وعندما أقبل يوم الجمعة ، أنهت ألين عملها بأقصى سرعة، وعادت لترى أخاها رواد،الذي لم تنساه أو تهمله يوما رغم البعد ، وعندما دخلت منزل عمها، ذهلت مما رأته وذلك أغضبها ، فقد رأت زوجة عمها تضرب أخاها ، وتسيء إليه بكلماتها ، فاشتعل لهيب الحقد لديها، وقالت لها: أنا أعلم أننا فارغي الجيوب ، ولكننا لسنا فارغي القلوب، وإن كنا لا نمتلك المال ، فهذا لن يعطيك الحق بالاعتداء على الأطفال ، فهذا طفلٌ قد حرمته الحياة من دفء الطفولة ، منعته من عائلة لربما كانت ستحيى حياة سعيدة ، ومنحته من العذاب ما يكتم أنفاسهُ ، ومضت الأيام وأُسِرَ الحزن داخل فؤاده ، ومنذ ذلك الحين ، لم ترسم على وجهه إلا ابتسامةً كلها أنين ، والآن ماذا تريدين ، ألم يكفيه ما رآه في تلك السنين ، فنحن من تشردنا ، نحن من كأسِ المر تذوقنا ، من تُرِكنا في ضجيج الحياة وغرقنا ، والآن أتظنينَ أننا بحاجةٍ لما يزيدُ ويلاتنا ، بعدما مرت علينا غيمةً سوداءَ أظلمت حياتنا ، ولكن منذ الآن لن أسمح لكِ بالنيل من أخي ، وسأفعل ما بوسعي ، تذكري ذلك جيداَ ولا تنسي ، وحملته وأخذت تمشي ،ولا تعلم أين ستذهب بطفلٍ صغيرٍ يبكي ، تنساب الدموع من عينه ، وكلما تكلم يسأل عن أمهِ ، فتمسح دموعه بالصبر وتهدئُ من روعه، وجعلت تبحث يميناً يسار ، راجيةً من الله ِ إنقاذهم من هذا الدمار ، فلم تكن تريد الكثير من الحياة ، سوى سقفٍ يحمي أخويها من البرد القارص والممات ، ولكن هذا هو القدر ، يظلمنا إن كنا في الصغر أم في الكبر ، فجلست على إحدى المقاعد في حديقةٍ عامة ، وكل تفكيرها مشغولٌ بأخيها الذي لم يتجاوز العاشرة ، وكلما تتذكره، تدعو له راجيةً من الله أن يدخل في قلبه الصبر ويشفيهُ ، ولم يكن لديها خيار ، فحياتها المريرة تشرح لها الواقع باختصار ، فنامت هي وأخيها على مقعد في الشارع، وكلما تتذكر واقعها تبكي الدم بدلا من الدمع ،ولكن دائما كانت مستبشرة أن هناك أمل ، ومهما ضاقت بهم الحياة سيجدون الحل .
لم يعانون في تلك الليلة من البرد على قدر ما آلمتهم قلوبهم الممزقة ، فحياتهم أصبحت تروي لهم قصةً مؤلمة ، وعندما حل الصباح ، وتخافتت أضواء المصباح ، أخذت تبحثُ عن مأوىً لهم ، عن سقفٍ يحميهم ويخفف آلامهم ، ولكن أين ستجد منزلا بمبلغٍ زهيد ، فالمال الذي بحوزتها لن يمكنها من العيش الرغيد ، فناموا في الشارع لعدة أيام ، وهم يتخذون من أوراق الأشجار غطاء ، ولكن مهما ضاقَ الحال بهم فهم يبتسمون كلما نظروا إلى السماء ، فحتى لو قلوب بعض البشر أصبحت أقسى من الصخر ، لا يعطفون على طفلٍ لا يجد كسرة خبزٍ وغدر به الدهر، فالله معهم وهذا ما يهوِّن عليهم الأمر ، وبينما هي تبحثُ عن غرفةٍ تمنحهم الأمن والأمان ، تنبئهم أن الحياة ما زال فيها أملٌ للاطمئنان ، وجدت غرفة صغيرة ، في إحدى الأحياء الفقيرة ،ولكنها كانت في نظرها أجمل من القصر ، كونها ستجمع عائلةً عانت من اليأسِ والفقر ، ولكن صاحب المنزل أراد المال قبل أن يسكنها الغرفة ، ولم تكن تمتلك نقوداً خلال تلك الفترة ، فأصبح يُخَيَّلُ إليها، أن الحياة أقفلت أبوابها أمامها ،وكل شيءٍ تودُّ القيام به ، لا تمضي عليه سوى لحظاتٍ وتخسرهُ ، وقد أذاقتها الحياةُ المرّ، ولم تعتد إلا على الصبر ، وإن كان ذلك سيذيقها السُّم بالجهر ، فأصبحت تعمل حتى المساء جاريةً في القصر، ثم تؤول لتبيع الكبريت في كلِّ شارعٍ وممر ، وفي تلك اللحظات تنظر إلى السماء متأملةً النجوم فترى فيهم أخويها الذين كُسرت آمالهم وهم صغاراً ، َوسلبت منهم الحياةُ جوراً ، فيأخذها تفكيرها لدى رواد الذي وضعته لدى صديقتها ، وفي هذه الأثناء هو بأمسِّ الحاجة إليها،فهو الوحيد من بقي لها ، وكانت تعلم أنها ربما تخسر أخاها ، فمن كُتب عليه الشقاء ، سيبقى كذلك حتى الفناء . |