عرض مشاركة واحدة
  #134  
قديم 06-24-2016, 06:25 PM
 



الفصـل الخامس و العشـرون
*ما زلت إنسانا*







بينما كان شوانيير ، دانتون ، أوربان ، بالينغر يستعدون لدخول الاجتماع اليومي لهم .. جاءهم رجل يركض و الهلع يذهب بلون وجهه : أيها السادة إنها كارثة !

شحب وجه أوربان تلقائيا في خوف بينما التزم شوانيير الهدوء و سأل : ما الذي حدث ؟!

أجاب الرجل متلعثما : إنه.. إنه ليدر يا سيدي !

صاح شوانيير بنفاذ صبر : ما به ليدر ؟!

- لقد.. لقد جمع عشرين شخصاً من أفضل الموظفين و المحاسبين في المؤسسة ... ثم قتلهم جميعا !!


وقعت هذه الفاجعة على رؤوسهم كالصاعقة ! تلفتوا نحو بعضهم في انشداه و رعب و عدم تصديق !

ثار دانتون : أين هو ذلك اللعين ؟!!

تحدث الرجل باضطراب : إنه.. في مكتب السيد بالينغر !

أسرع الأربعة إلى هناك عدوا بلا لحظة تفكير أو تردد !


على الأريكة الكبيرة المريحة جلس ليدر باسترخاء و إلى جانبه وقفت تلك الفتاة الشقراء الجامدة "فايتر-Fighter" تنظف مسدسها الرشاش و تتفحصه بين حين و آخر.
دفع دانتون الباب بعنف و لم يلبث حتى هاجم ليدر بلهجة شرسة : ماذا تظن نفسك فاعلا ؟!

ظل ليدر ساكناً غير مبال حتى انضم الثلاثة الآخرون لرفيقهم يشاركونه السخط و الاستياء فاستقام في جلسته ، أخذ ينظر إليهم بعينين نصف مغلقتين مما جعلهم يستشيطون غيظاً : يبدو أنكم نسيتم من أكون !

قال بالينغر بحدة يرمقه بنظرة احتقار : بل أنت من نسي مكانته ! أنت لست أكثر من حارس ، و لولا كونك مرافقا للقائد الأعلى لقتلناك على الفور !

كشر ليدر بمكر : أنت قلتها أنا مرافق القائد الأعلى و يده اليمنى ، و قدومي إلى هنا كان بأمر منه و كذلك كل ما فعلته و سأفعله في المستقبل القريب !


شده شوانيير و تبادل نظرات الصدمة مع بالينغر قبل أن يسأل : هل تعني .. أنه هو من أمرك بقتل أؤلئك الموظفين ؟! لكن ما السبب ؟!

- حسب تحقيقاتنا الخاصة فهناك تسريب للمعلومات يتم من هذا المكان إلى طرف مجهول لم نتمكن من الوصول إليه ، و بين أؤلئك الموظفين يتراوح احتمال من 40 إلى 50% بوجود جاسوس واحد على الأقل !
و رغم كل محاولاتنا لم يسعنا اكتشاف ذلك الجاسوس المتخفي ، لذلك و ردءا لأي مخاطر من الممكن حصولها تخلصنا منهم جميعاً !

تسمروا في أماكنهم و هم يسمعون كلماته القاسية ممحوقة العواطف تنساب من فمه ببرود و لا مبالاة فائقة ! رغم كونهم مجرمين قساة و مع أنهم ارتكبوا مئات الجرائم دون أن يرف لهم جفن ، لكن حتى بالنسبة لأشخاص من نوعهم بدا هذا التصرف في غاية الوحشية !



⭐⭐⭐


على العشب الغض الأخضر مواجها لبحيرة بهيجة ساكنة تبعث على الأنس و الراحة اتخذ سيباستيان جلسته استعداداً للبدء في رسمة جديدة .. لم يحصل على الكثير من المهمات في الآونة الأخيرة لذا أصبح يقضي معظم وقته في التنزه في الحدائق و التفنن برسم لوحات مميزة للنباتات ، البحيرات و الجسور ، و الناس في بعض الأحيان !

هذه المرة كان يقوم برسم سيدة عجوز تجلس على مسطبة لا تبعد كثيراً عنه تنثر الحبوب أمامها ليتهاوى عليها الحمام في استجابة فورية لدعوتها السخية.


"أنت بارع حقاً يا سيدي !"

تحدث طفل ظهر من ورائه فجأة مبديا إعجابه ، فرد سيباستيان بابتسامة عذبة : هل ترى ذلك فعلا ؟!

اقترب الفتى بضع خطوات ليتفحص اللوحة عن قرب : بالطبع ! مع أن اللوحة لم تكتمل بعد لكنها تبدو رائعة جداً و متقنة ! <أضاف بعدها بعيون حالمة : أنا أيضاً أحب الرسم و أطمح أن أصير رساماً مشهوراً في المستقبل !

