كانت الساعة الرابعة و نحن لا زلنا نرتب اشيائنا في انحاء منزلنا الجديد ..!
ريك كان يجلس أرضاً يقوم بكي الملابس كي نعلقها في الخزانة .. بينما انا ارتب الاشياء التي كانت في الصناديق ..!
فتحت احد الصناديق حينها فكان اول ما استقبلني هو تلك الصورة .. صورتي مع والدي جاستن و إلينا حين كنت في الثانية من العمر .. أين أضعها يا ترى ؟!..
ربما في غرفة النوم .. لأني لو تركتها في غرفة الجلوس فقد يسأل احدهم عنها ..!
نظرت حينها إلى ريك الذي كان بقربي على الأرض : ريكايل .. ما رأيك لو وضعنا الصورة التي لنا مع والدينا في اطار و تركناها في غرفة المعيشة ؟!..
نظر إلي للحظات و ابتسم : اقتراح جيد ..!
بدأت اخرج محتويات الصندوق : لدي الكثير من الاطارات هنا .. سأختار احدها و اخرج الصورة التي فيه و اضع عوضاً عنها تلك الصورة ..!
- لا تفعل ذلك ..!
نظرت إليه حينها لأرى الهدوء على ملامحه وهو يتابع : أعلم أن كل هذه الصور عزيزة عليك .. يمكنك أن تتركها في اطارتها .. و صورتنا سوية سوف نشتري لها اطاراً آخر ..!
اومأت ايجاباً و قد ابتسمت : أجل .. لكني بالعفل لا اعلم اين اضع كل هذه الصور ؟!..
- ضعها حيث تشاء .. المنزل واسع و هناك الكثير من الأماكن لنضع أشياءنا فيها ..!
- حسناً .. لنتابع العمل فإن بقينا نتحدث سيضيع وقتنا ..!
- محق ..!
قبل أن نستأنف عمل شيء رن جرس ما ..!
شعرنا بالتبلد للحظات .. لكننا بعدها استوعبنا بأنه جرس الشقة و ان احدهم عند الباب ..!
وقفت حينها فسأل اخي باستغراب : من يا ترى ؟!..
بهدوء أجبته : لا اعلم .. سأذهب لألقي نظرة ..!
سرت خارجاً من الغرفة الصغيرة التي كنا فيها و انا اضع في رأسي عدة احتمالات لمن هو الشخص القادم ..!
هل عاد هاري من العمل ؟!!.. أم أنه احد الجيران اتى ليرى القاطنين الجدد ؟!.. ربما جارتنا الآنسة ماندي ؟!..
اتسعت عيناي حينها .. و ربما تكون .. شقيقة هاري !!!!..
لا لا .. يستحيل أن تكون هي ..!
يفترض انها نائمة .. و حتى لو استيقظت فهي لن تأتي إلى هنا بالتأكيد فهي لا تعرفنا ..!
وصلت للباب حينها و فتحته بهدوء .. لكني لم البث ان ابتسمت : أهلاً ..!
ابتسمت لي هي الأخرى : كيف الحال ؟!.. مبارك لكما المنزل الجديد ..!
فتحت الباب على مصراعيه : شكراً لك .. تفضلي ..!
دخلت تلك المرأة حينها و هي تلقي نظرة على المكان : علمت بأنكما ستنتقلان اليوم .. عملي لن يبدأ إلا في المساء و ادوارد في المشفى منذ الصباح .. لذا فكرت أن أتي لأرى إن كنتما تحتاجان لأي مساعدة ..!
سرت معها حينها و أنا أقول : شكراً لك انيتا .. أقدر لك هذا لكن كدنا ننتهي و ليس هناك الكثير من العمل ..!
خلعت معطفها البرتقالي الثقيل لتظهر من تحته كنزة صوفية بيضاء قد حيكت فوقها بعض الزهور باللون الوردي .. و قد ارتدت بنطال جينز ازرق فاتح و حذاءً رياضي : أين ريكايل ؟!..
- أنه يقوم بكي الملابس في تلك الغرفة ..!
