عرض مشاركة واحدة
  #167  
قديم 07-30-2016, 01:35 AM
 




19
و هل للحنين .. إشتياق؟!





احتضنت نفسها طلبا للدفء من تلك الهبات الباردة التي لامستها...

حاولت استيعاب تلك البرودة رغم أنها تغطي جسدها من رأسها لأخمص قدميها بلحافها المعتاد...

لكنها سرعان ما عادت لواقعها بصوت صراخ ألفته، بل شغفها حبا بشوق دام أشهر!

قفزت تحتضن سر دموع فرحها : أمي...

كان تصرفا مستغربا لا وجهة له في نظر الأم إلا قلقها على ما بدا من والدها بالأمس ،فجرت خصلة شعر من شعر إيريكا الترابي لتبعدها قليلا مهدئة من روعها الناتج من خيالات واهية:لاداعي للمبالغة فأبيك لا جرأة له على قتلي إيريكا....


جاذبية عجيبة حوته هذه الملامح الأنثوية التي تكاد تصل الأربعين و مازالت تحتفظ بملامح شبابها، حنانها الذي كان جليا رغم محاولتها إخفاءه خلف ملامح الصرامة و التهديد لم يردع إيريكا من التشبث بها مطلقة آهة راحة: جيد أنك بخير.


بسطت كفها على وجنة إبنتها لسهلة لتباشرها: كفاك دراما و جهزي نفسك، دقائق و يأتي هاروكي لإصطحابك.

شرود إيريكا كان باديا ليها وهي تجهد في إستعادة أفكارها المختزنة بجعبة الذكريات لزمن غير يسير: لكن، تصرف أبي...

لاقت قبلة على جبينها بترت جملتها المبدية توترا لما واجهته : دعك من هذا و جهزي نفسك، الفطور بإنتظارك...وإلا ،ستذهبين بصداقة مع الجوع.


أومأت إيجابا بقبول رحب لطلب أمها المستهدف مرحا و اتجهت لزيها المدرسي الذي اختلف بلونه الرمادي عن سابقه و ثم انعطفت للحمام يسار غرفتها....
وبهذا، أقدمت على المضي نحو حياتها كوردة جورية أنبتتها حياة كاوروا مع ريو...




تلمست كفه دفئا بجانبه لترتسم إبتسامة سخرية خفيفة على نفسه بجانب شفتيه، فهو أخيرا أدرك سر هذا الدفئ الذي تكرر وجوده تكرارا و مرارا...!

تثاقل بالحركات فترة يستعيد بها نشاطه و فجأة صافحه حظور الوعي ليجلس باحثا عن أهم شيئ حمله معه...

تفحص جيبه الأيمن ليتنفس الصعداء براحة بعدما شعر بتلك الأوراق المستطيلة ...

أخرجها و بدأ بتصفح وريقاتها قبل أن يضعه جانبا مخرجا جملة تحاور حبيبا لايعود: ساعات و ستكون بيدي زوجتك نيك.

لاحظ تلك اللمعة بمعصمه الأيسر فرفع ذراعه ينظر لها بألم اعتصره من جانب آخر : أثمن ما قد أحصل عليه ، شكرا أمي.

شاهد شفق النور الذي بان شروقه ليترجل من سريره متأهبا ليوم مريح دون مشاكل كما يظن ...

هذا، إن كان كذلك..!




تتحدث و هي تقضم خبزتها المحمصة بسرعة لامتناهية و حينها تنهدت مستفسرة بإنزعاج لتلك النظرات التي تكاد تخترقها: ماذا بهذه النظرة أمي؟...هل هناك شيئ؟

ارتشفت الأخرى حليبها الدافئ بهدوء بعدما واجهت دخانه المتصاعد دقائق معدودة: تعرفين، والدك مبالغ بتصرفاته هذه الفترة، لكن لنعترف بواقعية... أنا أيضا لست على مايرام.

صمتت هنيئة تبحث عن الجملة المناسبة بعد وعي منها بزيف أفكارها: ربما..

خبر سماعه بعيد عن تفرعات أفكارها أسقط خبزتها ، فكل شيئ واجهته لم يقودها لما تلفظت به أمها توا: أنا حامل إيريكا.

ظلت تحدق بكاوروا فاغرة فمها لتتحول دهشتها لإبتسامة حوت المرح الممزوج بسرور ألفه الفؤاد: حقا!

اكتفت برد رأسها المنحني لتنهض إيريكا متجهة نحو أمها: مبروك كاوروا...

