عرض مشاركة واحدة
  #135  
قديم 06-27-2016, 06:44 PM
 




الفصـل السادس و العشـرون
ج1
*أزل عدوك !*







ثنا ليدر ذراعيه و قال ببرود و لامبالاة للرجل الجالس أمام شاشات المراقبة : إذن.. أتقول بأن أؤلئك الإثنين في مشكلة ؟!

رد الشخص بصورة آلية بينما تتسابق أصابعه على لوحة مفاتيح متطابقة الأزرار تقريبًا : أجل ، لقد تورطا مع العقارب كما يبدو !

علق ليدر بعدم اهتمام يخالطه مقدار بسيط من الاستياء : أحمقان كالعادة !

قال الآخر مبرراً تصرفهما : حسناً.. لقد أعطاهما القائد الأعلى -و كذلك نحن- حرية التصرف و القضاء على العقارب بأي وسيلة ممكنة ، حتى لو كلف ذلك إحراق المدينة بكل ما فيها !

فرمقه ليدر بنظرة لاذعة : يبدو أنك قد نسيت كوني الرئيس هنا ! القائد الأعلى أعطاكم الإذن في فعل ما تشاؤون لكن بعد استشارتي أنا ! هل هذا واضح ؟!

اضطرب الرجل و أصابه شيء من الرهبة : أجل بالطبع.. <ثم أضاف عائدا للموضوع الأساسي : لكن.. ماذا سنفعل بشأنهما ؟!

شبك ليدر يديه خلف ظهره و استدار نحو رجلين خلفه.. أحدهما أسمر شبه أصلع يستند إلى الحائط و يغطي عينيه بنظارة سوداء ، و الآخر بوجه مجعد و ابتسامة غريبة لا تكاد تفارقه و رغم أنه لم يتجاوز الأربعين من عمره بعد غير أن الشيب بدأ يغزو شعره البني الخفيف ، يفترش الأرض الباردة و يقلب بين يديه بإعجاب و استحسان شفرات حادة !

تحدث ليدر إليهما بلهجة آمرة : "ريبر-Ripper" ، "سنايبر-Sniper"ستذهبان أنتما الاثنان لذا تجهزا بسرعة ! أريدكما أن تلقنا أؤلئك العقارب درسا قاسياً و أن تقتلا أكبر عدد ممكن منهم !

تبسم ريبر و شرع يجمع أشياءه المبعثرة بينما التقط سنايبر حقيبته السوداء الطويلة المركونة على الجدار بجانبه و سبق رفيقه في مغادرة غرفة المراقبة.


بعدها التفت ليدر نحو فايتر : هل حضر كل أعضاء الخنجر المعقوف ؟!

أجابت المعنية بصوتها الذي تجمد الإحساس فيه : نعم و هم في انتظارك منذ ربع ساعة على الأقل.

تبسم ليدر في كبر و تعال : حسناً.. لنذهب إليهم الآن !


تحتهم بثمان طوابق.. داخل غرفة كبيرة واسعة مطلية بلون المخمل الكئيب اجتمع أعضاء الخنجر المعقوف الذي كان عددهم لا يقل عن الثلاثين شخصا !
منهم من كان يجلس على الأرائك أو الكراسي ، و منهم من فضل الإنتظار واقفا ، بعضهم يتذمر من ذلك التأخير ، وبعضهم ينتظر في صبر ، و آخرون يتحتدثون فيما بينهم ليبعدوا عنهم الملل .
و الشيء الوحيد الذي اشتركوا فيه جميعاً هو سيمات المجرمين التي تعلو وجوههم ، و يوحي بها الجو الذي يحيطهم !


بصورة مفاجئة فتح باب الغرفة و دخل ليدر دخلة عسكرية مهيبة برفقة فايتر !
لكن ما أفسد هذا المشهد الذي كان من المفترض أن يكون عظيماً أو على الأقل كما تخيله ليدر هو رد فعل الخنجر المعقوف لدى رؤيته ! فقد ظلوا جاثمين في أماكنهم يرمقونه بنظرات شك أو استغراب خالية من الاحترام !