نظر إليه سيباستيان برقة : هذا جميل !

ثم التقط حقيبته و فتحها ليخرج منها دفترا آخر للرسم و علبة من أقلام التلوين و قدمها للصغير مبتسماً : إذن .. لم لا تجرب الرسم الآن ؟! أرغب في الإطلاع على مستواك لأساعدك على تطويره .

تهلل وجه الصبي فرحاً : هل أستطيع ذلك حقاً ؟!

- أكيد !

أخذها الفتى منه بسعادة غامرة بعد كلمات الشكر و الامتنان . و قبيل شروعه في الرسم قال له سيباستيان : جرب أولا رسم شيء سهل.. <أشار بيده إلى اليمين : كزهرة التوليب البيضاء تلك .

- حسناً..

و شرع الطفل يرسم بحماسة و همة عالية ، بينما يجلس سيباستيان إلى جواره يراقب حركات يده و تمايل خطه بالقلم كذلك أسلوبه في التلوين : يداك ترتعشان قليلاً حاول أن تسترخي و حركهما على مهل .. لا تضغط بقوة على القلم .. استخدم لونا فاتحا لهذه المنطقة .. أجل هكذا أحسنت !


و بعد مدة .. هتف طفل قادم من بعيد : أندريه ! هيا تعال لقد حان وقت عودتنا !

و هبطت معنويات أندريه الصغير فجأة : إيه حقاً ؟! لقد انقضى الوقت بسرعة لدرجة أني لم أشعر به..<و تطلع إلى لوحته بشيء من الخيبة : لم أتمكن من إنهاء لوحتي حتى ..

جمع الألوان و أعادها لعلبتها ثم أرجعها مع الدفتر لسيباستيان و قال معبرا عن عرفانه : شكراً جزيلاً لك سيدي لقد استمتعت و استفدت كثيراً من نصائحك و توجيهاتك لي !

تبسم سيباستيان بلطف : تستطيع الاحتفاظ بها.

تعجب الصغير : لكن..

- اعتبرها هدية مني.

فأشرق وجهه الصبي ببهجة لا يمكن وصفها : أشكرك كثيراً على كرمك سيدي !!

ثم انطلق برفقة زميله لكنه بشكل مفاجئ استدار و عاد إلى سيباستيان ليسأله بلهفة : نسيت أن أسألك ! هل تأتي إلى هنا دوماً ؟!

- تقريباً ، في الغالب أكون متفرغا .. خصوصاً هذه الأيام.

- هذا رائع ! نحن نأتي إلى هنا مرة كل أسبوع أتمنى رؤيتك مجدداً !

- نحن ؟! هذا يعني أنك قادم برفقة أسرتك ؟!

- لا.. أنا لا أملك أسرة بل أعيش في دار للأيتام ، و هم يحضروننا إلى هذه الحديقة كل أحد ، قالوا أنهم سيأخذوننا في رحلة لمتحف اللوفر إن أحسنا التصرف و حصلنا على درجات عالية في الامتحانات ! يا إلهي أنا سعيد جداً لمجرد تذكر ذلك ! أخيراً سيكون في مقدوري رؤية الموناليزا حقيقةً !

بابتسامة دافئة رد سيباستيان : عليك أن تبذل جهدك إذن يا أندريه .

هز الفتى رأسه بحماسة : نعم سأفعل بالتأكيد !

و سار سيباستيان معه حتى وصلوا إلى رفاقه الذين تجمعوا كالنمل حول سيدة في الأربعين كان واضحاً أنها المعلمة المسؤولة عنهم !

- إذن أراك يوم السبت القادم سيدي !

- حسناً .. اعتن بنفسك جيدا إلى ذلك الحين !


ثم افترق عنهم .. كانت منطقة البحيرة تنخفض مترا و نصف عن البقعة الأمامية لمدخل الحديقة ، لذلك اتجه سيباستيان إلى مدرج صغير مكون من أحجار قديمة صفت بجانب بعضها بطريقة غير محكمة مما أدى لنمو الأعشاب بين فتحاتها ، صعده على عجل ثم انعطف يمينا نحو البوابة.

و بينما يجتاز الطريق العريض لمح بطرف عينه اليمنى رجلين غريبين يبدو من مظهرهما الكريه و طريقة جلوسهما الفظة الخالية من الاحترام على المقعد أنهما مثيران للمتاعب !

بلا أي اهتمام أو حتى التفاتة قصيرة واصل سيباستيان مشيه إلى أن خرج تماماً من الحديقة .
كان يحب المشي و التجول في المدينة لذلك لم يحضر بسيارته ، فهو يستخدمها للمسافات البعيدة فقط ، و قد استغرق الأمر منه أكثر من عشرين دقيقة حتى وصل أخيراً لمنزله.

