عرض مشاركة واحدة
  #177  
قديم 08-23-2016, 12:45 AM
 




20
"قدر مخطوط على صفحات الزمن"



صوت رنين قطع فرصة تبريره لتهم إيريكا للتوجه للمخرج إلا أن هاروكي أوقفها: قفي.

باشرته بتساؤل: ماذا هناك؟

تقدم هو بينما حول عينيه لنافذة تطل على الخارج: أنا سأذهب.

وضعت كاوروا يدها على رأسها يأسا: ليس أنت أيضا...

فتح الباب مظهرا إبتسامة عذبة: تأخرت كثيرا...
رمقه الآخر بنظرة عتاب: شكرا للتحية.

ابتسم ابتسامة مهيبة و هو يوجه عينيه لفراغ مجهول خلف نيكولاس: من حدثك؟... كنت أتحدث مع الضيف..

أدار نيكولاس جسده لترتمي حقيبته السوداء من يده ظاهرا عليه الذهول...!
فما رآه يقظة كابوس مهول....
لم تنفك عيناه الجاحظتان التحديق به وهو لايكاد ينطق: ن..نا...ناوكي!

عجوز طرق أبواب الستين إن لم يزد يقف بظهر منحن و يد ممسكة بعصى خشبية...
ملامحه بعيدة عن الشر و أبوابه و هذا ما عهده الدهر منه، لايحمل من الشر إلا برود عينيه التي أضحت مرآة قلبه...
ابتسم ابتسامة خفيفة قبل أن يخطوا متقدما نحو نيكولاس و مجاوره هاروكي: هل أنتما معارف إبنتي؟

كشر نيكولاس و جعل هاروكي خلف يده الممتده في الهواء و قال بلكنة شبابية غاضبة: بل أشخاص لقيتهم عند اختطافهم، كنت طفلا حينها و أوقفتك...ما بالك تظهر أمامي الآن؟

رفع عصاه ليوجهها نحوه: أنا لا أذكر ابنتي فضلا عنك، إنما أتيت لسداد ديني لها...أين هي؟

أنزل هاروكي تلك العصى بتدخل لم يستهدف به خيرا: دين، بعد كل مافعلته... مازلت دائنا... إن لم أخطئ فأنت أتيت لتهديد مطاردك ريو.

كانت الدهشة صريحة على ملامح نيكولاس، فعلى ما يبدوا هاروكي لم يكن غائبا عن صراعاتهم التي قضت منذ أيام بعيدة لكن...لم يكن الوقت مناسبا لإبداء التعجب ...
كاوروا يحرقها الفضول و إيريكا يتسلط عليها الخوف و كلا الشعورين قادهما للإلتحاق بهما...
لاحت ظلالهما ليوقفها نيكولاس هذه المرة بإنفعال أرعبهما و قرب شك إيريكا لليقين: ابقيا في الداخل و لا تخرجا.
أطلق ناوكي ضحكة ساخرة بينت بشاعة نواياه: حقا، عجوز مثلي يرعبكما !... لم آتي لأرد خائبا...يجب أن ألتقي بإبنتي و لن يردعني أحد عن ذلك.

بلغت كلماته بشكل مسموع للداخل حيث ظهرت تقطيبة حاجبي كاوروا: أبي!...
أمسكت إيريكا بيد والدتها الذي وضح عزمها في الخروج و مواجهة من تعتبره قاتل أمها قبل أن يكون والدها: أمي، سيغضب أبي إن خرجت له.

أفلتت يدها مجيبة بتصميم لا ترده الكلمات: لن يرحل، أعرفه... هو أتى ليلتقي بي، عدم مواجهته تعني مقتل نيكولاس و هاروكي الذان يردعانه.

كانت النظرات القلقة و الهلعة تجعل من قرار كاوروا صعوبة لها، فهي تتفهم موقف كاوروا و تعيش موقف خالها و صديقها الغاضب...

قطعت اللحظة كلمات كاوروا لإبنتها: اتصلي بريو، أو نوي.. و أنا سأماطل معه ريث تصل الشرطة.

توقف عقلها عن التفكير بصوت رصاصة هزت قلبها فتوجهت مسرعة نحو مصدر الصوت و جارتها في ذلك أمها...

صرخت بسؤالها الخائف لهما: هل أنتما بخير؟
أجابها نيكولاس بثقة لم تتزعزع : كل شيئ بخير، عودا للداخل.

كانت كاوروا تتحدث بعينيها الساكنتين على من مد سلاحه نحو الفراغ متحدثا بعفوية تثير إشمئزازها: أخيرا، لو لم تظهري لكانت التالية في الهدف.

ابتسمت ابتسامة تحمل الثقة : لا تتغير طرقك اللئيمة .

اختلجت كاوروا مشاعر كثيرة لا تقف عند أحدها، توتر و قلق و غضب و حقد، و تاليا خشية من أي تصرف يودي بحياة صاحبه ...!

كان مكتسح الساحة هو ناوكي بأي شكل تنظر للوضع...
سلاحه الذي برز من يده كان هو الأمثل لتشتيت أفكارهم...

ما كان من الجميع إلا توجيه شعلة غضب العين بينما هو ينطق كلمة ترحيب لإبنته: ألن تأتي لأحضان والدك كاوروا؟

أجابته بصمت ، فتلك خير الإجابة....




توقفت يديه فجأة...
أدار بجسده مقعده المتحرك للعجلات السفلية القابعة تحته، رفع يده لتحرك السماعة الصغيرة الموصلة بجهاز حاسوب يقابله...

رمى كل شيئ لينهض فزعا قائلا بصوت مرتج مرتفع: ريو، ناوكي بمنزلك!

ملامحه الساكنة اخترقها فوضى داخلية لما قاله نوي: لا أفهم ، ألم يكن يخطط لتهريب خمس أطنان مخدرات اليوم؟!

احتسى ذو الشعر الفاحم قهوته بظاهر بارد قبل أن يهب مسرعا رافعا معه سترته : لنذهب قبل أن تحل مصيبة.

تبعه ريو،و،من ثم نوي الذي نادى أحدهم هناك : كايرو..

اقترب المنادى ملبيا : أمرك سيدي.
أشار للحاسوب المحمول مبينا أمره: ابق لتراقب مايحصل، و أخبر السيد سايكوا أن البضاعة المهربة ستتحرك الآن إن لم تكن قد تحركت ... عجلوا الإجراءات.
ضرب الأرض إبداء للتحية العسكرية و الطاعة: علم.

كانت خطوات ريو المستقيمة تسرع محاكية نبضاته المتسارعة، كلما فكر بأن ناوكي مستقر ببيته يجن جنونه...

يذكر لحظات لقائمهما ، و خديعته..قسوته التي رافقت كاوروا ليدنس يديها و الذي يهز كيانه وحشية ناوكي و برود عينيه اللتان جعلته يعذب ابنته ..!

أي زوجته هو، حبيبته هو... حياته هو...

كل مبتغى ناوكي هو الإنتقام منها لأنها عارضته و اختارت الإنسانية، فكل الخطر نحوها ...

التفسير الوحيد لظهوره المباشر في منزل شرطي هو أمر واحد...التحدي...

يرغب بفعل مايريد ثم الهرب لينتقم عن خسارته مرتين، مرة عند زجه في السجن ،و مرة عند هد منظمته الإجرامية!

ألم يكفه ما فعل؟!
ألم يكفه ضحيته التي تعيش كمجنونة ميتة..؟!
و ألم يكفه ما فقد رفيقه ضحية يده المتعطشة للدماء!

عقد حاجبيه العريضين ناطقا: أقسم أني سأحسن ضيافتك.

ربت رفيقه على كتفه مهدئا: ريو، سيطر على أعصابك .

اكتفى بزفرة أطلقها قبل أن يفتح باب السيارة الكحلية متخذا مقعده الأمامي بجانب السائق نوي...



تربع على الأريكة،كمن جلس على عرشه بينما يتفحص بعينيه المكان: منزل جميل.


تمتم هاروكي بشيئ لم يفهم ثم قال بإستياء واضح: إلا أن دخولك أفسد منظره.
رمقه ببرود عين قبل أن يوجه كلماته الجامدة معها: لم أنت المستاء هنا يافتى؟... رغم شبهك الكبير بذاك المتطفل إلا أنه رزين عكسك أنت.