عقد ليدر حاجبيه في إنزعاج شديد : ما رد الفعل الوقح هذا ؟!

قال أحدهم و هو يعبث في هاتفه النقال متكاسلاً عن رفع عينيه عنه : و ماذا يفترض.. بنا أن نفعل إذن ؟!

احمر وجهه غضباً : ماذا يفترض بكم أن تفعلوا ؟! <احتد صوته و علت نبرته : أنا أمثل القائد الأعلى الآن ! هل تفهمون معنى ذلك يا أصحاب العقول الفارغة ؟!

فقام أحدهم من مكانه و أدار رأسه نحوه ليقول بصوت يتوارى خلف هدوءه حنق و نفاذ صبر : هي أيها الرجل الغريب ! ألا تظن أنك تجاوزت حدودك ؟!

انضم إليه آخر مضيفا في سخرية و استهزاء : ثم من يكون القائد الأعلى هذا ؟!!

صاح ليدر و الغضب يلتهم كلماته : القائد الأعلى هو الزعيم الأول و مؤسس المنظمة التي تنتمون إليها أنتم فرقة الاغتيالات الخنجر المعقوف !


"أها أجل بالطبع يا لغبائنا ! كيف ننسى قائدنا المحبوب ؟!"

هتف الرجل الأول ببلاهة مصطنعة ، ثم أردف ساخراً : كان ظريقاً جداً يتمتع بحس فكاهي نادر ! لا زلت أذكره عندما كان يجلس على العشب في الحديقة و يقلد صوت البط واك واك واك واك !"

صفق رفاقه بحرارة و غرقوا في نوبة من الضحك ، مما جعل النيران تتأجج داخل ليدر حتى بدأ لهيبها يتطاير من صوته الثائر : كفوا عن الضحك أيها الـ.. !

فتدخلت فايتر أخيراً لتقول برزانة : إنهم جدد يا ليدر و لم يسبق لهم أن التقوا بالقائد أو سمعوا باسمه أصلاً !

أدار عينيه إليها والغضب في صدره أخذ يخبو شيئاً فشيئاً : قلتِ أنهم جدد ؟!

- أجل لقد قضى العقارب على الأعضاء السابقين فقامت كوبرا بانتقاء هؤلاء و تعيينهم كأعضاء جدد للفرقة !

تمتم بغيظ حاول كتمانه : كوبرا..

ثم تقدم بضع خطوات ، و خاطب فرقة الخنجر بصوته الجهوري : إن كنتم حقاً لا تعرفون القائد .. فإني كشخص عاش معه سنين طويلة لا أنصحكم أبداً بعصيان أوامره أو محاولة التمرد عليه ، فعاقبة ذلك ستكون وخيمة جدا ! لهذا أقول و لآخر مرة.. عليكم احترامي و تنفيذ ما آمركم به دون نقاش إن كنتم ترغبون في البقاء أحياء !

و في اللحظة التي أطبق فمه فيها ، كف أعضاء الخنجر عن الضحك ونهضوا جميعاً صامتين تعبيراً عن الاحترام و الطاعة !

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ظفر متعالية ما لبث أن تلاشت بعد برهة ، و ذلك إثر الصوت الماكر الذي جاء من خلفه :


"يبدو أن الأمور لا تجري بشكل جيد معك !"


التفت ليدر بحدة لم تبرز إلا القليل من غضبه : كوبرا ؟!! ماذا تفعلين هنا ؟!!
(إذن فقد كان وقوفهم لأجلها هي ؟!!)

دنت كوبرا منه و تلك الإبتسامة المغرورة الساخرة لم تبرح وجهها : ماذا أفعل هنا ؟! يبدو السؤال غبيا جداً عندما توجه لي أنا ، أليس كذلك ؟!

عبس أول الأمر لكنه سرعان ما ابتسم ابتسامة خبيثة : يبدو أنه لا علم لك بما حصل في غيابك !

التمعت عيناها الزرقاوان بشرارة تحد : لا يا عزيزي أنا أعلم كل شيء !

