عرض مشاركة واحدة
  #227  
قديم 08-07-2016, 02:15 PM
 



الفصـل السادس و الثلاثـون
*عائلتي الثمينة*




لاح في عيني إدمون توجس و قلق حين قال : "لكن .. لكن هل سنستطيع حقا إخفاء آلويس و هو بهذا الشبه من مورفان ؟!"

حمل جوزيف الالبوم و أطبقه على صورة سامويل ، ثم التفت نحو ابنه ليرد بحزم : "لن يكون ذلك سهلا لكن علينا أن نبذل كل جهدنا.." سكت هنيهة ثم أضاف "يجب أن نحمي آلويس من الخارج .. و الداخل أيضاً !"

ضاقت عينا إدمون " من الداخل ؟! هل تعتقد أنه .. قد ورث إحدى خصال مورفان السيئة ؟!"

"لا أدري ، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أمرا كهذا !"

"إذن .. ينبغي أن نحصنه من الداخل قبل الخارج ، فإن حصل و أخذه مورفان لن يستطيع زرع أفكاره الشريرة فيه !"

"بالضبط ، أهم خطوة نقوم بها لحمايته هو أن نربيه تربية صالحة و نرسخ في شخصيته المبادئ و القيم النبيلة !"

ارتسمت على وجه الابن ابتسامة ثقة "أظن عائلة إيفرهارت خير من يقوم بهذه المهمة يا أبي !"


*****


تم إبلاغ النساء بهذا القرار العاجل ، لكن دون إطلاعهن على حقيقة والد آلويس ، إذ اكتفى إدمون بأن يعلن عن حياة نيكول ، فأدركت النسوة بصورة تلقائية أن آلويس لن يستطيع العيش معهم .. على الأقل ليس قبل تغلبهم على الخطر المحدق به و الذي يتمثل في أبيه المجرم.

بعد ذلك بما يقارب الثلاثة أسابيع أتم آلويس سنته الرابعة .. دون حضور أي فرد من عائلته الحقيقية ! كانت كارولينا كعادتها تتوق بشدة لرؤية حفيدها و الاحتفال بعيد مولده ولو بهدية صغيرة ، لكنها لم تستطع ، و لم تلح في الطلب حين رفض جوريف ذلك ، فهي قد أصبحت أكثر إدراكا و وعيا للواقع المرير الذي تعيشه ، كما أنها اكتشفت أيضاً أن الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون مصلحة آلويس و يحرصون عليها أكثر من غيرهم هم زوجها جوزيف و ابنها إدمون ، لذلك لم تعد تجادل قرارتهما مهما بدت قاسية و غير مرضية لها و توقفت عن الاعتراض و التذمر.

استمر الوضع على هذه الحال الراكدة .. حتى منتصف شهر أبريل ، فقد حضر شهر الزهور حاملا بين أوراق الرياحين و عطور الياسمين .. الطفل الثالث لأسرة آيون ... لونا !

كانت ولادة أول حفيدة أنثى للعائلة هي أول حدث سعيد يمر على العائلة بعد فقدان ليليان .. و بداية لحياة مختلفة لا مكان للروتين المكرر فيها.

فعلى النقيض من وليام الهادئ المؤدب كانت لونا الصغيرة مشاكسة عجيبة في تصرفاتها و كلامها ، لا تترك أحدا في القصر يسلم من سوط لسانها الطويل .. إلا إدمون ! كان والدها يعاملها بأسلوب معاكس للذي يعامل به أخاها الأكبر ، يدللها و لا يدخل القصر إلا و في يده هدية لها و يلاعبها طوال الوقت حتى تنام ، و لو رآه شخص لا يعرفه جيدا لظنه يحب لونا أكثر بكثير من وليام ، كما بدا أن لونا كذلك تفضل أباها على أمها حتى أن أول كلمة نطقتها هي "أبي" ، و هذا ما أثار غيظ والدتها و التي ازداد حبها و اهتمامها بوليام المحبوب المهذب.

