عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-26-2016, 05:49 PM
 
سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام - 15 !!

سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام - 15
سيرة
سيدّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ عليهِ السَّلام
مِنْ دروسٍ
لفضيلةِ الدكتور : محمد راتب النابلسي
حفظه الله تعالى وبارك فيه وبارك في علمه وعمره آمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , والصَّلاة والسَّلام على سيدِّنا مُحمَّدٍ الصَّادقِ الوعدِ الأمينِ , اللهمَّ لا علمَ لنا ، إلا ما علمتنا ، إنكَ أنتَ العليم الحكيم , اللهمَّ علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً , وأرنا الحقّ حقّاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا مِمَنْ يستمعونَ القول فيتبعونَ أحسنهُ , وأدخلنا برحمتكَ في عبادكَ الصَّالحينَ .
بيانه في كيفية مُخالطة الناس وكيفية الشُّكر للمُنعم :
قال : " خالطوا الناس مُخالطةً ، إنْ مُتم معها بكوا عليكم , وإنْ عشتم حنوا إليكم " , بعض الناس ، قد يقبض يده ، فأقرب الناس إليه ، يتمنى موته ، وبعض الناسِ أحياناً ، يبسط يده ، فأبعدُ الناس عنه ، يتمنى حياته ، وشتان : بينَ مَنْ يعيش ، بينَ أُناسٍ ــ يفدونه بأرواحهم ، وبينَ مَنْ يعيش ، مع أناسٍ ينتظرون موته.
قال : "
إذا قدرت على عدوك ـ فاجعلْ العفو عنه شكراً ـ للقدرة عليه " , موضوع الشُّكر : أيها الأخوة ــ مِنْ أرقى الأحوال ، ألا يكفينا ، أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ( سورة النساء الآية : 147).
فإذا آمنتَ وشكرتَ : فأنتَ على الصِّراط المُستقيم ، فأنتَ على المنهج القويم ، فأنتَ باتجاه الهدف الصَّحيح ، فأنتَ تُحقق سرّ وجودك ، إذا آمنت وشكرت ، الشُّكر مُستويات :
1- أبسطها وأدناها : أنْ تعرفَ ، أنَّ هذه النعمة مِن اللهِ .
2- أنْ يمتلئ قلبك امتناناً وحمداً للهِ .
3- أنْ تردّ على هذه النِّعمة الجزيلة ، بخدمةِ الخلق .
لذلك أقول لكم دائماً : في اللحظة ، التي يستقر فيها الإيمان ، في القلب ، يعلن عنْ نفسه ، بحركةٍ نحو خدمة الخلق ، والدَّعوة إلى الحقِّ .
حرصه على الأخوةِ والحذرِ مِنْ فُقدانهم :
يقول هذا الإمام الجليل : " أعجز الناسِ : مَنْ عجز عن اكتساب الأخوان ، وأعجزُ منه : مَنْ ضيَّع مَنْ ظفر به منهم " , أقولُ لكم بصدقٍ : وسائل وأساليب كثيرة ، وجهود جبارة ، ومواقف ذكية جداً ، إذا فعلتها ، اكتسبت ود أخيك ، لكنْ موقفٌ أحمقٌ واحد ، أو موقفٌ غير مسؤول ، أو موقفٌ فجٌ واحد يصرفه عنك ، هذه الآية : أرجو مِنْ اللهِ عزَّ وجلَّ ، أنْ تكون عندكم واضحة ، يخاطب الله النَّبيّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، يقول له يا مُحمَّد :
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ( سورة آل عمران الآية : 159 ).
مَنْ هو ؟؟؟ هو سيّد الخلق , وحبيب الحق ، المَعصُوم ، الذي يُوحى إليه ، الذي جاءه القرآن ، المؤيَّد بالمُعجزاتِ ، كلّ هذه المِيزات : لو أنَّه ، كان مع أصحابه ـــ فظاً ، غليظ القلب ــــ لانفضَّ الناس مِنْ حوله ، فأنتَ مَنْ ؟ فإذا كنتَ مؤمناً ، فلا تملك أي ميزة ، فإذا قسوت على الناس ، فَمِنْ باب أولى ، أنْ ينفضَّ الناس مِنْ حولك ، إذًا : التفاف الناس حولك ، وانفضاضهم مِنْ حولك ، مقياسان : أشار القرآن إليهما .