حاولت تدارك غلطتها بعد ملاحظتها تقطيبة إعتراض من المنادى:...أقصد أمي.

حورت الحديث بجملة إستفهامية: هل الحمل سبب كل هذه العصبية؟!...هل كنت كذلك بحملك بي؟

تسلسلت الضحكة بخفة على ملامحها مجيبة فضول إبنتها: في حملي بك، أغلب الليالي كان أبيك ضيف هيجي بعدما أطرده.

اتخذت بعد جوابها صمتا يعيدها لذكرياتها الماضية بحنية بينما إيريكا تحادث نفسها...
(( أستطيع تصور ذلك ...مسكين ريو))


تذكر إسمه تكفل بإعادة تشتتات أفكارها المختبئة مؤقتا، فهل هي عادت لزمن غابر أم أنه لم يكن سوى حلم عابر؟!

و هل هاروكي يشاركها الأفكار أم ليس لحلمها الغريب آثار؟!

سرق السرحان وعيها لتغوص في خضم الحيرة...!

حيرة قد تصل نتيجتها ليومها قبل الغد..!




هبط الدرجات المتوالية و هو يرتب ياقته الرمادية المحيطة بياقة قميصه الأبيض...
أوقفه العجب من رائحة طهي وصلت أنفه ليقوده ذلك للمطبخ مدخلا رأسه بفضول: أبي..لازلت هنا؟!

سمع بل أصغى للكنته الباردة و صوته الذي غاب عن مسامعه لأشهر: أردت الحديث معك.
استقر هاروكي جالسا مقابله لتسهل المحادثة بينهما: نعم...

هيجي ... جهل سحر سكناته في التلاعب بمشاعر إبنه حين أنزل جريدة اليوم الحائلة بينهما: عمتك و زوجها سيأتون غدا، و أنا لاوقت لي بإستقبالهم...عليك القيام بذلك.

بعثر الإبن خصلاته متململا و أجاب بإمتثال: فهمت...أي ساعة؟

تلقى إجابة مختصرة أفادت ماطلب: حدود الخامسة.
طغى الصمت فترة قبل أن يطوي هاروكي جريدته بادئا حديثه المرتقب: من الذي حدثك عن نيك؟
شعر بتوقف رئتيه عن إستقبال الأكسجين .. فوجهة والده في الحديث،وجهة يهرب منها هو لكن..كل شيئ مكشوف لهيجي لذا لابد من الخوض في الصراحة فإزدرأ ريقه مجيبا: لا أحد.

تلقى عتابا في لحن أبيه الذي يستهدف كذبته: هاروكي..

أنبأ والده بسؤال يرتكز على ما يعلمه : ألا تذكر؟..

رفع حاجب استكشاف : ماذا؟
أشار لنفسه مظهرا لمعة حزن تعمق داخله: نيك قتل بيدي..

لم يكن هيجي يستوعب هذه المحاورة الغريبة ، فهل يجب عليه تصديق مايذكر...أبدى بعدا عن مقصود إبنه الواضح: هل تفهم ما تتفوه به؟

رفع هاروكي حقيبته الزيتية المجاورة له مخرجا ذاك الدفتر المؤتمن عليه: لا تناقشني بعد هذا...

خطف الدفتر من يد إبنه بعدما سلبه الذهول كلماته: هذا...من أين حصلت عليه؟

زفر هاروكي بحنق سببه الغيظ من تغابي والده: بربك، أعرف أنك تذكر فقد تغيرت ذكرياتك و بعض الحوادث بعودتي لزمنك...

ضغط بسبابته و إبهامه بين حاجبيه مطالبا بالتركيز الذي فقده : و هل يجب علي أن أصدقك؟...تلك كانت لعب أطفال و مضايقات بيني و بين ذلك ال...

أوقف جملته مستدركا ما واتى عقله من ذكريات ليبتسم الآخر بنصر: هاروكي....كنت تعشق الشجار مع هاروكي...أنقذت ليندا و البقية مع هاروكي... تكره التواجد حيث يكون ذلك الأحمق هاروكي...

أردف بعد رفع كمه ليظهر معصمه بما يحمل من دلالة صدقه:... و قد صدقت هاروكي و وهبته هدية أمه بالأمس.

بان الإرتباك واضحا بشحوب وجهه فوضع مسدسه الفضي الحامل لميدالية مماثلة لما بيد إبنه بينهما : تقصد أن تلك الترهات حقيقة؟!

قرب القلادة من ميدالية والده ليلتحما مشكلين قلبا واحدا يشمل عائلة: ماذا ترى؟...رغم أن قسمك بان عليه القدم إلا أنه يلائم ما لدي.

