عرض مشاركة واحدة
  #294  
قديم 08-25-2016, 03:17 PM
 



الفصل السابع و الخمسون
*وليد الدمار*




"ارم مسدسك !"

صدح هتاف جاستن الآمر في الممر المظلم ، لكن دون نتيجة تذكر ، فآلويس لم يحرك ساكنا ، و قبضته ما زالت متمسكة بسلاحه في قوة و تحد ملحوظين . من يظن نفسه هذا الجاستن ؟! هل يتوقع فعلا أن يرضخ لأمره و يترك مورفان يفر من بين يديه ؟!

لكن ما أثار تساؤلاته هو رد فعل مورفان المصدوم من ظهور جاستن . كان يحدق إلى حيث يقف الأخير و قد بلغ حاجباه أقصى ارتفاع و سرعان ما قطب جبينه مضيقا ما بين عينيه في انزعاج . هل يعقل أنه لم يعلم بقدومه ؟! أي أن الأخير خرج عن الخطة المرسومة ؟! ممكن ، و يحتمل أيضا أن تكون حيلة خبيثة خططا لها مسبقا . إنه يقف الآن بين ألد خصومه و أشدهم مكرا و شرا و خداعا ، و سيكون من الحماقة بناء موقفه على ما تظهره وجوههم من تعابير.


"مهما حصل لا تتدخل يا إنزو و لا تقم بأي خطوة دون إذن مني !"

تمتم آلويس بصوت خفيض لم يصل غير المعني بحديثه و الذي همس بصوت متألم :

"آلويس ! أرجوك.."

فلم يستطع ردع الابتسامة الصغيرة التي شقت طريقها بإصرار إلى وجهه . مضت سنوات عديدة دون أن يمر اسمه على لسان صديقه . منذ اليوم الذي أعلن فيه قيام المنظمة و تنصيبه قائدا عليها ارتفع بينه و بينه رفاقه القدامى حاجز سميك جعل منه الرئيس الذي يوقر و يطاع ، و منهم المرؤوسين الذين يجلونه و ينصاعون لأوامره ، و لما صار احترامه واجبا لم يعد أحد يدعوه باسم سوى الكونت أو يناديه بغير سيدي.

لكن هذا الحاجز رغم صلابته لم يصمد طويلا أمام رهبة الموقف الذي يمرون به و سرعان ما انهار ليعود هو آلويس و هم أصدقاؤه المخلصون.

"لا يا إنزو ، هذه معركتي و علي أن أخوضها وحدي !"

لفظ كلماته بعزيمة و ثبات و عاد يتطلع إلى مورفان بذات الابتسامة الظافرة.

"لننه الأمر الآن !"


و في اللحظة التي ضغط على الزناد مر جسم حاد في طرفة عين من فوق كتفه و مزق بشراسة قماش معطفه الثقيل !
كان سهما معدنيا قصيرا احتك بسطح المسدس ، فانحرفت الرصاصة عن مسارها و استقرت في الجدار بدل جمجمة مورفان بينما سقط المسدس على الأرض.


"لن أسمح لك بقتله !"


هتف جاستن ، فأدرك آلويس عندها ألا مفر من مواجهة خصمه القديم . لن يمكنه القضاء على مورفان و هذا اللعين جاستن يقف حجر عثرة في طريقه.

بحركة سريعة وثب في اتجاه سلاحه .. التقطه ، ثم استدار بكامل جسده للخلف مصوبا فوهته و البارود يفوح منها نحو جاستن.


كان أول ما وقعت عليه عيناه هو القوس البندقية حديث الطراز الذي يحمله . لماذا اختار سلاحا كهذا ؟! ألم يكن من الأسهل أن يستعمل مسدسا عاديا ؟!
وجد هذا غريبا ، لكن الأشد غرابة هو جاستن نفسه . لو رآه يمر بجانبه في الطرقات ما كان ليتعرف عليه . لم يعد وجهه مشوها بالندب ، و رغم أن لون شعره و عينيه لم يتبدل إلا أن تغييرا مدروسا طال جزءا من ملامحه . إذن .. فقد أجرى جراحة تجميلية هو الآخر.