أجابه بحنق: سيد ناوكي، قد بلغتنا محاسنك لدرجة أنني بت أخشى الموت قبل رؤيتك.

أعرض نيكولاس عن الفروع ليدخل بصلب الموضوع: ناوكي، خسئت إن ظننت أنك تستطيع الإنتقام من أختي... سأقتلك قبل أن تمسها.

أطلق قهقهة مستفزة معلنة سخريته: بماذا، أدوات الجراحة؟!

إبتسم نيكولاس قائلا: لن ألوثها، يدي العزلاء تكفي .

حرك رأسه بنفي: واثق ، لأن سلاحي وجهته للخطأ...
أردف بعد أن وجه سلاحه لكاوروا: تستطيع التطاول ببطولة الآن؟

كان من المعلوم أن لنيكولاس روح المغامرة بنفسه و عرضها للموت مقابل إنقاذ أخته و عائلته التي كونتها الظروف...

هو كان دوما في الحاشية و حتى أحاسيسه ظلت بهامش التجاهل!
كان طفلا جريئا بطلا...
لكنه...
لاقى ماض لا يعاتب غضبه الجم الذي يدفنه بتعقل..
لم يكن بالهين فعلا له ..
أن يرى أخته منبع دماء ..
أن يرى كاوروا محط الألم و العذاب..
و ما فتأ يتناسى حتى

رأى جسد من أحاطته بذراعي الأمان ملقى يحتظر...

نهض هاروكي مندفعا : سحقا لك أيها الحقير.

رفع رجله اليمنى لتحيط اليسرى متقدما بظهره: لا تكن متهورا ، حركة خاطفة و ستكون جنازتها هي الناتج.

أجلس نيكولاس هاروكي بحذر: كن متعقلا..
عاد هاروكي لجلسته مطأطئا رأسه ،لختزن ببعض التركيز ، و لم يحصل عليه إلا بكفها التي لامست يسراه ليشد عليها بدوره مطمئنا...

فهي لاتملك غير هذا لتجعله يلحظ وقفتها جانبه..

هدأ قليلا و بدأ يفكر في مقام إنقاذ نفسه و مرافقيه المحنة، فقط لو كان لم يدخل...
لو يستطيع أن يدخل يده في جيبه الحاوي هاتفه...

و لو انتهى وقتها بتحقق ماهد معناها، فناوكي في المنزل يلحظهم بزاوية مكشوفة..

لكن حقا هو لم ينتظر أن يسمع شيئ لم يطرق باب خياله حتى!

فذا هو ناوكي يتسلى بفوه سلاحه تحت فكه قائلا له: دمك الحار لن يعيد والدتك أيها المدلل.

شعر بقلبه الذي كاد يخرج من مقره: ماتقصد؟!

تدخلت كاوروا بعد طيلة موقفها الصامت لتمنع كارثة أخرى من اجتياح قلبه الثائر: لا تكترث له ، إنه يود التلاعب بأعصابك.

رمقت والدها بنظرة حقد توصل بها رسالة تحذير و توعد، بينما نيكولاس سيطر عليه ما دفنه منذ ثمانية عشر سنة خلت...

لكن هذا لم يمنعه من الحديث، فهو قد أصاب ما استهدف فور قوله: مابالكم، أنا حقا لم أشأ قتلها.

تسللت حروفه الهجائية لتتكرر في مسامعه دون أن توقف هز أطرافه...
شل ذلك كل تفكيره فتحرك منقضا عليه: سأقطعك...

تلك حركة اوقفتها دماء من بجانبه مع صرختها التي تلتها صرخة أخرى...!
بحق الله...
مالذي جرى؟!

عاد منحنيا قرب النازفة هناك ليقول بنبرة مشوبة بقلق أقرب للجنون: هل أنت بخير؟... أجيبيني إيريكا، إيريكا...

أومأت إيجابا و هي تنظر لأمها التي أسندتها على صدرها: ليس سوى خدش أمي، هدئي من روعك.

احتظنت كاوروا إبنتها الجريحة غير مستوعبة للحظتها هذه...
أهي تنظر لإبنتها معلولة الكتف برصاصة لدفاعها عنها ؟!

كلماتها المتقطعة لم يكن هناك سبيل لفهمها ، و ماكان من أخيها إلا الإقتراب ليتفقد ماحل بإيريكا...

بدا أنين خفيف من هاروكي و قد انتهى بعودته واقفا قبالة المتسبب بما حدث، إلا أن محجر بؤبؤيه كان بلون الدم الذي وقع عليه توا...

تلمس بسبابته و إبهامه قطرة دماء معشوقته لينطق حروفه الحاقدة: أيها الحقير...
كانت حركته في بسط قدمة بمعدة ناوكي أسرع من الزناد..!

لكن صوت فتحة الباب تكفلت بإعطاء ناوكي فرصة...

فها هو يتخذ من هاروكي رهينة...

اول من دخل كان ريو...
ذاك الذي آخر لقياه معها كان وداعا لرؤيتها وردة حياته...
ها هي، بتلة من زهرته الصغيرة تسقط...
هو جرح طفيف و لا أحد ينكر...
إنما الوالدين لايفهمان...
لأن الألم بقلبيهما يتضاعف أضعافا مضاعفة...

أطلق صرخته المرتبكة: إيريكا؟!
ابتسمت ببلاهة و هي تقاوم ألما كاد يبتر كفها: أبي، رجاء..لا تبدأ أنت الآخر، أنقذ هاروكي.

أصدقت القول فعنق هاروكي مزاوية لفوة مسدس!

رفع ذراعه نحو من اتخذ إبنه رهينة : تصرفك لن ينقذك ناوكي.

أجاب الآخر بإستهتار: إه، لم آتي للهرب... كنت أرغب أن أنتقم و لو بتعذيبكم، و ها أنت تتعذب لإنقاذ إبنك... أليس رائعا؟

قال بغضب: ستندم.

أطلق هاروكي تسائله الذي أطلق شرارة الجنون لديه: أبي، هل هو صادق؟... هل قتل هذا الوغد أمي؟!

توسعت بؤبؤيه بلمحة حزن متجاهلا ماسمع و أعاد إبنه للواقع: إن لم تتصرف سأفقدك أنت أيضا.

شعر نفسه في الجحيم...
جحيم عاشه والده، و جحيم يلتهمه هو الآخر...
لكن ماذا...

أبيه مقابل ناوكي الذي أطلق رصاصة بإيريكا لتوه...
يجب أن يفعل شيئا ...

جال بعينيه ليتأكد مما يراه، هناك شخص ليس هنا...
مساعد ناوكي الأقدم...
ذلك يعني أنه في الخلف..
جعل أطرافه المتيبسة تتحرك قليلا...
فهو يحتاج مرونة تهبه السرعة...
سرعة تخلصه من احتجاز ناوكي له...

اعلن عن انتصاره و هو يقف بجانب هيجي: لا رهينة ، لا انتصار.

شعر ناوكي بالتشوش الحاصل خاصة بالسلاح المتماس برأسه من الخلف برفقة صوت خائن ود التخلص منه بكفيه يوم زج في السجن: انتهى الأمر.

رمى ناوكي يده على مضض: يومان و أعود كما كنت.
تقدم ريو ليحكم يدي ناوكي بالخلف مبتسما بثقة: تقصد هروبك بمعونة رجالك... أيهم، رالف الذي أدخلته بيننا أم الذين قبض عليهم اليوم و هم يهربون الأسلحة؟!...

أردف بعد أن شد عليه أكثر: لا تعرف كم أستمتع بالقبض عليك..لتكون بين يدي، سأريك الأمرين لجرأتك على الإقتراب من عائلتي .


ردة فعله الحانقة طمأنتهم على عدم وجود ما يعينه، لكن طلقة وجهت نحو جنب نوي الأيسر كانت مفاجأة غير سارة...

استولى على كاوروا دوار ردعها عن الإتجاه لخالها: خالي،أنت بخير؟!

أجابها بلسانه بينما عينه تتظر لمن كاد يفلت من زوجها: لا تقلقي..لم يفلت.

قالت بتوتر: من سأل عنه...

بينما هيجي صرخ و هو يتوجه للخارج: انحنوا جميعكم.

أما هاروكي فقد سارع للخروج خلف والده لإستكشاف مصدر إطلاق النار!

