الموضوع: وصف الجنة
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-04-2016, 04:40 PM
 
الفصل السادس: كثرة أهل النار
المبحث الأول: النصوص الدالة على ذلك
جاءت النصوص كثيرة وافرة دالة على كثرة من يدخل النار من بني آدم، وقلة من يدخل الجنة منهم.
قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [يوسف: 103] ، وقال: (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) [سبأ: 20] . وقال الحق تبارك وتعالى لإبليس: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) [ص: 85] . فكل من كفر فهو من أهل النار على كثرة من كفر من بني آدم.
ويدلك على كثرة الكفرة المشركين الذين رفضوا دعوة الرسل أن النبي بأتي في يوم القيامة ومعه الرهط، وهم جماعة دون العشرة، والنبي ومعه الرجل
(1/75)
والرجلان، بل إن بعض الأنبياء يأتي وحيداً لم يؤمن به أحد، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد..". (1)
وجاءت نصوص كثيرة تدل على أنه يدخل في النار من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف، وواحد فقط هو الذي يدخل الجنة. فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، ثم يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكرى وما هم بسكرى، ولكن عذاب الله شديد. فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ قال: أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرقمة في ذراع الحمار ". (2)
وروى عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم* يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع
__________
(1) صحيح مسلم: (1/198) . ورقم الحديث: 220.
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب قول الله عز وجل: (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) فتح الباري: (11/388) .

(1/76)
كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج: 1-2] ، فلما سمع أصحابه ذلك حثوا المطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فلما دنوا حوله قال: " أتدرون أي يوم ذاك؟ قال: ذاك يوم يُنادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، فيقول: يا آدم ابعث بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة ". قال: فأبلس أصحابه، حتى ما أوضحوا بضاحكة. فلما رأى ذلك قال: " أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج يأجوج، ومن هلك من بنى آدم وبني إبليس " قال: فسري عنهم، ثم قال: " اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة " رواه أحمد والترمذي والنسائي في كتاب التفسير في سننهما، وقال الترمذي: حسن صحيح. (1)
وروى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما نزلت (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) [الحج: 1] ، قال: نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر، فقال: " أتدرون أي يوم ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة "، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قاربوا وسددوا، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن
__________
(1) تفسير ابن كثير: (4/610) . وهو في مسند أحمد (4/435) . سنن الترمذي: 3169.

(1/77)
تمت، وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير "، ثم قال: " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا "، ثم قال: ولا أدري أقال: الثلثين أم لا. وكذا رواه الإمام أحمد، وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح. (1)
وقد يقال كيف تجمع بين هذه الأحاديث وبين ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب، كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائه تسعة وتسعون، فما يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ". (2)
والظاهر أن هذه الرواية لا تخالف الروايات الأخرى الصحيحة التي سقناها من قبل، فإن ذلك العدد باعتبار معين، وهذا العدد باعتبار آخر.
فالأحاديث التي تجعل النسبة تسعمائة وتسعة وتسعين يمكن تحمل على جميع ذرية أدم، وحديث البخاري الذي يجعلها تسعة وتسعين تحمل على جميع ذريته ما عدا يأجوج ومأجوج، ويقرب هذا الجمع – كما يقول ابن حجر – أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويمكن أن يقال: إن الأحاديث الأولى تتعلق بالخلق أجمعين، فإذا جعلت نسبة من يدخل النار إلى من يدخل الجنة باعتبار الأمم جميعاً تكون النسبة (999) ، ويكون حديث البخاري الأخير مبيناً نسبة من يدخل النار من هذه الأمة دون سواها، قال ابن حجر: " ويُقربه – أي هذا
__________
(1) تفسير ابن كثير: (4/610) . وهو في سنن الترمذي: 3168.
(2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الحشر، فتح الباري: (11/378) .

(1/78)
القول – قولهم في حديث أبى هريرة " إذا أخذ منا "، ثم قال: " ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة، فيكون من كل ألف واحد إلى الجنة، ومرة من هذه الأمة، فيكون من كل ألف عشرة ". (1)
__________
(1) فتح الباري: (11/390) ، وقد ساق أقوالاً أخرى، فارجع إليه إن أحببت الاطلاع على المزيد.

