مضى يومان على هذا الحال ..!
خالتي مسافرة الآن لإنجلترا ..!
ريك على وضعه الدائم طيلة الوقت يستذكر دروسه و يحشوا رأسه بالمعلومات ..!
هاري لا يزال مستاءً من أخته و قد أخبرني بأن لا أقلق كثيراً بشأن الموضوع فهو سيبحث عن حل له ..!
أما كيت فكما هي العادة تقضي طيلة اليوم معنا في المنزل و تذهب لمنزلها وقت النوم فقط .. و قد كنت أتولى معها أمور المطبخ حيث تعلمت أعداد بعض الأصناف من بعض الكتب التي اعطتني إياها خالتي ..!
ليونيل عاد لمنزله بعد رحيل زوج أمه .. و لكنه يقضي جزءاً من يومه معنا كشيء أساسي ..!
هناك أمر جديد طرأ على تخطيطنا للأمور ..!
فقد تقرر أن أبدأ بالدراسة مطلع الأسبوع القادم و الذي سيقدم فيه ريك امتحاناته !!..
كان هذا ما أخبرني به هاري فليس من الجيد أن أضيع أسبوعاً آخر بلا سبب !!..
أما ريك فسيذهب لوقت قصير و يجري الامتحان ثم سيعود للمنزل !!..
هذا الأمر أثار قلقي بالفعل !!.. ماذا عساي أن أفعل الآن ؟!!.. أنا غير معتاد على هذا !!..
مدرسة عادية !!.. أنا لا أعلم ما الأمور التي قد تواجهني كما أن تعامل الطلاب معي سيكون عادياً بعكس مدرستي السابقة التي كنت أعامل فيها بكل احترام !!..
أشعر بالتوتر و بألم في المعدة فور التفكير في الأمر !!.. حتى أني لا أعرف كيف أبدأ !!..
كل ما اتمناه أن يمر الأمر على خير ..!
.................................................
استلقيت على سريري تمام العاشرة بإرهاق .. إن تنظيف المطبخ مع كيت في نهاية كل يوم يستنزف طاقتي !!..
نظرت إلى ريكايل الذي كان على السرير الآخر ينظر إلي و يتفكر !!..
قطبت حاجبي : ما الأمر ؟!..
بنبرة متسائلة و باردة : ماذا ستفعل في يومك الأول في المدرسة ؟!..
بانزعاج قلت : أرجوك لا تذكرني .. أنا نفسي لا أعلم !!..
جلس عندها على السرير وهو يقول : لما تستصعب الأمر هكذا ؟!..
- يحق لي هذا ..! أنا لم اعتد بعد على مجتمع العامين ..!
- لكني أرى أنك تبلي بلاءً حسناً ..!
- إن كنت تقصد الطبخ و التنظيف فهذا لا يعتبر امراً مذهلاً !!.. المصيبة العظمى هي التعامل مع الآخرين ..!
- كن على طبيعتك فقط !!..
- ريك لا اعتقد أنك تفهم الأمر ..! لقد تربيت على أن يحترمني الجميع و يعاملوني معاملة خاصة ..! لذا سأتوتر عندما أكون وسط كثير و كثير من الأولاد و الفتيات البسطاء اللذين لا يعرفونني !!.. منذ كنت في الصف الأول و الجميع يعرفني بسبب اسم اسرتي و الآن سأكون مجهولاً تماماً ..!
- أنت تعقد الأمور ..! كل ما عليك فعله أن تكون طبيعياً و سيكون الجميع طبيعياً عندها ..!
- و ماذا أفعل حين أدخل الصف ؟!..
- قف أمام الطلاب و عرف عن نفسك ..! يمكنك أن تكتفي باسمك و عمرك فقط ..! لا داعي لأمور أخرى ..!
- و ان سألني أحدهم عن سبب انتقالي أو عن مدرستي السابقة ؟!..
بمكر قال : هنا يجب أن تظهر مهارتك في الهرب من الإجابة ..!
تنهدت بتعب : أشعر أني سأتسبب بمصيبة ..!
ابتسم بهدوء عندها : لقد تبقى بضعة أيام .. لذا لا تقلق بهذا الشأن ..!
- ستمر هذه الأيام بسرعة !!.. أنا متأكد من هذا !!..
- عموماً فكر الآن بالأهم .. خالتي سعود هذا الفجر من انجلترا صحيح ؟!..
- أجل ..!
- اذاً أذهب معها للتسوق و احضر ملابس المدرسة ..! فنحن لا نملك الزي الرسمي بعد ..!