بعد مضي ثمانية أشهر على انضمام لونا المشاغبة للعائلة .. حان موعد السفر لمقابلة الحفيد المخفي في هولندا.
لم ترافقهم إيفا و طفليها إذ كانت في زيارة لبيت أسرتها ، لذلك ذهب إدمون ، سارة و والديهما فقط.

كان إدمون قد خطط لإقامة حفل بمناسبة عيد الميلاد في قصرهم هناك يدعو إليه كافة موظفيهم بمختلف درجاتهم - هم و عائلاتهم - و ذلك بحجة التعرف إليهم أكثر و خلق جو من الألفة و المودة بينهم و بين رؤسائهم ، و بالطبع كان كل الهدف من ذلك هو إحضار أسرة إيفرهارت إلى مقر إقامة آيون دون إثارة شكوك.

قبل هذا الحفل بيوم .. خرج إدمون مع أسرته لتناول الغداء في مطعم أنيق فاخر تطل نوافذه الكبيرة على متنزه جميل كساه اللون الأبيض للثلوج يتوافد الأطفال إليه بصحبة أهاليهم و أصدقائهم.

جلس الأربعة على طاولة ملاصقة للنافذة في غرفة خاصة قد حجزوها مسبقا .. ثم شرعوا في تناول طعامهم اللذيذ بهدوء.

كانت كارولينا ترتشف حساءها الساخن فيما ترسل نظراتها كل فترة ناحية حديقة الأطفال الصغيرة تحتهم .. أمعنت النظر مركزة على مكان معين بصورة غريبة .. هتفت بعدها فجأة : "أليس هذان هما الزوجان إيفرهارت ؟!"

رفعت سارة رأسها عن طبقها ثم وقفت لتنظر عبر النافذة باهتمام .. أما إدمون و والده فتبادلا الابتسامات الماكرة "و أخيرا انتبهت !" قال جوزيف ، فأشرق وجه كارولينا "هل هذا من تدبيركما ؟! إذن .. فذلك يعني أن آلويس برفقتهم !"

تركت طعامها و ألصقت وجهها في زجاج النافذة البارد لتشاهد حفيدها الصغير يجلس بين السيد و السيدة إيفرهارت على أحد المقاعد مرتديا الكثير من الملابس الثخينة و يلف حول عنقه وشاحا صوفيا دافئا غطى نصف وجهه !

ضحكت كارولينا و هي تنظر إليه بحب "كم هو ظريف !"

تكلم جوزيف بهدوء :" كارولينا ، سارة أبعدا وجيهكما عن النافذة و اجلسا ! أنتما تجذبان أنظار الشارع كله إليكما بوقوفكما أمام النافذة بهذه الطريقة !"

عادت سارة إلى مكانها بصمت ، أما كارولينا فأخذت تتراجع ببطء نحو كرسيها دون أن تزيح عينيها بوصة واحدة عن آلويس ، بدا منظرها مضحكا حقا لجوزيف و ابنه.

قال إدمون بعد أن مسح فمه بأناقة مستخدما منديلا فارها : "أخبرني السيد إيفرهارت أن آلويس سيخضع لاختبار يتم فيه تحديد درجة ذكائه و وضعه في المرحلة التي تناسبه ، و ذلك بعد أن أبلغته مديرة الروضة التي يذهب إليها أن ذكائه أكبر بكثير من مستوى الروضة !"

تحلت ابتسامة كارولينا بالفخر و الاعتزاز "هذا أكيد فحفيدي آلويس طفل مميز !"

لم يبتسم جوزيف و لم يظهر عليه السرور بل بدلا من ذلك همس بصوت قلق لا يسمعه غير ابنه : "البداية نفسها ! سامويل مورفان تميز كذلك بذكاء نادر منذ نعمومة أظافره !"

