البارت الثالث عشر /الأخير
سكبت دموعها بحرارة مع تشت تت لم يتركها ؟....هي لم تفعل شيئا سوى أن أظهرت قرارا لحياتها لكن هذا القرار سيأخذه بعيدا ....
سيأخذه بعيدا حتى ستأمل أن تسمع نبرة صوته و لو مناد باسمها...
تخيل بعده لا يقل صعوبة عن خوفها و قلقها على كيو حين كان مخطوفا أو اللحظات العصيبة التي شهدت به صعوبة أنفاسه....
فها هي الدنيا تخطط لخطفه و عدم إرجاعه...
هل يعارضان القدر أم القدر يعارضهما؟!...
في البداية عناد ساي و الآن رأي ميرنا..
رفعت أنمل سبابتها لتحركه و تنشف دموعها رغم أ ن سيلانها لم يترك وجنتيها تجف...
قلبها المقبوض كان ينادي مغيثا ليخرجه من الحيرة و الشتات في هذه المتاهة...
سمعت صوت رنين الهاتف لتخرج متجهة للأسفل فلا أحد سيرفع السماعة بعد خروج هاجي غاضبا...
حاولت أن تخفي غبنتها: مرحبا.
ظهر صوت ساي قائلا بتعجب بعد أن لاحظ نبرتها: ما بك ميرنا؟!.. و كأن مخزن الدموع أصيب بالفيضان ثانية.
هذه اللحظة هي أسوء وقت لمكالمته فهي تحمل الضغينة تجاهه و تجاه الحياة التي هد طبيعتها الهادئة لكننها أجابته: أخي ليس هنا..اتصل على هاتفه النقال.
صوت أنفاسه كانت واضحة قبل أن يقول: أنا أريد التحدث معك أنت ميرنا.
زادت من حدة حديثها: ماذا؟
أجابها و هو يعبث بالستارة التي بجانبه:كنت أريد سماع صوتك فهو يهدئني.
رفعت صوتها بنوع من الغضب دفين: ها قد سمعت، تصبح على خير.
أرادت أن تقطع الخط لكنه قال ما شدها: أبي سوف يجبرني....على خطبة فتاة أخرى.
لانت فجأة و عادت مشاعر الأسى عليه لقلبها لكنها لم تسلم لسانها لهذا الواقع: و ماذا؟...يبدوا أنه مصر على رأيه و لا أحد يستطيع تغييره.
"أه...حتى أمي لم تستطع التدخل لمنعه.."
"إذا دعني أذهب للنوم فأنا متعبة."
"آسف على إزعاجك...شكرا على كل حال."
" علام تشكرني؟!"
"على شعوري بالراحة بعد حديثي معك...صوتك فقط يشعرني ببعض السعادة"
لم تستطع حينها أن تكتم أكثر: آسفة لأني لا أستطيع المساعدة ساي.
ظهر الإرتياح في لكنته: ماذا تقولين؟...ساعدتني بما فيه الكفاية و أنا لا أطلب المزيد....أنا لست من النوع الذي ينسى معروف الآخرين بسهولة، فكيف بما فعلته لأجلي؟!
"كل شيئ سيكون على مايرام...أنا واثقة"
كانت جملة ا عتراضية لا ترتبط بكلامه لكنها أبهجته: أتمنى...أنا لا أطمح لتلك المشاكل.
" لن تتكرر..ثق أ ن كل شيء انتهى."
"لم؟"
" لأن هناك أنس يهتمون بما تشعر به.. لديك هاجي الذي سيصبح سندك و أمي التي ستكون مأمن قلبك و كيو الذي يرغب برؤية ابتسامتك.ـ.."
" و أنت؟!..هل ستكونين بعيدة عني لأني طلبت منك ما يزعجك"
" أحمق ساي...لقد وعدتك أن أمد لك يدي متى ما احتجت العون..لا يهمني ما حدث من مجادلة جملتين فأنا أجبتك و أغلقت الصفحة"
" جميل..هذا ما أريده..دعينا نعود كما كننا فقط"
كان صوتها يخرج بهدوء كتمتمة على روحه...
" كما تشاء ساي"
(غريبة هذه الفتاة...كما أشاء أنا!..و من أنا لها؟!.. هل حقا لي وجود في زوايا ذاك الجنان؟!..)
أخذته البسمة للحظة لتفكيره بأمل حتى الآن لكنه أراد انطباع الفكاهة...
