الموضوع
:
إبداع متناثِر ~ 🔥باحثا عن ظلي🔥
عرض مشاركة واحدة
#
105
05-23-2016, 06:28 PM
Mygrace
الفصـل العشــرون
جلست ماريان مقطبة الجبين على الأريكة الكريمية الكبيرة .. ثنت ذراعيها و زفرت في سخط .
و بدرت من باتون الذي كان جالساً على يسارها ضحكة خافتة ، فالتفت إليه بحدة و قالت : ما الذي يضحكك أيها الإنكليزي المزعج ؟!
ارتبك باتون من تعابير وجهها المخيفة ، فأنقذه رفيقه الضخم بقوله بصوته الأجش الهادئ : ليس عليك أن تنزعجي هكذا يا ماريان !
قالت المعنية تنفس عن إستيائها : وكيف لا أنزعج يا غلبيرت و أنا لم أشترك في أي مهمة حقيقية منذ انضمامي للمنظمة ؟! < أضافت بخيبة و تحسر : لكم وددت الاشتراك في المهمة الأخيرة ضد تلك الحية !
تحدث باتون بابتسامة ذات مغزى : آه ، و لكن الكونت هو من قام باختيار العقارب لهذه المهمة !
توردت وجنتاها خجلاً و مطت شفتيها كطفلة مدللة وبخت من أبويها
، ثم قالت و قد خفف حياؤها من وطئة غضبها : إنني فقط ... أرغب في أن أكون مفيدة له !
تبسم غلبيرت و هو يسترخي على ظهر الاريكة و يفرد ذراعيه فوقها : لماذا تفكرين بطريقة سلبية ؟! ألا يمكن أنه يريد أن يبقيك بأمان و لا يرغب بتعريضك للخطر ؟!
وضعت ماريان يديها على خديها الذين احمرا بشدة و تمتمت باضطراب غير مصدقة : أنا .. يهتم ... بي ؟!! < ثم شرعت تهز رأسها بعنف نافية هذا الاحتمال و هي تردد بطريقة مضحكة : لا يمكن ! لا .. هذا مستحيل !
كتم غلبيرت ضحكته ، فلكزه باتون و همس له معاتبا : هل كان عليك قول ذلك ؟! ستصاب بسكتة قلبية لمجرد تفكيرها بالأمر !
كشر غلبيرت بخبث : لم يكن هناك حل آخر ! إما أن أقول ذلك ، أو تصرعنا هذه الماريان بتذمرها خمس سنين أخرى !
و توقفوا عن الكلام عند تلك اللحظة .. فقد انضم إلى مجلسهم الصغير شخص آخر !
كان آوتنبورغ الذي ارتمى على المقعد المقابل لباتون ، و قال بينما ينظر إلى الساعة في معصمه : تبقى أقل من ساعة على بدء الاجتماع <أضاف مخاطبا باتون : هل خطبتك جاهزة ؟!
-نعم بالتأكيد !
تساءلت ماريان موزعة نظراته المستغربة بينهم : أي خطبة ؟!
أجاب غلبيرت : لقد كلف باتون -وهو الأكثر بلاغة بيننا- بكتابة خطبة يلقيها على الأعضاء في أول الاجتماع تكون أشبه بمقدمة لكلمة الكونت.
التفتت ماريان ترمق باتون بنظرة إزدراء : آه..
و واجه المعني هذا الاحتقار من طرفها بابتسامة خفيفة هادئة.
تحدث غلبيرت موجها كلامه لآوتنبورغ : إذن.. حدثنا عن تلك الكوبرا ! كيف وجدتها ؟! و أي شخصية تملك ؟!
انحنى آوتنبورغ إلى الأمام و شبك أصابعه ثم قال نصف شارد : إنها الكوبرا ! هذه الكلمة وحدها تلخص كل شخصيتها و صفاتها ! <و دار بناظريه بين ماريان و غلبيرت : قالت أنها درست في مدرسة النجوم المضيئة و كان اسمها في ذلك الحين آنجيلينا .. هل تذكرونها ؟!
عقدت ماريان حاجبيها في تفكير ثم ردت باستغراب : لا أذكر فتاة كهذه !
أجاب غلبيرت بالمثل !
فتنهد آوتنبورغ : إيريك ، سيباستيان ، و آليكسي أيضا لا يتذكرون شيئاً عنها !
و حلت مدة قصيرة من الصمت قبل أن يسأل غلبيرت : هل أخبرت الكونت بذلك ؟!
- بالطبع فعلت !
و تدخلت ماريان باهتمام : و بماذا أجاب ؟!
فأطلق آوتنبورغ ضحكة تنم عن الخيبة : و ماذا تتوقعين من الكونت أن يقول ؟؟! ابتسم فقط و ظل صامتاً ، و تركني أتخبط في دوامة لا نهاية لها من الحيرة !
"أنا أتذكرها بشكل جيد !"
خرجت هذه الكلمات الواثقة من فم إنزو الذي تسلل كاللص إلى داخل الغرفة ! كان شابا أشقر ، نحيل الجسم ، طفولي الملامح ، تتوارى عيناه الرماديتان خلف نظارة فضية مستطيلة الشكل.
قال باتون مؤنبا : ألا يمكنك أن تدخل بطريقة طبيعية بدل التسلل بهذه الطريقة ؟!
ضحك إنزو و شبك يديه خلف ظهره قائلا : رأيتكم منغمسين في نقاش ساخن ، فارتأيت أن أدخل بهدوء كيلا أقاطعكم !
قال آوتنبورغ ببرود ساخر : يا لك من مهذب !
سأل غلبيرت بحماس : قلت أنك تتذكرها ؟!!
رمى إنزو بنفسه على أحد الكراسي الخشبية اللامعة و قال متباهيا بذكائه : نعم بالطبع فإنزو العبقري لا يفوته شيء أبداً ها ها ها !
تحدث باتون : أخبرنا إذن يا سيد عبقري !
فعدل المعني من وضع نظارته و تنحنح قائلا : كان اسمها أنجلينا .. أنجلينا فقط ! لم يكن لديها عائلة أو أقارب ، و عاشت طفولتها - قبل التحاقها بالمدرسة - في ملجأ للأيتام في ميلانو ! بالمناسبة كانت معك في الفصل ذاته يا ماريان !
فاتسعت عينا ماريان و ردت متفاجئة : حقاً ؟! لا يمكنني تذكرها أبداً !
ابتسم إنزو و أضاف : من الطبيعي ألا يتذكرها أحد ، فدائما ما كانت تبدو غير موجودة ! هادئة بشكل عجيب و لا تتحدث إلى أي إنسان ، و لهذا لم يكن في استطاعة أحد أن يعرف يقيناً شيئاً عن مشاعرها أو طباعها !
تنهد آوتنبورغ و قال بكآبة : إذن لا يوجد في ماضيها ما يمكن أن يفيدنا ، مجرد فتاة مجنونة تسعى لإثبات وجودها بمحاربتنا !
قال غلبيرت متفكراً : لابد أن الكونت يعرف شيئاً ! فلطالما كان مذهلا في سبر أغوار الناس و اختراق الحواجز التي يحيطون أنفسهم بها !
قال إنزو بشكل حماسي مفاجئ : لقد رأيتها تتحدث إلى الكونت في إحدى المرات !
ففغر الجميع أفواههم ، ثم هتفوا مذهولين : ماذا ؟!!
