عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-19-2008, 05:37 PM
 
ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون

ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون
الدكتور منصور العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
كنت أقرأ في أحد الكتب القيمة للأستاذ هارون يحيى وهو كتاب 'الأمم البائدة' وعندما قرأت هذه الفقرة في حديثه عن قوم لوط 'تبدو آثار قوم لوط واضحة عندما تبحر في قارب عبر بحيرة لوط إلى أقصى نقطة جنوبا وعندما تكون الشمس مرسلة أشعتها باتجاه اليمين سترى شيئا مذهلا على بعد معين من الشاطيء وتحت ماء البحر الصافي تظهر حدود الغابات التي حفظتها ملوحة البحر الميت بشكل واضح أغصان قديمة جدا وجذور ضاربة في القدم تحت المياه الخضراء المتلألئة' دفعني الفضول لمشاهدة البحر الميت من خلال برنامج جوجل إيرث'Google earth' ولقد أصايتني الدهشة عندما دققت النظر في مياه الطرف الجنوبي من البحر الميت الحالي فوجدت أن هنالك منطقة محددة بشكل واضح يميل لون المياه فيها إلى السواد. فهل يمكن أن تكون هذه المنطقة هي بعض معالم القرى التي خسف الله بها الأرض ومن ثم غمرتها مياه البحر الميت؟ وقد يظن البعض أن إختلاف لون المياه قد يعود إلى اختلاف وقت تصوير المنطقتين فالأقمار الصناعية تأخذ صور التضاريس الأرضية أثناء دورانها حول الأرض في أوقات مختلفة وعلى شكل لقطات متتالية ثم يتم تركيب هذه الصور مع بعضها البعض كما هو واضح في صور الجوجل إيرث. ولكن الذي يدقق النظر في الحد الفاصل بين المياه الزرقاء الشمالية والمياه السوداء الجنوبية يجد تعرجات كثيرة فيه تبين تضاريس المنطقة المغمورة تحت الماء.
والملفت للنظر أن بعض التضاريس قد ظهرت في الصورة السفلى ولكن امتدادها لم يظهر في الصورة العليا وتبدو وكأنها مقصوصة وهذا يؤكد على أن اختيار وقت التصوير مهم جدا في إظهار التضاريس الأرضية تحت ماء البحر الميت. وأرجو من الأخوة القراء التأكد من ذلك بأنفسهم من خلال برنامج جوجل إيرث وكذلك أتمنى على الأخوة المختصين في مجال تحليل الصور الجوية تفسير هذه الظاهرة.
لقد لفت القرآن الكريم أنظار الناس إلى وجود علامات واضحة تدل على الدمار الذي حل بالقرية أو القرى التي كان يسكنها قوم لوط بعد أن عاقبهم الله على الأعمال الشاذة التي كانوا يمارسونها.فقد حذر لوط عليه السلام قومه من عاقبة تمردهم على الله وإتيانهم مختلف أنواع الفواحش والمنكرات كما جاء ذلك في قوله تعالى 'ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين' العنكبوت 28-29. وعندما أراد الله أن يعاقب هؤلاء القوم المجرمين أرسل ملكين على صورة رجلين إلى لوط عليه السلام ليخبراه أن يخرج من القرية مع أهله قبل أن يحل عليها عذاب الله في الصباح الباكر فقال عز من قائل 'فلما جاء ءال لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل وأتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين' الحجر 61-66. لقد مر هاذان الملكان على إبراهيم عليه السلام قبل أن يذهبا إلى لوط عليه السلام حيث كان يسكن في مدينة الخليل التي تقع إلى الغرب من قرى قوم لوط وعلى بعد ما يقرب من ثلاثين كيلومترا ويمكن مشاهدة جنوب البحر الميت من فوق جبالها. لقد أخبر الملكان سيدنا إبراهيم أن الله سيوقع العذاب بقوم لوط وذلك لكي لا يتفاجأ بوقوع الكارثة على القرى التي يعيش فيها إبن أخيه لوط عليه السلام وأهله. وقد ألح إبراهيم عليه السلام في الطلب من الله أن لا يوقع العذاب بهذه القرى معتقدا أنه قد يكون فيها عددا كافيا من المؤمنين ما يدفع بهم العذاب عن بقية القوم مصداقا لقوله تعالى 'فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم ءاتيهم عذاب غير مردود' هود 74-76. ولقد طمأن الملكان إبراهيم عليه السلام أن الله سينجي لوط وأهله من هذا العذاب فقال عز من قائل 'ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين' العنكبوت 31-32.
قامت الأقمار الصناعة الأمريكية بتصوير قاع البحر فكشفت الصور ست نقاط على شكل مستطيل هي عبارة عن قرى مغمورة تحت البحر الميت يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

كما قامت إحدى الغواصات البريطانية الصغيرة بمسح قاع البحر الميت فكشفت وجود عدة بروزات كبيرة مغمورة بطبقة سميكة من الملح يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

