و ايضا لن تستطيع التحدث بعد الآن..!
كانت تتناول افطارها في مطبخها الفخم و الذي لم يكن غير شطيرة مربى مع كأس عصير..!
عيناها الزمرديتين موجهتان الى الفراغ ..يدها لا تكاد تصل لفمها..ارهاق شديد يحوطها و ثقل في كامل جسدها ..!
انها ليست بخير ابدا ..و كيف تكون بخير و هي قد فقدت ما ظنته احسن ما امتلكته ..!
صوتها كان كل شيء في حياتها ..السبب في تحقيق حلمها ، وسيلة اتصالها مع الناس ...و كل شيء فعلا ..!!
هي عندما فعلت ذلك كانت تتوقع ان لا تتكلم مدة اسبوع او اسبوعين فقط كما يحدث عندما تتجاوز الحدود المسموحة بها
"سيلا ..! انت لن تفعلي ذلك صحيح ..؟!"
هذا ما قاله ليام بقلق و هو جالس أمامها و بجانبه ايريك و جون..
بدت غير مهتمة و هي تعبث بهاتفها ..رفعت نظرها اليه بملل "سحقا ليام..! انا أعلم ما أفعل ..لن اتكلم لأسبوع او بضعة ايام فقط كما في العادة عندما أخالف أوامرك..! "
أنهت جملتها بنبرة سخرية في حين نظر إليها جون بحدة "أنت لا تعلمين بعد ما قاله الطبيب آخر مرة ..صحيح ؟!"
"هممم...كالعادة بالتأكيد..!"
أكمل مايك بنفس نبرة جون غير انها حملت تحديا "لقد قال انك لن تتحدثي بعدها ان قمت بفعلها مجددا .."
تفاجأت حتى ان الهاتف قد سقط من يدها غير انها تمالكت نفسها و أعادت حمله مفسرة الأمر انه مزحة و محاولة اقناع منهم لذا قطعت هذا الجو الجالب للملل بالنسبة لها "حسنا فهمت ما تريدون قوله "
بالتاكيد لم يصدقوها ..لقد ظنوا انها ستفكر فيما يهددها و الاهم انهم ظنوا انها صدقتهم ، لم يتجرؤ احد على فتح الموضوع ..فهي عادة عندما تقول شيئا ،ستفعله فعلا..!
هي قد علمت ان هناك شيئا خاطئا عندما التقت بالطبيب آخر مرة ..ملامح وجهه كانت اقرب الى الإحباط ،لقد راودها شك و اجتاحها شعور مريب ..و قد عاد بعد كلام جون توا ..ربما يجب عليها ان تصدق كلامهم ..و لكن لا اثبات على كلامهم ..انها مجرد هواجس كالعادة بالتأكيد ..!
هي في داخلها كانت تعلم أن كل شيء كان - خاطئا!
ربما لو استمعت إليهم لكان كل شيء بخير..كلماتها التي ألقتها على الجمهور ..خرجت من حيث لا تدري ..او ربما قلبها و صوتها الداخلي هو من كان يتحدث عندها
سمعت طرق الباب فنهظت بهدوء على غير العادة و فتحت الباب ..توقعت ان ترى ذلك الثلاثي ..و لكنها وجدت والدتها بكامل أناقتها خلف الباب.. كانت تبتسم ابتسامة مطمئنة تخفي الكثير من الألم خلفها ..! سيلا هذه، لا تستطيع اظهار دموعها الا لوالدتها ..انها تفهمها من غير ان تتحدث حتى ..!! أخيرا ستريح نفسها و تبكي
ارتمت في حضنها لتعانقها الاخرى بحنان "سيكون كل شيء بخير سيلا..!"
لا بأس ، سيكون كل شيء بخير؛ هذا ما ارادت سيلا سماعه ،عله يريح كاهلها و يطمئن نفسها المضطربة..!
"أ لم تجهزوا الغرفة بعد..؟!"
قالتها مستفسرة لتجيبها الخادمة بتوتر"سيدتي غرفة الآنسة يمكن ان لا نستطيع تجهيزها في هذا الوقت القصير "
تنهدت السيدة بقلة حيلة و قالت "لا بأس .. الق نظرة على غرفة سيدك الصغير و انظري ان كان ينقصها شيء
و لكن غدا يجب ان تجهز غرفتها"
ابتسمت الخادمة ممتنة فلطالما كانت سيدتها متساهلة مع الخدم و متفهمة و هذا ما جعلها محبوبة بينهم..!