- لديه امتحانات أليس كذلك ؟!..
- بلا .. ستبدأ الأسبوع القادم .. للأسف وقته ضيق خاصة أنه لم يدرس شيئاً منها لذا هو مضطر لفهم الدروس و استرجاعها في هذه المدة القصيرة ..!
سارت حينها إلى تلك الغرفة الصغيرة و أنا خلفها .. حين انتبه لها ريك ابتسم : أهلاً أنيتا ..!
بادلته تلك الابتسامة وهي تقول بمرح : كيف حالك ريكايل ؟!.. و كيف حال الدراسة ..!
- حالي جيدة .. لكن الدراسة ليست كذلك .. علي بذل مزيد من الجهد ..!
- لا ترهق نفسك .. و إلا فإنك ستمرض و حينها لن تستطيع تقديم الامتحانات ..!
أومأ إيجاباً وهو يقول : أعرف هذا .. أدعي لي بأن أنجح فقط ..!
- بالتأكيد سأفعل ..! ما رأيك الآن أن تذهب لاستذكار دروسك و تترك بقية هذا العمل علي ..!
بدا عليه التردد : لكن ....!
نظر إلي حينها فأجبته ببساطة : لقد جاءت للمساعدة .. لذا يمكنك أن تذهب و لا تضيع الوقت ..!
وقف حينها وهو يقول : شكراً أنيتا .. إنها مساعدة عظيمة بالفعل ..!
اجابته و هي تجلس مكانه : لا عليك .. المهم أن تركز على دروسك ..!
أومأ موافقاً و خرج من الغرفة ناحية غرفة الجلوس حيث ترك الحقيبة التي تحتوي على أوراقه و كتبه ..!
اني اتمنى أن ينجح بالعفل لكي لا يضطر لإعادة السنة كاملة : هل سينجح يا ترى ؟!..
نظرت إلى أنيتا التي تساءلت بقلق و ابتسمت لها : لقد فعلها مرتين من قبل السنة الماضية .. لذا لا تقلقي كثيراً بشأنه ..!
بدا أن كلامي طمأنها فبدأت بالعمل بصمت .. أنا أيضاً عدت لعملي و قد وضعت تلك الأشياء التي في الصناديق في مكانها .. إلا أني قررت ترك الصور آخر ما أعلمه لأني لم أجد لها مكاناً بعد ..!
.................................................. ....
كانت الساعة تشير إلى السادسة و النصف ..!
لقد انهينا جميع الأعمال .. حتى تلك الصور وجدت مكاناً لها ..!
كنت أقف قرب الباب و ريك خلفي نودع انيتا التي سيبدأ دوامها في الثامنة مساءاً و عليها العودة لمنزلها الآن كي تستعد ..!
حين خرجت من المنزل بدا ان شيئاً ما لفت نظرها فوقفت تنظر للحظات ..!
شعر كلانا بالفضول فخرجنا لنرى ما يحدث لكن لا شيء هناك ..!
باستغراب سأل ريك تلك التي شردت بذهنها : ما بك ؟!..
انتبهت له حينها و ابتسمت : عذراً .. لقد رأيت أخت هاري الصغرى و هي تنزل من الدرج .. كنت أود إلقاء التحية عليها ..!
لم نعلق على الأمر فسارت حينها ناحية المصعد : ربما التقيها في الأسفل ..!
لوحت لنا مودعة و نزلت بالفعل ..!
سألت بهدوء : ألاحظت نظرتها الغريبة ؟!..
- أجل .. هذا يدل أن جنون تلك الفتاة يتجاوز كل الحدود ..!
- انا لا أكاد أصدق ذلك ..!
- اخبرني .. أتعتقد أنك ستستطيع التعامل معها ؟!..
- لقد قررت في داخلي .. سوف أعرف ما هي العقدة التي تعاني منها هذه الفتاة .. و من خلال هذا سأفهمها ..!
- ذلك صعب .. أخوها ذاته لم يستطع أن يفهمها ..!
استندت إلى السور أمامي : أني بالفعل احتاج نصائح ليديا الآن ..!
