جلست في المقعد الأمامي بجوار السائق بينما هاري يتولى القيادة .. في الخلف جلست كيت مع ليو و رايل في المنصف بينهما كحاجز عن أي مضايقات و شجار ..!
انشغل من في الخلف بالتعليق على بعض المحلات في الخارج بينما التفتت إلى هاري عندها : إلى أين سنذهب بالضبط ؟!..
أجابني بهدوء : إلى حديقة البرج ..!
اتسعت عيناي بذهول و شعرت بتوتر كبير .. لما ذاك المكان على وجه التحديد ؟!!..
لكن ذلك الطبيب ابتسم بمرح : كنت امزح !!..
نظرت إليه باستنكار : ها ؟!.. ما الداعي لهذه المزحة الغريبة ؟!..
- اعلم أن تلك الحديقة تضج بالنبلاء الشبان و الأغنياء كذلك ..! كنت سأرى ردة فعلك إن كنا سنذهب لهناك و قد كانت اوضح مما توقعت ..!
تنهدت بضجر عندها و أنا أتمتم : أنك غريب حقاً ..!
عدت التفت إليه عندها : لم تخبرني إلى أين سنذهب إذاً ؟!..
- حسناً .. أنها حديقة كبيرة بالقرب من هنا .. يوجد في منتصفها ميدان مليء بأحواض الزهور ..! تعلم أن الربيع قد بدأ لذا هي تستقطب الكثير من الزوار ..!
زهور .. سيكون الجو منعشاً إذاً ..!
مضت بضع دقائق قبل أن نصل إلى تلك الحديقة المفتوحة ..!
حيث كان على جانبهاً مركن كبير للسيارات وقد كانت هناك لوحة كتب عليها " ميدان الأزهار " أعتقد أنه اسم هذه الحدقة ..!
نزلنا سويةً من السيارة وقد كان الهواء منعشاً و مفعماً برائحة الشجر و الزهور ..!
استنشقت الهواء عندها : كم هذا منعش ..!
نظرت لكيت التي فعلت الأمر ذاته و قد ظهر شبح الابتسامة على وجهها .. اعتقد انها اكثرنا حاجةً لنزهة كهذه ..!
ركض ليو عندها بحماس : سأسبقكم الآن ..!
لحقت به كيت فوراً باستياء : هيه أيها المشرد توقف !!..
لم يكن مني إلا أن ركضت خلفهما : توقفا أنتما !!..
فور ان تجاوزت حدودها الغير مسورة توقفت للحظات انظر حولي ..!
لقد كانت الأرض خضراء نسبياً .. و معظم الأشجار قد كستها الأوراق الخضراء ذات اللون الساطع الجريء ..!
ابتسمت عندها : أنه الربيع بالفعل ..!
سرت بهدوء خلف الأحمقان اللذان كانا يسيران بخطوات متسارعة و ينظران حولهما ..!
لا أخفي عليكم ان هناك ابتسامة ظهرت على كل منهما ..!
- هيييه .. لينك نحن هنا ..!
نظرت ناحية مصدر الصوت فرأيت انيتا تقف و تلوح لنا بابتسامة تحت احدا الأشجار الكبيرة و بالقرب منها بساط واسع بلون وردي جميل جلس فوقه ادوارد و هو ينظر ناحيتنا بابتسامة أيضاً ..!
ابتسمت مجدداً و سرت ناحيتهما عندها و حين اقتربت شعرت بشيء قرب قدمي مما جعلني اسرع للنظر أسفلاً لأجد كرة الصوف الكبيرة تللك تمسح جسدها في بنطالي و تموء بصوت يدل على سعادتها ..!
هتفت بسعادة لا تقل عن سعادتها هي : وايت !!.. مضى زمن طويل ..!
انحنيت فوراً لحملها بين ذراعي و انا امسح على رأسها و رقبتها بينما علق ادوارد عندها : لقد تعرفت عليك فوراً لينك ..! لا تزال رائحتك عالقة بأنفها ..!
شعرت بأحد خلفي و فور ان التفت كانت كيت تحدق بي باستغراب او بالأحرى تحدق بما بين يدي : قطة ؟!..
ابتسمت لها : أجل .. هل ترين غير ذلك ..!
تقدم لي ناحيتي متعجباً هو الآخر : و لما تحبك هذه القصة ؟!..
قبل ان اجيب تدخلت انيتا : ربما تذكره بمالكها السابق ..!
نظر الاثنان إليها لتتابع بابتسامتها اللطيفة : القطة لأحد معارف لينك .. و لأنه كان مضطراً للسفر و تركها أحضرها لينك إلي لأعتني بها ..!
ابتسمت حينها و أنا أقدر لأنيتا مراعاتها لعدم ذكر القصة الحقيقية خلف وايت ..!
وصل هاري و ريك عندها و جلسنا سويةً على ذلك البساط .. وماهي سوى لحظات حتى وصلت ميراي إلينا و هي تحمل سلة جميلة من القش : أرجوا ألا أكون قد تأخرت ..!
