الموضوع
:
إبداع متناثِر ~ 🔥باحثا عن ظلي🔥
عرض مشاركة واحدة
#
175
07-18-2016, 03:16 PM
Mygrace
الفصــل الثلاثــون
ج1
*كل شيء قد انتهى*
"ويندي ! .. هي ويندي ! .. هل أنت بخير ؟!!"
أنقذني هذا النداء الملح من كوابيس لا نهاية لها .. فتحت عيني بصعوبة ، جفناي ثقيلان للغاية و رأسي يكاد ينفجر من شدة الألم !
كانت هاي من أيقظتني ، رفعت رأسي ثم جلست على الأرض و تلفت حولي : أين نحن ؟!
"لست واثقا .. لكن أظننا في كورسيكا ! لقد سبق و زرتها في طفولتي"
رد كلارك وهو يقف قرب نافذة مربعة صغيرة ، فانتفضت في صدمة : لكن كيف جئنا إلى هنا ؟!
أجاب جان بحنق طفيف : لقد تم تنويمنا ! و على ما يبدو.. <نظر إلى ساعة معلقة على الجدار كانت تشير إلى الحادية عشر صباحا : فقد نمنا يوماً تقريباً !
كان يجلس على الأرض مثلي و كذلك رونالد ، أما جيمس فكان يحاول فتح الباب دون جدوى : إنه مقفل بإحكام !
حاولت الوقوف على قدمي بينما أستند على الجدار .. ثم أخذت أتجول ببصري في الغرفة باحثة عن شخص ما : أين هو ..
و ما كدت أتفوه بكلماتي حتى سمعنا جلبة خلف الباب ثم صوت فتح الأقفال !
تأهبنا للقادم المجهول و تجمعنا حول بعضنا البعض ..
الباب يفتح .. و يدخل ثلاثة رجال اثنان منهم يشهران مسدسيهما في وجهنا !
تقدم الرجل -والذي كان جليا أنه الآمر بينهم- و هو يشبك يديه خلف ظهره و قال متصنعا المرح : بونجورنو ! <صباح الخير بالإيطالية>
قطب كلارك جبينه وقال بمزيج من الحدة والدهشة : المافيا .. الإيطالية ؟!!
تبسم الإيطالي بغرور يوحي بصحة توقع كلارك ، فهتف الأخير حانقا : ما معنى هذا التصرف من قبلكم ؟! ألسنا حلفاء ؟!
اكتسبت نظرات الإيطالي قدرا كبيرا من التعالي و السخرية : أوه لا ، أظنكم قد أسأتم فهم شيء ما ، نحن لسنا حلفاءكم و لا نعمل لصالحكم ، لكننا اشتركنا معكم في بعض الأمور بناء على توجيهاته "هو" فقط !
خرج صوتي هادئا بشكل غريب : هل تعني بذلك الـ"هو" .. شادو ؟!
رفع حاجبيه معبرا عن استغرابه : شادو ؟! همم .. إن كنت تقصدين بهذا الاسم الغريب رفيقك الغامض الكئيب فأنت على حق !
سأل كلارك بنبرة هادئة يخالطها الاحتداد و الغضب : و هل الذي فعلتموه بنا كان كذلك بأمر منه "هو" ؟!
هز الإيطالي رأسه بثقة عارمة : سي ! <نعم بالايطالية>
هتف جان مشاركا كلارك حنقه و استياءه : كيف يعاملنا بهذه الطريقة الوقحة ؟!
أخذ صوتي يهتز رغماً عني ، فقلبي كان يرتجف خوفاً من شيء لم أستطع معرفته : أين هو ؟!
سكت ثوان ... ثم قال بلهجة لا مبالية : ليس هنا !
قلت بأمل : لقد أحضرنا إلى هنا لمقابلته كما وعدنا ، لذلك سيأتي بعد قليل أليس كذلك ؟!
رد الإيطالي مع ابتسامة ساخرة : لا ، هو لن يأتي إلى هنا ، كما لم يفعل من قبل !
هذه المرة لست وحدي من صدم بل الجميع كذلك ! لم أستطع النطق لفترة و لم أعرف ما الذي علي قوله ، و هذا كان حال الباقين أيضا ، أما كلارك فنطق الكلمات التي عجزت عن إخراجها : هل كل ما قاله لنا .. كان مجرد كذب ؟!