قال الشَّاعر :
ما كنت مذ كنت إلا طوع أخواني ليست مؤاخذة الأخوان من شاني
إذا خليلي لم تكثر إساءته فأيــن موضع إحساني وغفرانـــي ؟

أنا أقول لكم هذا الكلام : بطولة أحدكم ، تتجلَّى ، في اكتساب الأصدقاء ، حتى إنَّ كُتباً ، أُلِّفتْ في العالم الغربي ، وطُبِع منها عشرات الملايين مِن النسخ , كيف تكسب الأصدقاء ؟ هم يبحثون عنْ صديقٍ لينتفعوا به ، لكنَّ المُؤمنَ ، يبحث عنْ صديقٍ ليدله على اللهِ ، وشتان بين الهدفين .
أنا ضربت أمثلة ، في هذين اليومين ، أنَّ النجاحَ ، شيءٌ عظيمٌ ، قد تجد إنسانًا ، نجح في التجارة ، لكنَّه بدأ عاملاً ، أو بدأ عاملاً متجولاً ، وانتهى إلى تاجرٍ ، يتكلم بألوف الملايين ، فهذا نجح في التجارة ، وأحياناً ينجح الإنسان ، في الصِّناعة ، ويصبح صناعيًّا كبيرًا ، وأحياناً ، ينجح في العلم ، فيأخذ أعلى الشَّهادات ، و يكتب المُؤلفات ، ويلمع صيته ، ثُمَّ ينال درجة نوبل مثلاً ، هذا نجاح ، فهناك نجاح بالعلم ، ونجاح بالمال ، حتى في مجال الدَّعوة إلى الله ، فهناك نجاح ، فالنجاح شيء عظيم ، والوصول إلى قمة النجاح ، لا بدَّ مِنْ أنْ ـ يسلك ، طريقاً طويلة وشاقَّة وصاعدة وملتويةً ، وفيها حفر ، وفيها أشواك ، وفيها حشرات ، فإذا وصلَ ، إلى قمّةِ الجبل ، أي : إلى قمّة النجاح , والله الذي لا إله إلا هو : هناك عشرات الطرق الزلقة ، التي تجعله ، في قعر الوادي ، فليحذرْ ليبقى في قمّة النجاح .
هذه الكلمة : أتمنى مِنْ كلّ قلبي ، أنْ تكون في كيانكم , بطولتك ، لا في بلوغ قمّة النجاح ، بلْ في البقاء ، في قمّة النجاح ، فهنا يقول سيدّنا عليّ :
" وأعجز منه ، مَنْ ضيَّعَ ، مَنْ ظفر به منهم ".
تذكرون ، أنَّ هرقل ، حينما سأل أبا سفيان : أيتركه أصحابه ؟ قال : لا ، الإنسان ، تتنامى علاقاته ، تتنامى محبته ، يتنامى ولاؤه ، يتنامى إكباره ، تتنامى استفادته ، فالتنامي : دليلٌ : أنَّ هذا الإنسان على حقٍّ ، وأنَّه مُطبِّقٌ للسُّنة ، فلو حصل انفضاضٌ منْ حولهِ ، فلديه خللٌ واضحٌ جداً .
هذا الفصل : يُبيّن التوحيد الخالص :
قال رضي الله عنه : " مَنْ ضيّعه الأقرب ، أُتيح له الأبعد " .
إنّ اللهَ رحيمٌ ، فيمتحن الناس ، وأقرب الناس ، قد يتخلَّى عنك ، فإذا كنتَ ، مع اللهِ ، سخَّرَ لكَ أبعد الناس ، لذلك قالوا : " إذا كان الله معك ، فمَنْ عليك ، وإذا كان عليك ، فمَنْ معك ؟ " .
كُنْ مع اللهِ ، ولا تُبالي ، فإذا رضي اللهُ عنك سخَّرَ خصومك وأعداءك لخدمتك ، وإذا تخلَّى اللهُ عنك ، تخلَّى عنك ، أقرب الناس إليك .
وقالَ رضي الله عنه :
" تذل الأمور للمقادير ، حتى يكون الحتف ، في التدبير" .
قد يقع الإنسان ، في غضب الله ، وقد يكون مع ذلك ذكيًّا جداً ، وقد يكون متفوقًا جداً ، وقد يكون مِمَّنْ يُعِدُّ لكلّ شيءٍ عدَّته ، ثمَّ يكون حتفه ، في تدبيره ، أي إذا أراد الله ، إنفاذ أمرٍ ، أخذَ مِنْ كلّ ذي لبٍّ لبّه ، لذلك ، إذا كان الله معك ، فَمَنْ عليك ، وإذا كان عليك فَمَنْ معكَ .