قطب إدمون جبينه و تنهد جوزيف عميقا ثم أضاف مهموما : "الشكل ثم القدرات العقلية الفريدة .. إنني لأخشى .. أن يكون قد أورثه شيئا آخر .. شيئا من شخصيته !"

التفت إدمون تجاه النافذة و قد أصابته الوساوس و شغلت تفكيره..

كان آلويس وقتها يحتسي شرابا ساخنا اشتراه له السيد إيفرهارت .. وما كاد ينهي نصفه حتى وقف على قدميه ، و طلب من السيدة إيفرهارت أن تمسك كوبه ثم تركهما و اتجه نحو ملعب الأطفال.

كان كل من أسرة آيون و إيفرهارت يراقبونه بانتباه و هو يدخل بين الأطفال .. لم يلعب معهم أو حتى يكلمهم ، التقط طبقا بلاستيكيا مقعرا يستخدمه الصغار في بناء بيوت و أشكال متعددة من الرمال و سار مبتعدا عن الملعب .. و عن أسرة إيفرهارت كذلك !

"ما الذي يريد فعله ؟!" قال إدمون مبديا اهتمامه و فضوله و هو ينحني نحو النافذة ليشاهد بصورة أقرب.

حث آلويس خطاه فوق الثلوج .. نحو صنابير المياه ، و قام بملء الطبق بكمية كافية ، ثم اتجه نحو بركة متجمدة يتزلج على جليدها الصلب بعض الأطفال و الشباب.

لم يعد الزوجان وحدهما من يراقبانه بل وقف معظم من في المتنزه ليشاهدوا ما يصنع الطفل.
و قد أدهش الجميع حين انحنى قرب البركة و مد الطبق المملوء بالماء لكلب صغير كان يحاول بلا جدوى الشرب من مياه البركة المتجمدة.

بعد تردد استمر لحظات فقط .. اقترب الكلب بحذر من الطبق الذي قدمه له آلويس و أخذ يشرب كأنه لم يشرب قبلها قط !

أقبلت السيدة إيفرهارت و زوجها على آلويس ، ثم احتضتنه بقوة بين تصفيق حار من المحيطين بهم.

ترقرقت الدموع في عيني كارولينا و هي تبتسم بفخر عظيم "إنه حفيدي الرائع !"

قالت سارة دون أن يظهر عليها التأثر : "إنه يشبه ليليان ! لقد تذكرتها و أنا أنظر إليه"

ظهرت على وجه إدمون بهجة عظيمة "نعم ، و أنا كذلك تذكرتها !" ثم التفت نحو أبيه و همس مسرورا :"هل رأيت يا أبي ؟! لقد أجاب عن تساؤلاتنا !"

تبسم جوزيف ابتسامته الوقورة الرقيقة "أجل .. ليس علينا القلق عليه بعد الآن ! ربما يكون ورث شكل مورفان و دهاءه ، لكن أمه تركت في جوفه شيئا أهم و أكبر من كل ذلك .. قلبها النقي المحب للخير ! مهما يفعل مورفان و أيا كانت الحيل التي يستخدم لن يستطيع التأثير في شخص يملك قلبا كهذا ! هذه العواطف الإنسانية هي أثمن شيء يمكن أن يورثه الأهل لأبنائهم و هي التي ستحمي آلويس من شرور أبيه !"


*****

في الليلة التالية .. أقيم الحفل و حضر جميع الموظفين مع أسرهم إلى القصر الذي زين بكامله من الخارج و الداخل بزينة عيد ميلاد.
اجتمع الضيوف مع مضيفيهم في صالة واسعة صفت فوق طاولاتها أشهى أنواع الأطعمة و الحلويات و أفخرها و تكومت تلال من الهدايا أمام الموقد الكبير.