قلب الإيطالي شفتيه في صمت و هتف جيمس و الانزعاج باد عليه : لماذا أحضرنا إلى هنا إذن إن كان لا يريد رؤيتنا ؟!
هز الإيطالي كتفيه بلا اهتمام : لا أدري .. هو فقط طلب إلينا إحتجازكم هنا يومين ، بعدها نطلق سراحكم ، لقد انقضى يوم و بقي واحد فقط ، لذا اصبروا قليلا و لا تجبرونا على استخدام العنف !
صاح كلارك : ما هذا الهراء ؟! من يحسب نفسه ذلك الوغد حتى يحتجزنا هنا ؟!
كانت هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها غاضباً بهذا الشكل .. و كيف لا يكون كذلك و قد حبس فجأة بعيداً عن رجاله في الوقت الذي تشتد حاجتهم إليه ؟!
حركت قدمي و أخذت أخطو نحو الإيطالي محنية رأسي : أنا آسفة كلارك .. أعتذر لكم جميعاً بشأن ما حدث .. لكن < توقفت أمام الإيطالي رفعت رأسي ببطء و بعيون باهتة سألت : قلت أن شادو لم يأت قط إلى كورسيكا .. و شادو أخبرنا أنه هنا و طلب منا القدوم إليه لملاقاته ... إذن لماذا كذب علينا ؟! و لماذا يريد احتجازنا هنا لمدة يومين فقط ؟!
لا أدري لماذا كنت أسأل .. مع أني في الواقع أعرف الأجوبة جيداً .. توقفت عن الكلام للحظات ثم عدت لأقول : باريس .. هل حدث شيء هناك بينما كنا نائمين ؟!!
أجاب الإيطالي دون أن يظهر عليه الكثير من الاهتمام : كانت على وشك أن تدمر !
هتف كلارك مصدوما : ماذا ؟!! ما الذي حصل ؟!!
- زعيم المنظمة كان يريد إحراق المدينة ، و قد قام بتفجير محطة تلفزيونية و محطة للكهرباء ! كان يخطط أيضاً لتفجير العشرات من المواقع المهمة الأخرى ، لكنه فشل ، فقد تمكن رجال الشرطة من العثور على جميع القنابل و تفكيكها في الوقت المناسب !
تنهد كلارك في راحة كبيرة .. بعد أن شحب وجهه كثيراً جراء ذلك الخبر المرعب.
"هل عرفتم الآن لماذا احتجزنا شادو هنا ؟!"
قلت أنا .. فبدأ انتباه الجميع يتركز علي ..
"لكي يحمينا !!"
كان الآخرون خلفي فلم أستطع رؤية تعاببرهم .. لكنهم لم ينطقوا بحرف واحد من وقع المفاجأة !
أكملت مفسرة تصرفه : فلو طلب منا البقاء هنا تجنباً للمخاطر ما كنا لنقبل أبداً ، لذلك اضطر لإجبارنا على المكوث هنا ريثما ينتهي كل شيء .. حفاظاً على سلامتنا !
حينها قال الإيطالي وهو يهم بالخروج : بما أنكم أدركتم ذلك أحسنوا التصرف ! سنرسل لكم ..
فصرخت في وجهه : كوننا نعرف نواياه لا يعني أننا نوافق عليها ! <اقتربت أكثر منه فبدأ الرجلان المسلحان يصيحان و يأمرانني بالتراجع غير أني لم أتزحزح من مكاني شبرا و قلت بنبرة آمرة : عليكم أن تطلقوا سراحنا في الحال ! هل تفهمون ما أقول ؟!
رد الإيطالي باستخفاف شديد : و ما الذي يجبرنا على فعل ذلك ؟! <اقترب هو أيضاً و قال بلهجة محتقرة : صحيح أنه طلب منا الحفاظ على سلامتكم ، لكن إن حاولتم التمرد على أوامرنا أو إثارة غضبنا فلن نرحمكم أبداً ! لذلك كونوا عاقلين و ..
لم يستطع إكمال كلامه لأنني بحركة خاطفة ركلت ساقه من الخلف فسقط على الأرض بقوة !
شددت ربطة عنقه و صحت مهددة : ارموا مسدساتكم في الحال إن كانت حياته تهمكم !
تمتم الإيطالي بحنق بالغ : أيتها اللعينة !