وثبت ماريان أمامه ، و أخذت تفترسه بنظراته السوداء و هي تقول : متى ؟! أين ؟! كيف ؟! و عن ماذا ؟!!
قال إنزو بخوف وقد أجفلته بحلقتها فيه : اجلسي في مكانك أولاً ! أنت ترعبينني !
تحركت ماريان ببطء ، و عادت للجلوس في مكانها دون أن تغير من نظراتها ، عندها تنهد إنزو و استطرد : حدث هذا عندما كنا في النجوم المضيئة بالطبع ! لم يكن بالحديث الطويل ، غير أني لم أستطع سماعه أو تخمين ما دار فيه ! فأنجلينا كانت تدير لي ظهرها ، لذلك لم أتمكن من رؤية تعابير وجهها !
عندها نهض آوتنبورغ قائلاً : سأذهب إليه لعل و عسى أن يخبرنا بعضاً مما يجول في ذهنه !
قالت ماريان ببرود : الزم مكانك ! فقد طلب الكونت ألا يدخل عليه أحد قبل بدء الاجتماع إلا عند الضرورة !
دمدم آوتنبورغ متجهما : حقاً ؟!
ثم عاود الجلوس في مكانه يعبس في ضيق و انزعاج.
بعد مضي بعض الوقت ، نهض الجميع و غادروا الغرفة قاصدين قاعة الإجتماع الواقعة في طابق كبير تحت الأرض أسفل القصر تماماً.
بخطوات سريعة متواترة أخذ الخمسة يجتازون الممر العريض ذي السقف العالي و النوافذ الطويلة التي ترسل الشمس عبرها أشعتها الدافئة.
ثم توقفوا في آخر الممر أمام مصعد واسع متطور ، و بينما هم يدخلون تبعهم ثلاثة آخرون !
قال آوتنبورغ متهكما : ثلاثي المشاكل قد أتى !
قال آليكسي بابتسامته القططية : ألا تعرف السحلية كيف تبقي لسانها في فمها ؟!
- قل ما شئت ! فلست آبه بالأطفال !
- هكذا إذن أيها البالغ الذي أُشبِع ضربا و أنقذه الأطفال !
انتفخ العرق النابض في صدغ آوتنبورغ .. كان من الواضح أن يستشيط غيظا غير أنه لم يثر و كبح جماح غضبه بعد جهد جهيد .
بضغطة زر من غلبيرت بدأ المصعد يهبط ، و في غضون خمس ثوان كانوا قد وصلوا إلى الطابق السفلي.
دون تأخير شرعوا يعبرون الرواق المحفوف بجدران ناصعة البياض و المفروشة أرضه بسجاد أحمر فاخر .. حتى بلغوا أخيراً بوابة القاعة !
وجدوا أمامهم أربعة أشخاص رجلان و امرأتان ينتصبون كالتماثيل الحجرية !
قال أحدهم مخاطباً الوافدين : أرجو أن تسلمونا هواتفكم و أسلحتكم قبل دخول القاعة !
أخرج الجميع ما بحوزتهم من أجهزة اتصال و أسلحة ، ثم فتحت لهم المرأتان البوابة الكبيرة.
كانت القاعة بمقاعدها الحمراء المصفوفة بانتظام ، و سقفها العالي ذي الثريات الجميلة ، و منصتها الكبيرة أشبه ما تكون بالمسرح !
و كانت المقاعد التي يتجاوز عددها المئتين مشغولة عن آخرها تقريباً !
قال آليكسي باندهاش : مذهل ! لم أكن أتصور أننا كثيرون هكذا !
تنهد سيباستيان و تلفت حوله : يجب أن نجد مكان نجلس فيه قبل بدء الاجتماع ! لا أظننا تأخرنا لهذه الدرجة ، فالكونت لم يحضر بعد.
وهكذا تفرق الجميع .. اتجه باتون نحو المنصة بينما انتشر الباقون للبحث عن مقاعد خالية . وجد آليكسي له ولرفيقيه ثلاثة مقاعد في الصف الأخير بينما جلس آوتنبورغ ، غلبيرت ، إنزو ، و ماريان بجانب إيريك في الصفوف الأمامية.
في تلك اللحظة .. دخل الكونت !
فنهض الجميع احتراماً ، و أدوا بطريقة عسكرية منظمة تحيتهم الخاصة ! بقامة متنصبة تتوارى اليد اليسرى خلف الظهر و تلتصق اليمنى على الصدر باسطة راحتها على القلب النابض لتزيده قوة و ثباتا على العهد !
لم يجلس الكونت في المقاعد أسفل ، بل داخل مقصورة فخمة على الجانب الأيمن للمنصة.
اعتدل باتون في وقفته ثم بدأ يتكلم :
بداية أرحب بكم جميعاً في اجتماعنا الأول إخوتي و رفاقي !
لقد كنا حتى هذا اليوم متفرقين في شتى بقاع الأرض ، من بلدان مختلفة ، بلغات متعددة ، و طبقات متفاوتة ! مختلفون كثيرا ، لكن الذي جمعنا و يجمعنا هنا في هذه المنظمة شيء واحد و هو الهدف !
رغم كل الفروقات بيننا إلا أننا جميعاً و دون استثناء عانينا الظلم والطغيان ،
فكان الألم من وحد صفنا ، و جمعنا تحت راية واحدة ضد أؤلئك الذين دمروا حياتنا و اغتصبوا حقوقنا !
رمينا كل شيء جانباً ، ضحينا بكل ما نملك ، سمعتنا ، مهننا ، حياتنا العادية البسيطة فقط لنخلص هذا العالم من نفايته المتعفنة ، و ليستطيع باقي الناس العيش بسلام و طمأنينة متمتعين بكافة حقوقهم !
قد يعدنا بعض من "عبدة القانون" مجرمين أو إرهابيين ، لكن هذا لن يغير شيئاً من الحقيقة ، و لن يثنينا شبراً عن تحقيق أهدافنا ، فكل ما نبغيه هو السلام ، و ذلك لن يحدث بوجود أؤلئك الأوغاد من حيتان المال و السلطة !
و كل المتواجدين هنا يدركون ما أعني جيداً فلكل واحداً منهم قصة مؤلمة فيها من المعاناة والقسوة ما يدمي القلب والعين !
<تغيرت ملامحه فجأة و تشربت حدة و غضباً حين شرع يقول : ولقد انتهز أحدهم هذه الفرصة ، و استغل معاناتنا و رغبتنا في الانتقام ليحقق مآربه و أهدافه الشخصية ، و بعد ذلك يرمينا في سلة المهملات !
أليس كذلك ... يا آلويس ؟!!!
تلفظ بآخر كلمة مواجها الكونت بنظرة نارية !!
خيم صمت ثقيل رهيب في كل أرجاء القاعة الضخمة .. بدا الجميع مصعوقين ، متجمدين في أماكنهم دون حركة أو همسة !!
تحدثت إلسا أخيراً بوجه مبهوت شاحب : هل .. بدأت أهلوس ... أم ماذا ؟!!
صفر آليكسي و قال مبهورا و الإثارة بادية عليه : أوه كلب البحر قد أوقع نفسه في ورطة كبيرة !
و بينما الجميع غارقون في حالة من الذهول و عدم التصديق تابع باتون هجومه الشرس على الكونت : هل تريد أن تفعل بهم مثل ما فعلت بطلاب مدرسة النجوم المضيئة ؟!!