" لكن يجب أن تعتذري"
" أنت البادئ ! اخجل من نفسك و اعتذر"
" حقا يجب علي ذلك، أوه، تأخر الوقت يجب أن أذهب للنوم ميرنا"
" تتهرب, لكن لا بأس سأريك غدا"
" تصبحين على خير ,انتبهي لنفسك"
" تصبح على خير"
أغلقت السماعة لتأخذ نفسا عميقا و كأنه أزاح هما عنها بهذه المكالمة...
لكن لماذا هي سعيدة في داخلها لسماع ثوته: و أنت انتبه لنفسك ساي.
.....بع يد ستة أيام.....
خطى ذلك الفتى أمامم البوابة لينطق بحروفه الحادة و الإستفزازية: مرة أخرى.. ألا تتعلم؟...إن ميرنا لا تحبذ رؤيتك هنا يا هذا.
رفع ساي يديه و بدأ يرتب ياقة قميص الفتى: لا تحطم أعصابك يا...
يصمت مبعدا يديه ليربت على كتفيه قليلا: .. ما كان اسمك؟...أها ...يان ..أنا هنا ليصالها فقط لمكان عائلتنا..يبدوا أنك لاتعلم أننا من عائلة واحدة الآن.
كان الغيظ باديا على ملامحه وهو يسمعه لكن الفضول كان يحرق داخله: عائلة؟؟!!
ابتسم ابتسامة خبيثة أظهرت أسنانه....
(في النهاية لا أستطيع أن أقدمها لك على طبق من ذهب)
سمع صوتها آتية :لا فائدة منك.
فتح باب السيارة بشكل طبيعي لها: لست مذنبا لقد أمرني أمي و أبي بإيصالك للبحر فهم ذاهبون إلى هناك.
أشاحت بعينيها اعتراضا: دع هاجي يأتي لإصطحابي.
صعد السيارة بعينين تخفيان ما شدها : و هل يترك عزيزته للحظة؟..ذهب لإحضارها.
(أرجو أن يكون ما قاله صحيحا و إلا)
شد على المقبض شاردا...
كانت كلمات هاجي تدور في أذنه...." المانع هو أنت و صعوبة تقبل وجودك.. كل ما أعرفه عن أختي أنها غريبة الأطوار في هذه المواقف ...أنت نقطة ضعف أختي يا ساي ..إن ابتعدت ستعذبها.."
لكن من ناحية أخرى تذكر الرسالة المزعجة التي وصلته....
(( أنا هاكوبي..سمعت أن الآنسة ميرنا أنهت الموضوع بينكما...أردت أن أخبرك أن لا تنزعج لو قبلت بي فأنا أنوي أن أكلمها بأقرب فرصة..))
ميرنا ترمي بحقيبتها للخلف: و ما الذي جعل أبي يفكر بالبحر الآن؟
" لا أعلم حقا."
" تغيير أجواء!"
...............
"هاكوبي, ما فعلت؟!"
" بعض كلمات توقظه من سباته لا غير"
"بكل سهولة!"
" لا أسهل من هذا...كان طلبا صغيرا من كيو.."
"ذلك الصغير..من أي علم أتى؟!"
" أرى مستقبلي التمثيلي به...فتى مميز"
" و خوفي هو من نموذجك المطور..أجزم أنه لم ينم البارحة."
.....................
نسيم عليل بعث في المكان هبات هواء باردة رغم سطوع الشمس بخيوطها الذهبية...
عادت خطوات ميرنا بعد مدة طويلة تتوازى مع خطواته و ذلك جعله يستنشق الهواء بعمق فرحا: أشعر بالراحة ميرنا.
رمشت رمشة خفيفة و أحنت رأسها نحوه: سماع هذا يسعدني.
ساي بخبث: راحتي تسعدك.
جرت خصلة من شعره: أظن العكس لا يزعجني.
وصلت خطواتهما لمن تركزت نظراتهما لهما براحة..
" مرحبا أمي"
" ها هي أتت؟"
السيد شيوكي: أهلا ميرنا.
ميرنا: لماذا أتيت هنا أبي؟!
السيد شيوكي بابتسامة غامضة: بعض التمشية مع عائلتي فأنا لم آتي هنا منذ فترة طويلة.
ساي يعرض شفتيه ليظهر عدم الإقتناع: غير مقنع.
