"لماذا تبكي يا قلبي ؟ لا أحد معي ليمسح دموعك"
دعونا نذهب إلى إحدى الأحياء الفقيرة في منطقة أبروتسو .. حيث كانت تلك المرأة تسير بين المارة وهي تمسك بيد إبنها بقوة شديدة وقد كان يبدوا أنه في عامه الثالث والذي كاد يموت من البكاء .. والغريب أنها لم تهتم لبكائه بل تابعت سيرها دون أدنى إهتمام حتى وصلت إلى منزل متداعي عندما تراه للوهلة الأولى تشعر بأنه سيسقط على رؤوس أصحابه .. وضعت الطفل على الأريكة .. ثم رمقته بحدة وهي تتحدث بنبرة بان عليها الكره والحقد والجفاء :
- لولاك .. لما كنت هنا الآن .. لا أعلم كيف علي استحمالك لمدة خمس أعوام .. ولا أفهم لماذا رفض أبي أن أقتلك منذ اليوم الذي أنجبتك به.. أو ربما كان علي إلقائك في القمامة فهو المكان الأمثل لوالدك الذي قضى على حياتي ومستقبلي .
زاد بكاء الصغير بسبب الخوف الذي إعتراه من طريقة حديثها معه .. وهي سرعان ما أمسكت به بقوة وقسوة ورمته في إحدى الغرف لتغلق الباب خلفها .
من شدة كرهها له فهي لم تختر له إسماً حتى .. فقبل ثلاث سنوات ونصف .. تقدم فارس أحلامها لخِطبتها ولكن والدها رفض ذلك بسبب إدمانه على الكحول .. حاولت إقناعه بأنه وعدها أنه سيترك الكحول بعد الزواج منها قائلاً أنه يستحيل له أن يعرض أسرته للخطر بسبب إدمانه .. إلا أن كل محاولات إقناعه له باءت بالفشل .. وفي إحدى الليالي فرت هاربة من المنزل بعد شجار مع والدها مجدداً .. ولكن سوء حظها أخذها إلى مكان هي نفسها تجهل كيف وصلت إليه .. حيث وجدت نفسها خلف إحدى الحانات .. وما إن قررت أن تعود أدراجها .. حتى أمسك بها شخص ما وجرها إلى الظلام ليسرق منها أغلى ما تملكه أي فتاة في الوجود .. إستيقظت في اليوم التالي لتجد نفسها بالمشفى مع والدها .. ودت لو تختفي عن هذه الحياة .. إلا أن صدمتها الحقيقية كانت عندما أخبرها الطبيب بأنها حامل .. وأنه سيكون من الخطر أن تجهض الطفل .. حاولت إقناع الطبيب بأنها مستعدة لتحمل أي مخاطرة ولكن والدها إعترض .. وطلب منها أن تترك البلاد وتغادر على أنها تزوجت من شخص ما وعندما يكمل طفلها خمسة أعوام يمكنها أن تتخلى عنه بالطريقة التي ترغب بها حيث أنه سيكون قادراً على تعلم تحمل المسؤولية لوحده .. لا تعلم أي غضب تملكها في تلك اللحظة بعد أن مرت على ذاكرتها تلك الليلة المشئومة .. وعقوبة والدها الذي يملك من المال ما يمكنه من شراء مدينة كاملة ولكنه عاقبها بأن تعيش وتكسب رزقها لوحدها دون أي مساعدة .. ذلك الغضب جعلها تتجه إلى الغرفة الذي وضعت الصغير بها .. فتحت الباب بقوة لتجده يبكي في إحدى زوايا الغرفة .. نظرت له بحقد قبل أن تمسك العصا الموضوعة بجانبه .. نظر لها برعب شديد وما إن حاول أن ينطق بحرف حتى بدئت تنهال عليه بالضربات القاسية !
- الطفل بشيء من التردد : أُ .. أُمي .
- نظرت له بشيء من القسوة لتتحدث :" ماذا تريد الآن ؟"
- رمقها بنظرة خافتة بعيناه الرماديتان ليتحدث مجدداً :" هل تريدين الرحيل لمكان ما ؟"
- نظرت له و الابتسامة لا تفارق شفتيها لتتحدث :" أجل وأخيراً سأرتاح من وجودك معي "
- أخفض رأسه ليتحدث بقليل من الخوف :" أتريدين التخلي عني ؟"
- دون أي تردد :" بالتأكيد , ليس وكأنني رغبت بإبقائك معي منذ الأساس ولكن لا يهم بإمكانك البقاء في هذا المنزل فأنا سأتركه هنا .. وقد قمت بتسجيلك للمدرسة .. وبالمناسبة اسمك هو ويليام "
- بخوف وألم :" و .. ولكن أمي أبقى بمفردي ؟"
- ابتسمت بكل سعادة وهي تجمع أشيائها قبل أن تلتف إليه وغضب شديد يشع من عينيها :" أغلق فمك وإلا سأقوم باقتلاع رأسك "
أراد أن يجيبها و يخبرها بأنه لن يمانع من ذلك بدلا من التخلي عنه بمفرده ليواجه هذه الحياة الظالمة ولكن رُزمة النقود التي أُلقيت بوجهه بقوة منعته من التفوه بحرف وهو يرى والدته تسير إلى الخارج من دونه !
انهمرت دموعه وهو يراقبها تغادر بتلك السيارة الفخمة دون أن تنظر للخلف ولو لعدة ثوان, شعر بأن روحه تُسحب من جسده ببطء وهو يدرك بصميمه أن لا أمل له برؤيتها مُجدداً فهو حتى لم يكن يعلم ما هو اسمها أو إلى أين توجهت , كل ما تمكن عقله من استيعابه هو أنه أصبح وحيداً بلا أي شخص يؤنس وحشته .
<<<
مقتطف من رواية كنت بكتبها قبل ثلاث سنوات وتوقفت بعد
شهر :heee:
لقيتها صدفة اليوم وانا ببحث بين ملفات الاب x.x1