<التفت إلى الحضور و خاطبهم قائلاً : سيفعل بكم المثل ، و يحرقكم جميعاً !!
و لم يكد يطبق شفتيه حتى أصبح محاصرا من قبل العقارب الأربعة إيريك ، ماريان ، آوتنبورغ ، غلبيرت !
هدرت الفتاة بصوتها المرتعد غضبا و نظراتها مثبتة عليه بحقد : أيها الوغد الحقير سأسلخ جلدك عن عظمك !
قال آوتنبورغ بابتسامة ساخرة : هل تدرك حقاً يا باتون خطورة الموقف الذي وضعت نفسك فيه ؟!
كشر باتون في استخفاف : أعلم تماماً و لست أبالي ! يجب أن يعرف الجميع حقيقته قبل فوات الأوان ! وأنتم كذلك يجب أن تفيقوا من غفلتكم !
قال إيريك : الذي عليه الاستفاقة من غفلته و أوهامه هو أنت يا باتون !
أضاف غلبيرت : نحن العقارب حصون ! ومن يريد الوصول للكونت عليه تحطمينا أولا ! هذه هي الحقيقة التي عليك استيعابها !
"أنتم الأربعة تراجعوا !"
بمجرد سماعهم لهذا الصوت الآمر تحركت أجسادهم تلقائياً ، و تراجعوا للخلف بانحناءة مهذبة !
سكنت الأصوات حتى الهمهات الخفيضة .. ليسمع كل من في القاعة صوت خطواته الهادئة المتأنية وهو يصعد إلى المنصة.
وقف مواجها لباتون ثم أخذ يتقدم للأمام بضع خطوات .. و يصفق بيديه !
قال بابتسامة خفيفة : لقد كان هذا جميلاً حقاً يا باتون ! أم هل علي أن أدعوك باسمك الحقيقي .. جورج برنت ؟!!
صعق باتون ، و جف الدم من وجهه الذي انقلب أصفر شاحبا !
أكمل الكونت بهدوء و ثقة فيما يشبك يديه خلف ظهره : و الآن .. هل لديك شيء آخر ضدي لتقوله ؟! إني أعطيك كامل حريتك في التحدث قدر ما تشاء ، و لن يقاطعك أحد حتى تنهي كلامك !
لم يجب باتون إلا بكلمتين نفذتا من بين شفتيه بصعوبة : أنت ... لا يمكن !
كشر الكونت و ضيق عينيه قائلاً بدهاء : ما الذي لا يمكن ؟! ألا أكون غبياً يصدق إدعاءك بالوفاء و الإخلاص ؟!! أنت ذكي يا باتون لكنك اخترت الخصم الخطأ ! فأنا لست ذلك القائد المتهاون الذي يسمح لأي كان بدخول منظمته دون أن ينبش ماضيه و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة ! و هنا كان خطأك الفادح ، فتشارلز باتون لم يكن له أي ماض !!
أيضاً.. هناك شيء لا تعرفه عني ... أنا لا أنسى أي إنسان قابلته سيئاً كان أم جيداً !!
و عندما جئت تطلب الانضمام للمنظمة لم يأخذ الأمر مني عشر دقائق حتى استطعت كشف هويتك الحقيقة التي حاولت جاهداً التغطية عليها !
حينئذ صاح باتون حانقا : لماذا .. لماذا إذن تظاهرت بعدم معرفتي يا ابن الشيطان ؟!!
أجاب الكونت يرمقه بابتسامة مشفقة : أردت منحك الفرصة التي انتظرتها ! كنت تبذل كامل ما لديك من حيلة و ذكاء لتوهمني بصدقك و وفائك حتى تحين اللحظة المناسبة لشن هجومك علي أمام سائر أفراد المنظمة ! وأنا لم أشأ أن أفسد عليك حلمك الوردي هذا و أخيب آمالك ! فقبلت بك في منظمتي متظاهرا بتصديقك . لقد صبرت و انتظرت هذا اليوم أكثر من خمس سنوات - و أعجبني هذا منك كثيرا - فأحببت تسهيل الأمر عليك و طلبت منك كتابة خطبة كنت متأكداً أنك ستهاجمني فيها !
سقط باتون جاثيا على ركبتيه و قد شخص بصره و تلاشى صوته !
قال الكونت بصوته الرزين و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه : انهرت بسرعة يا صديقي مع أن الأمر لم يبدأ بعد ! يبدو أن لا شيء عندك لتضيفه ، لذلك سآخذ بالرد على هجومك ، و الذي لم تكن منصفاً فيه ! لقد اتهمتني بقتل التلاميذ في تلك المدرسة ، لكن الحقيقة - وأنت تعلمها - أنهم هم من تسبب في ذلك !!
مدرسة النجوم المضيئة لم تكن غير سجن مروع و مخبر وحشي للتجارب ، أنشأتها منظمة إجرامية عالمية قادتها أوغاد من مخلفات الحرب الثانية ، و ذلك بهدف صنع جيش من العباقرة الموهوبين لخدمتهم و تحقيق مصالحهم الجشعة و أطماعهم الدنيئة متبعين في ذلك أقسى و أفظع الأساليب ! يرسلون أتباعهم في كل مكان بحثاً عن الأطفال النادرين الذين كانوا يفضلونهم أيتاما بلا أهل و لا أقارب ، كيلا يكتشف أحد حقيقة ما يفعلونه ، و إذا ما صادف أن طفلاً ذا مستوى نادر من الذكاء ليس يتيماً و له أسرة ترعاه ، فالحل لم يكن صعباً بالنسبة لهم ، ففي غضون يوم واحد يغدو الطفل السعيد وحيداً بلا عائلة !
يجمعون الأطفال من كل مكان ثم يرسلونهم إلى تلك المدرسة التي كانت أشبه بثكنة عسكرية لألمانيا النازية ! باتون ! لقد كنت في تلك المدرسة أيضاً و بالتالي فإنك تعي جيداً ما أقوله !
الأنانية ، الطمع ، الحقد ، الانتقام ، التغطرس ، و احتقار الإنسانية هذا ما علمونا إياه في تلك التي تسمى بالمدرسة !
فماذا تتوقع من أطفال تربو منذ نعومة أظفارهم على هذه المبادئ ؟!!
تلك المذبحة التي حصلت كانت بافتعال المنظمة ! إذ خططوا لقتلي باستخدام عدد من الطلاب ، لكني كنت حذراً و واعيا جداً لما حولي فأدركت الأمر بسرعة ! كان لدي عدد من المؤيدين من بين التلاميذ ، لكن التابعين للمنظمة كانوا أكثر منا بكثير و مدعومين من كل الجهات ، لذلك تحتم علي تمزيق صفوفهم و تدميرهم من الداخل قبل الخارج ! استغرق الأمر وقتاً طويلاً و الكثير من الحيل و الخداع لكنه نجح في النهاية !
بدأ أؤلئك الطلاب يتجادلون و يتخاصمون ثم زاد الأمر ليتحول إلى كراهية شديدة و رغبة في القتل !
و اختبأت أنا و ما تبقى من رفاقي حتى انتهى كل شيء ، ثم هربنا من مدرسة الشياطين تلك بعد أن قمنا بإحراقها !