تردد الرجلان كثيراً .. لكنهما لم يستطعا تجاهل قائدهما ، لذلك أذعنا للتهديد قائلين : حسنا ..
و بينما المسدسان ينزلقان ببطء من بين أصابعهما جاء صوت ما ليفسد كل شيء :
"توقفي على الفور !"
لم يكن هذا صوت أحد رفاقي الذين يقفون خلفي مذهولين ، أو من الرجال الإيطاليين ، بل كان قادماً من خارج الغرفة ، و لشخص أعرفه أيضا !
تقدم للداخل بخطوات هادئة ، فهدرت بصوت تتلاطم فيه أمواج الغضب : كما توقعت ، إنه أنت يا .. رانكورت !! لقد كنت تعلم كل شيء منذ البداية ، لكنك تظاهرت بالجهل والغباء ! كذبت علينا و خنت ثقتنا فيك !
واجه نظراتي الساخطة بعيون ساكنة و وجه خال تماماً من التعابير ، وقف متوسطا الرجلين اللذين ما زالا ممسكين بسلاحيهما و قال آمرا : قلت لك أن تتركيه !
كززت على أسناني و قلت بإصرار شديد : لن أفعل ما لم تدعونا نخرج من هنا !
ركز نظراته الباردة علي ثم : إن لم تتركيه في الحال .. فصندوقك العزيز سوف يحطم !
صحت في صدمة : ماذا ؟!!
أكمل رانكورت ببروده القاسي : إنه لدي الآن ، نفذي ما أقوله لك و إلا لن يعجبك ما سأفعل به !
أفلت الرجل الإيطالي و قفزت على رانكورت لأجره من مقدمة قميصه بشدة : أيها الحقير ! هذا الصندوق ليس ملكاً لي بل لشادو !
رد ببرود : هو ليس في حاجة إلى شيء مثله !
حينئذ استولى علي الغضب تماماً ، فرفعت يدي و صفعته على وجهه بأقوى ما لدي !
صرخت و الدموع تنساب على خدي : أناني حقير لا تفكر إلا في نفسك ! تتحدث و كأنك حقاً تعرف ما يريد شادو و ما الذي يحتاجه ! أنت لا ترى شادو و لا أي إنسان في الدنيا سواك ، و لا تفعل أي شيء ما لم يصب في مصلحتك !
أشهر الإيطالي مسدسه مصوبا إياه على رأسي و عيناه محمرتان من الغضب : من تظنين نفسك أيتها الحقيرة ؟!
رفع رانكورت يده مشيرا للرجل بالتوقف .. فما كان منه إلا أن أخفض سلاحه و تراجع على مضض !
تحسس رانكورت خده المحمر من أثر الصفعة و قال بهدوء : كل كلامك كان صحيحاً ! أنا لا أبالي لحياة أي بشر و لا أكترث إن كان الناس من حولي سعداء أم لا .. أفعل فقط ما علي فعله .. لأعيش !
علق كلارك بتعابير اشمئزاز : هذا أكثر شيء أناني سمعته في حياتي !
وافقه رانكورت بهدوء عجيب : إنه كذلك !
ثار جان : أليس لديك أيضاً ضمير يؤنبك إذا تسببت بأذية لأحد ؟! ألا تشعر بأي سوء من نفسك حين تتخلى عن شخص أنقذ حياتك ؟!
أما أنا فنظرت إليه بحقد و رددت بعناد : اسمع يا رانكورت سأخرج من هنا يعني سأخرج ! حتى لو اضطررت لقتلك !
واصلنا نحن الاثنان التحديق في بعضنا لفترة ... كانت معركة شرسة بالعيون انسحب رانكورت منها بعد لحظات بتنهيدة طويلة ، ثم أزاح نظره عني ليوجهه نحو رفيقه الإيطالي و يقول : آلاغونا ! خذ رجالك و اتركنا لبعض الوقت !
رفع الإيطالي حاجبيه مندهشا : هل أنت واثق ؟! أخشى أن تشبعك هذه المتوحشة ضربا !
تحدث رانكورت بثقة : يمكنني التعامل مع هذه الأمور !
هز آلاغونا كتفيه وقال بلا مبالاة : حسنا كما تشاء ..
ثم انصرف مع مرافقيه .. وبعد أن تأكد رانكورت من ذهابهم .. أدخل يده في جيب سترته الداخلي ثم أخرج منه ورقة مطوية !