توقف لبرهة.. و قطب حاجبيه محدقا أمامه في مزيج من الدهشة و القلق .. كانت هناك سيارة تقف قريباً جداً من بيته و على مقدمتها يستند أحد الرجلين اللذين رآهما في الحديقة !

تقدم الرجل الضخم مفتول العضلات من سيباستيان تعلو وجهه القبيح ابتسامة خبيثة : آه أخيراً وصلت ! لقد انتظرتك طويلاً هل تعلم ؟!

قال سيباستيان بحدة : من أنت ؟!

حك الرجل الضخم رأسه و قال باستهزاء : أوه من أنا ؟! سؤال وجيه ! لكن لا أظنني مجبراً على الإجابة .

رد سيباستيان بنبرة هادئة لا تخلو من الاحتقار : و لا أظنني كذلك مجبراً على إضاعة وقتي مع أمثالك !

ثم تخطاه ببرود و عدم اهتمام و اتجه نحو منزله..

"لا أعتقد من الحكمة لشخص في مثل موقفك أن يتحدث معي بهذه الوقاحة !"

استدار سيباستيان نحوه بنظرة إزدراء و استخفاف رد عليها ذلك الرجل بضحكة قصيرة كريهة مضيفا بعدها بصوت وحشي : إن كررت ذلك التصرف الفظ ثانيةً فأؤلئك الصغار لن يلقوا معاملة حسنة !


حملق فيه الشاب في صدمة و ذهول مما جعل ابتسامة الرجل الشيطانية تتسع أكثر و أكثر ! أخرج هاتفه و ضغط بعض الأزرار ثم وجه الشاشة نحو سيباستيان .. كان يجري مكالمة فديو مع رفيقه الذي حول الكاميرا صوب أطفال صغار -كان أندريه من بينهم- حشروا في غرفة معتمة ضيقة !

علق الرجل قائلا : رفيقي لا يحب الأطفال و هو متمرد خصوصاً حين لا أكون برفقته ! لذلك إن كنت تهتم لحياتهم فعليك القدوم معي الآن و دون أي تأخير !

ثبت سيباستيان نظره عليه و قد اكتسبت عيناه شراسة غير اعتيادية : و ما الذي يضمن لي أنكم ستطلقون سراح الأطفال إن نفذت طلباتكم ؟!

- هذا ليس الوقت المناسب لتجادل أتدري ؟! ففي هذه اللحظة التي تقف فيها هنا تحتج و تعارض لا ندري ما الذي يحل بالأطفال و أي محنة يواجهون الآن !


كز على أسنانه في غضب حاول قدر استطاعته أن يكبح جماحه : سحقاً لكم !

كشر الرجل بدناءة : هيا كف عن هدر وقتي و اصعد للسيارة بسرعة ! أوه و قبل ذلك سلمني هاتفك و أي سلاح بحوزتك ! لا تحاول الخداع ! فمقابل كل غلطة ترتكبها أو كذبة تلفقها حياة طفل بريء ستنتهي !


تحرك سيباستيان مجبراً و أخرج هاتفه النقال و المسدس الصغير الذي يخبؤه في جيب سترته الداخلي

- تصرف حكيم !

قال الرجل الضخم بابتسامة ساخرة ، التقط المسدس و رماه في صندوق السيارة ، أما الهاتف فألقاه على الأرض ثم حطمه قطعا صغيرة بقدمه الفولاذية !
بعدها ركب سيباستيان معه في السيارة المشؤومة ليبدأ رحلة خطيرة نحو مصير مجهول !


بعد مرور إحدى عشر دقيقة من انطلاقهم دخلت السيارة طريقاً قديماً ضيقاً يقود إلى مرآب سيارات مهجور !
هناك أوقف الرجل سيارته و خرج منها يقول مخاطباً سيباستيان : هيا انزل !

فعل الشاب الهادئ ذلك ثم نظر حوله بشيء من القشعريرة : ( هذه المنطقة مهجورة تماماً ، لم أر أحداً مطلقاً مذ دخلنا ذلك الطريق الضيق ! هذا سيء جدا ! فاختيارهم مكاناً كهذا لإحتجاز الأطفال فيه ثم استدراجي إليه.. يدل على أنهم يخططون لأمر في غاية الخطورة و لا يريدون لأحد أن يعرف ! يجب أن أخرج الأطفال من هنا مهما كلف الثمن ! )


دفعه الرجل الضخم بعنف : تحرك بسرعة !

حافظ سيباستيان على رباطة جأشه و مشى بهدوء و ذلك الرجل خلفه كي يمنع أي محاولة للهرب قد تصدر منه.