أخذ يصوب آلويس بنظرة نارية أعمتها الضغينة و قبل أن يصدر منه حرف بادر الأخير بالصراخ :

"يا لك من طفيلي مزعج ! كف عن اعتراض طريقي و تنح جانبا !"

"لا تلق الأوامر علي أيها المتبجح الأحمق !"


جز آلويس على أسنانه بغيظ و تحرك قليلا للجانب مترقبا اللحظة المناسبة للهجوم ، لكنه فجأة أحس بشعور غريب . هناك خطأ .. شيء ما ناقص .. شخص ما..
و التفت سريعا ليجد مورفان يلوذ بالفرار !

لقد استغل لحظات انشغاله مع جاستن و تسلل وسط الظلام حتى أوشك على بلوغ نهاية الممر !

"لن تهر.. "

و قبل أن يكمل آلويس استدارته أو حتى عبارته القصيرة شق سهم شرس الهواء بلمح البصر و انطلق تجاه مورفان و اخترق الأرض على بعد بوصتين فقط من موطئ قدمه !

ليس مورفان وحده من صعقته الصدمة بل حتى آلويس ، و أخذ الاثنان يتطلعان بذهول عارم إلى الثالث و هو يهدر في وجه الأول :

"كيف تهرب و المعركة لم تحسم بعد أيها الجبان ؟!"

بحلق فيه مورفان و قد تهدل فكه و أوشكت عيناه على القفز من محجريهما.

"مـ.. ما الذي تتفوه به ؟!"

في حين كاد آلويس ينفجر ضاحكا (جبان ؟! و ماذا تكون أنت ؟!)
هكذا ردد في نفسه ، فقبل قليل فقط كان يهدده بقتل فتاة عزلاء ضعيفة أنهكها المرض . هل تراه يعد حيلته الخسيسة هذه شجاعة و فخرا لكبريائه ما دامت تضمن له -على حد ظنه- الفوز على خصمه ؟!

انتصب آلويس في وقفته و ارتسمت على وجهه ابتسامة فائضة بالسخرية
"أرى أنكم لستم على وفاق !" نظر نحو مورفان "الجبان.. " ثم انتقل إلى جاستن و امتلأ صوته تهكما "و الشجاع !"

اشتعل الغضب في عيني الأخير و رمق آلويس بكره لا حد له ، لكنه أرغم نفسه على تجاهل الرد عليه و التفت نحو مورفان و صاح مهددا بسلاحه : "فلتعد حالا !"

هنا وصل احتمال مورفان حده ، تصاعدت الدماء إلى وجهه و زمجر :

"ما الذي تفعله ؟! هل جننت ؟!"

و تيقن آلويس حينها من الحقيقة التي كافح مورفان لإخفائها . لقد خرج جاستن عن الخطة المتفق عليها !
ضحك في سره . ذلك التصرف لا يستغرب منه ، فهو بطبيعته يكره التبعية و يرفض أن يفرض أحد عليه الأوامر ، و ما كان لمورفان أن يندهش بعدما أقر بنفسه بالتشابه الكبير بينهما.


سكت جاستن هنيهة ارتخت خلالها قسمات وجهه و سقط أكثر الغضب عن محياه و حينما تكلم خرج صوته هادئا بشكل غريب :


"مورفان .. أنا أرى فيك والدي !"


والده ؟! حدق آلويس إليه معقود الحاجبين لا يكاد يصدق ما يسمع ، أما مورفان فكانت دهشته أعظم و أعمق أثرا على سحنته.
و حالت المفاجأة بينهما و بين الكلام ، فلم ينبس أحدهما بحرف . رفع الثالث عينين مشحونتين بالعزيمة و القوة و تطلع إلى مورفان متابعا :

"لذلك .. لن أسمح لأحد بقتلك !"