دنا مني خطوتين ثم مد لي تلك الورقة بصمت ، رفعت عيني إليه مستغربة : ما هذا ؟!
أجاب ببطء : اقرئيها !
كانت تلك أول مرة أرى فيها كآبة شديدة بهذا الشكل تملأ عينيه ، و صوته كذلك كان الضيق يفيض منه بصورة غريبة !
إثر فترة قصيرة من التردد .. أخذت الورقة من يده ثم فتحتها على مهل ، و شرعت في قراءتها ..
فتحت عيني على اتساعهما و أنا أحاول إعادة قراءة تلك الجملة آملة أن أكون قد أخطأت في قراءتها .. لكنها كانت فعلاً الكلمات التي أخشاها !
سقطت الورقة من بين يدي ، ثم تهاوى جسدي على الأرض ، و اغرورقت عيناي بالدموع .. صرخت في وجهه آبية التصديق : أنت تكذب ! هذا لا يمكن أن يكون صحيحا ! لا شك أنك اختلقت كل ذلك ! نعم هذا كله تلفيق ! أنا لا أصدق !
اقترب الاخرون مني و القلق يتملكهم .. وضعت هاي يدها على كتفي ثم سألت بتعابير خائفة : ما الأمر ؟!
أما كلارك فالتقط الورقة من الأرض .. و قرأ ما فيها بصمت ، ليبهت وجهه بعد ذلك و يردد مضمونها بصوت عال : شادو .. مصاب بسرطان الرئة ؟!!
صحت مجددا وأنا أبكي : لا تقل ذلك ! هذا ليس صحيحاً ! إنها مجرد خدعة من رانكورت لإبعادي عن طريقهم ، و حملي على الاستسلام و التوقف عن محاولاتي لإنقاذ شادو ! <التفت نحو رانكورت بحدة : أليس كذلك ؟!
أغمض عينيه وقال مغموما : لم أكن أرغب في إطلاعك على الموضوع ، لكنك أجبرتني على هذا بسبب عنادك !
هتفت ناقمة : توقف عن الكذب ! هل تحسبني سأصدق شخصاً مثلك ؟!
فتح عينيه و نظر إلي بجدية كبيرة ثم قال بنبرة هادئة : سواء صدقت أم لا هذه هي الحقيقة و لا يمكنك تغييرها ! <أضاف بعد وهلة : حتى لو مات الآن ، فهذا سيكون أفضل له مئة مرة من العذاب و الموت كل يوم في المشافي مع إمكانية ضئيلة للنجاة ! فكري في هذا أيضاً ! اتهمتني قبل قليل بأنني أناني لا يشغلني سوى نفسي مع أنك لست أفضل مني بكثير ! أنت تريدين إنقاذه لترضي نفسك فقط ! كل البشر هكذا يفعلون الخير ليثني الآخرون عليهم و يشعروا بالفخر تجاه أنفسهم !
سكت و لم أقو على الرد .. هل أنا حقاً كذلك ؟! هل كل ما كنت أفعله كان لإرضاء نفسي فقط ؟!
شتت أفكاري المخيفة تلك صوت جان الغاضب الذي تردد صداه في أذني :
أناني مثلك بالطبع سيفكر هكذا ! الإنسان الحقيقي لا يساعد أحداً ليرضي غروره بل ليثبت إنسانيته ! أنا ، ويندي و آخرون غيرنا لا نساعد الناس ليشكرونا و لا يهمنا إن تذكروا ذلك أم لا ، نحن نفعل هذا فقط لأن ضمائرنا تحثنا على الوقوف بجانب بعضنا و مد يد العون لأخوتنا من البشر ! لذا كف عن قول هذه التفاهات !
أيده كلارك بقوة مضيفا : هذا صحيح ! <التفت إلي قائلا : لا تدعي كلامه يؤثر عليك إنه يقول ذلك فقط ليزعزع ثقتك بنفسك و يجبرك على الإستسلام ! و الآن قفي على قدميك !
أمسكني من ذراعي و ساعدني على النهوض .. حينها خاطبني جان موبخا : لقد قطعت كل هذا المشوار الصعب لإنقاذه ، لذلك إياك أن تسمحي لنفسك بالسقوط مجددًا !