أدار بوجهه عنها نحو أعضاء الخنجر الذين لا زالوا ثابتين في وقفتهم : اسمعوني جيدا ً! هذه المرأة تم اعتبارها عدوة للمنظمة ! لذلك و بصفتي ممثلاً للقائد الأعلى أكلفكم الآن بأول مهمة لكم.. و هي قتلها في الحال !

و ما إن نطق عبارته الأخيرة حتى ضجت الغرفة بضحكاتهم الساخرة ، قالت امرأة شابة منهم متهكمة : هذا الرجل فكاهي بامتياز !

أردف رجل و هو يقهقه : كم يحب وضع نفسه في مواقف سخيفة !

كز ليدر على أسنانه مصدرا صكيكا حادا : هل تعصون أوامر القائد الأعلى أيها الأوغاد ؟!

ردت المرأة باستخفاف : قائدنا الوحيد الذي نعرفه و نعترف به هو كوبرا ! أما ذلك المتخفي الجبان فلا يعنينا أمره في شيء !


استدار و الدم يغلي في عروقه نحو كوبرا بعد أن وصله صوت ضحكتها المغرورة : الآن فهمت كل شيء ! هذا ما كنت تهدفين إليه إذن ، أيها الحية الحقيرة ؟!!

اقتربت منه أكثر حتى أصبحت المسافة بينهما أقل من متر لتحفر كلماتها المهيبة المتعالية في ذاكرته إلى الأبد : عندما يحضر الملوك يخرس العبيد و ينحنوا ! اعرف مقامك أيها الوضيع و لا تتعداه !

كلماتها القليلة البسيطة هذه حوت بين حروفها قوة و كبرياء منقطعي النظير جعلت قلب ليدر يهتز و لأول مرة أمام شخص غير القائد الأعلى !

"قالت لك أن تنحني !"

أيقظته النبرة الآمرة لبيكارت من شروده فقال في مزيج من الدهشة والغضب : ماذا ؟!!

عندها و من كل الجهات حاصرته هو و فايتر فوهات المسدسات السوداء !
أمام الموت.. يختفي كل شيء و لا يبقى إلا الخوف ! ذلك الشعور المهين الذليل هو الذي أرغم ليدر على التخلي عن جل اعتزازه وكبريائه الذي صانه سنين طويلة و الإنحناء قهراً لكوبرا !

و هو في حالة انحنائه هذه مشت كوبرا خطوتين في اتجاهه وعلى فمها الوردي ابتسامة صغيرة واثقة : لقد غدت هذه المنظمة مملكتي أنا ! و إن كان قائدك الضعيف المتخاذل ينوي استعادتها ، فليأت إلي بنفسه و يزيحني ميتة عن عرشه ! <أضافت بعدها بلهجة صارمة : أمهلك عشر دقائق فقط لتجمع كلابك و تغادر هذا المبنى فوراً !

رفع ليدر رأسه و دون لحظة انتظار أو تردد غادر الغرفة خلفه فايتر !

وما إن خرج حتى صب جام غضبه على الجدار باللكمات و الركلات : تلك السافلة ! كيف تتجرأ على إذلالي أنا بهذه الطريقة ؟! ستدفع الثمن غاليا ! سأجعلها تبكي دماً و تتوسل إلي طلبا للرحمة !


عندئذ قطعت فايتر صمتها و تحدثت بهدوء وكأن شيئاً لم يحدث قبل قليل : يبدو أن القائد الأعلى كان محقاً بشأنها !

عصر ليدر يديه منفسا عن غضبه فيهما : أجل ! هذه الحية الخبيثة تمثل خطراً عظيمًا على المنظمة و القائد ! خطراً يفوق الكونت و عقاربه !!



⭐⭐⭐


"ما الأمر ألن تستخدمي سكينا أو شيئاً ما للدفاع عن نفسك ؟!"

قال ديستروير مستخدما نبرته الساخرة ، فردت إلسا بصوتها القوي و نظراتها مثبتة عليه : لست في حاجة لأي سلاح ! بيد العارية هذه.. سأسحق كل عظمة في جسدك !

و ضغطت بقدمها على الأرض بقوة لتنطلق كالسهم نحوه !

عزز ديستروير قبضته و سددها في اتجاه وجهها لكنها أذهلته بانحنائها الحاد المفاجئ للخلف حتى ظنها سقطت لأول وهلة ، غير أنها لم تفعل بل ثبتت كلتا يديها على الأرض و بكل ما في ساقيها المتحدتين من قوة ضربته على بطنه ليسقط بعنف على الأرض الصلبة !

تراجعت للخلف في تأهب بعد أن رفع ديستروير جسده عن الأرض بعسر و بالكاد يمكنه التنفس : أيـ.. أيتها .. السافلة ! <استقام ببطء و الغضب لم يفارق عينيه : كيف تجرأت.. على ضربي.. أنا ؟! أنا الذي.. كنت من أشهر المصارعين في تسعينيات القرن الماضي و أكثرهم قوة و صلابة ؟!! ستدفعين الثمن غاليا.. أيتها الطفلة اللعينة !

تبسمت إلسا في تهكم : ما فائدة عضلاتك دون عقل يتحكم فيها ؟! أنت في الحقيقة لا تختلف عن أي ثور هائج عديم التفكير !

عند تلك اللحظة.. اندفع نحوها بلكمة فولاذية تفادتها ببراعة لكن تبعتها آخرى بسرعة مدهشة لم تستطع تجنبها فصدتها بكلتا ذراعيها... لتدفع للوراء عدة خطوات من قوة الضربة !

لم يضيع ديستروير الوقت و واصل هجماته التي كانت إلسا تواجهها بساعديها النحيلين !
توقف لبرهة حتى يستجمع طاقته.. و مسح جبينه المتعرق براحة يده ثم ضحك : لست سيئة أبداً أيتها الطفلة ! (في الواقع.. إنها قوية بشكل مدهش ! استطاعت طرحي أرضاً بأقدامها الهزيلة ، و رغم قوة كل ضرباتي التي وجهتها نحوها لم تصب إلا برضوض بسيطة ، و لم تقع على الأرض و لو لمرة واحدة ! )


تجهزت إلسا لهجومه القادم و الذي لم يصلها متأخراً ! أطلق نحوها ضربة من يده التي كانت أشبه بمطرقة حديدية فتحاشتها بخفة ثم أمسكت تلك الذراع و بقوة مذهلة قلبت جسده الضخم الثقيل على ظهره !

صاح متوجعا.. و هذه المرة لم تمهله وقتاً لينهض بل قفزت في الهواء و سددت قدميها عليه لتضاعف الجاذبية قوة ضربتها.. غير أنه تحرك في اللحظة الأخيرة ، فلم تفلح ضربتها القاتلة في إصابته !

نهض من الأرض بسرعة حتى لا يعطيها فرصة لتكرار ذلك الهجوم الخطير !
لكنه فوجئ بها تغمض عينيها ، و تؤدي في تأن و هدوء حركات غريبة تشبه الرقصات الصينية !

( ما الذي تفعله هذه الحمقاء في وقت كهذا ؟! مهلا ! هذا ليس مهماً بالنسبة لي علي فقط أن أنتهز انشغالها بهذه الطقوس السخيفة و أقتلها بضربة واحدة ! )

في هذا الوقت كانت إلسا حاضرة الذهن كلياً لما حولها بل إنها في الواقع أكثر إدراكا لمحيطها في هذه الوضيعية !

(⏩ قبل ست سنوات من الآن.. كنت أقف على عتبات معبد التنين الأحمر في إحدى قرى الصين النائية ! في ذلك المكان.. حيث يمتلك الرهبان قوة مدهشة و مهارات قتال خيالية لم أسمع بوجودها طوال عمري كانت بدايتي الحقيقة في تعلم الكونغ فو ! مع أني سبق و دخلت مدرسة لتعليم فنونها في أوروبا ثم تخرجت منها بامتياز غير أن هذا لم يكن مرضيا تماماً لي ، لذلك سافرت للصين بلد منشأ هذا الفن لأتعلمه على أصوله ! و اخترت هذا المعبد بالذات بسبب ما سمعته من حكايات و قصص مثيرة عن أحد المدربين المخضرمين فيه والذي كان يدعى المعلم شوانغ !
بالطبع و كما هو متوقع فقد رفض المعلم شوانغ الإشراف على تدريبي ! لأن التعليم كان مقتصرا على الرهبان في هذا المعبد فقط و لا يسمح للناس العادين والذين ينتمون للبلد والمنطقة نفسها بالانضمام إليهم ! فكيف بالأجانب ؟!
لذلك كان علي الاستسلام والعودة لبلادي ، لكن.. هل هذا ما فعلته ؟! بالتأكيد لا ! بل دخلت في شجار عنيف مع المتدربين و أنا أصيح : "جئت كا هذه المسافة من أقصى بقاع الأرض لأتدرب هنا ثم تأتون وتقولون لا ؟! سأتدرب يعني سأتدرب هل تفهمون ذلك ؟!"

استمر العراك .. حتى وصل المعلم شوانغ أخيراً و أوقفنا ! كان رجلاً قد ناهز الستين له شعر أبيض طويل و لحية باللون ذاته تتجاوز ياقة قميصه ، أما وجهه المجعد ذو الملامح الهادئة فكان عنواناً للحكمة والرزانة !

"لم تحدثين هذه الضجة أيتها الأجنبية العنيدة ؟! لقد سبق و أخبرناك أن قانوننا لا يسمح بتدريبك !"

قال المعلم بهدوء بينما يهبط بتمهل المدرج الحجري الكبير !

قلت بعناد وإصرار : أريدك أن تدربني أيها المعلم و لن أتوقف عن طلب ذلك حتى تستجيب لي ! ثم لم عليكم الدفاع بهذه الضراوة و التمسك بقوانين من وضعكم أنتم ؟! أنتم بشر ! و البشر في تغير دائم مما يتتطلب تغييراً كذلك في العادات و الاعتبارات !

سكت المعلم لفترة.. ثم سأل في استغراب : ما الذي يدفعك لطلب القوة بهذا الاصرار و العزيمة ؟!!

أجبت : أريد أن أصبح قوية وأحمي نفسي بنفسي فلا أرضى أن أكون عبئاً على أحد !

- أليس هناك رجل يحميك ؟!

- في هذا العالم المجنون حيث حتى الرجال لا يستطيعون حماية أنفسهم يتوجب على النساء أن يكن قويات أيضا إن أردن البقاء فيه !

أفرجت شفتاه عن ابتسامة رصينة : كلام جيد ! لكن..<احتد نظراته : لقد هاجمت الرهبان و هزمت ثلاثة من تلاميذي و أنا لا يمكن أن أغفر لك هذا أبداً !

وهجم علي لتدور بيننا معركة شرسة خرجت منها خاسرة متوجعة بعد لحظات معدودة !
أدار لي ظهره و قال قبل انصرافه : إن عدت لهذا المعبد مرة أخرى.. فلن أعاملك بلطف كما فعلت الآن !

ضحكت في سري.. ذلك العجوز مراوغ حقاً ! لقد وافق على تدريبي بصورة غير مباشرة كيلا يعده زملاؤه و طلابه مخالفا للقانون !
و هكذا......مضت شهور و شهور و أنا آتي يومياً للمعبد لأتقاتل مع المعلم حتى تمكنت أخيرًا من تعلم الكثير من أساليبه المذهلة و حركاته الفريدة !
و مع أني طوال فترة تدربي معه لم أستطع هزيمته في جولة واحدة ، غير أن مجاراتي له لدقائق قليلة كانت كافية بالنسبة لي !
فغايتي من الحصول على القوة هو أن أكون قادرة على الدفاع عن نفسي ضد اي خطر يمكن أن يهددني ، و ليس السعي لأصبح الأقوى في العالم فهدف كهذا لا يناسب فتاة مثلي !

الآن.. و بعد أن قرأت كل تحركاته و عرفت أسلوبه في القتال... حان دوري لأبدأ ! )


أخذت نفسا ًعميقا.. فتحت عينيها فجأة... و انهالت على ديستروير بضربات قوية خاطفة و متتابعة !
و رغم كل تلك العضلات التي يتفاخر بها.. كانت ضرباتها قاتلة ! فهي ليست عشوائية كما يمكن أن يبدو للناظر غير الخبير ، بل تستهدف الأعضاء الحيوية الحساسة في الجسم كالقلب ، الكبد ، و الرئتين !

كان ديستروير يتلقى ضرباتها ككيس ملاكمة لا يقوى على الرد ولا حتى مجرد الحركة فقد شلت أولى ضرباتها جسده تقريباً !
و بعد ما لا يزيد عن سبع دقائق.. سقط ديستروير منتهيا !

"كـ.. يف ؟!"

هذا كل ما استطاع ديستروير النطق به.. قبل أن يغلق عينيه إلى الأبد !

التفت إلسا إليه للمرة الأخيرة : أنا لم ألقب بـ "اليد المميتة" عبثا !


******

أثناء ذلك في الواجهة الأمامية للمراب المهجور..
إثر ضحكة شيطانية مجنونة انقض كيلر بسكينه الحادة على وجه آليكسي !
تفاداها الفتى برشاقة ، و لم ييأس الحارس و وجه نحوه العديد من الضربات ، تجنب آليكسي بعضها و صد أخرى بسكينه الغريبة.. بيد أن إحداها تمكنت على حين غرة من خدش الخد الروسي الأبيض !

استغل كيلر هذه الفرصة و هجم عليه داعما ذراعه الحاملة للسكين بنصف ما يملك من قوة ، لكن في الوقت ذاته تخلى آليكسي عن وضعية الدفاع و هجم هو الآخر !

هاتان العينان الفيروزيتان وهبهما الظلام الذي حل فجأة توهجا غريباً خلق رعباً جديدا في قلب كيلر جعله يرتبك ثانية واحدة ، ليستفيق بعدها و ذراعه الممسكة بالسكين.. تحلق بعيداً !!

كادت عيناه تخرجان من مكانهما و هو يبحلق في ذراعه المقطوعة و دمائه التي تطايرت في كل مكان لتمتزج بذلك التراب العفن الذي سكن الأرض الخالية وحده سنين عديدة !

"ذ.. ذراعـ..ي.."

خرجت هذه الحروف الممزقة المتباعدة من فمه المتردد..
ثم باستدارة عنيفة صوب نظرات عينيه اللتان لوث بيضاهما حقد مظلم على آليكسي الساكن بارد العينين !
بتلويحة خاطفة بذراعه أزال الفتى أغلب ما علق بسكينه من دماء ، أما التي قفزت على ملابسه و الجزء الأيسر من وجهه فلا تزال متشبثة بمكانها في عناد !

أمسك كيلر النصف المتبقي من ذراعه و الذي لا زال الدم يسيل منه دون أي إشارة توحي بتوقف قريب !
و تحكم بعد معاناة بساقيه المتخشبتين وحركهما للوراء محاولاً الإنسحاب !
(اللعنة ! سأموت بعد دقائق إن استمر هذا النزيف ! علي الهرب من هنا بأي وسيلة ! )

لم يزحزح عينيه عن آليكسي ثانية واحدة ! و بخطوات يملؤها الخوف و الترقب.. بدأ يتراجع للخلف نحو مجموعة من الأشجار الميتة متشابكة الأغصان !
أخذت المسافة بينهما بالازدياد.. رغم ذلك ظل آليكسي ثابتاً في مكانه ولم يحرك ساكناً !
هذا التصرف الهادئ لم يكن متوقعا منه بتاتاً بعد الذي فعله كيلر بأعز شخص على قلبه !

(ما هذا ؟! إنه هادئ تماماً.. و لا يحاول منعي من الهرب ؟! أيعقل أنه متعب ؟!! )

فكر كيلر.. لكنه أرغم نفسه على تجاهل هذا الفعل الغريب و التركيز على الهرب بأسرع ما يمكن !

أضحت خطواته أكثر سرعة و جرأة.. حتى استطاع في النهاية الولوج بين الأشجار و التواري عن أنظار آليكسي.. و الذي كان متسمرا في موضعه ، بلا حركة أو همسة.. حتى عيناه لم تصدر عنهما رمشة ! تماماً كتمثال قديم من الرخام الثلجي !












رد مع اقتباس