كيو دون مقدمات: ساي..أتشتري لي البوظة؟
ساي: ألا تظن أنك كبرت و تستطيع شراءه بنفسك ؟
كيو بتذمر واضح: أرأيت أمي؟..يموت لو أظهر بعض التدليل لأخيه الأصغر.
السيد شيوكي بلكنة صرامة: ساي , لن يأخذ ذلك الكثير من وقتك.
أشاح وجهه بصبيانية مبتعدا مع كيو لتتبعهما ميرنا لشعورها عدم كون وقوفها معهما مناسبا فجعلتهما وحدهما ذاهبة مع الأخوين،لكن كيو أوقفهم على بعد مسافة من أبويهما متنهدا: اتركاهما لوحدهما ..ألا تفهما؟
نظرت له ميرنا بخبث: أفكار خبيثة كيو.
ساي متكاتفا بإزعاج: للتو وصلنا على الأقل لجلسنا معهما قليلا.
كيو متقدما عليهما بخطوات: مادمت أتيت لأذهب و أشتري البوظة..هل ترغبان به؟
ميرنا بمرح: لا أمانع ...بالشكولاته.
ساي ببعض الجفاف: شكولاته.
ذهب مبتعدا عنهما ليقفا بحيرة جزئية....
نظر ساي للأمام بمسافة قريبة: لنجلس على تلك الصخور حتى يأتي.
ميرنا مع بعض المعارضة: لكن لا أظن أنه سيلاحظنا.
ساي: ليس بعيدا...دعينا نذهب.
( لا أظنه سيأتي بسرعة..ربما لن يأتي أيضا..)
خصلات شعريهما كانت تتطاير للخلف مجارية هبات الهواء في مسيرها....
وضعت ميرنا يدها على شعرها لألا يضايقها تبعثره: أحب هذا الجو الهادئ.
جلس مكانه الذي كان قرب ميرنا: أهم..يجلب السكينة.
"هل فكرت ما ستفعل للغد؟"
آخر سؤال كان يود سماعه و بالخاصة منها..
بلع ريقه متحاشيا وجهها : سأستسلم و أفعل ما طلبه ..على كل حال أنا لا أستطيع تغيير والدي.
قالت بحزن حين لاحظت حزن عينيه: أعرف أني جرحت مشاعرك و كسرت قلبك ...لكن أنا لا أفهم سبب استسلامك أمام رأيه.
أظهر يأسأ على ملامحه : لأني لا أملك هدف الرفض...كنت أصارع لأجل أمل قد اختفى الآن....أغلقي الموضوع فأنت لم تفعلي شيئا خاطئا و أنت حرة بقرارك لحياتك..أنا لا ألومك..
صمت و هو يبتسم لها بحنان و دفء متممتما بعد لحظات من الصمت:..يكفيني أن تبتسمي و أن تتحدثي معي و تجلسينبجانبي كما تفعلين الآن...صدقيني أنا في سعادة تامة في هذه اللحظة فلا تشغلي بالك.
انسكبت دموعها تجري كالماس في كهف ظلله شعاع الشمس ليلمع بريقا بلون الشمس الصفراء على وجنتها الوردية...
مد يده ليمسحها باستغراب منها: أنت غريبة...ما سبب بكاءك ؟! أنا أحاول تهدئتك.
ميرنا: كيف تجرأت على إحراق قلبك هذا ساي؟!...و أنت حتى الآن تحاول التخفيف عني لألا أشعر بالذنب.
أبعد ساي يده عن وجنتها مدخل فكرة في رأسه..
( لا أصدق..كيف لها أن تلوم نفسها على قرار بهذه الأهمية؟!!...تلاعب بنفسها أم أنها لا تفهم نفسها بتاتا)
قالت مضيفة: قال هاجي أنك تفكر في السفر.
أجابها: أهم.
قالت: و لو قلت لك لا تذهب؟
أجابها: ليس بيدي
قالت بحزن جلا عليها: أنا لا أريد ذهابك.
استغرب موضوعها فأفصح مستفسرا: هل هناك ما يزعجك في سفري؟
انفعلت قليلا: رحيلك يزعجني...كوني سببا في قرارك هذا يزعجني. ...عدم قدرتي على منعك يزعجني.
بان عليه ذهول أكبر: سفري لن يطول لأكثر من 5 أيام...ما بك!