أضاف جيمس بحكمة : هنالك الآلاف ممن يصابون بالسرطان ثم يشفون منه و يواصلون حياتهم بشكل طبيعي ! الناس لا يقتلهم المرض بل اليأس من الحياة !
وقفت بثبات ، مسحت دموعي .. ثم قلت لرفاقي بامتنان عظيم : شكراً لكم جميعاً أصدقائي.
لقد غمرتني كلماتهم بطمأنينة و سكينة لا يمكن وصفهما ، و كأن روحي قد عادت إلي مجددا بعد فراق طويل للغاية ! من الرائع حقاً أن يكون للمرء أصدقاء أوفياء يساندونه في الصعاب و يكونون بجانبه حين يحتاج إليهم !
نظرت إلى رانكورت ثم قلت بحزم و قوة : أنا لن أستسلم أبداً ، لذلك استسلم أنت عن محاولاتك لإيقافي و اتركنا نخرج من هنا !
تنهد طويلاً ثم قال : حتى لو أردت هذا فلن أستطيع ! المافيا تنفذ أوامر شادو و ليس أوامري و بما أنه قد أمرهم باحتجازكم هنا فلا يمكنني فعل شيء حيال ذلك !
زفرت باستياء ثم قلت : حسنا سأتصرف أنا ! لكن قبل ذلك أعد إلي الصندوق ثم استدع ذلك الإيطالي ماريجوانا أو أيا كان اسمه !
نظر إلي ببرود : اسمه آلاغونا ! ماريجوانا هذا هو الحشيش المتكوم داخل رأسك !
صحت : هيا اخرس و انقلع من هنا !
خرج رانكورت مستسلما .. وبعد دقائق عاد مرة أخرى يحمل في يده صندوق الموسيقى و يرافقه الرجال الثلاثة.
سلمني الصندوق فأخذته و طلبت من هاي أن تحمله لبعض الوقت ريثما أنتهي من عملي .. ثم اتجهت نحو قائد المافيا ذاك !
وضعت يدي حول خصري ثم صحت في وجهه آمرة : دعونا نخرج من هذا المكان فوراً !
رفع أحد حاجبيه باستخفاف بالغ : هاه ؟! ظننت أنك ستقولين شيئا ذا قيمة عندما أتى إلي رانكورت و طلب مني القدوم مجدداً إلى هنا !
قلت بصرامة : من الأفضل لكم أن تنفذوا ما أقوله و إلا ستندمون أشد الندم !
خطا نحوي قليلا ثم أضاف و هو يبتسم باستهزاء : حقا ؟! ستجعليننا نندم ؟! كيف ستفعلين ذلك يا ترى ؟!
أخذت نفسا عميقاً ثم انفجرت قائلة بأعلى صوتي : لا تستخف بي يا هذا .. فأنا عقرب !!
و ما إن تفوهت بكلمتي الأخيرة حتى صاح جميع من في الغرفة في صدمة -حتى رونالد الذي كان ياخذ غفوة طوال الوقت- : هــاه ؟!!
ضج الرجل الإيطالي بالضحك : قلت أنك عقرب ؟!! <التفت نحو رانكورت ذو الوجه الجامد : يا لها من فتاة مضحكة !
صحت بجدية تامة : لست أمزح أيها الأحمق ! أنا عقرب بالفعل ! و إذا لم تطلقوا سراحي الآن سيعدكم سيدي الكونت أعداء له و يشن هجوما مدمرا عليكم لأنكم تحتجزون أحد أتباعه !
ازداد الإيطالي ضحكا : أنت عقرب ؟!! و الكونت يهاجمنا لأجلك ؟!! هذه أفضل نكتة سمعتها في حياتي !
عقدت حاجبي بغضب : حسنا واصل السخرية و الضحك حتى يهجم عليكم الكونت حينها ستبكون متوسلين ليصفح عنكم ، و لن يفعل !
قهقه الإيطالي ملء فمه : سننتطر إذن بشوق ذلك الـ...
و إذا برصاصة تخترق زجاج النافذة الصغيرة و تمر قريباً من عنق الإيطالي لتسقر في الجدار !!
تسمر في مكانه و الدهشة لم تفارق وجهه ، لم يكن الوحيد بل جميعنا كنا مشدوهين أيضاً !
و لم نكن قد أفقنا بعد من صدمتنا .. إلا حين رن هاتفه !