أعاد هيجي ظهره مستقيما ليستعيد توازن لحنه اللامبالي رغم إخفاقه: أنا...لا أفهم، هل تحققت أمنية إبنة ريو ..؟!

ظهرت ملامح سخرية و خبث على الإبن: ذاكرتك قوية هيجي، تذكر التفاصيل...
أجابه ببرود يقطع إستغلاله للموقف: ليندا كانت تسبب لي الصداع بحديثها عن مستقبلنا و نحن نواجهكم مرة أخرى...

أردف مشيحا بوجهه الذي اكتسى غضبا تخلله الأسى: كانت تفرط في حماس لاداعي له.

لهاروكي قدرة الفهم الآن، له أن يعي مدى مشاعر والده المحطمة...وله قدرة المواساة: تفتقدها؟

أتى الجواب مغايرا للمسألة: لو كنت أعلم فقط أنها ست...

بتر إبنه كلماته الهادئة بصرامة بسؤال يتحدى به صعوبة الجواب: كيف مات نيك؟

ابتغى حقا عدم الإجابة عن مايعلمه كلاهما يقينا إلا أن إصرار إبنه المجهول بمواجهة حدقتيه جعله يجيب: مقتولا...

جعل هاروكي ما رآه واقعية المجريات على لسانه : قبل أن أعود لتلك الأيام واقع موته كان مرضه ،لا مقتله...عندما يقدر الموت فلن يتغير شيئ.

ظهرت بسمة حزن ممزوجة بسخرية على شفتي والده : هل تصورت أنني سأتمنى عدم وجودك مثلا؟...أو عدم رؤيتها ؟

وضع قبضته المغلقة تحت ذقنه متما:..مازلت صغير العقل، كل ما هناك أنني لم أصغ لما تقول بجدية، عن اهتمامي بنفسي و شوقها لك.

اشتعل فتيل هاروكي بلكنة التعجرف الواضحة لدى مقابله : لازلت مغرورا.

شعر بنشوة النصر لوصوله لغيظ هاروكي: و أنت لازلت نزقا.

أكان هذا بيان تصديقه لحديث فتاه ؟!
إن كان كذلك، فهو قد تكفل بأخذهما فترة تحدي الأعين بشرار متصل حيث أشبك هيجي كفيه مستفزا حتى قطعه هو ذاته بجدية: كن حذرا هاروكي... ولا تبعد عينيك عن صديقتك، فقد عاد ناوكي.

ارتعشت أطرافه معيدة معها غضبا دفنه مدة لينهض بإنفعال: ذلك الوغد...اختبأ كل تلك الأعوام ليظهر الآن!!!

تصرف هيجي مبتغيا تهدئة ثورة تيقظت بهاروكي بالتوجه نحوه واضعا يده فوق كتفه: إهدأ لا تنس أن هذا حدث قبل عشرون عاما.

رمى بيد معينه صارخا: لك نعم، لكن لي فمازلت أشعر ببرودة دم نيك على قميصي.

رفع حقيبته متجها للمخرج مخرجا ما بجعبته: جيد عاد، سأنهي ما كان يجب علي...و لن أتهاون معه مثلكم، جعلتموه يهرب من الأسبوع الأول.

ارتفعت نبرة والده الحادة: أنت رأيته ،إذا تعرف كيف أنه ثعلب بألف يد.

علا صوت قبضته المتلاقية مع الباب الخشبي الأبيض: أعذار واهية..واهية...

خرج بنية لبس الحذاء ليتبعه والده بغضب ظاهر: لا تنس أن نيك ضحى لتبقى ..تفهم؟

أكمل ربط حذائه ناهضا : لاتخف،لست أول من تقول هذا...تتحدثون كأني على موعد معه.

حاول إبداء مايريد من قلق و إضطراب حول صغيره الشاب: هاروكي كن متي...

قاطعه المعني بجملة نهائية: دعنا نتحدث لاحقا هيجي، لقد تأخرت على إيريكا.

واجه والده بصفق الباب ليتركه خلفه يتنهد قائلا بتقطيبة واضحة: ذلك الأحمق...
أردف بعد ملاحظته الساعة: لأذهب، لا بد أن نوي ينتظر في المقر.





حنين...
يستشعره المغترب عن حياته و يقطعه العودة لحيث يجره الإشتياق...
و هذا ما هو حاصل...
فقد انقطع حبل حنين طال حقا ، حنين يفتقد كلما ذكر القلب أسراره...