كان الأطفال و معلمتهم كذلك محتجزون داخل غرفة صغيرة جانبية تفوح منها رائحة خانقة لغبار تكدس في كل أرجائها .
و بينما هم يفترشون الأرض الوسخة كان الرجل الآخر يجلس باسترخاء على كرسي خشبي و يضع ساقيه على واحد آخر !

نهض أندريه عند رؤيته سيباستيان يدخل الغرفة ، و بعيون دامعة و نظرة استغاثة تتوسل للرحمة تمتم : سيدي !

فتح سيباستيان عينيه و قد تملكه غضب عارم إذ كان وجه أندريه و أربعة أطفال آخرين مملوءا بالكدمات !

صرخ حانقا في وجه الرجلين : أوغاد جبناء ! ما ذنب هؤلاء الأطفال لتفعلوا بهم كل هذا ؟!

ضربه الضخم بقبضته الصخرية في منتصف ظهره و كانت الضربة من القوة بحيث أوقعته أرضا : عليك أن تنتبه لكلماتك من الآن فصاعدا أيها الوقح !

انتصب الرجل الآخر و اقترب من سيباستيان الذي رفع جسده محاولاً الجلوس لولا أنه داس بحذائه الثقيل على ظهره ليمنعه من الحراك !

رجل طويل هزيل ، بوجه رفيع شاحب و ملامح قاسية يزيدها السواد تحت عينيه رعبا هكذا كان "كيلر- Killer" !
أطلق ضحكة شيطانية صاخبة أثارت الرعب في قلوب الصغار : ما هذا ؟! يا له من ضعيف ؟! إنها قدم واحدة فقط و هو بالكاد يتنفس !


تحدث سيباستيان لاهثا و وجه الأبيض تلطخ بالتراب : لقد جئت كما .. طلبتم .. لذلك دعوا الأطفال .. و شأنهم !

رفع كيلر أحد حاجبيه في استهزاء : ندعهم و شأنهم ؟! هل تحسبنا أغبياء لنترك شهودا خلفنا ؟! <استدار نحو الآخر : "ديستروير- Destroyer" أمسك هذا المزعج لدقيقة ! <أدار وجهه المخيف نحو الصغار و الوحشية تفيض من عينيه السوداوين : بينما أهتم بهذه الجرذان الصغيرة !

صاح سيباستيان : توقف !

غير أن ديستروير أمسك ذراعه و لواها بقوة كادت تكسرها ! و تمكن الشاب بشجاعة من كبت صرخة الألم !
لجأ الأطفال إلى معلمتهم يتشبثون بها و يبكون خوفاً ! أحاطتهم السيدة بذراعيها و أخذت تترجاه و الدموع تنهمر بغزارة على خديها المحمرين : أتوسل إليك سيدي لا تؤذ الأطفال ! أقسم لك.. أقسم لك بأنهم لن يفتحوا أفواههم أبداً بشأن هذا الأمر ! لذا أرجوك...

قاطعها كيلر بنظرات احتقار : أوه أنت مخطئة أيتها المرأة ! لا تسيئي الفهم هذه ليست إلا ذريعة لقتلكم ! فأنا مهما حدث.. لن أدعكم تخرجون أحياء من هنا !

عندها هتف سيباستيان : إن آذيت واحداً منهم فلن أخبرك بأي شيء مما أعرف عن الكونت و العقارب الآخرين !

توقف كيلر لينظر إليه مقطبا جبينه في استياء ، أما ديستروير فاهتز جسده الضخم من الضحك : أوه يا إلهي يبدو أنه أدرك أخيراً من نكون !

أضاف سيباستيان بهدوء تعززه الثقة و الثبات : أنتم حراس القائد الأعلى صحيح ؟! أستطيع أن أستنتج ذلك من ألقابكم الغريبة و أسلوبكم الانفرادي في تنفيذ المهمات !

- هييه ! عقلك يعمل بشكل لا بأس به ! لكنك أخطأت في فهم شيء ما..

اقترب كيلر منه ثم شده من شعره بقسوة : نحن لم نأسرك لإنتزاع المعلومات منك..<تبسم بوحشية : بل لنستمتع بتعذيبك حتى الموت !

أكمل ديستروير بما لا يقل وحشية عن رفيقه : عرفنا عنك أنك تحب الأطفال لذلك جلبنا هؤلاء الصغار اللطفاء لنزيد اللعبة متعة !

نظر سيباستيان إليهما بعينين تحترقان غضباً : أيها الأنذال هل تظنون أنكم ستفلتون بفعلتكم ؟!

ضحك كيلر ملء فمه الكبير ، ثم رفع يده ليضرب الشاب الأعزل لكنه أحجم عن ذلك في اللحظة الأخيرة.. إذ خطرت له فكرة أفضل في نظره !