استغرق الأمر منه وقتا حتى يستوعبه و ما إن تمكن من ذلك حتى أخرج هاتفه .. و بعد التحديق فيه ببلاهة لعدة لحظات -من الواضح أن رقم المتصل كان مجهولا بالنسبة له- ضغط على زر الرد ، ثم وضع الهاتف على أذنه ليقول بعدها بصوت مزعزع : آلـ.. ـو !
و قبل أن يرد أشار له رانكورت بأن يشغل السماعة الخارجية حتى يتمكن هو أيضاً من سماع الطرف الآخر ، ففعل الإيطالي ذلك !
"أهلا ، يبدو أن الطلقة قد أخطأت هدفها .. هل علينا إعادة المحاولة يا ترى ؟!"
كان المتصل يتحدث بنبرة تهكمية ساخرة بدت مألوفة جدا لي !
سأل الإيطالي بحدة : من تكون ؟!
ضحك المتصل في سخرية ثم قال : لن تسرك معرفة من أكون ! لذا لا تضيع الوقت و أطلق سراح رفاقنا !
أصر الإيطالي معاندا : لن أفعل ما لم تكشفوا عن هويتكم !
- حسنا ، إسأل قادتك إن كنت مصرا على معرفة ذلك !
قال هذا ثم أقفل الخط .. تساءل الرجل متعجبا : من يكون هذا ؟!
كان رانكورت يحدق في الأرض و هو شارد الذهن تماما ... وعندما فتح فمه ليتكلم .. جاء إلينا رجل و هو يركض !
و حين وقف أمام الإيطالي تدافعت الكلمات لتخرج من فمه : سيدي ! القادة يأمرونك بإطلاق سراح هؤلاء الأشخاص على الفور !!
بهذه السرعة ؟!! مدهش !
سأل الإيطالي مصدوما : و لماذا ؟!
خفض الرجل الآخر من صوته وأجاب : لقد وصلهم إتصال تحذيري من الكونت !! و قد هدد بمهاجمتنا ما لم نطلق سراحهم حالا !
زادت صدمة الإيطالي و كذلك تعابير الدهشة على وجه رانكورت !
أما رفاقي فلست أدري كيف أصبح حالهم فهم يقفون خلفي ، لكنهم بلا شك مذهولون من تصرفاتي الجنونية و نتائجها غير المتوقعة !
تهامس الإيطالي مع رانكورت لفترة ليست بطويلة .. بعدها التفت الاثنان إلي بتعابير باردة بشكل مضحك و علق الإيطالي : هل يعقل أن تكون تلك الغوريلا الشرسة من العقارب ؟!!
من الغوريلا يا رأس الثور ؟!
تظاهرت بأني لم أسمع كلامه المهين لأحافظ على الهدوء و الجدية اللتين أحطت نفسي بهما.
أفسح الرجال لنا الطريق و هم يقولون مكرهين : يمكنكم المغادرة !
انطلقنا إلى الخارج مسرعين خشية أن يحدث شيء ما و يتراجعوا عن قرارهم .. كان المبنى الذي احتجزنا فيه متوسط الحجم و المساحة و لا يزيد عن خمس طوابق ، كما ظهر لنا من خلال اللافتات و المنشورات المعلقة على جدرانه أنه كان مقرا لإحدى الصحف في التسعينيات .. و الأهم من كل ذلك كان قريباً جداً من الميناء !
صفر كلارك مبهورا ونحن نعبر الشارع : مذهل حقاً ! لم أتوقع أبدا شيئاً كهذا منك يا ويندي ! < قهقه بمرح : كنت أكتم ضحكتي بصعوبة حتى لا أفسد عليك خطتك !
علق جان ببرود : تمتلكين حظا عظيماً في بعض الأحيان !
كانت نسبة الغرور لدي قد ارتفعت خمسين درجة : هذا لتعرفوا كم أنا ذكية !
قال رون بابتسامته اللطيفة : لو لم يتدخل الكونت لينقذ الموقف كنت ستبدين أسوأ حالا من النعجة التي ضلت عن قطيعها !
ضحك الجميع على كلامه أما أنا فقلت ببرود : ها ها ها أضحكتني ! أنت فقط تشعر بالغيرة من حنكتي !
قال كلارك و هو يتقدمنا : هيا شدوا الهمة يجب أن نصل للميناء بأسرع ما يمكن !
واصلنا الجري لسبع دقائق أخرى ثم أخيراً وصلنا للميناء !