أبدى ناوكي استحسانه لتلك العيارات النارية التي كسرت نوافذ الغرفة و بدلت منظرها لحاوية نفاية: يالها من إستجابة سريعة.

كانت عيني ناوكي تتطلع الوصول لسند وقفته، و في سبيل الحصول عليه دفع ريو ليركض نحو مبتغاه، إلا أنه لم يسعد أبدا...
فقبل وصول يده، قد وصلت يد أطلقت عليه نار الخلاص...

رفع العصى بيده مبديا البلاهة على وجهه : لم أكن أعلم أنه سلاح سري....

تركت كاوروا ابنتها التي لحقتها ممسكة بجرحها النازف لتتجه نحو جثة والدها...

ارتمت جالسة على ركبتيها تحدق بتلك النقطة السوداء بين حاجبيه...
انسابت دموعها لهذه النهاية، لكن لسانها الذي حاول إبداء الرابطة بينهما خانه العجز...
فلمن تقول أبي...
قاتل أمها..سالب حنان أيامها...سارق براءة عمرها... أم من عذبها و أراها مرارة دموع زوجها... و من عاود الطغيان على راحتها بقتل رفيقة دربها...

أم من،عاد ليسلب حياتها انتقاما لخسارته...

شعرت بيد تمسح على شعرها و ذراعين لجالس قد ضمها لتنطق بهمس له: لا أعرف لم أبكي ريو... لم أبكي بعدما انتهى كل شيئ.

أجابها بما قد يكون جوابها: لأنك إنسانة ... تتحسسين روابط الدم.



تسارعت خطاه و حلق بجسده الرياضي ليكون على سقف آخر...
أنزل القبعة الرمادية مخفيا عينيه البنيتان ناطقا بحنق لإقتراب الشاب من الإمساك به: لقد استهنت به.

رفع قناصته ليهيئها لإطلاق عيارة نارية تنهي سيرة الملاحقة التي استمرت نصف ساعة دون توقف...

إبتسم بخبث وهو ينظر لذاك الزقاق المغلق: موقف استيراتيجي لموتك.
قفز برشاقة ليقف بزاوية صادة منتظرا فريسته الملاحقة...
إلا أن صوتا دخيلا أدخل به بعض الإرتباك، فمن هذا الدخيل الذي سيفسد خطته...
كان ذلك رجلا تصدى للكهولة بقوام شبابية و شعر قد حارب حظور المشيب قد ظهر له قائلا: ماذا هناك؟

لم يجد بدا إلا الخلاص منه و الهرب، فهو شهد وجهه و هذا أسوء تهديد...
وجه مابيده لينفذ مانوى...
و قد نجح في إطلاق دوي سلاحه..
إنما..
الشاب الملاحق قد قفز عليه مجردا يديه منه، ليكون أعزلا و أسيرا : خسئت.

رفعه من ياقته : من أنت لتقتل أبي؟!
بدا يجر المغمي عليه نتيجة قفزته فوقه نحو والده: يالك من شرطي ماهر، يجب أن تسلمني أوسمة تكريمك.

استلم هيجي مسبب المتاعب: لست أحمقا، مادمت أعرف مسيرة هربه، لاداعي أن أتعب نفسي... سيأتي إلي بقدميه.

أبدى اعتراضا طفوليا : لا تبدأ بالغرور أبي.

ربت المعني بيمناه على كتف إبنه: عمل جيد.

واجه عيني والده ليقول مالديه الآن كمقدمة للكثير: لي حديث طويل و عتاب لا يتوقف معك.



انحنى بحزن بجانب جثة الوحش المرتدي لقناع البشر: حتى فرصة الإنتقام...خسرتها... كم كان موته سهلا.

تركت كاوروا صمتها الذي التزمت به منذ مقتل والدها لتنبئ عن واقع صفعه ليوقظه: بمعرفتي بليندا، لن تكون مسرورة بالإنتقام لها قتلا... عاشت مع هيجي كشخص يبني حياة غيره لا من يسلبها.

تحشرج صوته بأنين بالكاد يخفيه: صعب..أقسم، أنه صعب.
نظرت لحظة للمستند على الجدار ثم عادت له: هيجي أيضا، عانى و يعاني طيلة أيامه برحيل ليندا، لقد فقد بفقدها الكثير.. و قد انهار لما حصل، لكن وجودك ماخفف وطأة مصابه...

أتمت بعد أن أمسكت بكفيه المقبوضتين لترتخيان قليلا:... أنت فقدت أمك، لكنه فقد كل شيئ بعدها، تفهم..؟

أغلق جفنيه ليتناسى مافقد دون أن يعي غيره ...
فقد رحل نيك و ثم أمه، و لولا الحظ لثلثت بفقده إيريكا...
فتح عينيه بعدما استعاد ماجهل ليقول بإرتباك : خالتي، أين إيريكا؟

فاجأها بالفعل تغير وضعه فقالت: حسنا، لقد أغمي عليها للنزيف...
بتر جملتها بنهوضه فزعا ليخرج لكنه صدم بالباب الذي لم يلحظه لعجلته...

أطلق ريو ضحكة ساخرة: يارجل، حبيبتك بخير، نيكولاس يعالج جرحها بالأعلى مع نوي.

تجاهل سخرية ريو قائلا بتقطيب حاجبين: متى سيصل هذا الإسعاف إذا؟!

هيجي تدخل: يجب أن يكون وصل منذ مدة.

توجه لغرفة المجروحة واردا نطاق نيكولاس الطبي...

"هل هي بخير؟..."

قال جملته قبل أن يلحظ سكونها بنوم أرخى ملامحها التي لقيها متشددة و شاحبة من الألم بسببه...

أجابه نيكولاس بينما يخرج رصاصة نوي الذي يصارع الألم بصمت: هي بخير، الجرح يكن عميقا.

قال بشك: متأكد..! هل عقمت جرحها جيدا..؟
نظر له الآخر بإستياء: أجل، متأكد من تعقيم الجرح..لا تنس أني طبيب.

كانت كلماته لا تجد مصبا فتخرج بعشوائية: لكنك طبيب أسنان.

إبتسم نوي مبعدا قطنة التعقيم التي تكفلت بتعذيبه بحرقتها: لاتعره بالا نيكولاس، هو ليس بحاله الطبيعي... لاحرج عليه.

لم يكن لإستياء نيكولاس أن يخف، لكن نوي كان محقا ..لذا ترك أمره و قال : نوي، أرغب أن أعترف لك ..

"بماذا؟...قتل ذلك الوغد..؟"

"أنا فعلت ذلك بعمد، كنت غاضبا... تذكرت ما فعله بنا فلم أحتمل.."

ربت نوي على رأس نيكولاس كما لو أنه لازال طفلا: لا بأس، لو لم تفعل لقتله غيرك.
كان مقصده واضحا، فهو لم يكن ينوي خيرا...
لكنه لم يظن أنه سيتلقى جوابا كالذي سمع: أخفض صوتك، إن علم هاروكي سنكون جنازتين... كان بركانا ثائرا عندما علم بأمر أمه.. و الغريب...أنه استقبله بكل معرفة!

حدق نوي بالمعني الشارد بمعاناته مع ضميره و هو يستذكر ذكرى يتمه...

كان هاروكي مممسكا بكف إيريكا ينظر لها بعينين استسلمت للدموع يتحدث معها في عالم لا يدخله سواه: إيريكا، هل تسمعينني؟... أنا أكره نفسي... لا أفهم كيف تجرأت على تعريضك للخطر هكذا بينما أدعي لنفسي تفاني في الدفاع عن سلامتك... رغم أن الإصابة في كتفك أشعر بالخوف ، ماذا لو تركني كنيك و أمي...تخيل ذلك مرعب... ارحميني إيريكا، و افتحي عينيك بسرعة.... اصفعيني على الأقل لأفهم أنني بخير..و أنك غاضبة...

قاطعه دخول ريو متجها نحوها يحملها: أتى الإسعاف...

و طبعا، معها الشرطة لرصد أخبار الحدث...



رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تعي أنها مستلقية على سرير مشفى و بجانبها والدتها نائمة...