رفعت وجهها بصدمة: لكن هاجي قال أنك سترحل ل....
قاطعها بأسلوب يغلب عليه اللطف: لا أظن أني سأستطيع فبقرار أبي أنا مضطر للبقاء ...لا تقلقي.
(على الأقل بقائي يطمئنها...)
أخذت نفسا عميقا تبين به راحتها بعد ذلك الكابوس الذي دار في ذهنها...
نهضت ميرنا متصنعة المرح أمامه ليكبت حزنه خلف مرح يجاريها وهي تقول له: تذكرت شيئا ساي.
" ماذا؟"
" أتذكر رهاننا؟"
بدأ يسخر منها" أي منهما ...الأول أم الثاني"
قالت له" الأول يا صاحب الكبرياء و الغرور"
" و الغرض؟"
" لقد وعدتك أن أحقق لك أمنية...تذكرت ذلك الآن.."
وضع يده بجانب أذنه متظاهرا عدم السماع: ماذا قلت؟..لم أسمع جيدا.
ميرنا بامتعاض: لا تدلل نفسك...أنا أقصد تحقيق الأمنية..قل لي أمنية لأحققها و أفي بوعدي.
ساي: متأكدة...ستندمين.
ميرنا ببعض الإصرار الذي يخرجه من حزنه في اعتقادها: قل و أرحني.
نهض واقفا بجانبها: تأتين و تختارين فتاة لي غدا.
أشارت لنفسها بتعجب: أنا!
رفع سبابته لرأسها ليضربه ضربة خفيفة: أجل..أنت من ستختارينها و تخطبينها لي.
ابتعدت عنه منزعجة نوعا ما: لا تدخلني بشؤونك ثانية..لن أقبل.
ساي باستفزاز تدريجي: هذه أمنيتي و أنت قلت أنك وعدتني..تخلفينه بسرعة..و أيضا تهينينني بسهولة حيث اعتمدت على ذوقك و سليقتك لتختارينها بنفسك لي و أنت ترفضين.
ميرنا: قلت لا.
ضحك بخفة قائلا: أصبح وجهك يشبه ذلك الوقت.
أصدرت صوتا مستفسرا: أمممم؟!
أجابها منزلا رأسه قليلا ليقابلها: حين كانت تلك الصغيرة تنظف بنطالي...تشدين على شفتيك و تتكلمين بعنف..إنها الغيرة، صحيح ؟
أنزلت رأسها بسرعة مظهرة الغيظ: ألم تكن تكره أن تغار عليك مخطوبتك؟..فلماذا تصر أن تثبت أني أغار عليك إذا؟
أمسك ساي بخصلة من شعرها ليبعثرها بأنمله: أنا لا أمانع أن تغار علي فتاة لحبها وليس لطمع إجتاحها.
همس لدى أذنها: الخيار لك ..يجب أن تهبيني فتاة , إما أنت أو غيرك...لكن أمنيتي هي أنت..
شعور غريب سلب وعيها منها لتدفعه بسرعة محاولة إبعاده لكن ما فاجأها..
أنه سقط من تلك الصخرتين في الماء مبللا...
رفعت صوتها بانفعال: ساي؟!!!
جلس محركا يديه اللتان ترميان ماء من شدة البلل: ميرنا...أجيبيني بصراحة ,هل رفضتني دون تفكير لأجل خجلك؟
خفق قلبها خفقة لم يسبق له أن حدث و كأنها استدركت ما حدث فورا....
حين نهضت مسرعة لتحاول الإبتعاد عنه...كان فرارا تلتزمه...
فما قالته لم يكن سوى مراوغة لإخفاء ما يحدث في داخلها...
الأمان و الإنشراح بأسمى معانيها اجتمعا في تلك اللحظة مع نظرته المبتسمة مع شفتيه ليزيد خجلها و هذا ما جعلها تكره الجلوس بجانبه حتى، فتلك المشاعر كان من الصعب إخفاؤها أو الإفصاح عنها...
لكن الآن بدأت تفكر بنحو آخر...
فهي تدرك صدقه حين تسمح لنفسها بالنظر في ملامحه و تدرك مشاعرها هي الأخرى تجاهه....
هي تفهم أن سعادته التي سعت كثيرا لتحقيقها أصبحت فجأة في متناولها هي...