فهل للحنين إشتياق!

أنهى ترتيب تعقله للأمور ليزين ملامحه بإبتسامة صامته مواجهة تلك الملوحة له بمرحها المعتاد: تأخرت اليوم.

أسرع في خطاه لها وكأنه ذاق طعم بعدها لأعوام:لا ضير ، أعوض إنتظاري لك ...و أهذا بدل الترحيب؟!

تمسكت بذراعه تجره بلا اكتراث: صباح الخير أيها المطرود المعتوه.

أفلت ذراعه و بدأ بجر وجنتها بغيظ مصطنع: تفائل سيئ...

تركته مهرولة ليكون خلفها بأمتار: المدير سيترقب حضورنا بعصى من حديد.

خففت خطواتها طالبة مباشرته بتوتر أوضحه ركلها للحصى: هاروكي...أنا رأيت حلما غريبا.

همهم معيرا إنتباهه لها لتبدأ بسرد ما حصل: تذكر أمنيتنا ...حلمت أنها تحققت و ....

أسكتها ضحكته الجهورية المباغتة و هو يقول: حلم!...لم يكن كذلك ، بل كابوس دام أشهر.

دوت صرختها حتى أوقفت المارة و أسقطت سائق دراجة فزعا: هيييييييييييه، لقد حصل كل ذلك بليلة.

عصبية طغت لحنه الذي أظهره من جانب فمه: أخفضي صوتك دراكولا، أحرجتني.

تقلصت تضم نفسها بحمرة خجل و حرج:لكن...ذلك..

صفق مثيرا غضبها لمنظر جذبه: ردة فعل ممتازة سيدة دراكولا..

عادت تخطوا مدخلة شكها المثار ليظهر: أخشى أن تكون تصرفات أبي الغريبة بسبب ظهور ناوكي ثانية...إنه قلق.

أيدها باصما شكها باليقين: لقد عاد فعلا.
لم تظهر ذهولا أو دهشة ،فهي كانت تنتظر هذا الخبر بأي لحظة ، لكنها عضت شفتيها بحرقة خطها ذاك الماضي العصيب: لن يقربنا...أمي لايجب أن تواجهه ثانية.

اندماج هاروكي بالحديث معها قاطعه شيئ علق بمعطفه ، بالأصح ..يد جعلت مشيه عسيرا بينما صاحبها بتوعد: أين؟




عادت صورة الهرم بالظهور...
مع عينان موبختان و صرامة كلماته المعتادة...
لم يتغير به شيئ...شعره أبيض، عينيه باهتتان، و جسده هزيل بضعف رسمتها صعوبات أيام سالفة ، إلا أن ماتغير هو احترام هاروكي و إيريكا...
لم..؟!
لأن الوعي كفى بصياغة الأيام ...اليوم أنا شاب طائش، غدا أنا عجوز يمقته شاب آخر...!

اليوم أنا لم أر ما سأواجه من عواصف الدهر..و غدا عواصف الأحداث ستطغى ملامحي بشيخوختها..!
ليست مزحة هذه الدنيا، بل المزحة الإستهانة بها...



تحدث هاروكي بجدية صريحة:لقد أخرني الحديث مع أبي، فكما يظن هناك مجرم يريدنا.

رفع نظارته بسبابته كعادة شبابه:تقصد أن الوضع أمني؟!

أجادت إيريكا لحن الثقة متدخلة: أجل، هذا هو الأمر.
وجه مسطرته الخشبية نحو هاروكي:لم لم تخبرني؟...

أجاب:لم تكن هناك فرصة مناسبة ...صدقني.

أدار جسده ليقابلهما بظهره:حسنا إذا...إذهبا، لكن لن يطول أمر مسامحاتي معكم...

خرج الإثنين ليضرب جبينه المتعرج بخفة: لم ابتليت بهذه العائلة ذات المشاكل...لحظة، لم أشكالهما مألوفة...

أردف بعد لحظات من التمعن: أه، الشبه...هاروكي نسخة أبيه.

جلس على مكتبه مردفا في نفسه:..ربما.




بعثرت خصلاتها المزرقة الواصلة كتفيها نسمات هواء تمردت من خارج النافذة بينما قدميها تتأرجحان أسفل الطاولة التي جلست عليها و يديها مبسوطتان....

كانت ملامحها الصبيانية بشقاء تتحول مزامنة حديث المتكئ يسارها...
ذاك عريض المنكبين وسيم الطلعة ببشرته البيضاء و شعره الذهبي مع عينان خضراوان...