رحب جوزيف آيون بضيوفه بلباقته و كرمه المعتاد ، و قامت كارولينا باصطحاب الأطفال لاختيار هداياهم .. كان آلويس من بينهم لكنه لم يأخذ شيئا ، و لم يبد عليه الاهتمام بذلك.

اقتربت سارة منه ، و تكلمت معه لأول مرة منذ ولادته : "لماذا لا تأخذ ؟! ألا تعجبك الهدايا ؟!"

رفع رأسه نحوها و قال متنهدا : "ليس الأمر أنها لا تعجبني ، بل لا تناسبني !"

فغرت سارة فاها ثم كتمت ضحكتها و قالت باهتمام نادرا ما يظهر عليها : "و لم لا تناسبك ؟! إنها ألعاب للأطفال في مثل سنك !"

"و هنا المشكلة ! إنها لمن هم في مثل عمري و ليس عقلي !"

عندها أفلتت الضحكة من شفتي سارة ، التفتت إلى أمها التي كانت تضع يدها على فمها و تحبس ضحكتها ، ثم استدارت نحو أخيها هامسة : "هل سمعت ابن أختك ؟!"

كان إدمون يقف خلف سارة لا يفصل بينهما أكثر من متر ، لذلك لم يصعب عليه سماع كلام آلويس.
ثنا ذراعيه و هز رأسه إيجابا ، ثم قال و على طرف شفتيه ابتسامة ماكرة مفعمة بالثقة : "نعم ، و سأعطيه الهدية ااتي تناسب سموه !"

ثم اتجه نحو آلويس الذي تنهد بشيء من الغرور و هم بالعودة إلى طاولة إيفرهارت .. لكنه توقف حين رأى إدمون مقبلا عليه.

انحنى قليلا ثم قال بلطف : "سمعت أن الهدايا لم ترقك ، و نحن لن ندعك تخرج من هنا إلا و في يدك الهدية التي تتمناها ! لذا أخبرني ما الذي تريده ؟!"

فكر آلويس للحظات ثم قال : "هل توجد ألعاب ذكاء ؟! شطرنج ، غو على سبيل المثال ؟!"

دهش إدمون لكنه سرعان ما قطب جبينه و أجاب : "همم ... في الحقيقة لم نفكر أن الأطفال سيفضلون هذا النوع من الألعاب لذلك لم نحضر شيئا منه !" أضاف بابتسامة مرحة : "لكن لا تقلق سنرسل في طلب واحدة رائعة من أجلك !"

عقد آلويس حاجبيه ثم تكلم ببساطة : "لا داعي لذلك ، لدي في منزلي عشرات الأصناف من هذه الألعاب ! لكني أشعر بالضجر قليلا .. هل لديكم شطرنج هنا ؟!"

ضحك إدمون ثم قال : "بالطبع !" خطرت على باله فكرة فأردف "ما رأيك أن نقيم مباريات في الشطرنج ؟! سيحصل الفائز فيها على أي شيء يريده !"

هز آلويس رأسه مبتسماً "سيكون ذلك مسليا !"

انتصب إدمون وهو يقول : "حسنا إذن لنخبر الأطفال.. "

لكن آلويس هتف معترضا : "لا ! لا أريد اللعب مع أؤلئك الصغار ! هذا ممل !"

نظر إليه إدمون بذهول "مع من تريد إذن ؟!"

ابتسم آلويس ببراءة "معك أنت !"

حدق فيه مشدوها و هو يشير بسبابته نحو نفسه "أنا ؟!"

"أجل !"

رماه إدمون بنظرة شك من زاوية عينه ، لكنه هز كتفيه بعدها و قال موافقا : "حسنا !"

خلال دقيقة أحضر الخدم كرسيين و طاولة وضعوا فوقها لوح الشطرنج ..
جلس إدمون في مواجهة الصغير آلويس - والذي وضعت تحته وسادتان كي يتمكن من رؤية كامل اللوح - و تجمع كل الضيوف حولهم ، منهم من يضحك بخفوت ، و منهم من يتابع ما يحدث بمتعة و إثارة ، أما السيد و السيدة إيفرهارت فكانا وحدهما من بدا عليهما التوتر.