ابتسم ريك بسخرية : هل عرفت قدرها بعد أن فقدتها ؟!..
- أنا أعرف قدرها مسبقاً .. إنها عزيزة علي و يحزنني فراقها ..! و لكن على الحياة ان تستمر ..!
- أخبرتك أني لن أتدخل بقراراتك بخصوص هذا الموضوع .. لكني بالفعل أشفق على ليديا التي كانت مقربة منك ..!
- لا عليك .. هي ايضاً تفهمت الموضوع ..!
كنت أرى أنيتا و هي تسير مغادرةً البوابة .. أعتقد أنها ستذهب لموقف الحافلات القريب من هنا ..!
العمارة وسط الحي و يجب عليها السير حتى تصل للشارع الرئيسي ..!
لكن .. لحظت شيئاً آخر : ريك أنظر !!..
ببرود قال : أكره المرتفعات .. لن أقترب من السور ..!
أمسكت بيده و سحبته حالاً : يجب أن تنظر ..!
صرخ حينها بخوف : أتركني أتريد قتلي !!..
لكن الصدمة ألجمته للحظة فسألت : أترى ما أرى ؟!!..
بصدمة قال : إنها غير معقولة ..!
كان يقصد شقيقة هاري الصغرى .. فقد وقفت تلك الفتاة الغريبة أمام البوابة و بدأت بصنع رجل ثلجي !!!!..
بقينا نراقبها لوقت .. لقد أنهت صنعه بالفعل ثم خلعت وشاحها و لفته حول الكرة الصغيرة في الأعلى و التي يفترض أنها الرأس و جلست بقربه مستندةً إليه : هل ستعيد المنوال نفسه ؟!..
هكذا سأل ريك فأجبته بهدوء : يبدو كذلك ..!
- هناك أطفال آخرون في الساحة ..!
- اعتقد أنهم ابناء العائلات هنا ..!
سار بعدها عائداً للشقة : سأعود لاستذكار دروسي ..!
دخلت خلفه لكني توجهت لغرفة النوم و إلى الخزانة بالتحديد ..!
أخرجت معطفي الجلدي الأسود من خزانتي و ارتديته و أنا أقول : ربما يفضل أن ألقي نظرة على ما يحدث في الأسفل ..!
بالعفل مررت من غرفة الجلوس و أنا أقول : سأخرج لبعض الوقت .. لن أتأخر ..!
سأل ريكايل باستغراب : إلى أين ستذهب ؟!..
أجبته و انا ارتدي حذائي : سأنزل قليلاً .. لا اعتقد أني سأغادر العمارة .. أتأتي معي ؟!..
- لا .. لكن احضر لنا شيئاً نأكله فقد بدأت اشعر بالجوع ..!
- حسناً ..!
خرجت حينها من الشقة مغلقاً الباب من خلفي ..!
و حين نظرت من السور كانت تلك المجنونة لا تزال هناك عند رجلها الثلجي و قد كانت هناك سيارة في الشارع ..!
لكن تلك السيارة لم تلبث أن استدارت ليغير سائقها طريقة .. واضح أنه يعلم بأن هذه الفتاة المجنونة لن تتحرك من هنا ..!
لكن ما تقوم به خطر .. لو جاء شخص ما لا يعرفها فقد يتشاجر معها و ينتهي به الأمر إما بضربها أو بدهسها ..!
ربما يجب أن اذهب و اتحدث معها بهذا الشأن ..!
قررت ان انزل من الدرج عوضاً عن المصعد ..!
بينما أنزل كانت الأدوار الخمس متشابهة للغاية .. لم التقي احدهم في طريقي و لكني رأيت اثنان يتحدثان في احد الطوابق و لم ينتبها لي ..!
الهدوء هو الوضع السائد .. هذا يشعرني بالاطمئنان ..!
وصلت أخيراً إلى الدور الأخير .. أنه مجهد للغاية فأقصى ما كنت انزله مسبقاً هو ثلاثة أدوار كما اني كنت استعمل المصعد دوماً ..!