عايشا المتعة في إنعزالهما معا إلى أتى صوت تدخل محاكيا الشاب: بدأت تتأقلم معها مايك.

استقام ينظر للوافدين بإبتسامة عذبه و أجاب بلهجته البريطانية الصارخة بثنايا كلماته: سيرا فتاة لطيفة.

قفزت سيرا لتقف بمرح ضاربة بذراعها خصره: أستقبل ثنائك بصدر رحب .

أرخت إيريكا جفنيها بخبث و،هي تتقدم بخطوات متطعة تعمد إستفزازهما: هناك هالة زهرية تحوم حولكما...هل من تفسير؟

بان تحدي إستفزاز من طرفها قد قبلته سيرا: هه، من يتحدث؟... أنظري لنفسك و لمن يتشبث بك يوميا بحجة الهروب من معجباته ...أنتما أكثر وضوحا بهالة العشق عزيزتي.

تسائل مايك ببرائة ظاهرة: مالذي يقصدانه هاروكي؟
أجابه المعني بهدوء: كل ما هناك أن إيريكا تظنك وقعت بحب سيرا.
علته إبتسامة وثوق و هو يحدث زميله: أنا كذلك، أحببت سيرا.

صمت الجميع بينما قال هاروكي بحيرة: صريح للغاية!

و ما قطع ثواني الصمت إلا انتهائها بضحكات مرحة، استعاد بها بطلينا سر ضحكات سابقة...مع أصدقاء لا مكان لهم غير الذكرى و القلوب....





ربع حزنه على عرش جنانه ثانية...
ليس ثانية، بل بات تجاهل سكن هذا الحزن محالا في حين أنه سيناضل لمقاومته....

تفهم الممسكة بحقيبته لم يكن سرا لكنها لم تجبر نفسها على الكتم أيضا: هل أنت واثق من الذهاب لها؟


شهر مابيده مجيبا على أول مشكلة عصيبة يجتمع معها بها: مادام بيدي أجل، لابد من الذهاب.

أضحت تسيطر على هدف يوحي بلطافة تقوده للتغاضي عن حالته العسيرة : لا تنس أنها ليست تلك الفتاة ذات السبعة عشر عاما، تهيأ لوجهها الثلاثيني.

ابتسم لتعاطفها و أشاد لقولها: تشوقي هو لرؤية هيرو، هل يشبهه ياترى؟

تململت قبل إجابة مزعجة: ليس الجميع مثلك هاروكي.

رمقها بنظرة تتطاير شرار قبل أن يفتح بوابة المبنى: ذكرتني، لي حساب معه.

ابتعدت عنه بعد أن أشاح بوجهه راحلا: أنتظرك على مقاعد المتنزه.

استنتج إبتعادها فاستجمع قواه بعد أفكاره ليتقدم نحو ناحية الإستقبال...
إستقبال يستقبل أصعب لقاء و موعد!

تجلت غرابة الموقف بعدم ذهوله من زهو القاعة بتلك الثريات الكريستالية و الإضائات الممتزجة بألوان عدة مع زخارف أضحت إطار السقف الرفيع...
كل ذلك غاب عن واقعه و لا مكان إلا لحروف صديقه التي باتت تتكرر برنين على مسامعه...

وصل للموضفة الجالسة تحرك أصابعها النحيلة على الشاشة اللمسية التي تقابلها و نطق: هل السيدة ميزاو هنا؟

رفع حاجبها المكتحل بالسواد كشعرها القصير و توقفها عن الكتابة اللمسية كان دلالة واضحة على غرابة جملته: السيدة؟!

لم ينتظر تفسيرا لهذا التعجب بل قال من فوره: و السيد ميزاو...أقصد هيرو ميزاو.
جديتها لم تكن شيئا أمامه وهو يواجهها بتصلب و صرامة نظرة فحركت بؤبؤتيها الزرقاوين تدير معهما أفكارا توازي الموقف: السيد ميزاو مشغول و لايستقبل أحدا دون موعد مسبق.

كانت تصرفاتها الباردة استفزازا باطنيا يواجهه: له أمانة لدي..يجب أن أوصلها.

مدت كفها لتنهي هذه المحاورة بحل: سأوصلها له.
خزر معلنا بداية نفاذ صبره: يجب أن أعطيها له بنفسي.
لم تجد بدا من رفع السماعة البيضاء بجانبها لتجري إتصالا داخليا لرئيس الشركة و منتهى غاية الآتي لتقول بعد لحظات: أعتذر على الإزعاج سيد ميزاو، هناك شخص يقول أنه يملك أمانة لك...