صمتها الطويل جعل ساي ينتبه لإحتياجه لأسلوب آخر ليستكشف رأيها المخفي فقال بلكنة تذمر مناديا: أوي ميرنا...لقد تسببت في إسقاطي, ألا يجب أن تهرعي و تساعديني على النهوض بدلا من وقوفك كالمجسمة هناك؟
حاولت أن تنزل : حسن ,أنا آتية. ..كما تشاء .
رفع يده باسطا كفه نحوها: أيتها الحمقاء..أنا لا أريد خادمة لتقولي كما تشاء فأنت لست مجبورة على مساعدتي..تعالي بملئ إرادتك و إلا فسأنهض بنفسي.
صرخت غاضبة لأنها فهمت ما يقصده و ضربت على الأرض برجلها: انهض بنفسك ما دمت تستطيع.
لكن لسوء حظها تعثرت و سقطت أيضا....
أحنت يدها بجانب خصرها الذي بدأ يؤلمها: تبا.
لم يتمالك ساي نفسه عن الضحك: يبدوا أنك تحتاجين للمساعدة.
نهض ساي متوجها ليمينه نحوها: هل أنت بخير؟
أشاحت بوجهها كما فعلت عدة مرات: أجل.
مد يده نحوها: دعيني أساعدك.
ميرنا تقبض قليلا من الرمل من تحتها: شكرا لكن.ـ...
ساي بحنية: كان من الواضح أنك تألمت.
رفعت يدها ليرفعها : شكرا لك.
أمسكها لتمسك لها الأقدار أحاسيس بجنان لن يتغير ...
حتى لو ودت أن يبعد يده فهي لن تستطيع أن تكذب على نفسها وتقول (يده لم تهز كياني و لم تشعرني بالإطمئنان..)
حينها أخذت قرارها و واجهت نفسها بصدق و حين قال ساي بمرح: أظن أن يدي باردة بعض الشيء لكوني مبللا.
شدت على يده قليلا و ضمت ذراعه بيدها الأخرى: لا أشعر ببرودتها..هي دافئة كعادتها و لن تتغير.
بلع ريقه و أدار وجهه نحوها ليرى وجها المنحني قد أصبح وردة حمراء مزدهرة أمامه و حينها كاد يطير فرحا بل طار فرحا و ترك الجاذبية الأرضية لأهلها على هذه الأرض ....
تمتم ببطء و هدوء ليتيقن من ما فهمه: هل أستطيع طلب شيء؟
لم تجبه بل هو من قال: ستذهبين معي للحفلة غدا؟
أرخت يدها قائلة ببرود يخفي الكثير: لا بأس..ما دمت ترغب بذلك.
ترك يدها قائلا بمرح: إذا أستطيع الإعتماد عليك في اختيار فتاة مناسبة لي.
تقدمت خطوا تت عنه: إن كنت ستترك لي الخيار فهذا جيد,فأنا سأعيد لك ملكة عذابك فيونيكا.
مشى خطواته خلفها و هي لازالت متقدمة: يا للحقد...على كل أستطيع تدبر الأمر بنفسي فأنا لدي مواهبي كما تعرفين.
" ساي...هناك أمر ما لم أستطع أن أفصح لك به"
" أهو مهم؟"
"إنه عن يان.."
اصفر لونه و تشتت أفكاره نوعا ما فأسلوبها كان جديا فقال لها بنحو من الإنزعاج: ماذا ؟..لقد أخبرتني أنك لست مكترثة به.
"لكن تعرف...كل شيء تغير حين قال لي أنه سيكمل دراسته خارجا...بدأت أفتقده قبل أن يرحل.."
بدأ يغلي من داخله لكن ما بيده غير أن يستسلم لراحة بالها:لماذا قلت لي ذلك الآن؟
"لأرد لك واحدة بواحدة"
لكني لا أس....""
قطع جملته مستدركا جملتها: واحدة بواحدة...ميرنا!..
توقفت ميرنا مديرة وجهها نحوه: هل أعجبك ما قلت؟
صرخ ساي من فرحته مسرعا بالتدريج:يااااااااااااااي...يااااي..يااااي..
أحست ميرنا بغرابة من تصرفه: جن الولد.
أسرع ساي نحوها: أحسست بحريق في داخلي للحظة.
ميرنا ساخرة: هناك ماء بما فيه الكفاية ليطفئ ذلك الحريق إن لم يطفأ بعد.
ساي بضحك خفيف: أظن هذا الحريق أتى لينشف ثيابي المبللة.