(1/79)
المبحث الثاني: السر في كثرة أهل النار
ليس السبب في كثرة أهل النار هو عدم بلوغ الحق إلى البشر على اختلاف أزمانهم وأمكنتهم، فإن الله لا يؤاخذ العباد إذا لم تبلغهم دعوته، (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15] ، ولذلك فإن الله أرسل في كل أمة نذيراً، (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) [فاطر: 24] .
ولكن السبب وراء ذلك يعود إلى قلة الذين استجابوا للرسل وكثرة الذين كفروا بهم، وكثير من الذين استجابوا لم يكن إيمانهم خالصاً نقياً.
وقد تعرض ابن رجب في كتابه " التخويف من النار " إلى السبب في قلة أهل الجنة، وكثرة أهل النار فقال: " فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار، وتدل أيضاً على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم، وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيه من الاختلاف، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضاًَ من أهل النار كما قال تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) [هود: 17] .

(1/80)
وأما المنتسبون إلى الكتاب المحكم والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضاً، وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وأما المنتسبون إليه ظاهراً وباطناً فكثير منهم فتن بالشبهات، وهم أهل البدع والضلال، وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وكثير منها أيضاً فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار - وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها - فلم ينج من الوعيد بالنار، ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة، وهو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ظاهراً وباطناً، وسلم من فتنة الشهوات والشبهات، وهؤلاء قليل جداً لا سيما في الأزمان المتأخرة ". (1)
ولعل السبب الأعظم هو اتباع الشهوات، ذلك أن حب الشهوات مغروس في أعماق النفس الإنسانية (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) [آل عمران: 14] .
وكثير من الناس يريد الوصول إلى هذه الشهوات عن الطريق التي تهواها نفسه ويحبها قلبه، ولا يراعي في ذلك شرع الله المنزل، أضف إلى هذا تمسك الأبناء بميراث الآباء المناقض لشرع الله (ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) [الزخرف: 23-24] .
__________
(1) التخويف من النار، لابن رجب، ص 214.

(1/81)
وإلف ما كان عليه الآباء وتقديسه داء ابتليت به الأمم، لا يقل أثره عن الشهوات المغروسة في أعماق الإنسان، إن لم يكن هو شهوة في ذاته.
وقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله النار، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع، قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". أخرجه الترمذي وأبو داود، وزاد النسائي: بعد قوله: "اذهب فانظر إليها"، "وإلى ما أعددت لأهلها فيها ". (1)
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره ". أخرجه البخاري ومسلم، ولمسلم " حفت " بدل: " حجبت ". (2)
قال صديق حسن خان: "والمراد بالشهوات مرادات النفوس ومستلذاتها وأهويتها " (3) ، وقال القرطبي: " الشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها، وتدعو إليه، ويوافقها، وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به، الذي لا يتوصل إليه بعد أن يتخطى ". (4)
__________
(1) جامع الأصول: (10/520) ، ورقمه: 8068، وقال المحقق: قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) المصدر السابق: (10/520) ، ورقمه: 8069.
(3) يقظة أو لي الاعتبار: ص 220.
(4) المصدر السابق.

(1/82)
المبحث الثالث: أكثر من يدخل النار النساء
أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء، كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال في خطبة الكسوف " أريت النار، فلم أر منظر كاليوم أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء ". (1)
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقلن: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن المشير ". (2)
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد: " وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ".
وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أقل ساكني الجنة النساء ". (3)
وهذا لا ينافي أن كل واحد من أهل الجنة له أكثر من زوجة، فإن المراد بالنساء اللواتي هن أكثر أهل النار من كان منهن من ذرية آدم، أما زوجات أهل الجنة الكثيرات فهن من الحور العين.
" وإنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن أن تنفذ بصائرها إلى الآخرى، فيضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها، ولميلهن إلى الدنيا والتزين لها، ومع ذلك هن أقوى أسباب
__________
(1) صحيح البخاري: 1052. وصحيح مسلم: 907.
(2) صحيح البخاري: 1462، وصحيح مسلم: 79، 80
(3) صحيح البخاري: 2546، وصحيح مسلم: 2736.

(1/83)
الدنيا التي تصرف الرجال عن الآخرة، لما فيهن من الهوى والميل لهن، فأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن صارفات عنها لغيرهن، سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الأخرى، وأعمالها من المتقين " (1) . ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته ويطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة.
__________
(1) التذكرة للقرطبي: (1/369) .

(1/84)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس