عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-30-2016, 11:03 PM
 



تَعَالَ .. تَعَالَ جَمِيلِي نُبْحِر فِي الآمَال
اِقْتَرب .. اِقْتَرِبْ هُنَا تَلْتَمِسُ الأَمَانَ
نَمْ يَا صَغِيرِي .. نَمْ بِأمَانٍ
نَمْ ، وَ سَتَحْرُسُكَ الأحْلَامْ ..!




مغمضة العينين مطبقة الجفنين ، مقوسة الشفتين ؛ كانت نائمة مبتسمة .. بعيدة عن مصادر الازعاج الخارجي ! بعيدة عن سكون الكبار و صخبِ الصغار ..!!


رغم كونها صغيرة جدا .. رغم أنها لم ترَ العالم بأعين الحكماء أو بأعين العقلاء ؛ إلا أنها و مع ذلك استطاعت أن تحزِر أو تشعر و تُحسَّ أنه عالم لا بد من الهروب منه ..!!


حِدقتين غُلِّفتا بغشاء البراءة استطاعتا تمييز الفرق .. تفضيل الأحلام ..! تفضيل اللامكان ..! التوجه الى دجى ما بعد الأحلام لأنها التمست الأمان .. لأنها و هناك وجدت ما فقدته .. و صادفت ما أرادته ..!!




وسط مرج من زهر الاقحوان ، أكثر جمالا من البستان .. مع من فقدته قبل زمان ، قد تواجدت معه هناك الآن ..!!

بعيون بزرقة المياه و صفاء وضوح السماء كانت تحدق بلا استيعاب .. دوعبت وجنتيها بأنامل النسيم و فتحت شفتيها لتنطق باسم لم تلفظه قبل حين .. !!


و لكنها اطبقتهما .. استوقفت نفسها خشية أن تستفيق .. و كبحت في داخلها مشاعر الاشتياق و أخمدت بالدموع الرغبة في أخذ العناق !!


لم ترها قبلا بكل هذا الوضوح .. لم تعلم أن لها كل هذا الشموخ .. والدتها التي فارقتها الروح .. هي تراها الآن بكل وضوح ..!!


تسمرت مكانها .. تشبع شوق عينيها قبل الحلم أن ينزاح .. فقط من بعيد .. تراقب وجهها المرتاح ..!!فهل الرحيل يسبب كل هذا الارتياح ؟!


وقت غير محدود الأمد .. فهل ستبقى تحدق الى الأبد ..؟!

الآن فقط ، سمحت لقدمها أن تنزاح .. و اعطت الأمان تأشيرة الاجْتياح و السَّماح .. !!


التقى وجههما ، و أرَّت زرقتا عينيهما المتطابقة على بعضهما .. لا شيء الآن يقارن بمدى السرور .. فبعد هذا الحد لا يمكنها العبور ..!!


شيئا فشيئا .. خطوة بعد خطوة .. تتقلص المسافة ! ينكمش البعد ! تتقارب الأجساد ..!!

وقفت أمام المبتسمة الشِّبه منيرة .. دموعها تُذرف كما سائل الكريستال .. جسدها يرتعش كمحمومة تطلب الدفء في جسد حار ..!!


كانت بين ذراعيها .. جالسة على ركبتيها طاوية ساعديها ؛ لا تعلم أتبادلها العناق ؟ ألن تختفي كالوهم بين يديها ..؟! ألن تتلاشي كما السَّراب ..؟! فقد علمت الآن بعد رؤيتها ، أن حياتها من دونها كما العيش في سِرْداب ..!!


كانت تتخبط وسط رغبات و تَصَدٍّ مُناقض .. بين الحقيقة و الوهم .. وسط النهر ، لا تعلم أي الضفتين أسلم .. و لكنها في نفس الوقت قد كانت تخشى أن يجرفها التيار فيرميها كما يريد ..!!


