عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-06-2016, 03:25 PM
 

-



- مدخل -




كما متاهات الغاب أنفسنا،، لا نملك مفاتيح فهمها جميعا..
فحين تأتينا التفافة من هامش الحياة تخزنا لسويعات،،
يضطرب فينا صوت العقل..
يترنح ويموج حتى يخمد تماما!
ولا يبقى في النفس طاقة للاستيعاب...
فتولد فينا عندئذ الأساطير والحكايات...
وهنا قصة عقل تائه..
تخبط في ظلمات الخوف حتى صنع له مخرجا،،
وإذا كنت ذا قلب قوي،
شديد البأس...
رويت لك قصتي...
قصة لقائي... "بابن القمر"!





- مقدمة -




ارتفعت أصواتهم تدوي في أرجاء البيت القديم أعلى من هزيم الرعد،
كلمات السباب البذيئة..
الإهانات الباعثة على القشعريرة..
وأصوات الضربات وتحطم قطع الأثاث..

كانت تغطي أذنيها وهي تحشر جسدها الصغير في أبعد ركن في الغرفة،
تغلق عينيها عل كل من والديها يختفي الآن بفعل معجزة..
تنشج بنحيب ناعم وهي تغني لنفسها:
"تطير الفراشات... عاليا في السماء.. صفراء .. زرقاء.. تعوم في الأرجاء..."

حاولت أن تنأى بنفسها بعيدا عما يحصل،
بعيدا عن وجعها، لكن هذا كان دون جدوى.
فأعلى وأعلى.. كان ضجيجهما يرتفع،
أعلى من هزيم الرعد في هذه الليلة العاصفة..
أوضح من الدندنة الباكية التي حاولت أن تشغل بها نفسها..
أقوى من الألم المشتعل في ذراعها..
أعنف من وجيب قلبها الذي أوشك على مغادرة صدرها!

كان كابوسا يتكرر كل ليلة تقريبا..
كل ليلة من سنوات عمرها العشر تتمنى لو تختفي..
لو تستيقظ فتجد نفسها آمنة في أبعد نقطة عن هذين الإثنين.

أجفلت حين تناهى إلى سمعها وقع أقدام ثقيلة تصعد الدرج، وفتحت عينيها تنظر إلى باب غرفتها الصغيرة المجردة من الأثاث.
سرعان ما سيصعدان إليها الآن ليجعلاها جزءا من اقتتالهما الدائم،
سرعان ما ستغدو هي ضحية الضربات الطائشة، ومتنفسا للطرف الخاسر في شجارهما!
أين تذهب؟! أين تختبئ؟!
يكاد قلبها يتوقف من شدة خفقاته!
الحرق على ذراعها اليسرى من ليلة الأمس مازال يؤلمها بشدة،
مازالت الكدمة -الحمراء والفظيعة المظهر- الممتدة من رسغها وحتى أسفل كتفها بقليل...
تلتهب وكأنها لاتزال تحترق بنيران -المدفأة- التي رماها والدها نحوها بغير عقل!!
لم تكن قادرة على تحمل أي ضرب هذه الليلة... فالألم كان أشد من أن تتخيله يتضاعف!

أنت بضعف وخوف وهي تسمع صراخهما واضحا الآن من أمام باب غرفتها،
وراحت تتمتم بعبارة سمعتها من العجوز ماريا ولطالما منحتها شيئا من القوة:
"يا إله السماوات... يا إله السماوات.. أرجوك...."

البرق أضاء الغرفة المظلمة لثوان ملتمعا عبر زجاج النافذة الكبيرة فوقها،
وراسما ظلا طويلا امتد على أرضية الحجرة أمامها.
انتفض جسدها، وأسرعت ترفع رأسها إلى النافذة التي كانت تقبع أسفلها ضامة ركبتيها.
شخص ما كان واقفا هناك.. خلف نافذتها.. وسط العاصفة.. شخص لم تستطع رؤية ملامحه!

نهضت واقفة ببطء، لتواجه النافذة والظل الطويل الجامد خلف زجاجها، غير آبه بالأمطار أو الرياح العاصفة من حوله.
رأت ذلك الظل يمد يده لها بدعوة حيرتها...
والتمع البرق من جديد.. فارتجف جسدها الصغير حين رأت ملامحه في ضوء البرق...
رأت ملامح لا تنسى!





‏-


رد مع اقتباس