هناك و بعد ما انتهى كل شيء ارتفع صوت هاجي من فوق تلك الصخور مناديا : ساي...ميرنا ،لماذا أنتما هناك؟...بحثت عنكما كثيرا.
كان منظرهما مضحكا فأحدهما بثياب مبللة تقطر ماء و الآخر مغطى بالرمل و الطين فنزل لهما : ما بكما؟!
ساي: سقطنا من فوق الصخور.
ابتسم باستهزاء: تناسبان للمهرجان العالمي..
نظرت ميرنا لثيابه الترابية فأجابت: و أنت تناسب المزاد العالمي.
توجه لساي: لحظة..يبدوا أن أختي على أفضل حال ساي..ما الذي فعلته لها؟
ساي مجيبا: مهاراتي.
هاجي بصبيانية: أوه..أوه يا فتى ,أخاف أن تكون أنت من أسقطها لأجل مهاراتك.
أمسك قميصه بإصبعيه: اعتذر فورا فأختك هي الجانية هاجي.
صفق هاجي بصوت عال : أها, و ها تبينت المسألة.
ميرنا بغيظ مصطنع: أي مسألة؟
قال : أشعر أني لم أتلقى طعنات الكلام هذه منذ سنين.
غمز ساي ليكشف المستور في قلبه: لأول مرة أعترف أنك على حق.
هاجي: لا يهمني اعترافك فأنا دائما على حق، لكن قل أنك نجحت صدفة هذه المرة.
ساي: الصدف ليست سيئة دائما..بعض الأحيان هي أجمل ما يمر بحياتك.
عاد الجميع لينضم للباقي تحت نظرات مستفسرة و من أفصحت عن ذلك الإستفسار كان مادونا: ماذا حدث لكما؟!!
ميرنا تحاول تنظيف ملابسها بيديها: لا شي أمي ...لهونا قليلا تحت الصخور.
السيد شيوكي : لهوتما دون أن تفكرا بنا.
ساي ناظرا لأخيه بجانبية: هذا بفضل انتظارنا الطويل لكيو حتى يعود لنا بالبوظة.
أجابه و هو يأكل بوظته: لم أكن أملك نقودا كافية.
ساي بغضب اصطنعه عض على شفتيه لأجله: كذبة أكبر منك ياولد.
السيد شيوكي: لكن يبدوا أنكما استمتعتما.
مادونا مجارية زوجها: كثيرا أيضا.
هاجي موضحا: لقد وصلا لتفاهمات أيضا.
مادونا تنظر لساي: تفاهمات!..هل فعلتها؟!
أومأ ببعض الخجل و هو يحك شعره: أهم.
(..هل تحدث لأمي عن الموضوع؟!!..أنا الوحيدة التي لم تعي هنا!!..)
ساي بتوتر خفيف: آسف ميرنا لقد أخبرت أمي عن قراري حين اختطف كيو.
ازداد وجهها حمرة واضحة وهي تنكس رأسها بهدوء: حقا أنت...
ساي: هل ستغيرين قرارك؟
السيد شيوكي متدخلا: هل هو قرار الخطبة؟
اشتعلت ميرنا بصمت و هي تجلس بجانب مخطوبة هاجي وهي تقول لها بترحيب يزيدها خجلا: مبروك لك حبيبتي..أصبحت مثلي الآن...اعتمدي علي فأنا لن أتركك دون مساعدة.
ضحك السيد شيوكي ناهضا يحتضن ابنه تحت ظل تعجبه مما يسمع: أخيرا فعلتها بني..كنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر...نجحت خطتي في النهاية..ألم أخبرك مادونا أني أعرف إبني؟... فهو يفقد عقله في هذه الأمور.
ساي بتعجب: هل كنت تعرف أبي؟
مادونا: أجل, لقد لاحظ بنفسه و خطط بالتحدث عن حفلة لا أساس لها لجعلك تحت هذا الظرف ليصنع منك رجلا يعتمد على نفسه على حسب قوله.
أجلس السيد شيوكي ابنه بجانبه: لقد علمتني المواقف الأخيرة أن الرجل و المرأة إنعكاس لبعضهما و لا نستطيع عكس صورة مختلفة بتاتا...أنت أيضا كان يجب لك من أن تنظر لنفسك في المرآة و تجد انعكاسك السليم ...أنا آسف حقا لجعلك واجهة مصرفي ساي..هل تعذر والدك بني؟
تأوه ساي: ليتك اكتشفت هذا قبل ستة أعوام و أرحتني...