<التمع حزن طفيف في عينيه الساكنتين و هو يقول : أنا أقر بذنبي و أعترف أن ما اقترفته كان خطيئة كبيرة ! ربما كان ثمة حل أكثر صوابا من ذلك ، لكن في المواقف الحرجة قد لا ترى أمامك إلا الخيارات الخاطئة ، و أنا ذلك اليوم لم أبصر غير ذلك الحل القاسي !
باتون ! أنت تحاسبني كإنسان كامل لا يقترف الأخطاء يسعى لإحلال العدالة المنشودة !
لكني لم أدع هذا يوماً ! فالعدالة لا تحل على أيدي البشر !
استدار نحو أتباعه و صدح صوته المهيب في أرجاء القاعة : أنا لا أعدكم بعالم عادل تملؤه السعادة و الحبور خال من البؤس و الجور ، و إنما باستعادة حقوقكم المسلوبة و الانتقام من المعتدين عليكم ! لن نجعل العالم مثالياً لكن أفضل حالاً !
هذا أنا و هذه أهدافي ! فمن كان يخالفني في شيء ، أو أن ثقته بي تزعزعت قيد أنملة فليخرج الآن و أنا أعطيه الأمان !
أدار باتون رأسه بلهفة ليرقب ردة فعلهم .. لكن أحدا لم يخرج إطلاقاً !!
و بدلا من ذلك نهضت الصفوف الأولى ، ثم تبعتها التي بعدها ، و أدوا جميعاً بطريقة مبهرة التحية الخاصة !!
تكلم أحدهم و كان ألمانيا : "نحن معك أينما ذهبت أيها الكونت !"
أضاف آخر روسي : "امض في طريقك سيدي فكلنا خلفك !"
تحدث إيطالي : "سنبقى العقارب و ستظل أنت الكونت قائداً لنا حتى النهاية !"
فتبسم القائد و قال : شكراً لكم على هذه الثقة ! إذن.. أظن أن الوقت أصبح مناسباً لأطلعكم على قراري الذي جمعتكم من أجله !
******
إثر إنتهاء الاجتماع ، و قبل أن يغادر الكونت المنصة التفت للمرة الأخيرة نحو باتون و قال مبتسما : علي شكرك على هذه المقدمة إنها تماماً ما كنت أريده !
رفع باتون رأسه الثقيل و حملق في الكونت بنظرة ذاهلة !
و تابع الكونت و هو يستدير راحلاً : يمكنك المغادرة ! لست أريد قتلك فمجرد كرهك لي لا يجعلك حثالة ! و بغض النظر عن نواياك قد ساعدتني كثيرا في تحقيق أهدافي !
بعد ذلك بدقائق .. تجمع ثمان من العقارب في غرفة فسيحة هادئة يغمرها النور و الدفء و يرتفع سقفها المزخرف عاليا ، كانت المكان الأنسب ليريحوا فيها أذهانهم المرهقة و نفوسهم المضطربة بعد اجتماع مليء بالمفاجآت !
جلست ماريان أمام البيانو و عزفت بأناملها الرقيقة لحنا عذبا حزيناً.. و
ما كادت تكمل المقطوعة حتى تجمدت أصابعها فوق المفاتيح البيضاء ، فرفعتها ، و أغلقت البيانو بقوة ، و ألقت برأسها على سطحه الأسود البارد !
قطع إيريك الصمت الكئيب بصوته الهادئ : كان هذا مفاجئا حقاً ! لم أتخيل أن يحدث شيء مثله !
وافقه إنزو متجهما : أجل .. مهما حاولنا أن نفهم كيف يفكر الكونت ، و ظننا أننا أخيراً قادرون على توقع أفعاله يفاجئنا بما لا يخطر على بالنا !
ضحك آوتنبورغ ساخراً من حالهم : كم هذا مثير للشفقة ! أتباع لا يعرفون شيئاً عن قائدهم ! أخبروني و لو معلومة واحدة عنه !
تحدث إيريك : اكتشفت من الملفات السرية التي كان جدي يحتفظ بها في خزينته أن الكونت ولد في أمستردام لأسرة هولندية متوسطة الحال كان هو الابن الوحيد لها ! و قد توفي والداه بعد أن صدمتهما شاحنة لنقل البضائع قبل بلوغه السابعة من عمره !
قال سيباستيان و قد احتدت نظراته : حادث قذر مدبر كما هو المعتاد من رجال المنظمة !
قال غلبيرت في شك : رغم ذلك .. الكونت هو الوحيد ربما الذي لم يخرج مشاعره قط ! لم نره يوماً حزينا ًأو سعيداً يضحك أو يبكي !
نطقت ماريان أخيراً بعد تردد بصوت يطفح بالأسى : لا .. لقد رأيته ذات مرة يبكي !! لم يشاهده أحد سواي .. فقد خرج إلى الحديقة و اختبأ خلف الشجرة الكبيرة ليخفي دموعه !!
حملق الجميع فيها باندهاش و تفاجؤ بالغ و سأل إيريك بإهتمام نادرا ما يظهر عليه : أي يوم كان ذاك ؟!
فكرت ماريان مطولا قبل أن تجيب : في اليوم الذي سبق زيارة نائب وزير التعليم للمدرسة !
فالتفت كل الحاضرين إلى إنزو صاحب الذاكرة الحديدية مرتقبين الجواب منه ، لكنه عبس و قال باستغراب : لا أذكر أن حدثاً مهماً وقع ذلك اليوم أو قبله !
قطب سيباستيان جبينه : لا بد أن شيئاً ما قد حدث يا إنزو ! فبعد ذلك اليوم تغيرت شخصية الكونت بشكل كامل تقريبا !!
عدل إنزو من وضع نظارته و الحيرة تلوح على وجهه : نعم ، لكني لا أتذكر سماع خبر قد يكون مهماً وقتها !
صمتوا و استغرقوا في التفكير ، لكن صوتا مزعجا شتت تركيزهم ، كان آليكسي الذي نأ بنفسه عن النقاش يفتح كيسا من رقائق البطاطا المقرمشة و يلتهم ما فيه بنهم و استمتاع !
و لم يشعر إلا و ماريان تنتزع منه طعامه و عيناها تشتعلان غضباً !
فرفع عينيه الفيروزيتين إليها و سأل ببراءة : لم أنت غاضبة هكذا آنسة تنين ؟!
قالت حانقة و هي تنقر بإصبعها على جبهته مرارا : ألا يمكنك التوقف قليلاً عن الأكل و تشغيل عقلك الخامل هذا ؟!!
- لقد سمعت كل حديثكم ، و لفت انتباهي شيء ما <تبسم ابتسامته القططية الماكرة و أضاف : قلت أن الكونت خرج إلى الحديقة و اختبأ خلف شجرة فكيف تمكنت أنت من رؤيته إن لم تكوني تلاحقينه في كل مكان يذهب إليه ؟!
احمر وجهها في مزيج من الغضب و الخجل ، و جذبته من مقدمة قميصه بقوة و هي تصرخ و تقذف كلماتها المضطربة في وجهه : أحمق ! لقد كنت .. كنت مارة ... من هناك فقط .. و رأيته !
ضحك جميع الحاضرين منها ، لكن آوتنبورغ وحده من جرؤ على رفع صوته و صفق في تهكم : أظنك ستدخلين موسوعة غينيس كأصغر مطاردة في التاريخ !