أطرقت لحظات لتقول: يود تسليمها بنفسه سيدي...حسنا، أجل...سأخبره.


وضعت السماعة و قالت لهاروكي برسمية: تفضل، إنه يستقبلك في مكتبه، الطابق الأخير.

شكرها و اتجه نحو المصعد، كان خاليا و هذا ماجعله يرتاح قليلا قبل أن يصل، رغم أن هذه الراحة تسيطر عليه بتوتر تام!

ضغط على الزر الأخير الذي كتب عليه العدد الخامس و الأربعون، كان برجا أكثر من أن يكون شركة بطبيعة الحال...

استند على جدار المصعد و كتف يديه ليجعل مركز أفكاره حول صديقه الراحل و بات يستحضر لقائهما الأول...

تذكر كذبة نيك الأولى، كانت عند تعريفه بنفسه...نيك مونديان...!

قد تكون كذبة لأجل جذب صديق لنفسه عوض صديق منافع،من يدري؟!

بات كالأبله يبتسم تاره و يتجهم وجهه أخرى مع كل ذكرى...

حتى سقطت دمعة من طرف جفنه المغلق ليمسحه ببرود: سحقا..

وصل بعد فترة اختلى بنفسه بها، خطى خطوات متزلزلة لباب بني قاتم، طرقه لسماع صوت أوقف أنفاسه: أدخل...

كان صوتا مألوفا له لدرجة كانت توقعه أرضا..!

أنزل المقبض لتظهر له الأرائك المخملية على الجوانب تتوسطها طاولة بشكل نصف دائرة تماثل في لونها باب الكتب...

لكن ،لا أحد هناك ...!
تفحص بعينيه و هو يمشي في سعة المكان بحذر...

حتى وقف أمامه...أمام ذو الشعر البني و العينان الخشبيتان و هو يكتب في دفتر جلدي صغير بينما تعلوه نافذة مفتوحة...!

استحال عليه عدم التلفظ بإسم "نيك" و ما يقابله مسرح آخر للقائه...

أغلق الجالس دفتره ناطقا: قلت نيك!...ذاك هو إسم والدي..أنا هيروا، إبنه..

أردف بعد أن نهض يواجهه بإبتسامة واثقة: ..أهلا هاروكي، كنت بإنتظارك.

بعدت سيطرته على دهشته، من أمامه...كان زبونا بمطعم يوري ، هل يعقل؟...: أنت.
أطلق هيرو ضحكة خفيفة: لاداعي لأن تنحني بغباء الآن.
أشار هاروكي بسبابته له: أنت...

جلس على حافة النافذة يشرح موقفه: لست أنت الوحيد من يتمنى، أنا أيضا تمنيت العودة لأرى والدي و أمنع موته...لكن، تفاجأت بحدادكم عليه..!

وقف هاروكي بحذاه ينظر للشارع العام المقابل: هل عرفك..؟
أومأ نفيا قائلا بحسره: ليته علم، ربما لم يكن ليفخر بي لكنه..كان سيرى إبنه الذي لم يقابله طويلا..

تنهد هاروكي قبل سؤاله التالي : كيف عرفت أنني من هذا الزمن؟

هيرو بحزن جلي : ذاك الغبي كتب ماحصل له كقصة..عندما عدت، اكتشفت وجود قصة تعد خيالية من تأليفه، و قد ذكرك بها.

استند على ذراعه الأيمن لينظر له: لاتتحدث عن والدك هكذا يافتى، قل لي لم تنتظرني؟
واجهه الآخر بجدية: حتى الأمانة التي لديك،ذكرها.

ضرب صدره المكبوت و سأل ما يرهبه جوابه : أخبرني، هل عاش نيك أكثر سابقا؟...أقصد قبل أن أذهب و يتغير كل شيئ، هل رآك و هل عاش مع روز أكثر؟

تحرك هيروا و عيني هاروكي تتبعه: أه، هل تود أن تعرف حقا؟

مسح هاروكي وجهه بكفه ليقطع قراره بإصرار داخله : أنت الوحيد الذي يملك الإجابة الآن.

زفر قائلا بألم واضح قد أخفق في إخفاقه: بعد شهرين، من مولدي.... و موته كان ساحقا لنفسية أمي...طيلة حياتي كانت تذهب لطبيب نفسي... لكن الغريب، بعد عودتي من تلك التغيرات لاحظت تغيرا بها أيضا...فهي تستطيع عذره الإنساني فتشعر بالفخر به رغم حزنها، حسنا... حالتها ليست ممتازة لكنها أفضل...