- أنت محق .. لا بأس .. و ماذا أيضاً ؟!..
- حقيبتان و الأحذية ..!
- ألن تأتي أنت أيضاً ؟!..
- لا .. لا وقت لدي ..!
- و كيف تردني أن أشتري لك ؟!..
- بالنسبة لمقاس الملابس و الأحذية فكلها مطابقة لك .. أما الحقيبة فلا بأس بأن تكون مختلفة عن حقيبتك باللون ..! عموماً مثل هذه المدارس تعتمد تصميم حقائب واحد و الألوان قليلة و كلاسيكية ..!
- أفهم هذا ..! حسناً لا بأس ..! الأفضل أن ننام الآن ..!
وقف و اتجه إلى مفتاح الإضاءة و أغلقه وهو يقول : تصبح على خير ..!
- تصبح على خير ..!
.................................................. .......
في اليوم التالي نفذت ما طلب مني ريك و ذهبت للتسوق مع خالتي .. بالإضافة إلى كيت و ليو اللذان لا أعلم كيف جاءا معنا ؟!..
في احد المحال الكبيرة حيث كانت الأزياء الرسمية لمدارس المنطقة موجودة فيه بدأت البحث عن زي مدرستنا و قد وجدته في الأخير ..!
بنطال اسود و قميص أبيض و سترة سوداء .. فقط !!..
إنه بسيط للغاية !!.. لكن اعتقد أن كل ازياء المدارس العامية هكذا فكما أرى الأزياء الأخرى لا تختلف كثيراً ..!
نظر إلي ليو و سألني : أين كنت تدرس سابقاً ؟!..
بدأنا .. هذا الفتى مصر على نبش ماضيي !!!!!..
ابتسمت بتصنع : كنت ادرس في منطقة أخرى في غرب باريس ..!
اعتمدت الغرب لأننا حالياً في الشرق ..!
و من حسن حظي أنه لم يسأل أكثر : لينك .. تعال و انظر للأحذية هنا ..!
سرت ناحية خالتي التي نادتني و نظرت إلى رفوف الأحذية تلك ثم قلت بملل : لدي الكثير من الأحذية .. لذا لن اشتري شيئاً ..!
فوجئت بخالتي تسحبني ناحيتها وهي تقول بهمس : أيها الأحمق .. أنت لم ترى أحذيتك جيداً بالتأكيد !!.. ألا تعلم أنه لو رأى أي شخص كم هو فاخر حذائك الذي ترتديه لشك في أمرك فوراً !!.. عليك أن تماشي هذا المجتمع ..!
تمتم عندها بضجر : أماشي هذا المجتمع لا يعني أن أشتري حذاءً أقل جودة من باقي احذيتي !!..
- أنت لا تقدر الأمر ..! هيا بسرعة اختر لك حذاءً و لأخيك واحداً ..!
يبدو أن علي أن أرضخ للأمر .. و بالفعل بقيت أنظر إلى تلك الأحذية بعضها رياضية و بعضها كلاسيكي ..!
- هذا الحذاء جيد ..!
التفت ناحية كيت التي نطقت بهذه الجملة .. لم أعلم أنها تسير خلفي !!..
نظر إلى الحذاء بين يديها لأجد أنه حذاء بلون أسود و مقدمة بيضاء بينما خيوطه باللون الابيض كذلك ..!
انه جميل و يبدو عملياً أيضاً : أنت محقه .. أنه الأفضل هنا ..!
أخذته منها و نظرت إلى سعره .. اعتقد أنه معقول .. رغم أنه يعد رخيصاً بالنسبة لي فأنا لم أشرتي حذاءً بأقل من ضعف قيمة هذا مطلقاً ..!
كانت كيت تنظر لبقية الاحذية .. أنها هادئة حين لا يكون هاري هنا .. صحيح أنها تعترض على أشياء كثيرة لكنها عاقلة نوعاً ما ..!
كما أني لاحظت بأن ذوقها يشبه ذوقي ..!
عموماً يبدو أن ذوقها صبياني كما هو مظهرها ..!
لقد كانت ترتدي بنطال جينز أزرق و كنزة قطنية بيضاء مع سترة جلدية بنية .. و حذاء رياضي صبياني .. إضافة لشعرها القصير كالفتية تماماً ..!
انه مظهرها المعتاد بالنسبة لي .. لكني أود لو أراها ترتدي فستاناً ..!
أعتقد أن هذا ضرب من المستحيل !!..