و بخفة مدهشة التقط سهما من حمالة السهام المعلقة بحزام بنطاله و شحذ به قوسه . كان ذلك السهم أغلظ من سابقيه بشكل ملفت و رأسه أكبر و أقل حدة.

رفع آلويس مسدسه .. صوبه نحو جاستن و شد قبضته عليه متأهبا للمواجهة الحاسمة . هكذا إذن .. جاستن يعتبر مورفان والده و يريد حمايته . كم هو أحمق ! إنه لا يعرف شيئا . لا يعلم أن مورفان لا يحب غير نفسه ، و لا وفاء له لأي بشر . لا يدرك أن ذلك الرجل الذي يعده أباه هو في الحقيقة والد آلويس خصمه اللدود ، و أنه كاد يقتل ابنه الوحيد في سبيل أهدافه الوضيعة.
إنه لا يدري عن شيء .. لا شك ..


"فلن يفعل ذلك بشر سواي !"


لحظة واحدة ! ما هذا الذي يسمع ؟! هل تخدعه أذناه ؟!

لم يستوعب آلويس و لا مورفان ما قيل على لسان جاستن حتى أبصروا قوسه يعلو و يوجه نحو الأخير !

و عاد الحقد يثور في زرقاويه كما تثور البراكين في قاع المحيط.

"أنا من سيقتلك يا مورفان !"


ما الذي يحدث هنا ؟! هل تراه يحلم ؟! هل أصبح يهلوس ؟! لم يستطع عقله استيعاب الصدمة . جاستن .. ينقلب على مورفان ؟! و يريد قتله ؟! لماذا بحق رب الجحيم ؟! ماذا عن الحلف ؟! و الخطة المشتركة بينهما ؟! و تهديدهم له بلونا ؟!
هل يعقل أن تكون خدعة اتفقا عليها مسبقا ؟! لكن مهلا .. ما هذا الذي يراه ؟!


أمعن النظر في يدي جاستن .. شيء ما على جلده .. غير واضح ، لكن .. فغر فاه و الأفكار تتدفق و تتدافع إلى عقله بسرعة مهولة و القطع تتجمع و تلتحم مع بعضها لتعطيه الصورة الكاملة.

عرف الآن ما سقط من كلمات إنزو ، و حجة ويندي في إدخال جاستن غرفة لونا ، و سبب استعماله قوسا بدل المسدس ، و امتناعه عن إصابة آلويس أثناء إدارة ظهره ، و لماذا سهمه الأخير يبدو مختلفا . شيء واحد فقط لم يستطع التوصل إليه .. دافعه لقتل مورفان !


كان هذا الأخير في حالة صدمة لم يسبق أن مر بها في حياته !
احمر وجهه و تجمع كم هائل من الغضب و الاحتقار في نظراته المثبتة على جاستن و ارتعد صوته من شدة الغيظ :

"يا لك من غبي ! هو خصمك و ليس أنا !"

زوى المعني ما بين عينيه و ارتفع أنفه في غرور و كبرياء.

"كلاكما خصمي و حالما أنتهي منك سيحين دوره !" و أتبع عبارته الأخيرة بنظرة حادة نحو آلويس.


لم يبال الأخير لوعيده .. ابتسم بثقة و حول بصره إلى مورفان مغرقا نظراته بأقوى أنواع الشماتة . لقد تخلى عنه آخر أتباعه و انقلب ضده و ها هو الآن ذئب وحيد في مواجهة نمرين غاضبين.


لم يسع آلويس كبت ضحكته الساخرة : "انقلب السحر على الساحر !" أردف بلهجة ظافرة و هو يدير ظهره لجاستن و يصوب مسدسه نحو أبيه : "هذه هي نهايتك يا مورفان !"


بقي المعني متشبثا بصمته يوزع نظراته الكارهة بين الشابين و لم تلبث العقدة بين حاجبيه حتى انفكت و خبت نار غضبه . تنهد عميقا قبل أن يرسم على شفتيه ابتسامة مهزومة و يرفع ذراعيه قائلا :

"هذا صحيح .. لقد خسرت !" و تحولت ابتسامته على حين غرة لتكشيرة خبيثة : "لكن هزيمتي لا تعني نصركم !"