أتم بعد رؤية شحوب هاروكي:... لا أعرف ماحصل له حتى الآن و لن أسئل، لأني واثق أنه رغب بنهايته.

ضرب قبضتيه بجانبيه بانفعال لتتوالى حروفه التي كتمها فترة: بل كان يريد العيش..لأجل روز و لأجلك، كان كالمجنون حين سمع بحملها..ملأ بيته بالهدايا لتعود...كان يخطط للحياة لا الموت..

سكت يلتقط أنفاسه ليقول هيروا بتعجب: يبدوا أنك أكثر حزنا مني عليه.

فتح أحد أدراجه ليرمي الأوراق المصفرة نحو هاروكي: للآن، لم أتممها..إقرأها أنت..طبعا بشرط أن تعيدها.

أخذ هاروكي يقلب الأوراق و هو يتذكر متى رآها سابقا، أه...أول يوم من مقتله...
كانت مرتبة فوق الطاولة، حين كان يبحث عن دليل يدل على ناوكي...

قرب الأوراق يشمها بشوق و كأنه يحادثها، فهي أوراق تلمستها كفيه هو بعد نيك ، و يبادلها التحدث عن كلمات نيك الغريبة!

علم في سره أن لهذا اللقاء آثار لاتنكر، لكنه لم يحسب...
أنه سيعود سبعا يبحث عن فريسته بغية الإنتقام!

فالأثر المكنون هو عودة نيك بخطه، بصوته...و بقامته المستوية...


استدرك نفسه الفاقدة لوعي الفكر و وضع يده بجيبه ليفقد ما آنسه هذه الفترة ...

إلا أنه تذكر شيئا جره للتراجع: يجب أن أسلمها لروز.

رفع هيروا كتفيه مستوعبا: كما تشاء، سأعطيك عنوان المنزل...

وهذا مافعله بكتابة العنوان في ثوان ليسلمه له...

طوى هاروكي الورقة لينظر للجالس بحنان: آسف هيروا، قد فقدت الكثير بسببي... ربما ملكت الكثير من الصور معه...

ملأ كوب ماء ليقدمه لهاروكي: تفضل...
ثم شبك يديه مبينا : أنت على حق في هذا، لكن...لحسن الحظ أني كنت أمسك ببعض الصور حين انتقلت، وقد عدت بها...مارأيك لو تزورني الليلة ، عندها...سأريك إياها .
أظهر ترحيبا بالفكرة قبل وقوفه هاربا من حرب مع نفسه : فكرة جيدة ، أنا ذاهب الآن...اعتن بأمك.

تبعه هيروا بحجة التوديع ليقول له خارج الغرفة: عندما تأتي...لا تستغرب، فكما قلت لك ، أمي ...ترتاد طبيبا نفسيا.

فتح هاروكي أزرار قميصه بغية التنفس: روز، مازالت تعيش يوم فقده...هذا ماكان يهرب منه هو.

طأطأ ناظريه مستسلما لأجواء صديق والده المتوفى : أنت تعرف الكثير، لذا كنت أتوق لقائك.

عندها...
عانق هاروكي مقابله قاطعا نزاع حربه الواقعة بساحة التعقل و التجلد : وقفتك...قامتك ..حتى نظرتك، كما لو كان نيك أمامي الآن.

استشعر هيروا حيرة من موقفه: حسنا...لا أصل لشبهك بأبيك.
ابتعد هاروكي بغضب مصطنع: نحن..نقيضان...

أتم بعد أن نظر لباب المكتب: أتعرف...أهم مالدى نيك ،هو روز...فاعتن بها.

حاول هيروا بيان سخرية: يبدوا أنها كانت سيرة عشاق.
أطلق هاروكي ضحكة خفيفة لتذكره حوار نيك الأخير معه: كان كالفتيات ،مثلك...

شعر الآخر بالإستياء:إيييييه.





جلس مغمضا عينيه بإرهاق...
إرهاق لجهد جهيد ليقاوم تلك المواجهة القاتلة...
روز...
تخلت عن حياتها بعد نيك و جعلت نفسها ضحية حبه..!
هيرو...
يتيم أسره الشوق لوالده ليسمع عنه قتيلا بعد أوان...

وهو....
حبيس أخوة قطعها يوم تعيس برصاصات استهدفت محو راحته...

أحس بيدها المتلمسة لعنقه بخوف: هل كل شيئ على مايرام؟!

أطلق زفرة ألم قبل إجابة كساها الحزن: بعض الهدوء و أكون بخير.