حين وصلت للردهة الصغيرة في الاسفل حيث بوابة الخروج من المبنى إلى الساحة فتح باب المصعد أمامي و خرج منه شخص ما ..!
عجوز قصيرة القامة عرجاء الحركة لها شعر ابيض يميل للرمادي من شدة الشيب يمكنني القول انها في السبعينات من العمر و ترتدي نظارة دائرية العدسات ..!
لقد انتبهت لي حينها و اخذت تحدق بي بشكل غريب ..!
اقتربت عندها مني فلم اجرأ على الحركة من ارتباكي و ما زاد الطين بلة أنها أخذت تنظر إلي من الأعلى للأسفل بنظرات متفحصة بعينيها الضيقتان المحاطتان بالتجاعيد ثم حدقت بعيني وهي تقول بصوت مبحوح لهرم حبالها الصوتية : أأنت من أصدقاء تلك الصاخبة ؟!!..
ترددت للحظات .. أي صاخبة هذه ؟!.. أنا لست صديقاً لأحد هنا ..!
قبل أن أرد عليها قالت : لا .. أنت تبدو أفضل من اصدقائها المقرفين !!..
لم أجد ما أجيب عليها به .. لكن نظرتها تلك تغيرت و بدت هادئة و قد ابتسمت قليلاً وهي تقول بنبرة مريحة أكثر من سابقتها : هل جئت لزيارة أحدهم ؟!..
أومأت سلباً و قد سكن قلبي المضطرب : لا .. سأسكن هنا .. في الدور الخامس ..!
- هكذا إذاً .. أنت القاطن الجديد الذي تحدث عنه ذلك الاحمق ..!
لم أعلم من تقصد بالأحمق .. لكن بالتفكير بالأمر فلا احد يعلم اني سأسكن هنا سوى هاري ..!
تابعت تلك العجوز : اتسكن وحدك يا بني أم مع والديك ؟!..
أجبتها بهدوء : لا .. مع أخي ..!
اتسعت ابتسامتها و بدت سعيدة لسبب أجهله : هذا رائع .. لا يزال شباب مثلكم يهتمون لأخوتهم .. إذاً الدنيا بخير ..!
ربما تقصد أن معظم الشباب الفرنسين ينفصلون عن اسرهم في هذا السن و تتغير علاقتهم بأخوتهم حتى تصير سطحية أو منسية ..!
سألت العجوز حينها : ما اسمك يا بني ؟!..
- لينك براون ..!
- لينك يا له من اسم جميل ..! العجوز الواقفة امامك تدعى مادلين ماربت .. ينادونها الجدة مادلين هنا ..!
- تشرفنا أيتها الجدة ..!
- أرجوا أن تكون مرتاحاً بالسكن هنا ..!
- اه .. بالتأكيد .. شكراً لك ..!
- و الآن .. أراك فيما بعد يا بني .. ان احتجت اية مساعدة فشقتي في الدور الثالث ..!
اومأت لها موافقاً فسارت خارجةً من المبنى ..!
انها عجوز لطيفة .. لكن يبدو أنها تدقق على اشياء كثيرة فقد استلطفتني حين علمت اني اعيش مع أخي ..!
لقد وصفت هاري بالأحمق .. و وصفت احداهن بالصاخبة رغم أني لا أعلم من تقصد بالضبط ..!
تنهدت حينها .. أرجوا أن يكون الجميع بنفس لطفها ..!
خرجت من المبنى و بدأت السير على جانب طريق السيارات .. حيث على يساري المربض و على يميني ساحة اللعب ..!
كنت أرى أمامي هناك خارج البوابة الكبيرة شقيقة هاري التي لا تزال تجلس عند رجلها الثلجي ..!
هل اتحدث إليها ؟!..
ربما علي أن أفعل ذلك ..!
قبل ان اتقدم خطوة واحدة سقطت كرة أمامي .. أخذت احدق بها للحظات ثم انحنيت و التقطتها : أيمكنك أن تعيد لي الكرة ؟!..
التفت إلى اليمين لأجد ولداً يبدو في السادسة من العمر بشعر بني فاتح و عينان عسليتان و ابتسامة بريئة .. ابتسمت له و أعطيتها له : تفضل ..!
