عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 07-31-2016, 05:40 PM
 












الفصلُ الثالِث :مِهرجانُ الصيد


مهما أهملَ الإنسانُ زهرةً في البراري ، ستجدُ تِلكَ الزهرة طريقها للنور ، ستعيش ..
سينسلُّ نور الشمسِ لها ، سترويها حبّاتُ المطر ، لن ينقطِع عنها الهواء ، ستعيشُ بالفعل
و لكن إذا كانَ لهذهِ الزهرة لسانٌ لنطقتْ بكميّةِ الوحدة القاتلة التي تختلِجُ صدرها ، للفظتْ صرخاتها من شدةِ الألم الذي يحتكِرُ روحها ...
لتمنتْ لو تجدُ مَن يشدُّ مِن أزرها !

* * *

انتهتْ الثورة منذُ ثلاثَ سنين ، تلكَ الثورة التي بدأت في اليوم الثاني و العشرين من يناير عام 1905 م
يومُ الأحدِ الدامي .
لم أُبالي كيفَ انتهت و لكني بالفعل سألتُ عن بداياتِها .
لم يكُنْ القيصر نيقولا في البلاط الملكي ذاك الحين ، و لمّا تقدم متظاهرون غير مسلحين من عُمَال الحديدِ والصلب و قاموا بالزحفِ نحو أبوابِ قصر الشتاء ليقدموا إلتماساً للقيصر نيقولا الثاني ، وعندما دخلت الجموع إلى ساحة القصر ، أطلق الحرس الإمبراطوري الروسي بوابل من الرصاص عليهم ، غير مُباليينَ بأنهم سيفتحونَ أبواباً للثورة لا حصرَ لها...
و لكن الفضلُ لأولئِك الحرس بأني قد سلكتُ دربيَ ، بعيداً عن الوحوشِ باردي القلب مَن يُطلقُ عليهم « بَشر »
الغابة مكانٌ هادئ تطغوه الدماثة ...
الملاذُ حيثُ وجدتُ كياني ، و شعرتُ اني ذات فائدة للحيوانات اللطيفة ....
مع أن قدرتي تفاقمت بشكلٍ غريب فقد صِرتُ قادرةً على رؤية موعد موت الحيوانات و النباتات و لم أجد تفسيراً لتساؤلاتي .

حاولتُ ختم نور عينيّ مراراً و لكن لم أستطِع أذيتهما !
و الآن انا تقبلتُ ذاتي المكروهة ، انا أحبُّ نفسي ...
انا احبُّ الفتاة المسماة " صوفي " ...

* * *

صخبُ المغنيين الشعبيين يمنحُ المكانَ رقصةً زاهية ملائمة للزينة و اللفائف الملونة التي تشارك الحضورَ أجواء الفرحة .
منصةٌ خشبية يتدلى من سقفِها ستائرٌ حمراء بتطريزاتٍ ذهبية لامعة .
لاعبو خفة و نافخو نار
عازفو مزامير ، يطلقون ألحانهم ليُطرِبوا أفاعٍ تهتز عضلاتُها مندمجةً على النغمات .

وقفَ جمعٌ من الرجال بزيٍّ أحمر و أسود مقلّم بالذهبي مُصاحب لقبعاتٍ طويلة سوداء ، يحملونَ بأيديهم أبواقاً نُحاسية
ليطلقوا صرخاتِها معاً ، جاذبينَ إنتباه الجماهير إلى المسرحِ الذي فتحَ أحضان ستائِره ثم اعتلاهُ رجلٌ متوسِطُ القامة بملابِس مُسربلة بِالأسود متناسقةً مع لونِ عينيهِ و شعرِه القاتِمان ..

" اليوم 3 / 5 / 1910 م لقد تم إفتتاح مهرجان الصيد !! "
مع وقعِ تلك الجملة صاحتِ الجماهير معاً بِحماس ....