نظر الحكم - و الذي كان جوزيف بنفسه - إلى كل منهما مبتسما ثم قال : "هل أنتما مستعدان ؟!"

أجاب الاثنان سريعا : "أجل !"

"فلتبدأ إذن الجولة الأولى !"

ترك إدمون الصغير يبدأ أولا ثم لعب هو .. استمرت هذه الجولة عشرين دقيقة كان يبدو الرجل مركزا كليا فيها و يفكر بتمعن قبل تحريك أي قطعة من مكانها .. حتى قام بآخر حركة له و هو يقول مبتسما : "كش ملك ! لقد خسرت يا صديقي الصغير !"

تلق آلويس الهزيمة بروح رياضية و بعد استراحة لخمس دقائق بدأت الجولة الثانية.

كان آلويس يلعب بعفويته و هدوئه السابق و لم يبد أي تغيير في طريقة لعبه ، أما إدمون فقد بدأ الملل يتسلل إليه ، فما الممتع في اللعب ضد الطفل لم يبلغ حتى الخامسة من عمره ؟!

حرك آلويس فيله الأبيض على العمود ، فقال إدمون بتثاقل و هو ينقل بيدقا له إلى مربع أمامه "الفيل يتحرك على القطر فقط يا صديقي !"

انتبه إلى أصوات الضحكات المكتومة حوله فرفع عينيه مستغربا إلى آلويس الذي كشر بصورة ماكرة و قال : "لقد خسرت منذ دورين يا سيدي دون أن تشعر ! فقمت بتحريك فيلي بطريقة خاطئة كي أشد انتباهك !"

فتح إدمون عينيه على اتساعهما و سقط عنه الضجر و الغرور حين نظر إلى ملكه المحاصر !
أمسك آلويس حصانه ثم قفز به فوق الملكة ليسقط فوق مربع الملك و تنتهي اللعبة "كش ملك !"

علت أصوات التصفيق و الهتافات من الضيوف و المضيفين كذلك ، أما إدمون فاستغرق الأمر منه خمس دقائق أخرى ليدخل عقله !

هتف جوزيف ضاحكا : "نقطة لنقطة ، أنتما الآن متعادلان !"

وقفت سارة إلى جوار أخيها وقالت وهي تضحك ساخرة "أتساءل ما هو شعور شخص بالغ حين يهزمه طفل في الروضة ؟!"

رمقها إدمون بنظرات باردة "ها ها ها كان سيسحقك من أول جولة لو كنت أنت خصمه !"

سأل جوزيف "إذن هل ترغبون في استراحة أم نبدأ مباشرة الجولة الثالثة ؟!"

تنهد إدمون ثم نهض قائلا : "لا داعي لجولة ثالثة ، أن يغلبني طفل لو مرة واحدة تلك خسارة لا يعوضها ألف فوز بعدها !" نظر إلى آلويس متبسما "لذلك أعترف بهزيمتي و فوزك علي ، أيها الثعلب الصغير !" و مد يده له ليصافحه.

صفق الحضور بحرارة لفوز آلويس أما هذا الأخير فرفع أحد حاجبيه و قال بابتسامة خبيثة : "تريد حفظ ماء وجهك بإعلان فوزي لتتجنب خسارة ثانية ؟!"

مط إدمون شفتيه ، كور يده الممدودة و ضرب رأس الصغير ضربة خفيفة "ما أطول لسانك أيها الصعلوك الصغير !"

و ضجت الصالة بضحكات الحضور .. حتى إدمون لم يملك سوى أن يضحك في النهاية.

قال : "حسنا إذن بما أنك فزت ، اطلب ما تشاء !"

ارتفعت عينا آلويس نحو السقف في تفكير "هممم ... " و لم يطل الوقت حتى قال : "أريد كتبا !"