بقايا من الأشجار القديمة عليها ترسبات ملحية تمتد في إحدى أطراف البحر الميت الضحلة
لقد حدد الله نوع العقاب الذي حل بهؤلاء القوم المجرمين في قوله تعالى 'فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد' هود 82-83 وفي قوله تعالى 'فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم' الحجر 73-76. كانت قرى قوم لوط تقع على تلال تحاذي الشاطيء الجنوبي للبحر الميت وهي تقع فوق بؤرة الصدع القاري الذي كون غور الأردن وكذلك البحر الأحمر وهو صدع شهد كثيرا من الأنشطة البركانية كما هو مشاهد من الحجارة البازلتية في الجبال المحيطة به.
وينخفض سطح البحر الميت عن سطح البحر بحوالي أربعمائة متر ولولا سلسلة جبلية قصيرة تقع شمال حليج العقبة لكان غور الأردن جزءا من البحر الأحمر. لقد عاقب الله قوم لوط بعقاب شديد لم يعاقب قوما آخرين بمثله فقد خسف الله الأرض بهذه القرى فبعد أن كانت مرتفعة عن مستوى مياه البحر الميت أصبحت أسفل منه 'فجعلنا عاليها سافلها'. ومع هبوط أرض هذه القرى تفجرت البراكين من الشقوق المحيطة بمكان الخسف فقذفتهم بالحمم البركانية من كل مكان 'وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود' ثم فاضت عليهم مياه البحر الميت لتملأ هذه الأرض المخسوفة لتصبح جزءا منه. لقد كان مشهد العذاب مرعبا جدا بحيث أن الله أمر لوط عليه السلام وأهله أن لا يلتفت أحد منهم فيرى هذا المشهد المرعب فقال عز من قائل 'فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم' هود 81. وسيتضح لنا لماذا أمر الله لوط عليه السلام وأهله أن لا يلتفتوا إلى الوراء فقد خرجت امرأة لوط عليه السلام معهم رغم كفرها إلا أنها التفتت إلى الوراء عندما سمعت دوي الانفجارات البركانية (الصيحة) فتسمرت في مكانها فأصابها ما أصاب القوم من العذاب حيث قذفها الله بإحدى الحمم البركانية. ويقال والله أعلم أن النصب الصخري الذي يقف منتصبا على السفح الشرقي للبحر الميت هو القذيفة البركانية التي غلفت امرآة لوط عليه السلام. ولقد نجا الله لوط عليه السلام وابنتيه من هذا العذاب الأليم وكان من لطف الله بهاتين البنتين أن الله أمر أبيهما عليه السلام أن يمشي خلفهما ليمنعهما من الإلتفات إلى الوراء عند سماع صوت الإنفجارات المدوية والذي قد يحدث بطريقة لاإرادية 'وأتبع أدبارهم'.
لوحة تخيلية تبين كيفية دمار قرى سدوم وعمورة

صورة بالأقمار الصناعية للبحر الميت
لقد أكد القرآن الكريم على أن الله قد ترك في تلك المنطقة ما يدل على هذا الدمار الذي حل بتلك القرى العاصية رغم أن هذه القرى قد اختفت تماما تحت مياه البحر الميت فقال عز من قائل 'ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون' العنكبوت 35 والقائل سيحانه'وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم' الذاريات 37. ومن الواضح من هاتين الآيتين أن هناك علامات بارزة قد تركها الله لتدل على وجود هذه القرى المخسوفة تحت مياه البحر الميت وذلك تذكرة لقوم يعقلون وللذين يخافون العذاب الأليم. ففي الآية الأولى يخبرنا الله سبحانه أنه ترك من تلك القرى بعض الآثار التي تدل على حدوث هذا الخسف وقد أكد الله سبحانه وتعالى أن هذه العلامة بينة أي واضحة لمن يبحث عنها. أما الآية الثانية فيخبرنا سبحانه فيها أنه قد ترك في منطقة تلك القرى علامة أخرى تذكر الناس بمصير هؤلاء القوم المجرمين ونلاحظ أن الله قال في الآية الأولى تركنا منها بينما قال في الثانية تركنا فيها. وعلى المتوسمين الذين قال الله فيهم عند ذكر هذه قصة قوم لوط'إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم' الحجر 76 أن يبحثوا عن هذه العلامات التي تركها الله لقرى قوم لوط. إن هذه العلامات لا بد وأن تكون واضحة لمن يمر بتلك المنطقة ويمعن النظر إليها فقد نبه الله كفار قريش إلى مصير تلك القرى من خلال تذكير من كان منهم يذهب مع القوافل إلى بيت المقدس بما شاهدوه عند المرور بجانب الشاطيء الجنوبي للبحر الميت فقال عز من قائل 'ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا' الفرقان 40. وعندما يقول الله سبحانه وتعالى أن تجار قريش كانوا قد مروا على قرى قوم لوط فلا يعني أن هذه القرى كانت قائمة وشاهدة للعيان بل كانت غارقة في مياه البحر الميت ولكنهم مروا على مواقع تلك القرى. وقد يكون في الاستفهام الوارد في قوله تعالى 'أفلم يكونوا يرونها' تأكيد على أن هذه القرى لم تكن ظاهرة للعيان فلو كانت كذلك لرأوها جميعا طالما أنهم مروا بها ومن المحتمل أن تكون رؤية تلك القرى تحت سطح الماء قبل أربعة عشر قرنا أيسر منه اليوم. وقد يكون في قول الله سبحانه وتعالى 'وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون' الصافات 137-138 إشارة لطيفة إلى أن النظر إلى مياه البحر الميت من الحهة الجنوبية عند وقت الصباح قد تظهر بعض معالم هذه القرى الغارقة في الماء بسبب سقوط أشعة الشمس بشكل مائل عليها وكذلك فإنه من المحتمل أن النظر إلى هذه المياه في الليل تحت ضوء القمر قد يظهر بعض هذه المعالم. ولقد قامت بعثات أجنبية كثيرة بالبحث والتنقيب عن قرى قوم لوط لإثبات صحة ما جاء في الكتب المقدسة وكان الأولى بنا نحن المسلمون أن نقوم بهذه المهمة التي طالما ذكرنا القرآن الكريم بوجود علامات واضحة في المنطقة تثبت للناس ما حل بهذه القرى من عذاب. وإن أقل ما يطلب من الأخوة المختصين في هذا المجال من العرب أن يقوموا بتتبع نتائج هؤلاء الباحثين الأجانب وترجمتها ونشرها في الصحف والمجلات وعلى المواقع الإلكترونية.
رد مع اقتباس