أومأت انيتا سلباً : ليس كذلك عزيزتي .. لقد وصل ليبيرت ومن معه للتو ..!
حولت نظرها إليه و ابتسمت : كيف حالك دكتور ليبيرت ؟!..
بادلها تلك الابتسامة : بخير آنسة ستيوارت .. أرجو أن تكوني كذلك ..!
- أنا كذلك بالفعل ..!
تنهدت حينها : ألا تستطيعان اختصار هذه الألقاب المبتذلة ولو قليلاً ..!
التفتا إلي لأتابع حينها : كفا عن ترديد " دكتور ليبيرت " و " آنسة ستيوارت " .. يمكنكما الاكتفاء بهاري و ميراي !!.. أو على الأقل باسم العائلة بلا ألقاب ..!
توردت وجنتا خالتي و أوشحت بوجهها بينما ابعد هاري عينيه عني ..!
لم يردا و لم يعلق أحدهم على الأمر فقد هدأ الجميع للحظات قبل ان تهتف أنيتا بمرح : حسناً حسناً .. ما رأيكم بتناول الشطائر الآن ..!
أخرجت خالتي بعض الشطائر من تلك السلة من القش كما فعلت انيتا و هكذا بدأنا بتناول الطعام ..!
كان ميدان الزهور ذاك قريباً منا على بعد عدة امتار لكننا لم نكن نستطيع رؤيته جيداً بسبب كثرة الأشجار ..!
انهيت علبة العصير ثم نظرت لكيت لأقول : ما رأيك أن نتجول قليلاً هناك ..!
بدا عليها الاستغراب من طلبي اياها على وجه الخصوص فحتى الجميع بدا ينظر إلي بينما هتف ليو : أنا سآتي أيضاً ..!
نظرت إليه بطرف عين : لا .. أريد الحديث مع كيت في موضوع خاص ..!
بدا عليها الانزعاج فيبدو انها عرفت فيما اريد أن أحدثها ..!
رغم ذلك وقفت معي بتملل و ارتدت حذائها كما فعلت المثل ..!
اتجهنا إلى ذلك الميدان و بدأنا السير فيه .. هناك الكثير من الزهور هنا و هناك بألوان مختلفة و مبهجة رغم أن بعضها لم يتفتح بعد ..!
سمعت تنهيدتها خلفي : ماذا الآن ؟!..
التفت إليها بجد : تعلمين فيما اريد ان احدثك ..!
- أعلم .. مستواي الدراسي ..!
- رائع .. لقد خففت علي الكثير ..! حسناً .. أعلم أنك تستطيعين تعديل مستواك المتدني ..!
جلست القرفصاء أمام اصيص الزهور ذاك و هي تقول بملل و ضجر : لا مزاج لي لفعل هذا ..!
تنهدت حينها و جلست بقربها : هيه كيت .. ان استمر الأمر هكذا فسترسبين ..! ذلك لم يكون جيداً إطلاقاً ..!
التفت ناحيتي بانزعاج : و ما المطلوب الآن ..!
- فقط حلي واجباتك و استذكري امتحاناتك ..! أنا لا أطلب المستحيل ..!
- لست مهتمة ..!
- هل ستكونين مهتمة ان وعدتك بالمقابل كل فترة ؟!..
بدأت تفكر للحظات قبل ان تقول : و ما المقابل ؟!..
بجد قلت : ان علمت أن درجاتك تحسنت فسآخذك لمحل كعك فاخر في كل نهاية شهر لتأكلي كما تشائي ..!
بدا عليها العجب حينها و ابتسمت بسعادة : حقاً ؟!..
- أجل .. لكن هذا سيكون على حسب مستواك ..! أن رأيت تحسناً ستكون قطعة صغيرة ..! أما التفوق فأنت ستسحقين حينها قطعة كبيرة ..!
- موافقة ..! ليكن وعداً ..!
- أعدك بهذا ..!
بدت عليها السعادة حينها ..!
من الجيد أنها اقتنعت بالأمر رغم أني كنت واثقة بأنها ستوافق بما ان للحلوى شأناً ..!
- يا لك من طفلة أيتها الصبيانية ..! تقتنعين بمجرد ذكر الكعك ..!
التفت إلى الخلف كما فعلت كيت لأرى ذلك الأحمق و على وجهه ابتسامة شر .. ذلك المشرد !!..
وقفت تلك المقصودة غاضبةً حينها : و ما شأنك يا مشرد ؟!!..
بسخرية قال : الصبيانية التي لا تعيش بدون الحلوى ..!
في تلك اللحظة خلعت حذاءها بسرعة و رمته عليه لكنه تفاداه و راح يركض هارباً مما دعاها لأن تلحق به بسرعة وهي تزمجر : أقسم اني سوف أحطم رأسك أيها المتشرد ..!
يا إلهي !!.. لقد بدءا !!..
وقفت عندها و صرخت بهما : كفا عن هذا !!. لقد جئنا لنستمتع اليوم لذا توقفا في الحال ..!