اخذ الكرة وهو يقول : شكراً لك ..!
راح يركض عائداً إلى الملعب مع اصدقائه و قد سمعت احدهم يناديه لوسيان .. اسم لطيف للغاية ..!
تابعت سيري ناحية البوابة و قد عقدت العزم على التحدث إلى شقيقة هاري الصغرى المجنونة ..!
و بالفعل .. بعد عدة خطوات ها أنا أقف أمامها ..!
رفعت عينيها العابستين و أخذت تحدق بي باستياء بينما بقيت أنا أنظر إليها ببرود ..!
بعد لحظات سألت : ماذا تريد ؟!..
جلست القرفصاء أمامها و أنا أقول : لما تجلسين هنا في منتصف الشارع ؟!.. هناك ساحة لعب في الداخل ..!
ببرود قال : لا شأن لك ..! ثم من أنت ؟!.. أنا أراك للمرة الأولى ..!
كنت أشعر أني قد رأيت هذه الفتاة من قبل لكنني تجاهلت هذا .. و بما انها تراني للمرة الأولى فأنا بالتأكيد أراها للمرة الأولى : أنا جاركم الجديد ؟!..
اخذت تحدق بحذر ثم قالت بتردد : لا تقل لي أن ذلك الأحمق تحداك ؟!..
ابتسمت حينها : بلا .. و قد قبلت التحدي ..!
أوشحت بوجهها و هي تقول : أهذا ما دفعك للقدوم و التحدث معي ؟!.. أنصرف من هنا ؟!..
بذات ابتسامتي : لكني أريد أن أكون صديقاً لك ..! أنت تبدين فريدة من نوعك ..!
لوهلة اعتقد ان وجنتيها توردتا .. لكن ملامحها العابسة لا زالت كما هي : ما اسمك ؟!..
- لينك براون ..!
- أتعيش وحدك ؟!..
- لما السؤال ؟!.. ستعرفين قريباً ..!
- لأني لا اثق بشاب يعيش وحده ..!
- لكني مسالم للغاية .. كما أني أعيش مع أخي و لست وحدي ..!
- أين أمك و أبوك إذاً ؟!..
- لقد فقدتهما منذ طفولتي ..!
- هكذا إذاً ..!
بدا عليها الهدوء وقد شردت بذهنها و على وجهها ملامح حزينة .. إنها مسالمة نوعاً ما ..!
شعور في قلبي و أنا أنظر إليها هكذا يجعلني انفي كل ما قاله عنها هاري اليوم ..!
هه .. هل صرت حساساً لدرجة فهم شخص ألتقيه للمرة الأولى ؟!..
من يدري فالفترة الماضية كانت من أكثر الفترات حساسية في حياتي ..!
شردت بذهني للحظات و أنا أفكر في هذه الفتاة .. التحدي الجديد في حياتي ..!
اتساءل فعلاً إن كنت قادراً على تجاوزه ؟!.. لكني أتمنى هذا ..!
ليس من أجل نصف الإجار فقط .. بل هناك شيء في داخلي لا أستطيع شرحه يحثني على العمل بجد في هذا التحدي الغريب ..!
اه صحيح .. أنا لا أعرف اسمها بعد ..!
قبل أن أنطق حرفاً سمعت صوت سيارة بالقرب منا و ما إن نظرت حتى رأيت سيارة هاري التي توقف هنا ..!
فتح الباب و نزل من السيارة وهو يقول بصوت مرتفع كي نسمعه : كيت .. أبعدي رجلك الثلجي حتى استطيع العبور ..!
بانزعاج صرخت : لن أفعل !!..
يا لها من شرسة ..!
لكن أخاها ذاك ابتسم حينها : لقد أحضرت الكعكة ..!
لم يكد يكمل كلمته تلك حتى وقفت بحماس و سعادة : حقاً ؟!!..
أسرعت بركل رجل الثلج ذاك ثم ركضت إلى داخل السور وهي تقول : سأجهز المائدة !!..
كنت مصدوماً منها بالفعل ..!