صاحت ماريان و هي تحدجه بنظرة ملتهبة : أطبق فمك يا آوتنبورغ !
<ثم التفتت بحدة نحو آليكسي و رمت كيس الحلوى في وجهه قائلة : كل هذا بسبب كلامك السخيف أيها الهر المزعج !
أمسك شبيه القط الكيس بحركة سريعة ، و قال بابتسامة بريئة : أنت من طلبت إلي تشغيل عقلي !
تنهدت إلسا قائلة : يا إلهي .. لا أحد يمكن أن يسلم منك !
ابتسم آليكسي في رضا ، وضع كيس الحلوى جانباً ، و لم يأكل منه مجددا.
جلسوا في سكون و هدوء و لم يتحدثوا أكثر من ذلك ، كان كل فرد منهم غارقا في بحر ذكرياته الخاصة !
⚫في وقت مضى قبل سنوات عديدة و في مثل هذا الوقت من النهار ، كان إيريك جالساً مع جده إلى مائدة الغداء ، تحدث العجوز إيردمان بصوته الخشن : إيريك ، جهز نفسك جيداً لأنك ستسافر معي إلى فرنسا صباح غد !
نظر الصغير إلى جده بارتباك : لماذا.. يا جدي ؟!
- ستذهب إلى مدرسة في ستراسبورغ !
اعترض إيريك بصوت خافت : و لكني أدرس في واحدة هنا بالفعل !
قال العجوز بحدة : إنها أفضل بكثير من كل المدارس هنا ، و هذا الأمر لا نقاش فيه ! أكمل طعامك ثم اصعد مع الخادمة لتجهز أمتعتك !
طأطأ إيريك رأسه و قال في خنوع : حاضر..
و هكذا مساء اليوم التالي كان إيريك واقفاً بجوار جده في غرفة مدير مدرسة النجوم المضيئة !
أخذ الفتى يتلفت حوله في توتر ، فهو لم يكن معتادا على أماكن كهذه و في بلد غير بلده أيضا !
و جفل حين تحدث إليه المدير : سنجري لك إختبارا يا إيريك وعلى إثره سيتحدد المستوى الذي ستوضع فيه !
- م.. مستوى ؟!
قال المدير مفسرا : هذه المدرسة تعتمد نظاماً خاصاً في التدريس يختلف عن باقي المدارس ، ترتيب الصفوف لا يعتمد على أعمار الطلاب بل على مستوى ذكائهم ، هناك ست مستويات مرتبة تصاعديا من الأذكى فالأذكى ، و لكل مستوى ست مراحل ، و تستغرق المرحلة الواحدة سنتين تقريباً ، و حالما يتمكن الطالب بنجاح من عبور المراحل الستة في مستواه يصبح قادراً على الالتحاق بأي جامعة في العالم مهما صعبت شروطها !
أجرى إيريك الاختبار خلال ساعة .. ثم سلم ورقة إجابته و عاد إلى مكتب المدير.
قال هذا الأخير باستحسان و هو ينظر إلى النتيجة على شاشة الحاسوب : رائع ! طفل ذكي حقا ً! لقد أضافك الحاسوب للمستوى الثالث ! تهانينا يا بني !
لسبب ما .. لم يشعر إيريك بالبهجة !
مع أن النجوم المضيئة كانت أجمل مدرسة وقعت عليها عيناه و الأكثر راحة و رفاهية ، لكنه أحس بشيء ثقيل يجثم فوق صدره منذ أن وطئت قدماه الصغيرتان أرض هذه المدرسة !
و كان ذلك الإحساس في محله ! فجمال شكل المدرسة و تطورها لم يكونا أكثر من غطاء مضلل يخفي ما فيها من قبح !
الطلاب في معظهم عدوانيون يعانون مشاكل نفسية ، و المشاعر الوحيدة التي يتبادلونها هي الحسد و الكراهية !
المدرسون رغم مهارتهم و إتقانهم لما يدرسونه إلا أنهم مثيرون للريبة بطريقة ما !
و قد أزمت شخصية إيريك الضعيفة المزعزعة الموقف فازداد الطفل وحدة و انعزالا و لم يكون أي صداقات .. حتى جاء ذلك اليوم !
كان يركض بسرعة نحو فصل العلوم قبل لحظات من بدأ الدرس ، و بينما ينعطف نحو اليمين اصطدم بثلاثة من التلاميذ كانوا يعترضون طريقه ، فوقع و تناثرت كتبه على الأرض !
جره أحدهم من قفا قميصه و صرخ غاضباً : من تظن نفسك أيها الجرو التافه ؟! ألا تعرف من نكون ؟!
قال إيريك و هو يرتجف : أنا آسف جداً ! لم أتعمد ذلك !
أتى آخر وشده من شعره و هو يزمجر : هل تعتقد أن هذا كاف ؟! طفل سخيف من المستويات الدنيا يتجرأ على الاقتراب منا نحن عباقرة المستوى الخامس ؟!
ثم رفع يده في الهواء و سدد لإيريك لكمة قوية طرحته أرضاً و أسالت الدم من فمه !
تقدم الثالث و هم بركله لكن..
"أنتم هناك ! ابتعدوا إنكم تسدون طريقي !"
التفت ثلاثتهم إلى ذلك الشخص .. و صاح الأول : لا شأن لك يا آلويس !
اقترب المعني بضع خطوات فيما يصوبهم بنظرة تحذير : أنا لا أحب أن أكرر كلامي كما تعلمون !
عض الأول على شفته و هو يكافح ليكبح جماح غضبه : حسناً ، سنذهب إلى مكان آخر..
ثم أمسك إيريك من قميصه و بدأ يسحبه معه ! لولا أن قبضة حديدية قبضت معصمه فصرخ غاضبا و متألما في نفس الوقت : ما الذي تريده بعد أيها الشيطان لقد تنحينا عن طريقك ؟!!
تحدث آلويس بصوت بقدر ما هو هادئ بقدر ما هو مرعب : أنتم الثلاثة من تسدون طريقي ، لذلك أنتم فقط من عليه الاختفاء من هنا على الفور !
قال أحد رفيقي الفتى يرمقه بنظرة احتقار : من تحسب نفسك أيها المتبجح ؟!
شدد آلويس قبضته على معصم التلميذ حتى صاح بأعلى صوته ألما : اتركني !! سوف تخلع يدي !!
تبسم آلويس و قال : إن رأيتكم هنا مجدداً فعهد علي أن أكسر أيديكم إصبعا إصبعا ! و أنتم تعلمون أن كلامي قاطع كالسيف !
صاح الفتى خاضعا و قد طفرت دموع الألم من عينيه : اترك يدي ! أقسم لك أنني لن أعود إلى هنا ولا علاقة لي بذلك التافه !
فأفلت آلويس يده و قال : سيكون هذا من مصلحتكم !
و أسرع الثلاثة و لاذوا بالفرار .. أما إيريك فظل قابعا في مكانه مأخوذا بما رأى !
التفت آلويس أمامه و واصل طريقه و هو يقول : غرفة الممرضة في آخر الرواق الأيسر ! اذهب إليها قبل توجهك للدرس !
أفاق إيريك من شروده لدى سماعه صوته البارد ، و بدأ يجمع كتبه المتناثرة بعدها وقف و قال لآلويس الذي أوشك أن يبلغ نهاية الممر : ش.. شكراً جزيلاً لك !