حدقت لحظات بكيس الدم الموصول بها قبل أن يلحظ ريو تحركها فيهتف بسرور: إيريكا، استيقظت؟

أغلقت عينيها مجيبة بالإيجاب على سؤاله القلق، ثم نطقت بسؤال: هل الجميع بخير؟
أومأ بالإيجاب قبل أن يخرج : لا تقلقي،الكل بخير... سأذهب لأنادي الطبيب ..

عرضت شفتيه بإبتسامة ساخرة : و لأخبر هاروكي بإستيقاضك قبل أن يهلك.


ردت عليه بإبتسامة باهتة منظرة ردة فعله ...
لا ينكر شوقها لرؤية هلعة أو ندمه على ما أصابها، و لم يطل الإنتظار...

كانت تتصور رؤيته بأشكال عدة، لكنها كادت لاتعرفه...
فهذا الغريب الذي صدم الباب قبل دخوله و سقط قبل وصوله لها لا يمكن أن يكون هاروكي!

لم تستطع كبح ضحكتها على منظر الواصل لها متيقنا من سلامتها: إيريكا، لا أصدق أنت بخير..
قالت له مستهزئة : لست و كأني سقطت من جبال الهملايا.

زفر و قال معنفا: لاتبدين مصابة إلا في عقلك، كاد قلبي يتوقف...
حاولت تعكير مزاجه و لها مركز النجاح: واضح، و من تسبب في ألم كتفي غير تهور أحدهم؟!
صمت لحظات قبل أن يقول : أيؤلم كثيرا؟
أجابته: ليس بدرجة قلبك...آسفة لما يحدث، لم أتصور أن تكون ليندا مقتولة، شعرت بالصدمة فعلا.
ارتخت عينيه بأسى هو حق لأبيه منذ زمن غير يسير : كنت أخشى فقدك...لو حدث فتلك ضربة ساحقة.
اكتفت بالنظر له بإمتنان لمشاعره ...

كانا يفهمان دون الإيضاح و يتواصلان دون الإفصاح...أظن تحديق متبادل كان سلاح الفلاح !

لكن يبدوا أن ذراعيه أبت إلا أن تهم بعناقها!

تحولها لبذرة طماطم ناضجة لم يكن غريبا ، فعقلها سليم فهم مايريده الواقف قريبا...
فقد سافر لزمن لم يأخذ جسده معه على مايبدوا!
كبتت أنفاسها دون أن تقدر على الحراك و هو ينحني أمامها في سطوة مشاعره....
ليس سوى عناق...
هو ليس إلا عناق احتاجه هاروكي للتنفيس عن نفسه من مشاعرة المتخبطة...
لكن...

للأسف أنه ارتمى إثر ضربة سحقت ذقنه قبل ذلك: كن مهذبا هاروكي.
قال بإمتعاض: خالتي، ما بك؟
نظرت له بحدة جعلته يتصلب لفهمه أنه تناسى وجودها قرب إبنتها: كاوروا.. أنا...

بترت حديثه و هي ناهضة تجره للخارج: تحتاج لبعض التأديب الأساسي أيها الولد.

حاول إستعطاف معشوقته لتنقذه من براثن تهديد يخشى منه: إيريكا، قولي شيئا.

تحدثت و هي تكتم ضحكتها المخنوقة: آسفة، لا أتصور أن لي علاقة بالأمر...تصرف لوحدك.
مد يده اليائسة نحوها بعتاب: إيريكا...!
لكن صفق الباب من قبل كاوروا حجب عنه رؤية انفجارها بالضحك!



حق رفيق عمله المتجه لقاعة الإستجواب: نوي، كان يتوجب عليك أن تستريح.

قال الآخر و العجلة هيمنت على تصرفاته: أنا بخير، إذهب و سجل إعترافاته.
ربت هيجي على كتفه متقدما: لا فائدة.

استسلم لعناد لم يتركه لاهو و لا هيجي سالمين!
ثم ورد معهما لتلك الغرفة لينطق نوي بذهول: كيف...؟!

كان مقصوده واضحا...
فالقناص المقبوض عليه قد لقي حتفه ، فذي جثته تمتد و الكرسي ساقط قربه...
و لا أثر و لا دم...




أخذ حماما،دافئا ليخفي بتلك المياه آخر دموع تبرز ضعفه...
فقد مل الضعف و البكاء عديم الفائدة، هو أكثر بكاء من أمه الرقيقة أيضا!

لكن تذكر مصير أمه يعيد له جريان مايمسحه من سائل عديم اللون...

انتهى بعد فترة يسيرة ليخرج مرتديا بنطاله الزيتي و قميصه الأسود مع معطف زيتي خفيف الملمس...

فلا ننسى أنه عاد للشتاء!

نزل الدرجات و تقدم ليرتدي حذاءه و لولا رؤية والده يدخل لم يكن ليعدل عن قراره...
سأل بفضول لم يعره اهتماما حقا: هل اعترف؟
كانت يد هيجي مشغولة بفك ربطة عنقه الخانقة: قتل قبل إستجوابه.

نطق بإستهزاء: مازلتم عديمي جدوى.
رمقه هيجي بغضب: عديمي جدوى، أنت لا تعرف شيئا.
رفع هاروكي كتفيه ببلاهة: أجل أجل، لا أعرف أنكم لم تستطيعوا حماية نيك، و أنكم لم تنقذوا أمي...

أبدى توهج عينيه الحاقدتان: لقد عانيت بسبب عدم كفائتكم فقد نيك، و للتو أضيف يتمي في القائمة ذاتها.

فارق المسافة تقلص بخطوات هيجي الذي وجه صفعة اسقرت على خد إبنه: يتمك كان تذكيري بوحدتي... و شعلة رغبتي في الإنتقام.

مسح على مكان الصفعة المحمرة قبل أن يقترب هامسا ما زاد ألم إبنه لهذا الواقع الذي رافق أبيه...: صفعتك لتفهم، أنني فقدتها..فقدت ليندا بين يدي...

ارتخى جسده ليجلس مكانه متما ما بدأه من حديث: ... إن كنت فقدت صديقك، فأنا فقدت حبيبتي...إن كنت فقدت أخيك ، فأنا فقدت زوجتي... إن كنت فقدت عزيزا ، فقد فقدت ثلاثة... هل تظن أنك من تعاني فقط، أنت مخطئ هاروكي... الكثير عانى و أنا أتعذب منذ ودعتني و هي مكتسية بدماء إنسانيتها.

هذه الصورة...
هل هي حقيقة والده؟!

قوي كالدرع ظاهره، و هش كتناثرات الزجاج جوهرة..!

لحظة...
قال ثلاثة...ما الذي قصده؟!

هل هناك المزيد...؟

انحنى عند والده بذلة أوضحها بوجهه و هو يمد يده: أبي، هللا جلست معي... فأنا اشتقت لك بعد هذا السفر العجيب.
أمسك بيد خيرة آماله ناهضا معه: تريد قطع الشوق أم تحاول إستخراج المعلومات؟
إبتسم ببرائة: لم تسئ الظن بي؟
أجاب ببرود: لأنك لم تكن بارا يوما.
قال بمكر يستدرج به إعترافا يذل صاحبه: وهل أنت أب صالح ؟
اتجه نحو أقرب عرفة خصصت لإستقبال الوفود: عندما أراك أظمن لنفسي أني فاشل في التربية.
تبع الإبن أبيه يتباهى بغلبته : تعلم، سمعت هذا الكلام منك في شبابك.
قال بجمود يحفظ به وجه الجوكر..: كل منطقي سيقول هذا.
أجاب و هو يجلس على الأريكة مفسحا المجال لأبيه: غرورك لا يفوقه شيء .
تنحنح هيجي و هو يخلع سترته ليرميها مبعثرة على الأرض: أشكرك.
فهم هاروكي أن والده المرتب غير طبيعي فقال: ألا تريد شيئا تشربه؟
"لا"
تنهد هاروكي داخلا صلب الحديث: قلت فقدت ثلاثة...
أجاب بعد برهة من النظر للفراغ: والدي...
قال بتعجب: الذين هربت منهم للميتم؟!

أثار هذا عجبه ليقول: هل وصل بي الحال للثرثرة عنهما معك؟
أتم طريق إستمتاعه بإستفزاز والده: هه، قلت قصتك المضحكة بالتفصيل.