هذه الجزيرة في غاية الجمال و الروعة ، لكن للأسف لا وقت لدينا الآن للاستمتاع بمناظرها الخلابة.
و بينما نتجول هنا و هناك باحثين بين السفن الراسية عن واحدة مناسبة لنعود بها إلى نيس .. جاءنا صوت من الخلف :
"لقد وصلتم بسرعة !"
التفتنا سريعا ً.. لنشاهد آوتنبورغ يتمشى على الرصيف و يلوح لنا : مرحباً كيف حالكم ؟! هل اشتقتم إلي يا ترى ؟!
انطلق كلارك نحوه و تبعناه نحن ، و عندما بلغ مكانه كشر بمرح : أوه كان أنت إذن ذلك المتصل أيها المحقق المزيف ! لقد لاحظت أن الصوت لم يكن غريباً علي !
ردد آوتنبورغ ببرود : محقق مزيف ؟! <ثم التفت إلي بنظراته الساخرة : مرحباً بالمزعجة !
و أنا أنظر إليه عادت إلى ذهني كل تلك الذكريات التي قضيتها معه و مع الدكتور كروست و بيكارت .. كان كل شيء مزيفا ! الكلام ، تعابير الوجوه ، المشاعر ، الابتسامات ، لم يكن ايا منها حقيقيا ! لكنها رغم ذلك تبقى ذكريات !
قلت بسخرية مماثلة : أهلا بالمحتال !
أخذ يرفع من مستوى السخرية و صار يقول : آه كم كان سيصبح منظرك مأساويا لولا مساعدتنا لك !
قلت بمكر : ليس أكثر مأساوية من منظرك حين أمسك بك رجال المنظمة و أبرحوك ضربا !
تجمد وجهه و علته تقطيبة حادة : من أخبرك بذلك ؟!
زممت شفتي و هززت كتفي بلا اهتمام دون أن أجيبه .. شكرا لرانكورت الذي أخبرني بهذا ، إنها أول مرة أكون ممتنة له على شيء !
سأله كلارك بقلق : سمعت من رجال المافيا أن باريس كانت في خطر كبير ، ما الذي حدث بالضبط ؟!
- أوه نعم ، كان مورفان يخطط لتدمير المدينة بكاملها لكننا تمكنا من ردعه و تعاملنا مع الموقف بتعاون مع أجهزة الشرطة و المخابرات ! لكن .. عليك العودة إلى هناك بالسرعة الممكنة فمورفان قد يعاود الهجوم مجدداً !
وافقه كلارك قائلا على عجل : نعم أنت محق ! <استدار مغادرا وأضاف : إذن نراك لاحقا ً!
أوقفنا آوتنبورغ بقوله : مهلا لحظة ! <أكمل موجها كلامه إلي : أنت ستأتين معي !
هتف في دهشة : ماذا ؟!
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة : ألست واحدة منا ؟!
قلت بارتباك شديد : لكني .. قلت ذلك ليطلقوا سراحنا و أنتم تعلمون ذلك !
- بلى ، لقد أجبنا نداءك حين طلبت منا المساعدة ، لذا عليك على الأقل أن تنفذي ما نطلبه منك ! و هذا بالمناسبة أمر من الكونت و ليس مني !
قلت متفاجئة : من الكونت ؟!!
حينها تدخل كلارك و قال بشكل مفاجئ : لا تقلقي و اذهبي معه يا ويندي ! <أضاف ضاحكاً : العم الكونت لن يؤذيك و سيقدم لك طعاماً شهيا !
حدقت فيه ببرود .. ثم قلت بشك : تتحدث كما لو كنت تعرفه !
تحدث ببساطة : إنني كذلك بالفعل !!
صحت في وجهه حانقة : و لماذا بقيت صامتاً و لم تخبرنا بهذا من قبل ؟!!
قال ببراءة : لم يسألني أحد عن ذلك !
- إذن كنت تعرفه منذ البداية ؟!
زم شفتيه : ليس من البداية ، لكني تعرفت عليه بفضل باتون و قد أصبحنا أصدقاء !
كان يتحدث ببساطة عجيبة وكأن الذي يعنيه سائق تاكسي أو بواب أحد المباني ! إنه شخص غريب الأطوار فعلاً !
تنهد آوتنبورغ بنفاذ صبر : و الآن إلى متى سأظل أنتظر ؟!