هذه هي حالها .. تنحَّت والدتها قليلا لتقابل وجهها الطفولي المتألق.. وضعت يدها الناعمة على وجنة ابنتها المحمرة ..! ابتسمت ابتسامة هادئة أشرق لها وجهها :

- رأيتكِ أخيرا .. أنت جميلة كما كان يتوقع والدك أن تكوني ..!!

نطقت ما سبق بصوت أبعد مما يكون مجرد وهم غلفه الحنان .. كان صوتا ملائكيا واضحا طليقا ..!!


ابتسمت المعنية وسط شهقاتها الخافتة و قد حطم جدار الخوف و مضى صفير التحذير ..!!

قالت و قد هدأت .. لعلها تأكدت بأن ما يحدث أبعد من الوهم او ما يجري في الحلم :

- أمي أين أنتِ ..؟!

براءة تامة و قصد بليغ قد لون كلماتها البسيطة ..!!


أخذت والدتها تجمع ما حولهم من أزهار بأيد رشيقة و حركة ناعمة خاطفة ربما لكي لا تؤلمها فهي بعد كل شيء تبقى من الكائنات ، قالت بغموض و لم تفارق الابتسامة ثغرها :

- أنا ..! أنا في نعيم ما بعد الدجى .. أنا في كنف ما قد خلا .. أنا في مكان يخلو من الصدى .. أنا في الخفاء بضباب الندى .. أنا في مقام غلفه الشذى ..!!


كانت تصغي بتَنَبُّه و قد أثار الأمر في نفسها شيئا من الاعجاب ..أ هذا الشيء لا يمكن الحصول عليه الا بعد نيل قسط العذاب ..!؟


لمعت عيناها ببريق من الاعجاب عندما قالت بكل صدق و براءة :

- أمي أريد أن أذهب معكِ الى هناك ..!!


-أوه ، و لكنك صغيرة .. و لازلت الحياة امامك طويلة .. رغم ذلك أنا سأنتظرك دوما هناك .. و سأرعاك من هناك .. !!

قالتها بشيء من التعجب و لازال صوتها مخمليا ناعما ينبض بالحنان ..!! وضعت تاج الزهور على رأس من بين يديها ، و هناك و من غير مجال لعبارة الفراق قد تجدد الاشتياق و تلاشى احساس الحماس ..!!


كانت قد عادت الى الواقع .. الى المكان الذي به المواقع .. بعيدا عن البستان و زهر الاقحوان و نسيم بنعومة الساتان ..!!

كان الضجيج الواقع هو السبب .. لم يكن في الحلم ضجيج .. في يكن هناك ازعاج .. تريد العودة .. تريد الغوص مجددا في اللامكان الذي نسجه الظَّلام..!


تمتمت : - أرجو العودة الى هناك .. الى حيث الامنيات تتحقق .. الى مكان الوِفاق .. للقاء سابق الرفاق .. حيث لا نهاية للآفاق .. و لا ظلام بعد الشقاء ..!!




كأي طفل .. يحمل براءة الروح ! و نُقي الفؤاد .. و جمال النفس هي رَجَت و لم تَتَمَنَّ .. لأنها تعلم أن الأمنيات لا تتحقق .. أظلم ما أمامها .. و أتَى ما كان سبب رجائها :

- أتيتِ ! فأهلا بكِ بيننا ..





أتَيْتِ ..! اقْتَرَبْتِ ...! فَأَهْلًا بِكِ قَبْل الحِين
ارْتَحْتِ قَبل أَنْ تَتْعَبِي ....! فَكَمَا تَشَائِين
نِمْتِ قبل أن تَسْتَيْقِظِي ....!فَكَمَا تَحْكُمِين
أَطْبَقْتِ جَفْنَيْكِ قَبْلَ الفَتْحِ ....! فَكَمَا تَرْغَبِين
تَجَاوَزْتِ الدُّجَى قَبْلَ المُضِيِّ فِيهِ ! فَكَمَا تُقَرِّرِين
لَحِقْتِي بِي فَتَعَالِي ....! نَحْنُ الآنَ مِنَ الخَالِدِين






يُتبع الرَّجَاء عَدمُ الرَّد


رد مع اقتباس