لم يبد علائم سرور أو مجابهة بل قال بجدية تامة: لا تتحدث عن شيئ لا تفهمه.
"إذا.."
"ماذا؟"
" كيف تم قتلهم؟"
" الأمر يتعلق بروز"
شد الأمر انتباهه حقا: روز!
بدأ بسرد ما لم يحظره إبنه: بعد عامين مما حصل ، رأت روز بعض الأوراق الغريبة بين أوراق نوي، و التي كانت عبارة عن طرق تبادل الرهائن البشرية و أماكنها...أتت لنا و سلمتنا الأوراق ، أعتقد أن نيك قد حصل عليها في تحقيقاته...

رفع هاروكي بؤبؤيه بحنق: ذاك الأحمق ، كيف يحصل على هذه الأمور؟!..
قال هيجي: دعني أكمل.... عند حصولنا على تلك المعلومات، قبضنا على مجرمين كثر ، و اقتربنا من ناوكي ثانية ... كانت روز تحشر نفسها معنا لتصل لقاتل زوجها، كانت تتقدم بحماس لكن...

اتخذ صمتا يوقظ فضول هاروكي: لكن ماذا؟..أكمل، لم توقفت.

زفر طويلا ليستعيد كلماته المفقودة: ...ناوكي، تدخل بنفسه... كان نيكولاس مغرما بالطب لذا أجبرتني ليندا على مواجهة والدي و حثهم على تعليمه نظريا بسائط الأمور... بعد فترة صدمت بمقتل والدي و هما خارجين من المشفى، و كذا اختطاف نيكولاس مع ليندا لكونها ترافقه لمراجعة أمور حملها.... كنت أعرف سر تصرفه، كان إيقافا لتحقيقاتي، هو لم يكن ليقترب من كاوروا بينما نوي كان متنبها لما حولها..
شبك يديه لتمسح على وجهه:... ما فهمته من كلمات نيكولاس المتقطعة أنه أغضب ناوكي حتى نوى قتله لكن ليندا تدخلت و...

أتم هاروكي ما لم يستطع هيجي النطق به: كانت هي الضحية.
نظر بحسرة على ما آل له قدره : بالكاد إستطعنا إنقاذك، ليندا كانت تبكي خوفا عليك.. و حسرة على عدم لقائك.

ضرب خديه بخفة ليطرد تأثير الحديث السلبي، فهو يحتاج القوة ليواسي الفاقد الأساسي...
انتصب واقفا ليهرب من هذا الموقف الأليم بعد معرفته شيئا واحدا بقي استفساره: لا أفهم، لم قلت أنك فقدت ثلاثة.... أنت لم تكن تعدهم والدين أصلا.

لم يخفي ما التزم عنه الصمت طويلا: ألئك الأحمقان ، لم يعطياني حتى فرصة الإفصاح عن حبي لهما.

تنهد مطولا قبل أن ينحني محتضنا والده: جيد أنني لم أفقد فرصة قولها، فأنا أحبك أبي... ممتن لك على كل ما عانيته وحيدا، متأكد أن هذا يسر ليندا...

إبتسم والده بحنان: و أنا ممتن لليندا على ما وهبته لي.

شعر بشيء ناقص داخله بهذه الجلسة العاطفية و لابد له من تتمة فقال: هيجي، هل تحبني؟
رفع حاجب استنكار: لا أسمح لك بالإستمرار هكذا، أنا والدك.
قال هاروكي: حسنا أبي، هل تحبني؟
أشاح بعينيه: إن كل أب طبيعي يحب إبنه، فلم السؤال؟
أطلق ضحكة خفيفة: لهذه النقطة أسأل، لست أبا طبيعي.
"تهينني؟"
" بل أصفك.."
" تود الشجار"
" بل أنزع قناع وقارتك... أن تقول أنك تحبني، لن يقتلك"
" اترك هذا عنك... لن أنطق بشئ كهذا"
" مللت قولها لكثرة ماقلتها لأمي؟!"
" بل خزنتها للسانك لتقولها لفتاتك.."
شعر بعودة الأمور لمجراها فعاود اتجاهه للخارج: أراك لاحقا.
سأل: أين؟
أجاب: هيرو أخبرني أنه سيريني صور لنيك معه، فقبل عودتي لزمن شبابك كان نيك قد حظي بأبوته لفترة.

أوقفته صدمته لينفي نية ابنه بحدة لكنته الهادئة: لن تذهب، لا يجب عليك الذهاب.

انتبه لإنخطاف لون مقابله: لم؟
حاول هيجي بيان الرادع لإقناع إبنه: ستتأذى فقط...إنها مريضة ، بل تكاد تكون مجنونة.
لكن خبرا كهذا لم يكن رادعا له، فهو يرغب بأن يراها فعلا: أبي، أعلم عن مرضها...
إنتبه هاروكي لنقطة ضعف الحوار التي غفل عنها: لكن كيف...حين تركتها، و عند كلامك...كلامك أوضح سلامتها من علة كهذه!

خلخل خصلاته بأنامل كفه المتحيرة: ناوكي...
بين ضجره بواقعية لما نطق به والده: هذا الإسم ثانية.

أظهر هيجي مالديه لتكون آخر صدمة، بل من الأفضل أن تكون بعدما حرمت على قلب هاروكي السكون...
لايعرف كيف سمعه، يأبى عقله التصديق بمدى هذه الوحشية التي تحلى به ذلك الرجل...
كيف...؟!
هذا ما دار بباله و قاله بينما تهاوى جسده بفقده لمداركه..: كيف فعل ذلك؟... كيف له...تجرأ بجعلها تعاني هكذا...أبي، لا يعقل... أن يكون الميناء مزودا بآلة تصوير...تمزح، هل تقول أنها رأته ينزف، رأته يسعل دما، رأته يتوسل لي لرؤيتها... لا أصدق... أن يصور الحدث و يرسله لها عند حاجته... وحشية تامة...!

أخذ هيجي إبنه في حجره : لذا لا يجب أن تذهب... ستؤذيها أكثر.
نهض بانفعال قاطعا تردده بفعل لا يتزلزل : بل سأذهب، يجب أن أتحدث معها... هي تحتاج إلي.

أمسكه هيجي من ياقته ليلصقه بالجدار بعدما رأى إبنه صعب المراس قد أخرج ماسمعه من الأذن الأخرى: هي رأت فيديو قبل ثمانية عشر عاما، ظهورك أمامها لن يجلب خيرا...صدقني.

أبعد يدي والده: أنت محق، مقابلتي لها لن تكون إلا سوئا، هذا إن عرفتني... فهي قابلتني فتى بالثامنة عشرة، يجب أن أكون بسنها... لذا، لن تعرفني.

نظر لوالده مكملا إصراره الواضح: لن أتحدث معها عن شيئ، سألاقي إبنها.
قال بغيظ: لكن شكلك سيعيد لها الذكرى.
" و كأنك كنت بشكل آخر غير هذا... دعني أذهب، أود رؤية صور نيك."

"لاتكن أنانيا..."
أفلت بيدي والده خارجا: يجب أن أهدأ، بعدها سأذهب لزيارة إيريكا.





عدة طرقات كادت توقف أمارات حياته...
تمنى أن تفتح له روز ليحاكيها، و تمنى أن لا يراها هربا من مجهول قد يسحق ما تبقى من تجلده...

في النهاية، هو أتى لإنهاء المواجهة مع نفسه...
لم يستطع كبت دهشته عندما واجهته إمرأة ممشوقة القوام هزيلة الروح ببريق حزن زين خصلاتها بصبغة الثلج ..!

شيبها طغى أغلب شعرها ، و روحها غارقة في اللامكان و اللازمان...
هي تائهة في ذكريات كان من المفترض تجاهلها...
هذا حديث العقلاء، لكن...
هل العقل يرافق من عاش بإنتظار فراق و تنفس تاليا بلوعة إشتياق...؟
ربما، لكنه لن يماشي قلبا يخفق بصدمة تتلوها أخرى بتذكر أقسى منظر تراه العين....
هي معلولة الروح بكل لحظة تذكر ما رأت من وحشية..!

أراد نفي ما قالته بإنفعال: هاروكي، هذا أنت...لا أصدق.

شلت أطرافه حتى يده التي أراد رفعها للمصافحة أبت الحراك، كيف لها أن تقول ذلك؟!
أليس من الأحرى أن تظنه إبنه... لا تقل لي أنها تعلم أيضا؟!

((نيك...لو كنت حيا لقتلتك بيدي، كل الأمور تزيد صعوبة بسببك؟...))