قال كلارك منهيا الحديث : حسنا إذن سننطلق نحن ، اعتني بنفسك يا ويندي !
ثم انطلق و الآخرون وراءه باستثناء جان الذي وقف يحملق في قليلا بصمت .. بعدها أدار ظهره لي و انصرف !
هتفت وراءه و أنا أضحك : ما الأمر ؟! هل نفذت الشتائم من قاموسك ؟!
توقف واستدار نحوي بتعابيره الباردة : قاموسي لا ينفذ إنه متجدد و لا ينضب كالطاقة الشمسية ! كل ما هنالك أن احتمال موتك مرتفع ، لذلك لم أرد توديعك بإهانة ! لكن يبدو أنك تحبين ذلك .. إذن نلتقي قريباً أيتها الزرافة الثرثارة !
ثم أسرع مغادرا .. و لم أستطع منع نفسي من الضحك .. ربما أكون مريضة أو مجنونة ، لكني بدأت أستمتع بتلك الإهانات و الشتائم التي يوجهها جان و رونالد لي ! ها ها ها إنني فريدة من نوعي !
انطلقت أنا و آوتنبورغ نحو وجهتنا والتي كانت عبارة عن سفينة كبيرة ..
صعدت إليها برفقته .. لا أعلم لماذا ، لكن حين وطئت قدماي ظهر السفينة خالجني شعور غريب لم أعرف ماهيته أو كيف أصفه !
كانت هناك فتاة ذات شعر أسود قصير تقف على الدرج داخل السفينة .. و كانت لسبب أجهله تنظر إلي بحقد كبير ، كنت أشعر به حتى وأنا أدير ظهري لها ! إنها مخيفة !
سألت آوتنبورغ و نحن نمشي : لكن لماذا لم تطلب من كلارك والآخرين المجيء معنا بما أننا نقصد الوجهة نفسها ؟!
أجاب : لا ، نحن نتجه لأماكن مختلفة ! فوليام آيون سيذهب لنيس ليعود من هناك إلى باريس أما نحن .. فوجهتنا "كان" !
فوجئت تماماً : "كان" ؟! و لكن شادو في .. بار ..
قاطعني قائلا : لقد غادر باريس ليلة أمس !
- ماذا ؟!!
- ونحن ذاهبون إلى "كان" التي نتوقع وجوده فيها !
- لكن لماذا "كان" ؟!
هنا .. كنا قد وصلنا إلى غرفة مغلقة .. طرق آوتنبورغ الباب قائلا : لقد وصلت ويندي ماكستر سيدي !
جاء صوت وقور من الداخل : حسنا أدخلها !
التفت إلي آوتنبورغ : ادخلي و ستعرفين كل شيء !
فتح لي الباب ثم تركني أدخل بمفردي ..
كانت الغرفة ساكنة جدا كأنها خالية .. و الكونت يدير كرسيه نحو النافذة الكبيرة !
لم أجلس بل ظللت واقفة و كنت أنا من ابتدأ الحديث ، إذ شعرت بإهانة شديدة وأردت التنفيس عن استيائي : لا شك أنك كنت مستمتعا بخداعي والضحك علي !
قهقه بصورة ماكرة .. فأضفت باستياء أكبر : قد لا أكون ذكية جدا ، لكنني حتماً لست غبية !
نطق أخيراً و دون أن تزول نبرة السخرية من صوته : ربما ..
قطبت جبيني و عبست بطريقة طفولية : لقد جعلتني أبدو كالبلهاء فعلاً ! تظاهرت بالانخداع بحيلي و سخرت مني ثم بدأت تلمح لي عن هويتك وتعطيني أدلة لتوصلني إليك و كأنك تقول "هذا أنا أمامك يا عقل الدجاجة !" لكني لست دجاجة !!
هل تفهم هذا ... يا آدم ريغــال !!!
علا صوت تصفيقه الممزوج بضحكاته التهكمية !
أدار كرسيه المتحرك نحوي ليظهر وجهه المكشوف تعلوه ابتسامة خبيثة ساحرة : "أحسنت صنعا يا فتاة الدجاجة ! أخيراً اكتشفت ذلك ! قد لا تكونين مجرد دجاجة في نهاية الأمر !
Mygrace
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mygrace
البحث عن المشاركات التي كتبها Mygrace