مزاجها المتعكر انقلب في لحظات فقط ..!
كان الدكتور هاري قد وقف بقربي و اخذ يواسي الثلوج بالأرض ويحمل الوشاح الذي وضعته حول رقبة الرجل الثلجي وهو يقول باستياء : ركلته فقط و هربت .. لما لم تكمل أجرها و تواسيه .. سأقضي الشتاء بأكمله مع رجالها الثلجين على هذا الحال .. تلك الفتاة ..!
التفت اليه بهدوء : إنها غريبة .. لقد تغير مزاجها بالكمال ..!
تنهد حينها بتعب : فقط من أجل كملة " الكعكة " ..! أرجوا أن لا يكون السكر مرتفعاً لديها الآن .. إن كان كذلك فيستحيل أن أتركها تأكل حتى لا تتأذى ..! عندها سترمي بي من الأعلى بالطبع ..!
ابتسمت له بهدوء : تبدو مسالمة رغم كل ذلك ..!
نظر إلي باستغراب : أأنت جاد ؟!..
- أجل .. لقد كانت هادئة حين تحدثت إليها منذ قليل ..!
- أنت لم ترى الويل منها بعد ..!
- لكني متحمس من أجل التعامل معها بدأً من الغد ..!
ابتسم هاري عندها : يسعدني سماع هذا ..! عموماً اسبقني الآن و أخبر ريكايل أنكما مدعوان لتناول الكعك عندنا ..! لقد وعدت كيت بكعكة كبيرة .. و بما أني أحضرتها فيستحيل أن نأكلها وحدنا .. و إن تركت باقيها في الثلاجة فستقضي هي عليها في الغد و هذا هو الموت بعينه ..!
ضحكت حينها بلا شعور : يا لك من ماكر هاري ..! بالتأكيد ستغضب إن رأت أنها ستحصل على قطعة أصغر مما كانت تعتقد ..!
- لا يهم .. لقد نفذت وعدي لذا لا يحق لها الاعتراض ..!
- أعتقد أنك محق .. شكراً على الدعوة إذاً ..!
سار هو ناحية سيارته وهو يقول : لا تتأخرا .. لديكما أقل من عشر دقائق فقط ..!
- حاضر ..!
بالنسبة لي فقد دخلت حينها إلى السور لأرى أن الأطفال لا زالوا يلعبون هنا و هناك ..!
كان هناك مقاعد طويلة على اطراف ساحة اللعب ..!
رأيت هناك الجدة مادلين تجلس و تنظر للأطفال بابتسامة .. و أيضاً بالقرب منها كانت هناك فتاة شابة تبدو في الثلاثينات و قد كانت تنادي بصوت مسموع : لوسيان .. احذر كي لا تسقط ..!
اعتقد أنها والدة ذلك الصغير لوسيان .. فهي تملك شعره البني الفاتح و عيناه العسليتان ذاتها ..!
كان هناك فتى يبدو أصغر مني بقليل يجلس على مقعد آخر و لم يلبث ان استلقى عليه بملل ..!
الأمر يبدو و كأنك في مجمع سكني متكامل .. هناك دكان صغير أيضاً .. ربما يجدر بي أن ألقي نظرة عليه فيما بعد ..!
كانت الشمس قد بدأت بالغروب لذا كان الجو أدفأ منه في الصباح ..!
صعدت إلى الأعلى بالمصعد و اتجهت إلى شقتنا .. و حين دخلت : لقد عدت ..!
سمعت صوت رايل الذي يبدو أنه لا يزال في غرفة الجلوس : أهلاً بعودتك ..!
بالفعل .. كان لا يزال يجلس و أمامه كتاب الفيزياء ..!
نظر إلي للحظات ثم قال : يبدو لي أنك لم تحضر شيئاً لنأكله ..!
- هاري يدعونا لتناول الكعك في منزله .. طلب مني أن لا اتأخر ..!
- إنه كرم منه .. حسناً ..!
أغلق الكتاب و وقف وهو يردف : سأبدل ملابسي فقط .. انتظرني هنا ..!