بصعوبة فائقة قال: أتيت للقاء هيرو.
أفسحت له مجال الدخول: أدخل، لقد ذهب للسوبر ماركت ... دقائق و سيكون هنا.
تبعها بخطوات حائرة تحاول إيجاد المرادفات المناسبة ، لكنه لم يجد أفضل من الصمت...

لحسن حظه أن هيروا وصل في هذه اللحظات العصيبة و هو يرفع كيسي حاجيات قد تبضعها: أنظر من أتى؟
نظرت روز للآتي بإبتسامة مشرقة: أه، لم تخبرني أنك على معرفة بهاروكي هيرو.
توقف هنيئة دلالة على صدمته، ثم تقدم بشكل طبيعي مجيبا: اليوم أول لقاء لنا.




كلما رفع رأسه عاد مطأطئا ...
لم لم يتغير شيئ...؟!
لم احتفظ المنزل بكل شيئ كسابق عهده...
لم هذه الصورة لازالت معلقة أمامه....
و لم هو جالس بجوار هيرو بذات الأريكة التي جلس بها مع نيك..؟!
كل شيئ كما كان ، بينما تغيرت ملامح العصرية و اهترئت بعض الجدران إلا أنه يكاد ينهض باحثا عن نيك...!

تشجع سائلا جليسه قبل أن تأتي روز: هل تعرف بقصة عودتي عبر الزمن؟!
تنهد الآخر مظهرا ما يؤلم من أمر بها: لا، هي تعيش الماضي فقط... لا تعي ماحصل لأبي ، دوما ما تقول أنه من غير المعقول أن يتركها هكذا..؟

وفدت عليهم روز بأطباق الضيافة لتضعها أمامهما: مضى زمن طويل منذ لقائنا الأخير ، سررت بمجيئك حقا.
ابتلع غصة علقت بحلقه ليجيبها بطاقة قد جمعها: صحيح، لقد قال هيرو أن له عمل معي.. لذا أتيت، فرصة سعيدة لتجمعنا.

أومأ هاروكي إيجابا: كل خير ينتهي لفاعله.
جر شفتيه لترسم شبح بسمة خفيفة : الشكر لك.

لاحظ هيرو شحوب هاروكي و فهم مغزاه ليقول: دعنا نذهب لغرفتي، لا يبدوا أنك ستطيل المكوث.

اكتفى بقول : أنت محق.
لكن روز أبدت اعتراضها لهذا القرار: لكنك لم تجلس معي، أرغب بالحديث معك.
نهض مادا الأمانة التي صعب وداعها: روز، هذه أمانة أودعها لي نيك...قال أن أعطيها لك.
أسرعت بخطف ذلك الدفتر منه لتفتحه : نيك، هذا بالفعل خط نيك...لم لم يعطه لي بنفسه؟

إبتسم بحزن و أبدى إجابة لم تخلوا من واقع: أراد محادثتك مرة أخرى.

تبع هيرو ليدخل غرفته، و التي كانت مكتبة نيك قديما..!
أغلق هيروا الباب و سأل بجدية عن هدف مجيئه: لا تبدوا على مايرام، هل أنت متأكد أنك ترغب برؤية الصور؟

فاجأه بثقة بدت دون مقدمات و هو يبحث: أين هي؟
أوقفه هيروا متجها لصندوق صغير قد وضعه في درج مكتبه: انتظر.

أخرج هيرو عدة صور و قدمها له علها تملئ عينيه...!
جلس على الكرسي متكئا على الطاولة ليحدق مليا بتلك الصور...

نيك...
يقبل رأس رضيعه المحمر في المشفى...
يشم إبنه و هو يضمه بين ذراعيه...
يضع أصابعه الدقيقة بين كفي طفله...
يجلس إبنه في حجره...
يحمله في مزرعة ما و بجانبه زوجته...
و الأخيرة ...نائم و هو يحتظن إبنه...

والده..للآن يتلذذ بالنوم و هو بين ذراعيه، أليس كذلك؟...

رمى بما بيده متجها لأقرب نافذة ليفتحها مستنشقا بعض الهواء..

اقترب منه هيرو بقلق: متأكد أنك بخير هاروكي.

أخذ شهيقا و زفيرا أخاف من جواره: نيك، كان سعيدا.

قطب هيروا عينيه و أبدى احتجاجا على ما يرى: ما حدث قد حدث، أنت ستهلك نفسك فقط.

حاول تهدئة نفسه قبل أن يوجه جسده نحو هيرو: أريد قصته، سأتمها.

توسعت حدقتيه متسائلا: تكملها؟!... هل أنت بخير؟
أومأ إيجابا: لقد اعتدت أساليبه الغريبة، سأكملها لتنشر... هذا قرار اتخذته و لن أعدل عنه.
حك ما بين حاجبيه بتردد ثم اتجه لمكتبته ليخرجها: لايهم، لقد وعدتك أن أدعك تقرأها.

أخذها بإمتنان ثم قال بفضول: مع كل هذه الشركات و الأملاك، حتى لا تملكون خادمة!
سد هذا التطلع بإجابة وافية: الأمر أن والدي لا يحبان الحياة بتكلف، و أنا أؤيدهما... أن أقود سيارتي و أرتب منزلي و أتسوق بنفسي أفضل بكثير... ألا تظن؟

نظر لما بيده عائدا لعالمه دون أن ينطق بشئ...

و ما أصغى لشيء غير شهقة امتزجت ببكاء عاد صداه في أذنه...

خرج هيرو متروعا بينما هو فهم نتيجة إيصال أمانته...

ماخطه نيك كفيل بإقناعها بشؤم قدره...





طرقت الساعة أبواب الثانية ، و جفني هيجي لم تصافحان النعاس حتى...

يخرج كل ربع ساعة بل عشر دقائق لا بل خمس أو ربما أقل ليتأكد من حظور فلذة كبده...

كان الوقت يتيه في ضياعه...
ماحصل اليوم، و ما يشعر به إبنه... يحييه بتهديد من حدث سوء...

لم يستطع كبت مخاوفه و هواجيسه حتى اتجه لهاتف المنزل مطمئنا نفسه...
(( قد يكون مع إيريكا...كان قلقا عليها... ذلك الولد...))

استمع لتلك الموسيقى الموضوعة كرنين للهاتف المقابل حتى بان صوت نعس ينبئ عن استيقاضها من نعيم نوم هانئ: نعم.

قال ما جعل النوم يودع مقلتيها: هل هاروكي معك؟

تسائلت سر سؤاله ، فهي تعلم أن سؤال هيجي لن ينبئ عن خبر سعيد: ليس هنا، منذ خروجه لم يعد، هل هناك خطب ما عمي؟

تنهد قبل أن يقول: لقد ذهب للقاء روز، لا أعتقد أنه بات مسرورا بلقائها... و للآن لم يأتي، أنا قلق .

جلست بسرعة حيث أجلست أمها الراقدة عندها: سأبحث عنه، أظنني أعرف أين يكون.
سألها : أين ؟
فكرت لحظات ثم صممت على ما ستختاره من إجابة: سأخبرك بعد أن أراه.

التقط هيجي مبتغاها: حسنا، اهتمي به جيدا إن لقيته... أنا سأبحث عنه أيضا علني ألقاه.

أجابته: حسنا، طمني إن رأيته.

أغلقت الهاتف الخليوي لترميه جانبا مبلغة الخبر الذي أوقضها: لم يعد هيجي ..أقصد، هاروكي للمنزل، سأذهب للبحث عنه.

عارضت كاوروا هذا القرار بشكل شبه قاطع: جننت، أنت مصابة إيريكا... يتوجب عليك الراحة.

ألصقت وجهها المرح بوجه أمها و وجهت بؤبؤيها الخضراوين للنظر لقسماتها: أمي ، أنا سأخرج في الصباح الذي لم يتبقى عليه سوى ثلاث ساعات، لاضير إذا...
ابتعدت و هي تنهض مبتعدة عن مرقدها: ... و يجب أن أرى هاروكي قبل أن يتهور.

لحقتها والدتها لتكسوها بمعطف يقيها برد الهواء القارس: هل آتي معك؟

جمدت ملامح إيريكا قبل الإجابة: أظن، يجب أن أذهب له كما يريد ... لأول مرة.