أفلت شعر سيباستيان ، و اتجه صوب الأطفال المذعورين ! أخرج مسدسه المثبت في حزامه و وجهه نحو الصغار ، و في عينيه تلوح نظرات مرعبة لضبع متوحش يتضور جوعاً : و الآن.. مع من نبدأ أولاً ؟! هذا البدين ؟! أم صاحب الشعر الأحمر ؟! أم..<توسعت ابتسامته أكثر مظهرة أنيابه الحادة : أوه بالطبع ! ذلك الفنان الصغير !


في تلك اللحظة استجمع سيباستيان كل ما تبقى لديه من قوة و باغت ديستروير بركلة خلفية على بطنه شلت حركته لثوان ، و انقض بأقصى سرعته على كيلر و لكمه لكمة قوية تركت أثراً واضحاً على وجهه و رمته على الأرض بقسوة !

و فلت المسدس من بين يديه و وقع على الأرض ! التقطه سيباستيان بحركة خاطفة غير أنه سقط منه بعد لحظة.. جراء طلقة مفاجئة أصابت ذراعه !

كان ديستروير هو المطلق ! قال بحنق : أحمق مغفل ! هل تظن نغسك قادراً على هزيمتنا ؟!

نهض كيلر و رد اللكمة لسيباستيان بقوة مضاعفة ألقته عند أقدام أندريه !
مد الصغير يده المرتعشة ليضعها على رأس سيباستيان و الدموع تنساب كالسيل على وجهه : س.. سيدي !
احتضن سيباستيان يده الصغيرة بيده الدافئة و ابتسم : أنا بخير ! لا.. تقلق !
ثم همس له بكلمات لم يستطع الرجلان سماعها : سأقوم بصرف انتباههما عنكم و حين تحين الفرصة المناسبة اهرب بسرعة لطلب النجدة ..


ركله كيلر بعنف : ما الذي تثرثر به أيها الحقير ؟!

و لدهشته الكبيرة سمع سيباستيان يضحك ! كانت ضحكة تتفجر احتقارا و سخرية : انظروا من يتكلم عن الحقارة ؟! لستم أكثر من حشرات تافهة قذرة ! تختطفون أطفالاً صغاراً لتصبوا عليهم جام غضبكم من خساراتكم المتكررة و فشلكم الدائم ! يا لكم من مثيرين للشفقة ! من العار حقا انتماؤكم لجنس الرجال !

"ماذا ؟!"

نطق كيلر و جسده بأكمله يرتعد غضباً ، ثم بدأ يركله بقوة على بطنه ، ظل سيباستيان صامداً ، لم يذرف دمعة ، أو يصدر أنة ، أغمض عينيه فقط و تحمل الألم بصبر و صلابة منقطعي النظير ! كالجبل الشامخ يأبى الإنحناء للريح العاتية !

التفت كيلر لرفيقه و الغيظ يتملكه : اسمع أنا لن أنتظر أكثر و سأقتل هذا الحقير الآن !

قطب ديستروير حاجبيه و قال بلهجة خشنة : غبي ! إنه يتعذب لألم الأطفال أكثر مما يفعل لنفسه ! لهذا يجب أن يبقى حياً ليشهد موتهم أمام عينيه !

خففت هذه الكلمات الوحشية من حدة انفعال كيلر ، لكن سيباستيان عاد يضحك باستخفاف مجددا :
ستظهر قوتك الزائفة على الصغار الضعفاء أيها الجبان ؟! إن كنت رجلا كما تدعي فتعال واجه رجلاً مثلك .. واجهني أنا !"

كان ديستروير بخلاف كيلر يحاول السيطرة على أعصابه و التصرف بهدوء.. غير أنه هذه المرة سقط مهزوما أمام غضبه المتأجج و خرج عن طوره !

انطلق نحو سيباستيان كالثور الهائج رفعه من الأرض ممسكا عنقه بيده الحديدية القاسية و ضغط بقوة تكاد تسحق عظامه !

كان أندريه يراقب كل ذلك مجاهدا ليظل قوياًً و لا يبكي.. (إنها هي ! هذان الرجلان مشتتان تماماً بفضل سيدي ! الآن.. يجب أن أهرب لطلب النجدة ! هيا تحرك ! أسرع ! بقائي هنا لن يزيد الوضع إلا سوءاً ! علي أن من أجل سيدي و أصدقائي.. مهما كانت النتيجة.. )

بصعوبة .. تمكن أندريه أخيراً من التحرك ، و بأقصى ما يملك من سرعة اندفع إلى الباب الذي ترك مفتوحاً..
لكن كيلر.. كان أسرع من ذلك فرفع مسدسه ليطلق على الصبي.. بيد أن ذلك المسدس طار بعيداً !!

تأوه و أمسك يده متألما ، ثم وجه عينيه الحاقدتين إلى الباب من حيث انطلقت الرصاصة !

على الباب الحديدي الصدئ انتصب ذلك الشخص و الدخان لم يزل يتدفق من فوهة مسدسه الأسود !!