و انعطف الآخر يمينا دون رد .
سمع إيريك فيما بعد المزيد عن آلويس ! طالب عبقري في المستوى السادس ، من أقدم الطلاب في المدرسة و أكثرهم شهرة و تفردا ، و الأهم من ذلك أنه كان بحد ذاته سلطة مستقلة يفعل ما يشاء و لا يلتزم بقوانين المدرسة ، بل في كثير من الأحيان ما يخضع المدير والمدرسون لإرادته !
بات إيريك معجبا به بشدة و يتمنى رؤيته دوماً !
و قد تحققت أمنيته أخيراً عندما ذهب للمكتبة من أجل واجب مدرسي .. فرآه جالساً هناك وحده على إحدى طاولات القراءة يتصفح كتاباً تاريخياً عن أباطرة الرومان !
شعر إيريك بالسعادة تغمر روحه ، لكنه رغم ذلك ظل خائفا من الاقتراب ! فحينما يقارن نفسه بذلك الفتى المتميز لا يعدو أن يبدو أكثر من ذبابة صغيرة مزعجة !
كان سيعود أدراجه لكن آلويس رفع رأسه و نظر إليه مباشرة .. فلم يستطع إيريك الإنسحاب ، لأنه سيكون تصرفا فظا ، لذلك تقدم و تحدث بتوتر : م.. مساء الخير ! هل.. أزعجتك يا ترى ؟!
هز آلويس رأسه نافيا .. فتشجع إيريك و قال : هل .. هل يمكنني الجلوس معك ؟!
نظر إليه الفتى الهادئ لثوان ، لكنه عاود مطالعة كتابه دون أن ينبس بحرف ،
فاستطاع إيريك أن يدرك عدم إنزعاجه من هذا الطلب ، أخذ كرسيا على يساره و جلس يبتسم مسرورا ثم قال : شكراً لك !
ظل السكون مخيما على الجو لعشر دقائق قبل أن يتجرأ إيريك و يقول : هل.. أستطيع التحدث إليك ؟!
أغلق آلويس كتابه و إتكأ للخلف .. ففهم إيريك موافقته ، و بدأ يتكلم و وجهه لأول مرة تملؤه الحيوية و البهجة : أدعى إيريك إيردمان و أنا ألماني ! هل يمكنني التعرف عليك أيضاً ؟!
نظر إليه بذات النظرات الساكنة ثم نطق أخيراً : ليس مهماً أن تتعرف علي ! هناك سؤال واحد أريد أن أطرحه عليك ! ما الذي جاء بك إلى هذه المدرسة ؟!
فتبخرت كل السعادة من محياه و أطرق رأسه في حزن : جدي.. لقد أحضرني جدي إلى هنا !
- و أنت ؟! هل أنت مجرد دمية يتحكم فيها ؟! ألا تملك حتى الحق لتقرر مصيرك بنفسك ؟!!
قال إيريك و دموعه تعتصر في عينيه : لأنني ضعيف ! ضعيف جداً !
قال آلويس بحزم : أنت من اخترت أن تكون كذلك !
حدق فيه مصدوما و أخذ للمرة الأولى في حياته يعبر عما يجول في خاطره : أنا.. أنا لم يكن لي يوماً أسرة أو أصدقاء ! كان الجميع يعاملني مثل أؤلئك الفتيان الثلاثة ! كنت في نظرهم مجرد حمل ثقيل يتمنون التخلص منه بأي طريقة ! أبي ، أمي ، جدي ، و الجميع !
لم تظهر على وجه آلويس أي علامة تدل على الشفقة أو التأثر ، و قال بشيء من الصرامة :
لم يكن أحد يكرهك بقدر ما تفعل أنت نفسك ! كيف تريد من الآخرين أن يعترفوا بك إن كنت أنت ذاتك تحتقر وجودك ؟! تمقت نفسك فقط لأنك ولدت في هذه الحياة ، و تلقي عليها باللائمة في أشياء لا ذنب و لا علاقة لها بها ! إن مجرد وجودك في هذه المدرسة يؤكد على موهبتك وتفردك عن باقي الأطفال ! أنت تملك من الذكاء و المواهب ما يفوق تصورك !
إعترف بنفسك أولاً ، أحبها ، طورها ، كن أنت أول من يدعمها و يشجعها ، و لا تنتظر أن يفعل هذا أحد سواك !
فحب العالم بأسره لن يغني عنك شيئاً ما لم تكن أول من يمنح نفسك هذا الحب !
ثم نهض و ترك خلفه إيريك و قد تجمد في مكانه و عبارات آلويس تتردد في رأسه ! كلمات عفوية بسيطة .. استطاعت أن تغير كيان إيريك مئة و ثمانين درجة !
في شرق روسيا و تحديداً في سان بطرسبورغ توقفت حافلة الروضة أمام أحد المنازل و نزل طفل صغير ذو أربعة أعوام .
عبر حديقة منزله المغمورة بالثلج و مد ذراعه القصيرة ليمسك مقبض الباب و يفتحه .. و عندما عبر للداخل ألفى بيته مظلما ساكنا من كل حركة أو صوت.
نادى بصوته الناعم بينما يتجول في أرجاء المنزل : أمي ! أمي ! أين أنت ؟!
"لقد سافرت أمك يا آليكسي !"
هكذا قال الرجل الذي خرج لتوه من غرفة المعيشة !
رفع آليكسي رأسه و تمعن في وجهه غير المألوف متسائلا : من أنت ؟!
خطى الرجل نحوه و قال : أنا الدكتور بارانوفسكي زميل والدتك آنا في العمل !
سأل آليكسي بحزن : قلت أن أمي سافرت ؟!
- نعم.
- لكن لم لم تأخذني أمي معها ؟!
قال بارانوفسكي محاولا طمس ابتسامته الخبيثة : اوه إنها رحلة شاقة للغاية و طفل صغير مثلك لا قدرة له على احتمالها ! بالإضافة إلى ذلك فأمك قد جهزت مفاجأة جميلة من أجلك قبل ذهابها !
فتح آليكسي عينيه الجميليتين على اتساعهما : مفاجأة ؟!
- نعم ستذهب إلى مدرسة للعباقرة من أفضل و أرقى المدارس في العالم !
فعبس الطفل و تجمعت الدموع في مقلتيه : لكني لا أريد المغادرة دون أمي !
وضع بارانوفسكي يديه على كتفيه الصغيرين و قال بطيبة زائفة : ألا تريد لها أن تكون فخورة بك ؟! حتى أمك الذكية لم تكن تحلم بدخول هذه المدرسة !
تردد الصغير .. ثم قال فجأة : أريد الإتصال بها قبل ذلك !
ارتبك بارانوفسكي للحظات ، ثم التمعت في ذهنه فكرة فقال : لا تستطيع ذلك ، فهي الآن في عمق الغابات الأفريقية حيث لا تصل تغطية شبكات الإتصال ! لكن قد تستطيع أن ترسل لك رسالة نهاية كل أسبوع !
أشرق وجه آليكسي بابتسامة جميلة : حقاً ؟!
- نعم ، هذا وعد !
و التحق آليكسي الصغير بالمدرسة وتم وضعه بعد الاختبار في المستوى الخامس !
كان الأصغر في صفه سنا و حجماً ، و كان زملاؤه لغيرتهم يسخرون منه وينعتونه بالدمية الروسية أو القط القبيح !