لم يستمعا إلي بل تابعا الركض و ليو يسخر من كيت في كل لحظة بينما هي تصرخ به بأسوء الكلمات و الألقاب ..!
يال لسانها السليط !!..
سرت بضجر ناحية حذائها المرمي و التقطته .. إن حاولت ايقافهما في كل مرة في كل مرة فسأقضي عمري كله بهذا العمل ..!
انطلقت صرخة عالية من احدهم فجأة مما دعاني لألتف حالاً لأرها تجلس أرضاً بطريقة غريبة بعد أن صرخت بألم ..!
شعرت بالفزع و ركضت ناحيتها حالاً و أنا أرجوا ان لا يكون شيئاً خطيراً لأني لم اسمع كيت تصرخ هكذا إطلاقاً من قبل !!..
وصلت اليها وقد كان ليو قد سبقني و على وجهه علامات الخوف و القلق ..!
كانت تجلس ارضاً و تطأطأ رأسها و تتأوه بألم و فوراً نظرت إلى تلك الدماء التي سالت من قدمها ..!
انقبض قلبي و جثيت قربها حالاً : ماذا حدث ؟!..
رأيت قطع زجاج على الأرض و قد دخلت قطع منها في اسفل قدمها حيث كانت الدماء تنزف بشكل كبير ..!
بدا الخوف على ليو وقد تمتم : انها مصابه ..! ماذا نفعل ..!
نظرت لكيت التي كانت تغمض عينيها بألم و قد سالت دموعها و هي تتأوه بشدة ..!
ربت على كتفها و قلت : اهدئي .. لن نستطيع نزعها الآن ..!
كان ليو يلف شالاً خفيفاً حول رقبته و بسرعة قلت : ليو هات هذا الشال !!..
بلا تردد خلعه و أعطاني اياه فلففته بشكل بسيط حول قدمها و قلت : سأحملك الأن ..!
حملتها حينها بين ذراعي و تمتمت : أنت اثقل مما تبدين عليه ..!
هتفت رغم دموعها بغضب : أصمت ايها الأحمق ..!
سرت بها بخطوات متلاحقة ناحية مكاننا .. قد يتمكن هاري او ادوارد من فعل شيء ..!
حين وصلت نظر الي الجميع مرعوباً بسبب تلك الفتاة التي تبكي بين ذراعي و هناك شال ملفوف على قدمها ..!
اسرعت انيتا لإبعاد كل ما كان على البساط في المنتصف لأضع كيت هناك حالاً بينما هتفت ميراي بخوف : ماذا حدث ؟!..
نظرت لإدوارد حالاً : هناك زجاج دخل لقدمها ..!
ابعد هو قطعة القماش تلك لتظهر قدمها الملطخة بالدماء و قطع الزجاج التي اخترقتها واضحة مما جعلها مفزعةً لمن يراها ..!
بسرعة قالت انيتا : يجب نقلها للمشفى ادوارد .. لن نستطيع فعل شيء هنا ..!
رما لها بمفتاح سيارته وهو يقول : اسرعي و شغلي السيارة ..! سأحملها و ألحق بك ..!
هتفت حالاً : سآتي أيضاً ..!
- لا داعي لهذا ..! الأمر ليس خطيراً ..!
لم أقل شيئاً حينها فقد ركضت انيتا إلى مركن السيارات بينما حمل ادوارد كيت التي كانت تبكي بألم و اسرع بها خلف زوجته ..!
- ريكايل .. أأنت بخير ؟!..
التفت حين سمعت كلمة خالتي تلك فرأيت اخي الذي اصفر وجهه عندها و قد تمتم : اطمئني .. شعرت بالخوف قليلاً فقط ..!
يا إلهي .. لا يجب أن يمرض الآن ..!
تقدمت ناحيته و جثيت أرضاً قربه ثم ربتت على كتفه و أنا أطمئنه : لا بأس .. إنها جروح بسيطة و قد اخذوها للمشفى كي ينظفوها جيداً فقط ..!
أومأ إيجاباً و قد اخذ نفساً عميقاً : أرجوا ان تكون بخير ..!
لحظت أن احدهم غير موجود : أين هاري ؟!..
اجابت خالتي بهدوء : لقد ذهب منذ لحظات للتجول وحده ..! بدا لي انه رأى احد معارفه فذهب كي يسلم عليه ..!
وقفت حينها و أنا أقول : يجب ان يعلم بما حدث سريعاً .. سأبحث عنه ..!
لم يوقفني احدهم بل لم ينطقوا ..!
ليو كان مصدوماً بما حدث و كأنه يحمل نفسه جزءاً من المسؤولية ..!
اما ريك فقد بدا مريضاً بعض الشيء .. لقد افزعه ما حدث كما البقية و لكن يبدو أن قلبه بدأ يؤلمه بعض الشيء ..!
وقد جلست خالتي قربه وهي تبدو قلقة عليه كقلقها على كيت ..!
عموماً يجب ان اسرع للبحث عن هاري ..!