أفلت ديستروير سيباستيان و انضم لرفيقه..
و فتحوا أعينهم المشدوهة على اتساعها ، و لبرهة من الزمن عجزوا عن النطق أو التصديق !

تحرك ذلك الشخص بخطوات متزنة ثابتة : "يا للوضاعة ! لقد سمعت كثيراً عن قوة الحرس الثمانية و كفاءتهم ! لم أتصور مطلقاً أن يكونوا مجرد صراصير مقرفة مثيرة للاشمئزاز ! لقد خاب أملي بالفعل !"

كان يقول ذلك بكم هائل من الاحتقار و يرمقهم من أسفل عينيه بنظرة دونية !


صاح كيلر أخيراً و الدماء تغلي في عروقه : كوبـــرا !!!

أضاف ديستروير و قد اشتعل هو الآخر : من تحسبين نفسك أيتها الحقيرة ؟!!

تبسمت كوبرا ابتسامتها المغرورة الفاتنة ، لم تكلف نفسها عناء الرد ، بل تجاهلتهما تماماً ، و بتعال و ثقة عظيمة تخطت هذين القاتلين !

قفز الاثنان لمهاجمتها غير أن أتباعها الثلاثة كانوا لهم بالمرصاد !!
صوب بيكارت فوهة مسدسه على رأس كيلر وهو يبتسم بمرح ، بينما كان التوأم آغويلارد بوقوفهما فقط أكثر من كافيين لردع ديستروير !


توقفت أمام سيباستيان الذي استلق على الأرض لعجزه الكامل عن النهوض !
أطالت النظر فيه بوجه خال من التعابير ، فأدار وجهه نحوها و هو يتنفس بصعوبة و يسعل كثيراً : لا تنظري إلي.. هكذا ! لست أريد.. شفقة منك !

كشرت كوبرا و انحنت قليلاً : أظنك أسأت الفهم ! أنا لم آت إلى هنا بدافع الرحمة أو الشفقة بل.. لأني أرفض كل الرفض أن تسقطوا مهزومين أمام عدو غيري ! خصوصاً إن استخدم ذلك العدو أساليبا قذرة وضيعة في الإيقاع بكم ! <اعتدلت في وقفتها : أنت ممثل بارع تنكرت في شكل كابوستين و تمكنت من خداع بارانوفسكي أقرب المقربين إليه ! لذلك أريدك أن تعيش و تأتيني بكل مهاراتك في التمثيل ! أريد أن أتحداك ، أكشف حقيقتك و أنتصر عليك لأثبت أني الأفضل !

ضحك سيباستيان بصوت خافت : أي جنون عظمة تعانين .. أيتها الأفعى ؟!!

تبسمت كوبرا : واحد لا نظير له !


بعد ذلك حولت بصرها صوب الأطفال المتجمعين حول معلمتهم في الزاوية ، و قالت مخاطبة المرأة الراشدة : خذي الأطفال و غادري ! هناك سيارة تنتظركم في الخارج لتعيدكم إلى دار الأيتام !

قامت السيدة و كذلك فعل الأطفال تلقائياً.. لكنهم لم يتمكنوا من العبور إذ كان أؤلئك الرجال يسدون الطريق !

قالت كوبرا آمرة : تنحوا في الحال !

و أمام تهديد السلاح لم يكن في مقدور الحارسين إلا الانصياع لأمرها !

تنفس سيباستيان الصعداء حين رآهم يخرجون من هذا الجحيم بسلام.. لكن أندريه وقف مترددا أمام الباب و أخذ ينظر إلى سيباستيان بقلق : ماذا عنك سيدي ؟! هل ستكون بخير ؟!

هز المعني رأسه و أضافت كوبرا مؤكدة : نعم.. لا تقلق بشأنه !

فانصرف الطفل بعد نظرة وداع دامعة مفعمة بالامتنان !


كست الطمأنينة و الارتياح وجه سيباستيان ، تنهد و حاول النهوض قبل أن يفاجأ بيدها تمتد له : أسرع قد تصاب بالتسمم إن ظل جرحك ينزف في مكان قذر كهذا !

و بعد لحظات من التردد و التفكير قبل عونها .. لفت ذراعه خلف عنقها ثم ساعدته على السير وهي تمسكه بإحكام.. التفتت إلى بيكارت قبل مغادرتها : قيدوهما ثم الحقوا بي !


بعدها خرجت من المرآب المتهالك تمشي بتمهل تحت نور شمس الدافئ.. هناك التفت كوبرا يمنة و قالت : أظن أنه لم تعد هناك حاجة لآخذك إلى المشفى بنفسي..

أدار رأسه إلى حيث تنظر.. فتبسم : لقد تأخرتم في الوصول !