و رغم كل ما يملك من عبقرية إلا أنه كان طفلاً صغيراً ولا يجيد الاعتناء بنفسه ، فهو لا يعرف كيف يعقد رباط حذائه ، أو يصفف شعره ، أو يعدل ربطة عنقه الصغيرة ، و كان الطلاب يستغلون هذا العيب فيه و يضحكون منه ساخرين كلما مر بجانبهم !
و بينما هو ذات مرة يهبط الدرج تعثر برباط حذائه المتهدل و سقط أرضاً .. لم يتأذى وجهه لكن ركبته اليمنى تورمت ، و أصيبت يداه ببعض الخدوش !
حاول النهوض و الوقوف على قدميه .. لكنه لم يفلح ، عندئذ اقترب منه شخص ما و سأل بقلق : هل أنت بخير ؟!
نظر آليكسي إلى الفتى أسود الشعر أدعج العينين و الذي يكبره بخمس سنوات لكنه لم يرد..
فتقدم الفتى الغريب أكثر ، و كشف ركبة آليكسي ثم قال : يا إلهي إنها متورمة ! لكن لا تقلق لن يكون الأمر خطيرا !
أدار ظهره للصغير و مد يديه له قائلا : هيا سأحملك على ظهري إلى غرفة الممرضة !
و بعد للحظات من التردد .. تحرك آليكسي و لف ذراعيه حول عنقه فحمله الفتى إلى غرفة الممرضة.
هناك و بعد معالجة إصابته.. نظر الفتى إلى حذاء آليكسي ذي الرباط المفكوك ، ثم اقترب باسما و على دهشة من الطفل قام بشد الرباط جيداً و هو يقول : إذن فهذا كان سبب سقوطك من الدرج ! يبدو أنك لا تجيد ربطه !
أومأ آليكسي ببطء ، فربت الفتى على رأسه بحنو و دفء : أدعى سيباستيان لاكلير ! و أنا طالب في المستوى الرابع ! ما اسمك أنت ؟!
- آليكسي .. آبراموف !
ابتسم سيباستيان بمحبة : حسناً يا آليكسي سآتي إلى غرفتك صباح كل يوم ، و أربط لك حذاءك كيلا تتعثر ثانية ! ما رأيك ؟!
أمعن الطفل النظره فيه متعجبا : و لماذا تفعل شيئاً كهذا من أجلي ؟!
قال سيباستيان مواريا حزنه خلف ابتسامة لطيفة : قبل مدة ليست بطويلة .. كان لدي أخ صغير في مثل سنك ! أنت لا تشبهه في شكله بتاتاً ، لكن لا أدري أحسست أنك تشبهه ، حين رأيتك تسقط .. لمحت فيك أخي الصغير المحبوب.
سأل آليكسي : و أين هو شقيقك الآن ؟!!
أشاح سيباستيان ببصره و قال : آه .. لقد مات ! <ثم عاود النظر إلى آليكسي و قال بارتياب : هل.. أزعجتك بكلامي ؟!
هز آليكسي رأسه نافيا ، فتهلل وجه سيباستيان : جيد ! و الآن هيا يجب أن آخذك إلى غرفتك لترتاح !
و حمل آليكسي على ظهره للمرة الثانية ، و لم يتركه حتى أجلسه على سريره و أحضر له عصيراً منعشا !
و منذ ذلك اليوم أصبح سيباستيان يزور آليكسي كل صباح ، يمشط شعره ، و يرتب هندامه ، و يربط حذاءه بإحكام !
حتى جاء آليكسي في أحد الأيام يركض إلى فصل سيباستيان ، و حالما رآه الأخير نهض من مقعده و اتجه نحوه .. قال آليكسي بفخر و ابتهاج : انظر يا سيبا ! لقد ربطت حذائي بنفسي !
تبسم سيباستيان و ربت على رأس الصغير بلطف قائلاً : أحسنت يا آليكسي !
فقال بعض زملاء سيباستيان و هم يضحكون باستهزاء : هل أصبحت تربي القطط المتشردة يا سيباستيان ؟!!
رمقهم المعني بنظرة ازدراء حادة و قال ببرود : أولاً أنا أحب القطط ! ثانياً إن سمعتكم مرة أخرى تنعتونه بالقط المتشرد سأحطم أسنانكم !
ثم أمسك يد آليكسي و خرجا معا من الفصل ..
قال الصغير مغتما : جميعهم يقولون أني قبيح و أشبه القطط !
قال سيباستيان و قد بدا عليه الحنق : لا تكن أحمق يا آليكسي ! القطط رائعة و أنت لا تشببها لأنك قبيح بل لأنك جميل للغاية و ذو شكل فريد !
تعجب آليكسي : حقاً ؟!
- بالطبع ، فأجمل الأشياء أكثرها ندرة ! و أنا لم يسبق لي أن رأيت أحداً بنفس لون شعرك أو عينيك ! أنت قط جميل مميز جداً ! و يجب أن تكون فخورا بهذا !
غمر قلب آليكسي الصغير شعور رائع لم يسبق له أن جربه من قبل ، ثم تبسم و كانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها ابتسامته القططية !
ضحك سيباستيان و بعثر بيده شعر آليكسي الثلجي في مرح !
بعد مرور أسابيع .. و إثر انتهاء الامتحانات النصفية تم استدعاء آليكسي إلى غرفة المدير.
كان الدكتور بارانوفسكي هناك ، فقال بانبهار حين وقعت عيناه على آليكسي : أوه آليكسي الصغير ! لا يمكنك أن تتخيل كم أن والدتك فخورة بك ! لقد حصلت على أعلى علامة في امتحان الكيمياء و الذي كان شديد الصعوبة ! و أثنى عليك معلمك ، و قال أنك دائما ما تذهله بعبقريتك في هذه المادة ، لا شك لدي أنك ستغدو عما قريب من أعظم الكيميائيين في العالم !
قال آليكسي دونما اهتمام : أنا أحبها فقط..
ثم استدار ليغادر ، لكن قبل أن يفتح الباب ، نطق كلماته التي ستظل عالقة في ذاكرة بارانوفسكي إلى آخر عمره : سأصبح كيميائيا .. و عندها سأصنع سما من أجلك ! انتظر ذلك فقط !
و انصرف مغلقا الباب وراءه بهدوء !
بدت الدهشة على بارانوفسكي و المدير .. لكن سرعان ما ضحك الأول و عاد يواصل حديثه مع الرجل الآخر بصورة طبيعية ، فهي في النهاية ليست أكثر من كلمات تفوه بها طفل صغير ! أو هذا ما حاول بارانوفسكي إقناع نفسه به !
حينما سمع سيباستيان بالأمر أسرع متجهاً إلى غرفة آليكسي .. و عند دخوله الغرفة وجده مستلقيا على سريره باسطا ذراعيه و قد تناثرت حوله عشرات الأوراق !
سأله سيباستيان بقلق : هل أنت بخير يا آليكسي ؟!
أجاب آليكسي دون أن يرفع رأسه : نعم..
فاقترب سيباستيان و جلس على السرير بجواره و قال متسائلا : ما هذه الأوراق المبعثرة حولك ؟!
عندها جلس آليكسي و شرع يجمعها و يقول : آه هذه ؟! إنها رسائل سخيفة كتبها شخص مغفل يظن نفسه ذكياً بما يكفي ليكون أمي !!