نظر له بجدية واعية: أنت أبي و من المستحيل أن أحمل لك البغض و الضغينة.
حول نظره للسماء محدقا : أبي..نقودي لم تفعل شيئاا سوى تعذيبي, فهي سلاح ذو حدين و قد تجاهلنا كونها وسيلة لا غير...فهي جعلتني غني الثروة لكنها لم تغن روحي التي أصبحت في وهن دائم..هذه النقود سلبت من الكثير معنى الإنسانية و سلبت مني معنى التفاؤل و راحة البال ...للدنيا وجوه كثيرة و قد أظهرت لي وجهها المعتم فقط ...لا رأفة صديق و لا أنس أنيس...لكن لحس تتن حظي أنها اكتفت من تعذيبي و أرتني شعاعها أخيرا في ذاك الجانب الآخر بأناس لا تعوض أنفاسهم ولا يحتمل آهاتهم....أخ يسند ظهري و الآخر يشد عضدي..أب أعاد وجهه لأطفاله ببشاشة و قلب يسمع طنين أنفاسهم ...أم لا تكتفي بإروا ء الجسد بل تسعى لإرواء روحي و أخيرا....
صمت ينظر لميرنا بفرح لا يعبره سوى الصمت...
يد هاجي ربتت على كتفه: أصبحت فيلسوفا.
السيد شيوكي بتفهم: و هل الدنيا غير فلسفة؟
ساي: ألا توافقينني الرأي ميرنا؟
لم تحاول رفع رأسها و هي تجيبه:لا أعلم..ربما أنت على حق.
هاجي بسخرية: أترك أختي في عالم خجلها فهي لن تتحدث معك بشكل طبيعي لشهر.
انفعل قائلا: مدة طويلة!
رفع هاجي سبابته مشيرا لنفسه: أنظر إلي لأعلمك بتجاربي الأيمة يا أخي.
قالت كاورو باعتراض: هاجي لا داعي بالتحدث عن هذا.
هاجي مشيرا: أنظر..حتى الآن و هي تخجل من ذكر ذلك اليوم.
قال ساي بخبث و صوت هادئ لا يسمعه إلا الرجال بجانبه: هذا لا ينطلي علي.
هاجي: ما تخطيطك أيها البطل؟
نهض ساي : سأذهب لأشتري البوظة التي لم يأخذها هذا الشقي.
مشى خطوات ليمسك رأسه لدوار قد اجتاحه فيسقط مكانه ...
فزع الجميع ما عدا ميزوكي و هاجي و هرعت ميرنا نحوه: ماذا حدث لك ساي؟
وصلت إليه محاولة رفعه ليوجه عينيه الغير مركزتين نحوها: لا تقلقي..أنا بخير.
قالت بفزع ملحوظ:لا تبدوا كذلك , دعنا نذهب بك للمستشفى.
حاول الجلوس بابتسامة خفيفة: أرأيت هاجي؟
هاجي بضحك خفيف واقف بجانب كاورو: خدعة جميلة يا أخي.
صمتت تنظر له و تعي ما يدور حولها من فخ فتنهض بعد أن توجه صفعتها لخ لد ساي: مخادع...مازلت مخادعا كما كنت.
مادونا تضع يدها تحت فمها قبل أن تطلق صوت ضحكتها الخفيفة متذكرة جملة ابنتها قبل مدة ليست بالهينة: إذا أنت هو ذاك المخادع الذي تحدثت عنه بأول يوم في عملها..كانت غاضبة منك.
هاجي محتفظا على ابتسامته الساخرة: كما كنت!
ضحك ساي لتأنس ميرنا بصوت ضحكه المتعال...
كان قلبها ضاحكا مع قلبه و هي تنظر له...
أمسكت مادونا يديها: هو يأنس وجودك فلا تتركيه .
ابتسمت لأمها و كأنها تجيبها إيجابا لتنتهي ببسمة شفتيها كل هذه القصة التي بدأت بجانب آخر من الحياة ..
جانب لا يعزله سوى الممات...
انتهى....
أتمنى أن تكون لحظات السعادة رسمت بسمة على شفاهكم و ذاك رضاي...
لقائي معكم في سطور أخرى....
[ZE]