هرع آليكسي و إلسا إليه مذعورين : "سيبا ماذا حدث لك ؟!"

"ذراعك مصابة ! وجسدك مغطى بالكدمات و الجراح !"


تحدث محاولا طمأنتهما : أنا بخير لا داعي للجزع..

أخذته إلسا من كوبرا و هي تفترسها بنظراتها الغاضبة : ماذا فعلتي له أيتها اللعينة ؟!

رد سيباستيان عنها و صوته بالكاد يخرج : اهدئي يا إلسا.. ف..فهي من ساعدني..

فغرت فاها مذهولة ! أما آليكسي فسأل بجدية من النادر جدا أن تظهر عليه : من فعل هذا بك إذن ؟!

كان سيباستيان قد غاب عن الوعي بالفعل لذلك أجابت كوبرا مشيرة للمرآب خلفها : اثنان من حرس القائد ! و هما الآن محتجزان داخل هذا المرآب !

أطال آليكسي النظر في ذلك المكان بعيون شاردة : آه هكذا إذن..

انعطفت كوبرا للجهة الأخرى حيث توجد سيارتها..


"مكانك أيتها الحية اللعينة !"

صرخت ماريان ملوحة بيدها في الهواء لتصفعها ... لكن إيريك في آخر لحظة أمسك يدها و سحبها للخلف : كوني هادئة كما وعدتني و لا تتصرفي بتهور !

صاحت في وجهه : ما الذي تقوله ؟! تلك الحية الحقيرة عدوتنا !

قال بحزم : و إن يكن ! الكونت لم يعط أي أوامر بخصوصها ! و هو لن يسر بتصرف متهور مثل هذا و بدون الرجوع إليه أيضاً !

حاولت الاحتجاج : لكن..

بصرامة أكبر أضاف : هل تريدين أن تغضبي الكونت ؟!

خبت نار غضبها بصورة مفاجئة.. أرخت يدها فتركها إيريك ، و رفعت عينيها الحادتين لتقول لكوبرا : سأتركك هذه المرة إلى لقاء آخر ، حينئذ.. سأمزقك إربا إربا !

كانت كوبرا تستمع إليها في صمت و تطالعها بعيون هادئة لا توح بشيء ، وعندما انتهت ماريان أدارت ظهرها لهم و رحلت !

"إيريك ! ماريان !"

نادت إلسا وعلى شفتيها ابتسامة صغيرة أظهرتها ببطء..

"أرجو أن تهتما بسيباستيان !"

قال إيريك معربا عن استغرابه : ماذا ؟! ألن تبقيا أنتما معه ؟!

استدارت إلسا لتر آليكسي وقد تقدمها للمرآب ! و عاودت النظر إلى زميليها و قالت بقوة : لا.. لدينا عمل لا ينبغي لأحد القيام به غيرنا !

و بعد أن تركت سيباستيان في عهدتهما انطلقت مسرعة الخطى خلف آليكسي !

في تلك الغرفة المغبرة وفي الوقت الذي فرغ فيه الثلاثة من تقييد الحارسين..

'"هذان هما إذن ؟!"

فوجئ بيكارت و التوأم بآليكسي الذي دخل إلى الغرفة دون أن يلحظوا ذلك !

أومأ بيكارت : أجل ، و الآن.. لنلحق جلالتها ! <ثم أضاف بشكل عرضي : لابد أنها منزعجة لتأخرنا !

تجاوزوا آليكسي ثم إلسا التي وصلت بعده بثوان و غادروا المراب الموحش.

خطا آليكسي نحو كيلر المقيد ، ثم شده من شعره الطويل و جره على الأرض إلى الخارج و صدى صيحاته تتردد في أرجاء المراب الخالي !

توجهت إلسا هي الأخرى نحو ديستروير ، لكن لم يكن من الممكن لها سحبه بسهولة فهو ضخم و ثقيل للغاية.
لذلك انحنت ، و فكت قيده بينما يراقبها الرجل باندهاش !

نهضت قائلة بصوت جلد : هذا المكان ضيق جداً لننتقل للخارج و نصفي حسابنا هناك !

ضحك ديستروير بتهكم : حسناً كما تشائين فلا فرق عندي !

ثم خرج كلاهما و الحارس الضخم يتقدم الفتاة بخطوة !


في الخارج.. حيث أوشكت الشمس على المغيب و اكتست السماء بلون الدم الأحمر ، وقف كيلر على قدميه بعد أن فك آليكسي وثاقه ، استل سكينا صغيرة كان يخفيها في كمه : أيها الطفل الأحمق ! هل تكره حياتك لهذه الدرجة ؟! لم تستعجل الموت كهذا ؟!


في الباحة الخلفية للمراب.. انتصب ديستروير في مواجهة إلسا ، و ضحك في استهزاء و هو يعلق على ملابسها السوداء : اوه أهذه ملابس الحداد ؟! إذن.. فقد مات حبيبك و جئت إلي لألحقك به بسرعة ؟!