اكتفت بإبداء إقتناعها الناتج من تفهم: فهمت.





بدأت توقف خطواتها المسرعة و هي تصارع لهاث تعبها و ألم كتفها...

شعرت و كأن كتفها يكاد ينفصل عن الذراع إلا أنها لم تكترث...
جالت بعينيها عن مقصودها و باتت تتحسس الرطوبة السارية لقدمها...

هدوء خالج داخلها بعد تلك العاصفة التي أرشدها التوتر و الخوف...
و ارتخاء عينيها صادق إبتسامة لما اكتحل به بصرها برؤيته....

واقف بشموخ يخفي زلزال مشاعره...
خصلاته الفاحمة تغطي عينيه و ما ترسمه من تعبير...

لم توقف نفسها إلا عندما أسندت رأسها على ظهره بصمت...

و هو لم يتحرك من سكونه...!
لم يكن هناك داع لإبلاغه بمن يكون خلفه...

فدقات قلبه أرشدته و ذراعيها قد أحاطته ...فهل من معرف أجلا و أوضح...!

ظل فترة يكتسب منها ما طال إنتظاره و أخفت عنه آثاره...

كان يشعر بحرارة جسدها التي يلتقط منها الخجل و يلتمس من أنفاسها غير المنتظمة التوتر...!

نطق بعد فترة لا يعلم مداها: روز لم تكن سوى شبح نيك... و هيرو لم يكن غير رائحته... أظن، أحتاج لأمي الآن أكثر من أي وقت مضى...

ابتعدت عنه لتقف يمنته: عذابك لن ينفع نيك و لن يعيد ليندا، فقط تؤذي والدك و تقلقني عليك.
ركل حصى مجتمعة عند قدمه لتتناثر في المياه أمامه: أعدك، هذه آخر ليلة.
إبتسمت بلطف و هي تنظر لما أحدثته ركلته: لم آخر ليلة؟
أجاب : لأنك هنا لأجلي.

ارتخت لتجلس مكانها: لا تفكر أن تقلقني كل مرة لآتي هكذا.
ضحك بخفة و هو يجلس بدوره: اصطدتني، كنت أفكر في هذا الأمر بجدية.

مد يده لتفحص إصابتها المضمدة : تؤلمك؟
قالت بإمتعاض طفولي: أجبت هذا السؤال ألف مرة.
برقت بؤبؤيه حنانا بعطف حواها:لم أسمع...
ضربت صدره بيدها السليمة مخافة أن تقودها مشاعرها دون تعقل: بفضل قلقك لا ألم.
رفع حاجبيه متصنعا التعجب: أيحب أن أكون قلقا لتتعافي؟!
أومأت بخبث: سيكون قلقا متبادلا .

لحظات صمت حيرتهما في أي الكلمات تكون الأنسب إنتقائا قطع هاروكي إستمرارها: شكرا لمجيئك.
"هل كنت تتصور أني سأتركك وحدك؟"
" لم يكن بمقدوري التصور أساسا"

استقامت بظهرها قليلا: أه، كنت فاقدا لعقلك إذا..
رمقها بنصف عين: فقدته منذ أن تمنيت الذهاب معك لحيث تريدين... أهذا عوض خدماتي طويلة المدى.

قطبت حاجبيها بإعتراض: هل فعلت كل ذلك لأجل مكافأة؟!

قال ساخرا: لا، بالمجان...طبعا لكل شيئ قيمة و ثمن ما فعلته باهض.

باغتته بهمس أوقف دقات قلبه .."أحبك"

احمر وجهه و عينيه حجبتهما إيريكا بإرتفاعها عند أذنه:هييييه، جعلتني مدينا لك طيلة عمري أيتها الخبيثة.
أصدق القول لنفسه فلا ثمن يوازي ما وهبته ، لكن ..أليس هو من استولى على قلبها بحبه؟!.....



يوم آخر، قد هدأت به ثوران براكين المصاعب....
لتكون حياتهما طبيعية...
كيف...؟!
طبعا
بوقفتهما أمام المدير المتذمر و هو يضرب طاولته بعصاه الخشبية: انتهى وقت المزاح معكما...ستبقيان هنا حتى أتصرف مع والديكما...

قال هاروكي الممتثل أمامه: لكن أبوينا في مهمة عاجلة.

أتمت إيريكا: و أمي في المشفى لأنها حامل، و أنت ترى أني مصابة... و لولا إمتحان اللغة لما أتيت.

لم يستطع إخفاء إبتسامة فرحه لطالبيه الشقيين: هل كاوروا حامل؟!
أجابته بفرحة ظاهرة بعد رؤية ردة فعله: اهم، يبدو أنه صبي هذه المرة...

تنبه لنفسه ليتنحنح معيدا أجواء مكتبه الصارم: لن أخدع، يجب أن أتحدث معهما...
رفع السماعة ليتصل بالفرد الأول من قائمته التي حفضها واضعا الصوت على المكبر: ....مرحبا، هيجي..هذا أنت..
أجاب الصوت المقابل:.. أه، ماذا هناك ريك... قل ما لديك فأنا مشغول .
كان حاجبه يرف غضبا لتعامل هذا الطالب: أمضيت عمرك كله و لم تفهم كيف تحترم من هم أكبر منك ..

أجابه بصوت ينبئ عن عجالة: آسف، ليس لدي وقت محاظرة أخلاقك... أكلمك لاحقا.

توت...توت ...توت....

لم يكبت هاروكي ضحكته بينما جسد إيريكا المهتز خير مخبر عن حالها ....
اكتفت نظرة منه لإسكاتهما بينما في الطرف الآخر...
هيجي يحرك أصابعه بسرعة على أزرار حاسوبه و هو يقول بجهورية: ريو، سيتصل بك ريك الآن...

أجابه و هو ينظر لملفات إجرامية على مكتبه: ألا يكل أو يمل ، يتعب نفسه فعلا...
ظهر صوت رنين هاتفه ليرفعه مظهرا بعض آثار تعب لهاث على صوته:... ريو معك..

ابتسم لسماعه ثورة الغضب متحدثا: ... تصرف بخصوص إبنتك ريو... لقد ضاق ذرعي من تأخراتها الدائمة..

أجاب بسرعة متصنعا حزنا جزئيا: أعتذر منك ريك... أنا في حال مطاردة الآن..

و لم يصدر شيئ غير..

....توت....توت.. توت....

ابتسم ريو مفتخرا بنصره: يجب أن يتقبل الواقع .
توقف هيجي عن الحركة لينظر لشريك خدعته: يبقى مديرنا المحبوب..

ارتشف ريو قليلا من كأس شايه: و نحن طلابه المشاغبون، أجزم أنه سيتصل بكاوروا ليسوء مزاج يومه.

و هذا ما حصل عندما قالت له: سيد ريك، أعطهما أوراق تعهد و اكفنا شر مكالماتك... حقا مللت تهديداتك الفارغة.

....توت....توت...توت.....

ضجت الغرفة بضحك الإثنين ليمسك رأسه رادعا نفسه عن تهور قريب و تنهد طويلا قبل أن يشير لمها بالإنصراف: أخرجا.





لم تتصور أن عودتها لمنزل ليندا سيكون مؤلما هذه المرة...

جالت بعينيها نحو الملتفين على الطاولة كسابق عهدهم...
الكل هنا...
السيد و السيدة ميشيل، السيد سايكو، نوي، نيكولاس، يوري و ميواكو ، ريو، هيجي، كاوروا، معها هي و هاروكي...
حتى هيوجي، كان حاضرا و الفرق أنه كان جنينا بينما الآن رجل ذو شارب و لحية!

لم يكن هناك إلا فراغ وجود ليندا...

كان هذا آخر لقاء مع رئيس الفرع المركزي سايكوا أيضا ، فهو سيتقاعد و يترك منصبه لنوي، لذا مجيئه كان بمثابة الوداع...

وداع من عمله لاغير بالطبع فمن هنا عائلة آنسته بعد فراغ زوجته و إبنته الراحلة ضحيتي إختطاف سابق..!

كان الجميع يتبادل الحديث بما شاء و يستمتع بينما يقول يوري كل حين: هاروكي و إيريكا ، لا أعرف لم أصبحتما تشبهان عميلين في مطعمي سابقا؟

لقي تأييد زوجته: صحيح، تقصد من افتتحت معهم المطعم.