رفعت كفها لشعره لتحرك خصلاته المتهاوية على وجهه لتبعدها عنه: فهمت.

رفع يده ممسكا يدها ليقول بهدوء: لاتقلقي، مادمت هنا فأنا بخير.

توردت وجنتيها بحياء أخفى معانيه التي باتت تدنوا منهما أكثر فأكثر...

و مع ذلك لم تستطع أن تشق الإبتسامة طريقا بينهما...





فتحت باب منزلها دون أن تنبس بشيئ عكس عادتها المرحة...
تبعها المحاط بهالة الحزن حتى انعطف يسرة للمطبخ ليفتح باب الثلاجة آخذا منها شراب كولا...
أكمله برشفة واحدة مما علل لها كم هو بحال يائسة...!
شهرين...
شهرين كان لنيك فرصة السعادة بأبوة ..
شهرين عاشر ما كونه من عائلة...
تلمك شهرين أصبحت سما لادواء له..!

همست بصوت متردد للخروج و هي تمسك بحد الباب: هاروكي.
رمى بعلبة الكولا في سلة المهملات قبل إجابة سؤالها الباطني: بخير...

عدم الإقتناع حالف ملامحها لكنها ابتعدت متجة لغرفتها لتغيير ملابسها ، و في الطريق واجهت أمها...

تساؤل كاوروا كان واضحا من ملامحها قبل لسانها: هل حدث شيئ؟
أومأت سلبا : لاشيئ.

أكملت طريقها لتنزل كاوروا و تفاجأ بهاروكي الذي يضرب رأسه بالحائط: هاروكي!

عاوده الجنون حتى بات يرمي كل ما يواجهه حتى علت أصوات تكسر ما تمسه يداه متجاهلا ظهورها أمامه..

لم يكن من إيريكا غير العودة لحيث كانت بفزع و هي لم تفعل سوى خلع سترتها ..!

تبادل الأم و ابنتها النظرات الحائرة قبل أن تقترب إيريكا منه بخوف من تصرفاته المسيطرة عليها الغضب: إهدأ هاروكي...أرجوك، أنت تخيفنا.

لاحت لها حمرة عينيه لتعيد لها كلماته الغاضبة: إبتعدي عني...

لبت طلبه و هي غارقة في غضبه الذي أعاد لها قساوة لحنه ...و بصمة نعته لها «بإبنة العصابة»!

تدخلت كاوروا بصرامة لكنتها: هاروكي، أوقف هذه المهزلة ...هل تعرف ماتفعل؟

أراد أن يصرخ معلنا انتهاء طاقته و ضعف قلبه إلا أن وجهها و عينيها قادته للخجل من نفسه، فهي خالته..!

أنزل عينيه مهدئا نفسه: آسف.
أرخت ملامحها هي الأخرى لتحادثه بعطف: ما الخطب عزيزي؟... واضح أنك لست بخير..

صوت رنين قطع فرصة تبريره لتهم إيريكا للتوجه للمخرج إلا أن هاروكي أوقفها: قفي.

باشرته بتساؤل: ماذا هناك؟

تقدم هو بينما حول عينيه لنافذة تطل على الخارج: أنا سأذهب.

وضعت كاوروا يدها على رأسها يأسا: ليس أنت أيضا...

فتح الباب مظهرا إبتسامة عذبة: تأخرت كثيرا...
رمقه الآخر بنظرة عتاب: شكرا للتحية.

ابتسم ابتسامة مهيبة و هو يوجه عينيه لفراغ مجهول خلف نيكولاس: من حدثك؟... كنت أتحدث مع الضيف..

أدار نيكولاس جسده لترتمي حقيبته السوداء من يده ظاهرا عليه الذهول...!
فما رآه يقظة كابوس مهول....
لم تنفك عيناه الجاحظتان التحديق به وهو لايكاد ينطق: ن..نا...ناوكي!











س: هل لظهور ناوكي عواقب وخيمة؟
س: هل سيتلذذ هاروكي بالإنتقام لنيك؟
س: هل تصورتم حمل كاوروا؟
س: مارأيكم بشخصية هيروا، و هل توقعتم ظهور شخصية مثله؟
س: هل سيتعدى هاروكي محنته؟
س: و هل لنيكولاس ظهور قوي الآن أيضا؟
س: كيف سيكون لقاء روز مع هاروكي، فهل ستذكره؟
س: أكثر مقطع عجبكم؟
س: انتفاداتكم..

قراءة مُمتعة ،،


التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 11-10-2016 الساعة 06:53 PM
رد مع اقتباس