تفسيره للأجل :
قال رضي الله عنه : " مَنْ جرى ، في عنانِ أمله ، عثر بأجله " .
حينمــا يفكر الإنسانُ ، تجـد خواطره ، تذهب عشرين سنة ، إلى الأمام ، وأحياناً ثلاثين سنة ، ولا يدري ، أنَّ أجلّه ، بعد سنة واحدة ، فهذا المتأمِّل أحمق ، حتى إنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام ــ رسم خطًّا خارجًا منْ مستطيل ، وهذا الخط بعضه داخل المستطيل ، وبعضه خارج المستطيل ، ثم قال : هذا أجله ، وهذا أمله .
لقد كنتُ جالسًا يومًا ، أنتظـر في مكان ، وإلى جانبي رجلان يتحدثان ، قال أحدُهما : فلان ، أتْعَبَنَا كثيراً في كسوة بيته ، قال له الآخرُ : وكيف ؟ قال له : هو في حيرةٍ شديدة منْ التدفئة ، أيجعلها ظاهرةً أمْ باطنةً ؟ إنْ جعلها ظاهرة ، فليس هذا من أرقى أنواع الأناقة ، وإنْ جعلها باطنة ، فربما فسدت ، فاضطر إلى تكسير البلاط ، قال : وبعد ستة أشهر : استقر رأيه ، على أنْ يجعلها باطنة ، فبعد عشرين عاماً ، إذا فسدت ــ سيمدِّدها ظاهرة ، كان يفكر مؤمّلاً : أنْ يعيش عشرين سنة ، ومثل هذا كثير ، وما مِنْ إنسان ، توفاه الله إلا ، وفي ذهنه مشاريع ، إلى آماد طويلة جداً , أما العاقل : فإنه يجري ، في عنان أمله ، في الدار الآخرة ، وينهض في الدنيا ، ليعمل صالحاً استعداداً لها .
لا تبخسْ بحقِّ أخيك أيها العبد الفقير :
يقول هذا الإمام الجليل:
" أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم ، فما يعثر منهم عاثرٌ ، إلا ويد الله ـ بيده يرفعه "
كلام جميل جداً ، إنسان له ماض ، فهذا : حاطب بن أبي بلتعة : صحابيٌ جليل ، ضُبِط متلبساً ــ بخيانةٍ عظمى !!! , أرسل كتابًا ، إلى قريش ، مع امرأةٍ ، وهذا الكتاب : يُفْشي سرّ رسول الله عليهِ الصَّلاة والسَّلام , يقول لقريش :
"" إنَّ مُحمَّداً : سوف يغزوكم ـــ فخذوا حذركم "" .
هذا الخبر : في مقاييس العالم كلّه : خيانةٌ عُظمى ، يستحق الإعدام ، جاء الوحي للنَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام ، وأخبره الخبر , فأرسل أحد أصحابه ( سيدّنا عليّ رضي الله عنه ) ، إلى المرأة ، وهي في الطريق ، فانتزع منها الكتاب ، واستدعى النَّبيّ : حاطب بن أبي بلتعة ، وقال له : ما هذا يا حاطب ؟؟؟
فقال سيدّنا عمر: يا رسول الله , دعني أضرب ، عنق هذا المُنافق .
والقتل : جزاء عادل له ، ولكنْ : هنا عظمة رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام ، قال : لا يا عمر : إنَّه شهد بدرًا ، فالهدر : أي : أنْ تهدر للإنسان ماضيه ، تهدر له عمله الطيِّب ، لإساءةٍ كبيرة أو صغيرة ، فهذا ليس مِنْ المروءة ، وقال حاطب : يا رسول الله : ما كفرتُ ولا ارتددتُ ، وذكر له عذره ، فالنَّبيّ الكريم قال :
" إني صدقته : فصدقوه ، ولا تقولوا فيه ــ إلا خيراً " ( ورد في الأثر).
حتى ، إنَّ كُتَّاب السِّيرة , قالوا : " نظرَ عمرٌ : إلى ذنبهِ ، ونظرَ النَّبيُّ : إلى صاحب الذنب ، فرأى : أنَّ ذنبه ، لحظة ضعفٍ طارئة ألمّت به ، فأعانه على نفسه ، وأنهضه ، وصلح عمله ، وأرسله بعد حين : رسوله الشَّخصي ، إلى بعض الملوك ، واستحقّ أعلى مراتب الإيمان "
يتبع رجاءاً
جمعها مع التنسيق
عبد الله الراجي لعفوه ورضاه تعالى
رد مع اقتباس