رد: لحوم العلماء مَسمُومَة!!!!! المنهج الصحيح والعلاج الناجح لهذه القضية وبعد أن عرفنا الآثار المترتبة على أكل لحوم العلماء ، ننتقل إلى بيان المنهج الصحيح ،ووصف العلاج الناجح تجاه تلك القضية ، وذلك في نطاق آفاق ثلاثة : 1- ما يجب على العلماء في هذا المجال . 2- ما يجب علينا تجاه العلماء . 3- السبيل السليم لبيان الحق ، بدون الوقوع في العلماء . أولاً : ما يجب على العلماء : إن على العلماء أن يحُموا أنفسهم ، ويسدوا الذرائع المفضية إلى أكل لحومهم . وقدوتهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال ( على رسلكما . إنها صفية ))هكذا دافع المصطفى عليه الصلاة والسلام عن نفسه وحمى عرضه ، مع أن الموقف مع صحابته الأطهار الأخيار، حتى لقد استغربوا من قوله، فبين لهم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. ويمكن بيان كيفية حماية العلماء لأنفسهم في الأمور التالية : 1- أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله: ومن هنا جاء في القرآن التحذير من تخالف العلم والعمل، قال تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}[سورة البقرة ، الآية : 44 ] وقال – جل شأنه - : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون . كبُر مقتاً عند الله أن تقولون مالا تفعلون } ،[سورة الصف ، الآية :2 ] وحديث الذي يدور في النار كالحمار ، مشهور معروف وصدق الشاعر حيث يقول : يا أيها الرجل المعلم غيره ****** هلا لنفسك كان ذا التعليم لا تنه عن خلق وتأتي غيره ****** عار عليك إذا فعلت عظيم 2 - أن يتثبت العالم في الفتوى ويكمل شروطها : فإذا طُلب من العالم أن يفتي في أمر ما ، فعليه أن يتأمل ويتأني ، ويتتبع أسباب الاستفتاء ، والآثار المترتبة على فتواه ، والمراد الحقيقي من هذه الفتوى، ثم يُفتي بعد أن يستكمل شروط الفتوى : من فقه الأصول ، وفقه الفروع ، وفقه الواقع. ولا يصح أن يكتفي العالم بأن يُقال له : الأمر كيت وكيت . ثم يبني فتواه على ما قيل له ، بدون تثبيت وتأكُّدٍ وتتبع ؛ فيعرض نفسه للألسنة لتقع فيه ، وتنال منه ، بسبب تعجله وعدم تحريه . 3- أن يحذر العالم من الاستدراج، والاستغفال والتدليس : هناك من يستدرج العلماء، وهناك من يستغفلهم ، هناك من يُلبّس عليهم، ولذلك يجب على العالم أن يكون فطناً متنبهاً ، كما قال عمر - رضي الله عنه- لست بالخب ولا الخب يخدعني ) . وهذا لا ينافي سلامة القلب ، والأخذ بالظاهر ، ولكنه يعني الحيطة والحذر . 4- أن يكون جريئا في الحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم : جرأة في الحق من أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها العالم، بحيث ينكر المنكر ، ويأمر بالمعروف ، ويقول للمسيء : أسات . كائناً من كان ذلك المسيء . وللعلماء اليوم أسوةٌ فيمن سلف من علماء الأمة . ولْنَسُقْ هنا ثلاثة أمثلة للجرأة في الحق ، من عصور مختلفة : المثال الأول: موقف أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه – مع مروان بن الحكم ، عندما دخل مروان المصلي في يوم العيد ، واتجه إلى المنبر ليخطب قبل الصلاة ، فجذبه أبو سعيد ، وقال منكراً عليه : غيرتم والله . فقال مروان : قد تُرك ما هنالك . هكذا أنكر عليه علانية ولم يقل : أكتُبُ له الإنكار في ورقة ، ليكون نصيحة سرية بيني وبينه المثال الثاني : موقف العز بن عبد السلام ( سلطان العلماء ) مع الملك الصالح أيوب . كان الملك الصالح أيوب يتولى الشام ، وبسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه تنازل للنصارى عن بعض الحصون. فلما خطب العز بن عبد السلام في جامع بني أمية بدمشق يوم الجمعة كان مما قال : ( اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً ، يُعز فيه أهل طاعتك ، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر ). وأفتي الناس بعدم جواز بيع الأسلحة للنصارى الذين أخذوا يشترونها من دمشق . فغضب الملك ، سجن العز بن عبد السلام ، ومنْ قبله سُجن الإمام أحمد ، وكثير من العلماء: { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } . [سورة العنكبوت ، الآية : 2] ثم أرسل الملك إلى العز في السجن أحد أعوانه وحاشيته ، فقال له: أنا سأتوسط لك عند الملك ليخرجك ، ولكني أريد منك شيئا واحداً فقط ، وهو أن تعتذر إلي الملك وتقّبل رأسه. فقال العز : دعك عني ،والله لا أرضي أن يقبل السلطان يدي ،عافاني الله مما ابتلاكم به ، يا قوم أنا في واد و أنتم في واد. ذهب الملك لمقابلة قادة النصارى ، فأخذ معه العز بن عبد السلام ، وسجنه في خيمة ، وبينما كان الملك جالساً مع النصارى، إذا بالعز بن عبد السلام يقرأ القرآن ، ويصل صوته إليهم ، فقال الملك : أتدرون من هذا الذي تسمعون ؟ قالوا : لا . قال : هذا من أكبر قساوستنا – ولم يقل : علمائنا – أتعلمون لماذا سجنته ؟ قالوا : لا . قال : لأنه أفتى بعدم جواز بيع السلاح لكم . فقال النصارى : والله لو كان هذا قسيسا عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها. فخجل الملك وأطرق ، وأمر بالإفراج عن العز بن عبد السلام. المثال الثالث : موقف الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر مع محمد نجيب - إذ عندما قامت الثورة في مصر، قال محمد نجيب : سنساوي الرجل بالمرأة. فاتصل به الشيخ الخضر حسين ، وقال له: إما أن تتراجع عن قولك ،أو لأخرجن غداً لابساً كفني - ومعي جميع الأزهريين – في الشوارع ، فإما الحياة ، وإما الموت. فجاءه محمد نجيب وجاءته الوزارة مرددين: يا شيخنا،يا إمامنا ، نحن نعتذر منك،والكلام كان خطأ. فقال الشيخ : لا تعتذروا لي ، وإنما أعلنوا الاعتذار للعامة. فقالوا : صعب جداً أن نعتذر أمام العامة . فقال: إما أن تعتذر يا محمد نجيب أمام الناس عن كلامك وتنفيه،أو سأخرج للشارع غداً لابساً كفني. فأعلن محمد نجيب من الغد أن الصحافة كذبت عليه، وأنه لم أقل شيئا مما نشرت عنه . هكذا يُملي العلم ُ والإيمان على العالم الجرأة في الحق ، فلا تأخذه في الله لومة لائم، فيبرئ ذمته، ويحمي عرضه من أن يجعله الناس هدفاً ، يصوبون إليه سهامهم . وإقحام ( خوف الفتنة ) تبريراً لكل موقف تنقصه الشجاعة في الحق أمر فيه نظر .
__________________ يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله) في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )) الزمر : 36 ألا أن سلعة الله غالية .. ألا ان سلعة الله الجنة !! |