نزل شاب من الدرج و قد بدى انه استيقظ للتو فقط من شعره الأشقر الجميل المبعثر ..نظر الى والدته و قال بملل"ما سر هيجان الخدم هذا اليوم..؟!"
ابتسمت على تشبيهه و قالت بفرح"ستأتي ابنة عمتك سيلا مساءا الى هنا ..أليس هذا رائعا ايريك ؟!"
ضيق من فتحة عينيه العشبية بشك"أ ليست تلك المغنية ..؟! "
نظرت اليه بحزن"هي لم تعد كذلك ..! لقد فقدت صوتها"
انفجر ضاحكا باستهزاء"هل تعنين انها اصبحت لا تستطيع الغناء ..!؟"
جعلت نظراتها الموجهة اليه حادة مما اخرسه "لا اجد شيئا يدعو الى الضحك حقا..!!"
صمت المدعو ايريك و قد شعر بفضاعة ردة فعله ..هو فقط كان يتوقع ان تكون مزحة جديدة من مزحات والدته اللانهائية
رغم انه لم يقابل سيلا في حياته و لم يسمع اي اغنية لها رغم شعبيتها ..الا انه قد شعر بالأسف عليها
و هذا ما كان سيفعله -اي احد مكانه ..!
"ستغادر طائرتك مساءا سيدي، ألا تريد اعلام والدتك فهي تظن انك ستعود غدا...!؟"
قالها خادمه باحترام شديد و هو يسير خلفه ...لم ينظر اليه و رد بنبرة مبهمة يصعب تفسيرها مع ابتسامة باهتة
"أظن انه لا داعي لذلك ...فلتكن مفاجأة !"
ابتسم من خلفه و واصل مشيته محاولا مجاراته "سمعت ان هناك ضيفا مميزا سيأتي الى القصر عندما اتصلت السيدة صباحا للاطمئنان عليك"
بدى الاستهزاء جليا من نبرة صوته عندما قال"و منذ متى كانت زيارة من احد تستدعي ان اعلم بها"
رد خادمه مصححا"لا هذه المرة اخبرتني السيدة انه مميز و لم تخبرني من هو"
"لا يهمني امره...و لا تحدثني بهذه المواضيع المملة مجددا.!"
بعدم اهتمام و لامبالاة و برود كالعادة لفظ كلماته السابقة ..مواصلا سيره بخطواته الثابتة المتوازنة التي منحت منظره
جاذبية مطلقة بالاضافة الى ملامحه المميزة
في المطار تجر حقيبتها الرمادية ، بجانبها والدتها ..التي ترتدي قبعة صوفية مع وشاح قد بالغت في لفه حول عنقها
ذلك لانها لا تريد اجتماع المعجبين هنا ..فالأمر عندها لن ينتهي و لكن سيلا لم تهتم و اكتفت بالسير بمحاذاة والدتها الممسكة بيدها..
من حسن حظهم ان كل مشغول بامر ما لذا فلم ينتبهوا لهما .. و قد تعمدتا عدم البروز ..!
اتى اخيرا صوت يطلب من ركاب الطائرة المتجهة الى لندن التوجه الى الطائرة ..!
سيلا بقيت واقفة ، ربما لم تسمع ما سبق و لكنها بالتأكيد فعلت ..كل ما في الأمر أنها مترددة ..لا تعلم ان كان ما تفعله صائبا ..!! هي حتى لم تودع اصدقاءها ..!!
علمت من بجانبها ما يدور في ذهنها ..لذا شددت من مسكة يدها ليد ابنتها ..كانت ستنتج بالفطرة انها تحفيز و دعم من والدتها و لكنها كانت بحاجة لأكثر من هذا لذا فقد رفعت رأسها الى وجه والدتها التي ابتسمت لها مطمئنة
و قالت بحنان"سيكون الأمر كرحلة...اعتبريه تغييرا للجو فقط ،يمكنك العودة متى شئت.."
اومأت سيلا برأسها دلالة على الأيجاب و خطت الى الأمام ..صحيح! هذه ستكون فقط مجرد رحلة لسيلا