عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 07-20-2016, 11:04 PM
 












الفصلُ الثَاني ~ الإِنغِماسُ بالخطيئةة ~


تُلتهمُ الروح فقط عندما تغوص بالكراهية ...
كُل بشري سيمُر بموقفٍ يندمُ عليه ...
موقف تكونُ فيه الصرعةة هي هادِمة الأحوال ، كاسرة العلاقات ...
لَن يأتي الأمرُ صدفةً أو بالاقتِراع ، سيأتي عندما تصِلُّ فيهِ قِوى الصبر حدودها ، حيث تكونُ متهالكة نتيجةَ الصدمات المُتتالية
أو
بسببِ الطبعِ البشري ، لحبِّ لَوم الغير على أمورٍ إختصَ بِها القَدر !

* * *

تلاشى البريقُ لتِلكَ العينينِ المتألقتين ، وضعتْ تِلك الصغيرةُ يدها على صدرِها لتنبسَ في كنانةِ نفسها :" ما هذا الشعور ؟ و كأنَ قلبي يتقَطع ! "
تمرَدتْ من مُقلتيها دمعاتٌ كانتْ حبيسةً لوجودِ كيانٍ يؤنسُها ، كيانٌ قد إختفى من الوجود الآن !

تضغطُ على شفتيها الصغيرتين بأسىً ، بينما استرقتْ لها النظرُ تِلكَ الراهبة العجوز
لتتذكَر آخر ما لفظَهُ جيورجي غابون قبل رحيله :
- " ماريا ، لا أستطيعُ ان أئتمِن هذِهِ الوصية إلا عندكِ ، إذا لم أعُد من رحلتي حيّاً فأريدكِ ان تعتني بصوفي ، أفهميها ، كوني لها عوناً فهي تواجه بعضَ المشاكلِ بسبب قدرتِها الغريبة التي تمكنها من رؤيةِ أشياء لا نفهمها ، و على ما يبدو انها تتنبأ بموتي بطريقةٍ ما ؟ لا أفهم كيفَ سأموت بسببِ خروجي بمظاهرةٍ لتأسيس مؤسسةٍ عماليّة ؟! و لكن أرجوكِ ..... "

فقدت تِلك العجوز رباطة جأشها ، تقدمت إلى صوفي بخُطاً باطشةة ، انحنتْ نحوها و صفعتها بِكُلِّ ما أوتيتْ مِن قوة !
ثم صاحت :" أيتها الساحرة .... "

نظرَ الجميعُ لها بصدمة ، و بنظراتٍ تستفهِمُ ما يحدُث إلا انها لم تدَع مجالاً للسؤال
و انهالت على الصغيرة بوابلٍ مِن الإهاناتِ القاسية !

-" ساحرة ، شيطان ، جنيّةة ... "

لم تفهم ذاتُ العينينِ السماويتينِ ما يحدثُ و لكنها تدرِكُ أن دموعها تَنهَمِرُ دونَ إدراكِها ، خدُها المُحمرُّ يؤلمُها ، ما الخطيئة التي اقترفتها ؟
لم تقدر على إستيعاب ما يحدُث ، فاستمرت بالبكاء
إلى ان ....

انجلى صوتُ صُراخِ العجوز ماريا ليحُل محلُه شهقاتٌ مصارِعة للموت ، صوتُ حشرجةِ روحٍ في حلقٍ جاف
تصلبت أصابِعُها لتتحركَ بعشوائية ، ضاقت حدقتُها و أزرورقَ لونُ بشرتِها المتجعِدة
حتى خرّت على صوفي جثةً هامِدة
صعّدت صوفي طَرفَها ، لتُصدَم برؤيتِه
بقلنسوة سوداء مُلائمة لردائِه الأسودُ المُتطاير
واقِفاً يلوِّحُ لصوفي بمنجلِ الموت خاصتِه ، و لا تظهرُ مِن ملامِحه المظلمة سوى أسنان برزَت بسببِ إبتسامتِه المستفتزة المعهودة ...

ثار غضبُها ، غضبُ فتاةٍ صغيرة لا قوّة لها فأردفت صائِحةً :" اترُكني و شأني ، انا اكرهك اكرهك اكــرهــك !! "

العقلُ البشري صغير ، لذا فمايحدثُ هو أرقى من ان تستوعبهُ تِلكَ العقول الدُنيا
ردةُ فعلِ الحاضرين كانت طبيعيةً جداً ، غير مُتكلفة ، متوقعة ...

عجَّ المكانُ بصيحاتِهم الخائفة ، يخشونَ ان يكونَ دورهم تالياً لتِلكَ الراهبة ، مِنهم من خرجَ هالعاً يصرُخ " ساحرة " ، و منهم من تقوقعَ بأرضِه يبكي دموعاً فاترة ، ليسَ مِنهم من رأى إبتسامتَهُ الساخرة ، ذلكَ الشيءُ الذي يجبرُّ صغيرةً على البكاءِ بدموعٍ حارقةة ...


إنهارتْ صوفي إنهيار الأطفال ، لكنهُ لم يعُد إنهياراً بريئاً ، فقد لوثتها تِلك الكلمات ، أهانتْ طفولتها تِلك الألفاظ ...
أصبحتْ مكروهةً على كافّةِ الأصعِدة ..


وقعُ قدمينِ يقتربُ منها
" ستقتلينني انا أيضاً كما قتلتي أبي و العمة ماريا ، هااا ؟؟ أجيبي صوفي ؟؟ "
صوتٌ مألوف ، نظرت لملامِح الواقفة إلا ان الملامِح لم تُكن مألوفة !
عيونٌ غاضبة بثورةٍ صارخة
و خصلٌ كستنائية هابطة بيأس
" لقد قتلتي أبي لأنكِ لم تريدي مِنهُ أن يجلِب أزهاري صحيح ، صـوفـي ؟ "

لم تنبس صوفي بإجابتِها فقد سبقَها هو لذلك
رأت صديقتَها المقرّبة ، تسقطُ أرضاً بِلا أي حركةة ...

بَلغَ بِها التحملُّ ما بَلغ ، لا طاقةَ لطفلة بتحملِّ هذا اللونِ مِن العذاب ...
إذا استمرت الحالُ هكذا ، فجميعُ من تعرفُهم ...
سيُقتَلون !

ليس لها إلا أخذُ قرارٍ حاسِم قرار ، قرارٌ لن ينتقيهِ حتى الكِبار ...
صوفي ستترُكُ لهم المدينة و ما فيها .
هي ستلتجِأُ لأحضانِ الغابة ، حيثُ تنفرِد معهُ وحدها !

* * *

- " جدتي ، لماذا تهتمينَ بهذهِ الزهرة أكثرَ من غيرِها ؟ "
سألَ فتىً ذو شعرٍ قاتم مُجعّد

-" لأنه إذا ما ذبلَتْ هذِهِ الزهرة و تشققتْ بتلاتُها ، ستموتُ تِلك الصغيرة معها . "
أشبعت فضوله بإجابتِها و هي تُداعِب وريقاتِ الزهرةِ الوردية اللامعةة ...


~ يُتبع ~








رد مع اقتباس