انتظرت طويلا موعد سفري البعيد .
نسجت في مخيلتي آفاقا مشرقة للقادم العنيد .
أذكر حين لوحت بيدي معلنا رجفة الرحيل ،
لمحته يخفى محياه خلف كفيه .
نفث زفيرا أشعل الحرائق في كل سبيل .
رافضا إبداء ملامح تجهش أسفا على فراق الغض النحيل ،
إجهاشا يحث النائحات الواجمات على العويل .
اختفت تحت أسارير الدهشة الخانقة .
أخذت الألوان التي تتلألأ في داخلي تتوارى
مستسلمة لهبوب العتمة الكاسحة .
أغدو وأروح وكأني أعد حبات فسيفساء الرصيف ،
تتقاذفني أنامل مشيع متحسر ، ومجادف قارب متحفز .
طموحي يبدو مصرا على الرحيل ،
ينضو عن ناصيتي غبار التردد المارد .
انزلقت نحو عتبة الركب الرابض .
خلفت ورائي همسات أحلامي .
نشرت ذكرياتي على الرصيف الممدد خلفي .
أطبقت جفوني ، أهون من هول مصابي .
استعرضت أسراري الدفينة المتوارية بأستار غفلتي .
طرحت بعيدا باقات الدلل المتساقطة من أغصان أيام طفولتي .
أناجي دؤابات القلق الملح ،
أستانس بخيوط الضوء الباهت المتسلل ،
عبر ظل سحابة المجهول الزاحف .
أسبح في عراء هذه البيداء المتموجة ،
أسير عدوا إلى أبعد من مدى الصياح .
يسوقني أمل تفجر نبعا من داخلي ،
ملأ شراييني دما فوارا ، يفيض سناه على الوجنتين .
يدروني بلطف مثلما يدرو النسيم رذاذ السحاب المديد .
مد جناحيه ، فتسلقت مدارات النجوم .
قاومت الانتماء القديم بأتراس النسيان والوجوم .
غدوت في متاهات الجديد أشيخ ألف مرة بين ليل ونهاره .
وعلمت يقينا أن كل ملتفت إلى الخلف يشنق بحبال ارتداده ،
ويمثل بمشكاته على مدخل إقامته وفوق ألواح جدرانه .
سحبت روحي من ظلمتي . طرحت جانبا أكداس ذكرياتي .
تركتها لتعبث بها أيدي رياح غربتي .
أجدني أعدو بلا جسد ولاهدف ، أسابق طيفي .
أنسج من ومض البرق رداء لحظات حتفي .