- ما بك تحدق بي هكذا ؟!..
افقت من شرودي على صوتها و هي تنظر إلي بشك !!..
بهدوء قلت : أتخيل فقط كيف ستكونين بفستان أو تنورة ..!
توردت وجنتاها رغم ملامحها العابسة : ليس جميلاً !!..
ابتسم لها عندها : أنت فتاة .. و مهما كان سيكون شكلك أكثر لطفاً بها ..!
أوشحت بوجهها منزعجة : أنها لا تناسبني !!..
- لما تقولين هذا ؟!.. أخبريني ألا تحبين ارتداءها لأنها لا تناسبك ؟!..
- البقاء فيها مزعج !!.. انها غير مريحة !!.. ثم لما تعتقد أنها لطيفة ؟!!.. أنا لا اعتقد ذلك إطلاقاً ..!
لوهلة فكرت بأن هذه الفتاة تحتاج دروساً بعنوان " كيف تصبحين فتاة بحق " ؟!!..
اعتقد أن ليديا ستكون معلمة جيدةً لهذا !!..
تنهدت بتعب و أنا اتمتم : ليديا .. لم أعتقد بأن العيش من دونك صعب هكذا ..!
أني بالفعل أفتقدها و احتاج مساعدتها و مشورتها في أمور كثيرة .. خاصة بعد أن تغيرت حياتي تماماً ..!
في الحقيقة .. الحديث معها فقط كان يزيل الهم من نفسي !!.. فقد كنت استطيع أن أعبر عما في داخلي بكل سهولة حين أتحدث إليها ..!
- ليديا ؟!!.. من هذه ؟!..
التفت مذهولاً إلى ليو الذي كان يقف بجانبي من الجهة الأخرى و هتفت : منذ متى و أنت هنا ؟!..
ابتسم بمكر عندها : أيمكن أنها .. رفيقتك ؟!..
قطبت حاجبي و أنا اقول بإحراج : ليس كذلك !!.. ثم ما شأنك أنت ؟!!..
بنبرة حالمة تمتم : ليديا .. أنا مشتاق إليك يا عزيزتي !!..
ثم نظر إلي : كدت تقول هذا أيضاً !!..
بغضب أجبته : بالطبع لم أكن لأفعل !!.. إنها صديقة فقط !!..
- هه .. أجزم بأنها هجرتك !!.. لهذا تقول أن الحياة بدونها صعبة !!.. لا شك أنها ضجرت منك !!..
- كيف تجرأ على هذا أيها الأحمق المشرد !!!..
- أنا مشرد ؟!!!.. أنت مجرد تافه يا .. لينك مارسنلي !!..
شهقت خالتي فزعة و مصدومة عندها بينما صرخت بغضب : ألن تتوقف عن مناداتي بهذا الاسم !!..
- أنا واثق أنك هو !!.. و سأثبت هذا يوماً ما !!..
- واثق ؟!!.. أمجنون أنت ؟!!.. أخبرتك مئة مرة بأني مجرد فتى عادي أعيش مع أخي !!.. كيف اكون لينك مارسنلي هكذا ؟!!.. يبدو أنك بالعفل مجنون أن اعتقدت أن تشابه الأسماء سيجعلني هو !!..
قبل أن يقول شيئاً هتفت خالتي باستياء : توقفا عن الشجار !!.. إنكما تسببان الأحراج ..!
التفت عندها لأرى مجموعة من الموجودين يحدقون بنا !!..
مصيبة .. أرجوا أن لا يكونوا قد دققوا في الحديث و إلا فسأكون في مشكلة لو شك أحدهم في أمري ..!
رمقت ليونيل بنظرة حادة قاتلة لأجد أنه يرمقني بذات النظرة !!..
تمتم كلانا في الوقت ذاته : كم أكرهك أيها المغفل !!..
حسناً .. يبدو أن مشاعر الكره بيننا متبادلة !!..
الأفضل أن نتوقف عن هذا قبل أن أقتله !!.. فهو بفعل سيصيبني بالجنون ..!
اخترت لريك حذاء مشابه لحذائي بلون رمادي .. كما اشترينا الحقائب و قد اخذت سوداء لي و رمادية لرايل ..!
بعد أن انتهينا خرجنا من المتجر و سرنا سوية عائدين إلى الشقة ..!
اشار ليو ناحية أحد المقاهي : لنشرب القهوة هنا ..!
عارضته متعمداً : ليس الآن .. الأفضل أن نعود للمنزل فريك هناك وحده ..!