كان الجميع يتجاهل حديثها حتى دققت في ملامحهم لتقول: أذكر أنهم يشابهونكما في الأسماء أيضا...رغم رؤيتي لكم كثيرا إلا أنها المرة الأولى ألحظ هذا الشبه!

عندها غص هاروكي بما في حلقه و بدأ بالسعال لتضرب جدته ظهره بخفة : مابك عزيزي؟

و إيريكا قالت مظهرة عجبا مصطنعا ، يا للعجب... تمنيت لو قابلتهم.

(( يالها من ذاكرة قوية!))

أما هيجي و ريو قد التزما الصمت...

قال يوكي لزوجته: عزيزتي، ربما التقطنا لهم صورة مع الجميع.
ابتسمت مستدركة الأمر: آه، ربما...
نهضت مبتعدة عن المائدة: سآتي بالألبوم لأتأكد.

فاجأهم زيادة سعال هاروكي الذي بالفعل كاد يختنق...
سكبت كاوروا له كأس ماء و إيريكا قدمته له: مابك؟

انحنى قليلا ليصدمها بقوله مايكفي لإشادها للفكرة:هللا كفيتنا شر الأمنيات، صورتنا معهم..
صرخت بذهول أوقف الجميع عن الحركة ليقول هيوجي : دعونا نأكل بسلام رجاء ..
أشاحت بناظريها مبدية احتجاجها الطفولي لهذا المولود توا..: لم آخذ ملعقتك هيوجي...
كان هيوجي الفرد الثالث من هذه الصداقة، و المنبه الدائم على أخطائهما الصغيرة و الكبيرة، و حقا... لم تترك ميواكوا به غير هذه الصفة... مع سواد شعرها..

أبدى يوري رأيه في إبنه الموقر: شبهه بخاليه يزداد كل يوم، خاصة منذ دخوله الكلية العسكرية.

تجاهله إبنه ليخاطب إبن خاله الذي عاد لإستنشاق الهواء بطبيعية: هل قررت ماذا ستفعل؟
فكر مليا في الهدف الذي ينشده ليجيب إبن عمته...

لكنه لم يستطع الإجابة فدخول جدته حال دون ذلك، بل بقي يعد لحظات حفظه لماء وجهه...!

سلمت الألبوم لزوجها : ها هو، أنظر علك تجد شيئا.

استلم ما قدمته شاكرا و فتح الألبوم ليتصفحه و يقف عند إحداها: هذه هي، عند ولادة هيوجي..ليست واضحة لكنها تفي بالغرض.

ازدرأت إيريكا لعابها و هي ترى تسامرهم بالتأييد فهبت تهرب لولا كلمة والدتها: إيريكا، ما معنى هذا؟

عرفت ما سيحدث لكنها تظاهرت بالجهل و هي تنظر للصورة بدورها: ماذا؟
شعرت بفوران دمها و غليانه ، فأوضح شيئ في الصورة هما؟!... و كأنهما في عناق حميمي!

تدخل ريو ساخرا: إييييييييه، أنظر ماذا هنا...هاروكي، بعض الخصوصية لاتضر.
حاول التهرب من تهديد ريو الخفي: ماذا؟..هذه الصورة ليست لي .
قال والده بفرصة ذهبية وصلت له : متأكد؟... أشك.

بان التشوش في تحركاته بينما لسانه نطق معترضا: أبي..

صفق ريو جاذبا إنتباه الجميع بادئا بعرضه المسرحي: سيداتي سادتي، هناك حدث عجيب كون لنا قصة لها من الغرابة بمكان... فهذان قد تمنيا في ليلة مقمرة أن يعودا عبر الزمن للقيا أيام زمان، عندها التقطت لهما هذه الصورة ليفاجئا برؤيتها الآن...

ضحك الموجودين لتقول كاوروا مؤنبة: ما هذه السخافة ريو؟
أما نوي فقد أبدى استحسانه: بل هي أسطورة رائعة .

كان الإطمئنان قد وجد له مكانا بقلب إيريكا بينما هاروكي مازال فاغرا فاه لهذه الحكاية...
حول نظره لإيريكا ليرى تعابيرها المطمئنة فيفهم منها أن ريو على علم بكل شيء!
أي...هناك خطر يحوم حوله من طرف الأب..!!!

عاد الوضع طبيعيا و السيد سايكوا غادر الجلسة...

بينما هيوجي بدأ يتباحث مع خاليه عن مسيرة حياته المنتخبة...

و ميواكوا،كاوروا مع السيدة ميشيل يتعاونون في غسل الأواني...

اكتفت إيريكا من مراقبة نائية الفائدة فنهضت لتذهب حيث هاروكي...
لم يكن هناك بد لطرق الباب فلا خصوصية بينهما، بل فتحت الباب على مصراعيه قائلة: ماذا تفعل؟

أوقفه تأوهها ليبتعد عن مكتبه متجها نحوها: هل أنت على مايرام إيريكا؟

حاولت إستعادة إبتسامتها الخافية: اوه، لا تكرر هذا السؤال.. سئمت منه.

ساعدها على النهوض لتجلس على الكرسي الخشبي الذي نهض منه توا: كوني عاقلة، و لن يسألك أحد.

لفت نظرها الأوراق المصطفة أمامها: ماهذا؟
أجابها و هو يعيد ترتيبها: قصة عودتنا، كتبها نيك لكنها لم تتم... صممت على إكمالها.

استلطفت الفكرة فسألت: جميل، هل قررت أن تكون كاتبا؟
شعر بالغثيان لهذه الفكرة بعيدة المنال فعارض من فوره: بالطبع لا، هذه القصة مهمة لدي لذا سأحاول إكمالها.
أعطته مابيدها من صفحات ليرتبها: إذا ما هو تخطيطك؟
توقف لحظات يفكر بعمق في قراره: بعد إذنك..سأتبع خطى والدي، يجب أن أقبض على مسؤلي المنظمة الإجرامية، هذا هو هدفي .

حاولت الفرار من فخ نصبه في حديثه: ما من داع لإذني هنا، قرار مجازفتك بحياتك.
لم يبالي بالمراوغة من قبلها إنما بدأ بالتصريح: لكن من ستعيش حياة الخطر معي لابد أن تكون راضية .
نهضت رامية الكرسي لما وصل له من نتيجة قائلة بإنفعال رماه أرضا: من قال أنني سأعيش معك؟!

تداركت نفسها لتنحني تلم الأوراق التي تسببت بتناثرها: أعتذر، سأرتبها عنك.

وقعت عينيها بورقة لم يدخل بياضها سوى عنوان بجوهر أسود: لنيك دقة في عنوانه.
جلس عندها مؤيدا: أجل، اختصر واقع ماحصل، ذهبنا و أتينا و المصير واحد.

لم تزح ناظريها عن حروف نيك المنتقاة بعناية و هي تتلفظها كما لو أنها سرت بمفهومها في عروقها النابضة: قدر مخطوط على صفحات الزمن!

فما الذي تغير؟..
نيك و ليندا تحت التراب..
تزوج ريو بكاوروا...
و اجتمع الجميع كعادتهم...

قطع تفكيرها الشارد صوت جليسها بمكر: هللا أخبرتني عن قدري.
رمت ما بيدها ناهضة بغيظ مما يكيده من مصيدة لتعثرات حديثها:أعتقد، أن تجمع هذه الأوراق.

"لافائدة.."

قالها ناسيا أن القدر مخطوط على صفحات الزمن، فلو عرف مآلها..لما قالها...



****تمت****





س١- هل أعجبتكم النهاية؟

س٢- هل تصورتم أن تكون ليندا مقتولة؟
س٣- أكثر مقطع أعجبكم؟

س٤- تعليق على شيئ لم ينل إعجابكم؟

س٥- هل كنت على قدر توقعاتكم؟




خلصت القصة و خلصت أيامنا...
فرحت اني حصلت على متابعين و اصدقاء مثلكم..
عندكم محارم انشف دموعي
ح4

امزح..
عندي مفاجأة..هناك بارت خاص!

كتبوا
ردة
فعلكم،

هههههههههههه

وداع سريع مايعجبني
خاصة بكل
هالحزن!

وفي
البارت
صواعق
..
انتظروا



التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 11-10-2016 الساعة 06:59 PM
رد مع اقتباس