تابَع : " كالعادة سأقدِّمُ شرحاً مبسطاً عن الفكرة و اقرأ عليكم قائمة القوانين فربما كان بينكم منضمون جدد أو ذوي ذاكرة قصيرة الأمد . "

أصغى الجميعُ له بإنتباهٍ و حرص ، فنسيانُ كلمة واحدة من كلماته قد تؤدي للمسائلة القانونية

" مهرجانُ الصيد هو مهرجانٌ يقامُ بالعلن أمام عيون الناس ، و النتائج التي نحصدُها تعرضُ على الملأ و لكن ليس أيُّ شخصٍ قادرٌ على الانتساب ، هناك متطلباتٌ عديدة ، سنتخطى ذكرها الآن ....
فكرةُ مهرجاننِا قائمةٌ على كلمةِ صيد حرفياً ، فنحنُ نحققُ بإشاعاتٍ عن الاشياء الخارجة من نطاقِ الطبيعة التي تناقلتها ألسنةُ السكّان ، نكتشفُ الحقيقيةَ مِن المزيفة ، و اذا كانت الإشاعة صحيحة فسنصطاد ذلك المخلوق و نحضرهُ إلى المعرضِ الذي يفتحُ أبوابهُ بعد المهرجان ! "

صفقَ الحضور و انحنى الرجلُ بإحترامٍ مصاحب لإبتسامة عريضة
بسطَ يديهِ في الهواء ليتوقفَ التصفيق
ثم أخرجَ من تحتِ كُمِّه لفافةً ورقية مغلَّفة ، فتحها و بدأ بالسرد :
" القوانين :
1- يتِمُ منحُ المهام للصائدين بالقُرعة لذا يُمنع الاعتراضُ منعاً باتاً
2- لا مسؤولية علينا بأي اضرارٍ قد تتعرضونَ لها حتى و ان بلغ الحدُّ بِكم إلى الموت
3- الجائزة المالية تمنحُ لكُلِّ صائدٍ عاد حيّاً و قد إكتشفَ الحقيقة مِن الزيف
و اذا كانت الإشاعة حقيقية و لم يتم اقتناصُ الفريسة من قبل الصياد لن يُمنحَ الصائدُ أي مكافأة
4- لن نناديكُم باسماءِكُم بل بحسبِ ارقامِ اشتراككُم لذا رجاءً ابقوا تذاكر الاشتراك معلقةً على صدوركم
5- يسمحُ بأذية الفريسة بحسبِ رغبتِكُم دونَ الحولِ بموتِها طبعاً
6- قد تُمنحُ بطاقاتٌ فيها الفريسة نفسها لأكثر من صائد و لكن لن يعرِف أي صائدٍ بأن هناك من يشترِكُ معه خفيةً ..
7- مدةُ المهرجان شهرٌ واحد بدءًا من اليوم
8- اذا أُزعِج النَّاسُ من تصرفاتِكم و اشتكوا منكم سيتم إلغاء اشتراككم و معاقبتكم
9- اي أذية للأشخاص العاديين ستحاسبون عليها في السجن
10 - يسمحُ بمشاركةِ الذكور و الإناث

هذِهِ هي القوانين و قد يكون أغلبُها غير مفهوم
و لكن ما يجب فهمهُ هو أن الجائزة الكُبرى تساوي 5 ملايين قطعة نقدية مقدمة من العائِلة المالكة !
و سيتِّمُ الآن سحبُ البطاقات "

تقدمت بين الحضور فتياتٌ بأقنِعة مزخرفة و ملابِس غير مُحتشمة ..
يحملن بأيديهنّ صناديقَ خشبية ...

بدأ السحب ...

وصلت إحدى الفتيات إلى شابٍ طويل بشعرٍ مجعّد ذو لونٍ أسود مموج بالزرقة ، و عينانِ كأحجارٍ بحرية سرقت لونَ السماءِ المُنعكِس على البحر ...
دسّ يدهُ في الصندوق و سحب بطاقتَهُ المزركشة
قَلبَها ليرى محتواها
فوجدَ الخط العريضَ قد سطّر فريستهُ باسمِ
« ساحرةُ سانت بطرسبرغ »
بدأتْ رحلتُه تِلكَ اللحظة ....
غيرَ مُدركٍ ألى أين سيقودهُ القدر ، و مع من سيضطر للتعامل ..

نظرَ بجديّة اتجاه المجهول و نبسَ في قرارةِ نفسِه :" سأجدُكِ "
بينما في مكانٍ آخر

لفّت تِلك الصهباءُ ورقةً خضراءَ حول قدمِ سنجابٍ يبدو عليها التورم ، ربّتت على رأسِه و حملتهُ على كفوفِ الراحة
أعطتهُ قُبلةً لطيفة و همست له :" كُن بخير راسبوتين الصغير "
ليرمقها بنظراتِه السنجابية الظريفة ..


لم يرَ أيُّ منِهما خيوطَ القدر تتشابكُ بينَ مساراتِيهِما ، لتشكل جسراً يصلُ بين الصائدِ و فريسته ...



~ يُتبَع ~






رد مع اقتباس