بانزعاج قال : إنه ليس طفلاً كي تقلق عليه ..!
- سأساعده في استذكار الدروس !!..
ببرود قالت كيت : الجو بارد .. الأفضل أن نعود للمنزل ..!
نظر إليها ليو إليها بضجر : لما جئت إن كنت تشعرين بالبرد ؟!!..
نظرت إليه بحدة : أتي عندما أريد !!.. لا شأن لك بهذا !!..
- أنت لا تتوقفين عن الالتصاق بكل السكان الجدد .. حتى يملوا منك و يطلبوا الابتعاد !!..
- أنظروا من يتكلم ؟!!.. الفتى المشرد الذي يهرب من المنزل و يختبأ في بيوت الآخرين حين يكون زوج أمه موجود !!..
- الأمر ليس يخصك يا صبيانية !!!..
- و أمري لا يخصك يا متشرد !!..
هذان الاثنان لن يتوقفا عن هذا !!!.. رغم أنهما يستعملان كلمات قوية و جارحة إلا أن أحدهما لا يتأثر قيد أنملة !!..
- أنت تتصرفين كأنك فتى طيلة الوقت !!.. كوني أنثوية أكثر و اثبتي لي أنك فتاة !!..
- فتاة رضيت أم لم ترضى !!.. و لا اسمح لك أن تشكك في هذا !!..
- حقاً ؟!!.. أني بالعفل لا أكاد أصدق أنك فتاة !!.. كل من يراك يعتقد أنك صبي من الوهلة الأولى !!.. أنظري إلى شعرك كيف هو !!.. ما إن يطول سنتيمترين حتى تقصيه بكل همجية !!..
- أهذا ما تريد إزعاجي به ؟!!.. إذاً سأكون فتاة حين تعترف بأنك منبوذ من الجميع !!.. أنت أيضاً تلتصق بالجميع كي لا تكون وحيدة فحتى والدك الذي كنت تفخر به تزوج و فضل فتاة على وجودك معه !!..
- ماذا ماذا ماذا ؟!!!.. على الأقل وجودي لم يمنع والدي من الزواج على عكسك تماماً !!!.. بسببك هاري قد ......!
صرخت عندها لتقاطعه : توقف !!!!.. هذا ما لا أسمح لك بالتكلم فيه !!..
صمت هو للحظات و نظر إليها بحدة و صرخ : صبيانية !!..
صرخت هي بصوت أعلى : مشرد !!..
هذه المرة كان أنا من صرخ : هذا يكفي !!!.. ألن تتوقفا عن تبادل هذه الألفاظ النابية !!.. كلاكما يشتم الآخر طيلة الوقت و تتحدثان بأمور لا داعي لذكرها !!!..
نظرا إلي عندها مصدومين من انفعالي و قد تابعت : ليو .. ماذا يعني أن تتصرف كيت هكذا ؟!!.. إنه أمر يخصها وحدها لذا لا شأن لك سواء كانت صبيانية أم أنثوية !!..
التفت ناحية الحمقاء الأخرى لأقول : و أنت ..! مسألة ابيه و زوج أمه تخصه وحده لذا لا داعي لتكرارها !!..
صمت للحظات ثم تابعت : كونا أكثر حكمة ..! أنتما في المرحلة الاعدادية لذا توقفا عن التصرف كطفلين في الابتدائية !!..
كنا ينظران إلي شبه مصدومين .. كما كانت خالتي ميراي أيضاً ..!
أنا كذلك مصدوم نوعاً ما .. من كان يتوقع أن لينك مارسنلي سيصبح في النهاية جليس للمراهقين و يحل مشاكلهم النفسية و العاطفية !!..
لكن أولئك الاثنين نظرا لبعضيهما بغضب : أكرهك !!..
- ألن تتوقفا ؟!!.. هل أخاطب الجدران أم ماذا ؟!!..
ربتت خالتي على كتفي عندها : لينك أهدأ .. ستلفت الانتباه إن صرخت أكثر ..!
نظرت إليهما عندها بجد وهي تقول : و أنتما .. يفضل أن تلزما الهدوء حتى نعود للمنزل ..! ليونيل .. يمكننا إعداد القهوة هناك و تناولها سوية حتى يتسنى لريك مشاركتنا أيضاً ..! هيا كيت .. لنذهب الآن ..!
ساروا بعدها بصمت تام ..!
هذا أفضل !!.. أقسم أن الصمت القاتل أفضل من الاستماع لشجارهم الذي لا معنى له !!..
.................................................. ..........