ردد إدمون باستهجان "كتب ؟! الكتب متوفرة في كل مكان ، اطلب شيئا .. أكثر ندرة !"

أصر آلويس "لا ، أريد كتبا ! إنها أكثر قيمة من أي شيء آخر ! أما عن الندرة .. فسيكون جميلا أن أحصل على كتب ثمنية لا تتوفر في أي مكان !"

عقد إدمون حاجبيه الأحمرين "حسنا .. أي نوع من الكتب تحب ؟! العلمية ، التاريخية ، القصص و الروايات أم غيرها ؟!"

"كل شيء ! أنا أقرأ كل الأنواع !"

"هذا رائع ، لكنه سيزيد الأمر صعوبة علي !"

"لا لن يكون صعبا !" قفز من كرسيه المحشو بالوسادات ثم هتف "لأنني سأختار بنفسي .. من مكتبة قصركم ! فلا شك أنها تحتوي على أثمن الكتب قيمة و فائدة !"

حملق الجميع فيه باستغراب ، و اقتربت السيدة إيفرهارت منه و هي تناديه بنبرة تأنيب : "آلويس !"

لكن جوزيف قال بلطف : "ابنك الذكي لم يقترف أي خطأ يا سيدة إيفرهارت ، خذه يا إدمون و دعه يأخذ ما يشاء من الكتب !"

أخذ إدمون كأسا من العصير البارد ثم تقدم مشيرا لآلويس بأن يلحقه "الطريق من هنا ، يا صاحب السمو !"

رد آلويس على سخرية خاله بضحكة ماكرة و سار معه خارج الصالة.


*****

"ها هي ذي المكتبة بكل ما فيها أمامك فاختر ما تحب !" قال إدمون و تراجع مفسحا الطريق للصغير .. ثم شرع يشرب عصيره على مهل.

طافت عيناه الجميلتان في أرجاء المكتبة الكبيرة بانبهار ، و مشى بمحاذاة الرفوف العالية متفحصا ما استطاع من عناوين الكتب.

"هذه الكتب صعبة عليك ، تعال و شاهد التي خلفي فهي تبدو مناسبة أكثر لك !"

أدار آلويس إليه وجهه بنظرة ازدراء "أنا أقرأ كل يوم من هذا النوع الذي تراه صعبا علي !"

"مدهش ، إنه أكثر مما تقرأ سارة في أنشط أحوالها !"

ضحك رغم عنه حين شاهد آلويس بقامته القصيرة يقف على رؤوس أصابعه و يمد ذراعه ليأخذ كتابا ، و خطى نحوه ثم أخرج له الكتاب و أعطاه إياه.

نظر آلويس للكتاب نظرة متفحصة ثم سأل بشكل مفاجئ : "كم كتابا قرأت سيد آيون ؟!"

رفع إدمون رأسه بفخر "الكثير !" و ارتشف قليلا من كأسه.

فتح الصغير الكتاب الثقيل و أخذ يتصفحه دون أن ينقطع سيل أسئلته السريع

"هل تعرف إذن فيكتور هوغو ؟!"

"بالطبع !"

"برنارد شو ؟!"

"من لا يعرفه ؟!"

"يوهان فولفغانغ فون غوته ؟!"

"هل تحسبني جاهلا ؟!"

"ماذا عن جان جاك روسو ؟!"

"أكيد !"

"هل قرأت لشكسبير إذن ؟!"

"مذ كنت في المدرسة الابتدائية !"

"هل أنت خالي ؟!"

"نعم !"

و بصق العصير من فمه كرشاش الماء "ماذا .. قلت ؟!!"

رغم أن وجه الصغير قد غسل كامله بشلال العصير إلا أن تكشيرته الماكرة لم تختف بل زادت اتساعا و ثقة "كان ظني في محله إذن !"











رد مع اقتباس