فتح سيباستيان عينيه على اتساعهما و قال مصدوما : أمك ؟!!
رد المعني بعينين شاردتين : في آخر مرة رأيتها كانت قلقة مشغولة البال.. لابد أنها اكتشفت شيئاً خطيرا عن ذلك المختبر الذي تعمل فيه ! أنا أعلم.. و منذ زمن أنهم قتلوها ! و لن أتركهم يفلتون بفعلتهم هذه ما حييت !! س...
فقاطع سيباستيان كلامه بقوله حازما : إياك أن تتصرف بتهور يا آليكسي ! <التفت إليه الصغير باستغراب فأكمل بشكل مفاجئ : لقد قتلوا أخي الصغير كذلك ! كان عليلا ضعيف الجسم منذ ولادته ، كنا أنا و هو نعيش في ملجأ للأيتام بعد وفاة والدينا ، و مع هذا كنت سعيداً جداً بمجرد وجوده معي ، كان أثمن شيء لدي في الدنيا و كانت ابتسامته أجمل ما تبصره عيناي ، لكن كل شيء تلاشى بعد مجيء أؤلئك الأوغاد ! كانوا يريدون ضمي إلى مدرستهم و قد رفضت ذلك فوراً فلم أكن أريد ترك أخي ! و بسبب ذلك و بعد ثلاث أيام فقط من قدومهم بدأت صحة أخي تسوء ... و أظنك تعرف باقي القصة ..<نظر إلى آليكسي وعيناه السوداوان تغرقان في بحر من الألم : لقد فقدت أخاً غاليا على قلبي ولا أريد أن أخسر آخراً ! <وضع يده برفق على كتف آليكسي : أنا أعدك أخي الصغير يا آليكسي !
كلماته الصادقة المملوءة بالحب أشعرت آليكسي بدفء أذاب دموعه التي تجمدت في عينيه منذ رحيله عن منزله !
وثب نحو سيباستيان الذي أخذه بين ذراعيه بحنان ، و أخرج الصغير كل ما في قلبه من حزن و مرارة عبر عبرات انهمرت على وجهه بغزارة !
مسد سيباستيان على شعره بعطف و قال : نحن لن نسكت يا آليكسي و سيدفع أؤلئك المجرمون الثمن غالياً ! لكن سنستمر في تمثيل دور المنصاعين لهم حتى تحين الفرصة المناسبة للانتقام منهم !
أما عن ماريان ، غلبيرت ، إنزو فلم يكن ماضيهم مؤلماً كالثلاثة السابقين !
ماريان و غلبيرت كانا في يعيشان منذ ولادتهما في ملجأ للأيتام في العاصمة البلجيكية بروكسل ، أما إنزو فلم يكن له أقارب غير عم عجوز سكير ، و قد وافق من فوره على إرسال إنزو للمدرسة لقاء مبلغ ضخم من المال !
تم قبول ماريان في المستوى الثالث -مع إيريك- و غلبيرت في الثاني ، أما إنزو فتم وضعه مع آلويس و ثلاثة آخرين في المستوى السادس !
كان كل شيء في المدرسة يسير بالشكل المعتاد إلى أن أتى ذلك اليوم !
كان المسؤولون عن المدرسة و ممولوها من بينهم العجوز إيردمان ، السيد باتاي ، و البروفيسور كابوستين في زيارة للمدرسة لتفقد أوضاعها و الاطلاع على مستوى الطلاب فيها.
و أول من تشرف بزيارتهم كان الطلاب الخمسة في المستوى السادس !
دخلوا عليهم أثناء شرح المعلم لدرس في الرياضيات ، فقطع المعلم الدرس و قدم لهم التحية بكل ما أمكنه من احترام و تقدير !
و نهض الطلاب مظهرين أو متصنعين الاحترام .. إلا طالباً واحداً !
نظروا باستنكار إلى آلويس الذي بقي جالساً في مكانه يضع ساقه فوق الأخرى و يرمقهم بنظرة إزدراء !
التفت نحو معلمه و قال بلهجة موبخة : لماذا توقفت عن الشرح ؟!!
حملق فيه المعلم مشدوها ، فنهض آلويس قائلاً : إن كنت ستوقف الدرس فأنا مغادر !
واتجه نحو الباب ليخرج لكن كابوستين أمسك ذراعه قائلا بغضب : لا تبدو ولدا مهذباً أيها ال…
بحركة عنيفة أبعد آلويس يد كابوستين ، ثم جذب ذراعه بيده اليسرى و قام بليها و هو يقول بلهجة مرعبة : هل تقصد أن "حشرة" مثلك يمكن أن يعلمني التهذيب ؟!!
صرخ كابوستين و تلوى من الألم ، بينما كان الاثنان الاخران يراقبان باندهاش ولا يكادان يصدقان !
ترجاه معلمه قائلاً : آلويس ! اهدأ أرجوك ! اتركه و سأكمل الدرس حالاً !
لم يتنازل حبا لكابوستين و لا خشية من آلويس ، بل خوف طرده من وظيفته إن حدثت مشكلة أثناء حصته !
أفلت آلويس ذراع كابوستين و قال : حسناً و يجب أن يخرج هؤلاء المتطفلون أيضاً !
قال المعلم خاضعا : نعم ، نعم !
و نظر إلى الرجال الثلاثة متوسلا ، فتمتم العجوز إيردمان و لم يكن قد أفاق من ذهوله بعد : حسنا.. سنذهب !
و قاد رفيقيه إلى الخارج .. و ما كادوا يعبرون الرواق حتى صاح كابوستين متحسسا ذراعه : عليه اللعنة ابن الشيطان ذاك !!
تحدث باتاي بغضب : لا أصدق أنه سخر منا و طردنا من أملاكنا !
قال العجوز إيردمان بعينين جاحظتين شاردتين : إنه.. هو !! هو بعينه !! لقد نجحنا !!
حملق فيه رفيقاه مستفهمين فأردف بصوت مرتعد : لقد كنت أحلم أكثر من أربعين سنة أن أرى هتلر مجدداً ! وها قد تحقق مناي !! بل لا أبالغ إن قلت أن ذلك الفتى سيتفوق عليه حتماً !!
فقال كابوستين متناسيا ما حدث له قبل لحظات : هذا رائع إذن !
صاح العجوز في وجهه : ليس رائعاً ! ألا تفهم ؟! ألا يمكنك أن ترى ؟! هذا الفتى إن ظل حيا سيدوس على جماجمنا !!
و هكذا... جاءت خطتهم بتكليف عدد من الطلاب باغتيال آلويس !
و الذي انحاز لجانبه بعض التلاميذ من بينهم إيريك ، إنزو ، آليكسي ، سيباستيان ، ماريان ، غلبيرت و ذلك لأنهم رأوا في آلويس القائد الواعد الذي وحده من يستطيع دحر أعدائهم و الانتصار عليهم !
و قد قتل أغلب أؤلئك الطلاب بسبب عدم التزامهم بتعليمات آلويس وتهاونهم بالخطر الذي يحيط بهم !
وفي النهاية لم ينج من تلك المدرسة إلا السبعة الأقوى والذين سيكونون بعد بضع سنوات الأساس الذي ترتكز عليه منظمة العقارب !!
Mygrace
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mygrace
البحث عن المشاركات التي كتبها Mygrace