رفعت إلسا عينيها البنيتين ليكسبها ضوء الشمس لهيبا أحمر : نعم إنه حداد !

هتف : إذن كنت مصيبا !

- لا ، إنه حداد صحيح ، لكنه ليس من أجل سيباستيان ، بل من أجلكم أنتم !!
هذا الأسبوع سيكون الأخير لمنظمتكم بأسرها !!

ثم اتخذت وقفة غريبة !
و أخرج آليكسي من ثنايا سترته السوداء سكينا فضية طويلة !

ثم قالا بصوت واحد وفي الوقت ذاته : لن تموتوا بسهولة !!



⭐⭐⭐


رمى الرئيس الفرنسي ما بيده من ملفات و قد أصابه صداع شديد : لا أستطيع تصديق ما يحدث ! كل ما حولنا أوهام زائفة تتلاشى في لحظة !

تنهد وزير الداخلية بعمق بينما غطى رئيس المخابرات وجهه بكلتا يديه في صدمة !

تأوه الرئيس ، ثم وزع بصره عليهم يستنجدهم بعينيه الحائرتين : يا إلهي أخبروني أن هذا ليس حقيقياً !

أطرق الاثنان رأسيهما في عجز و خيبة ، أما ذلك الشخص الجالس مواجها للرئيس فتحدث بجرأة و حزم : سيدي هذا هو الواقع و علينا الاعتراف به مهما كان قاسيا ً، و إلا لن نستطيع أبداً تجاوز هذه المحن و الاستمرار في الحياة !

أيده وزير الداخلية الذي كان الأكثر رزانة و هدوء ، و قال رئيس المخابرات : إذن سيد آيون بماذا تشير علينا أن نفعل ؟!!

أجاب المعني بدهاء : أولاً و قبل البدء بأي خطوة ضد أؤلئك المجرمين علينا أن نبعد الأبرياء عن ساحة المعركة لنستطيع الهجوم بحرية و صفاء ذهن !

قطب رئيس المخابرات حاجبيه مفكراً : و لكن كيف نفعل ذلك ؟! أنى لنا أن نفصل العملاء الشريفين عن المجرمين المندسين داخل الاستخبارات دون إثارة شكوكهم ؟!

كشر وليام بمرح : أوه هذا ليس صعباً كما تتصورون ! ما دمنا نأكل البيتزا الشهية كل يوم !

حملقوا فيه ثلاثتهم بذهول و شك في سلامة عقله : هاه ؟! بيتزا ؟!!

و لم يستطع منع نفسه من الضحك من تعابير وجوههم الغريبة : أوه بالطبع إنها البيتزا ! أو بعبارة أوضح .. المافيا الإيطالية !!

فتح رئيس المخابرات عينيه في عجب و اندهاش : المافيا الإيطالية ؟!! هل تعني أن ذلك الانذار..

وضع وليام آيون ساقه فوق الأخرى (ذلك الشادو أبهرني حقاً ! "اشتريت كل البيتزا من المطعم المقابل" ! أعلمني بالأمر بطريقة ذكية بسيطة دون تكلف أو تعقيد "أخذت المافيا الإيطالية في صفي" هذا ما كان يعنيه ! أما "المطعم المقابل" فكان يقصد المنظمة ، حيث أن المافيا كانت متحالفة معها و هو قد فض هذا التحالف بينهم و ضمهم إلى جانبه ! )

تحدث بثقة : نعم ! الخبر الذي وصلك بشأن استيلاء المافيا الإيطالية على جزيرة كورسيكا هو في الحقيقة حيلة مدبرة ! و الهدف منها خلق ذريعة مناسبة لإبعاد عملاء الاستخبارات إلى تلك الجزيرة - و الذي سيكون في الظاهر لتحريرها من قبضة عصابات المافيا - دون إثارة للريبة في نفوس قادة المنظمة ! أوه صحيح من الأفضل كذلك أن يظل هذا الخبر طي الكتمان و لا يصل لوسائل الإعلام حتى لا يصاب الناس بالذعر !

أمعن الرئيس الفرنسي النظر فيه باستحسان : سيد آيون لقد سبق و أنقذ جدك باريس من كارثة مدمرة ! ولطالما كانت أسرتك العريقة رمزاً للبطولة و النبل ، لذا فنحن جميعاً نعتمد عليك و نضع كل آمالنا فيك !

تبسم وليام ابتسامة تشع بالأمل : هذه المرة.. سيكون هناك الكثير من الأبطال أمثال جدي ! لذلك لا تقلقوا ، فمهما كثرت الصعاب والأخطار التي تواجهنا.. باريس ستنجو في النهاية !












رد مع اقتباس