجريمة مسَّلَّمٌ بها والجانيْ بعيد كل البعد عنه كما أن تلك المرأة شهدت لصالحه لماذا هوَّ مُصرٌ على إقحامه في هذا الأمر ؟ ، لم يشغل باله بذلك الآن ، فكل ما يهم أن يعرفه الآن هوَّ ماذا ستكونُ حال ذلك الصبيُّ بعد الآن فبحسبِ ما سمعه من الشرطة هوَّ لا يملك أقرباء ، وبهذا يكونُ وحيدَّا بموت والدته وهروب والده الذيْ سيُحاكم قريبَّا ، عليهِ أولا أن يفكر بطريقة يُرجع بها بصره بعدها ستكونُ هنالكَ آلاف من الحلولِ أمامه ! ..




تمَّ البارت السابعْ ..

إنْ كان لهذا البارت هفوات إملائية أو نحوية فاعذرونيْ
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag

التعديل الأخير تم بواسطة غسَقْ | ; 04-22-2016 الساعة 11:07 AM
رد مع اقتباس