هتف جاستن في سخرية باردة : "حقا ؟!"

و رمقه الكونت بحدة .. ما الذي يعنيه ؟! هل يعقل أن يكون .. ما في باله ؟! إن كان كذلك ..

واصل مورفان و تكشيرته تتسع و عيناه تجحظان بصورة مرعبة :
"لن يقتل أحد سامويل مورفان ! و إن تحتم عليه الموت .." تحركت يده بسرعة خاطفة و قبضت على زر قميصه "فسوف يموت بيديه هو !"


و ما حدث بعدها كان أسرع و أعنف و أقوى من رصاص آلويس و سهام جاستن مجتمعة !

انفجر مورفان !!

و قذفت موجة الانفجارات المتوالية آلويس و جاستن على طول الممر و طارت أسلحتهما ، كل منها في اتجاه !
لف جاستن ذراعيه حول رأسه و جنبها الاصطدام العنيف بالأرض ، لكن قدمه ارتطمت بالجدار . أما آلويس فسقط بلا حماية و تدحرج مرارا على الأرض القاسية قبل أن تسكن حركته في النهاية.


****


استفاق بعد دقائق على صوت فرقعة النيران و رائحة الدخان الخانقة .. فتح جفنيه بعسر و حاول النهوض ، فإذا بألم مهول يدك رأسه و يغزو ظهره و ذراعيه حتى العظام.

تلمس رأسه فامتلأت يده بالدماء .. عض على شفتيه مقاوما الألم و رفع جسده حتى استقام جالسا . أخذ يلهث كما لو أنه ركض مئة متر تحت شمس الظهيرة الحارقة . إنه مصاب بشدة ، رأسه ينزف ، كتفه تؤلمه بشكل فظيع و اثنان من أضلاعه على الأقل قد كسرا.

حانت منه التفاتة إلى حيث كان مورفان واقفا ، فلم يجد سوى النار . لقد مات بلا ريب !
سحب نفسا عميقا ، فأصابته على الفور نوبة من السعال .. لقد نسي أن الهواء هنا غير صالح للتنفس.

كمم فمه بكفه و جال بناظريه حوله .. حتى وجد الثالث ملقى على بعد مترين و نصف من مكانه.

استجمع قوته و نهض .. وخزه الألم بشراسة في ظهره و خاصرته ، لكن ساقيه لحسن الحظ لم يصبهما ضرر يذكر .. فأمكنه السير و إن ببطء.

توقف عند رأس جاستن و تبسم رغما عنه و هو يقول :

"هي ! أما زلت حيا ؟!"

لم يأته رد . ظل المعني ساكنا .. يرقد على جانبه الأيمن و أكثر من نصف وجهه مختف بين ذراعيه.

عاد آلويس ينادي بنبرة أكثر استفزاز :

"لم لا تجيب أيها الغبي ؟! أعرف أنك تسمعني !"

واصل الصمت سيطرته و لم يحرك جاستن شفتيه بحرف.

عقد آلويس حاجبيه بشيء من الشك ، ثم لكز منافسه في ساعده و هو يقول :

"جاستن .."


"لا تدعوني بهذا الاسم !"


هتف جاستن بصوت حانق أوهنه الألم ، و فتح الكونت عينيه على مداهما في دهشة ، لكنه سرعان ما تبسم و قال :

"لم أعرف أنك تكرهه . هل تود إذن .. أن أدعوك باسمك الأخير ..رونالد كارتر ؟!!"

أخيرا .. رفع جاستن رأسه بصعوبة واضحة و رمق الكونت بنظرة استياء تشي بكرهه المطلق له.

"اصمت فقط !"




⭐***ماض و حاضر***⭐



سحب جسده من تحت الغطاء و اعتدل جالسا و تقطيبة حادة تعلو جبينه .. ألقى نظرة حوله . لا شيء يؤنسه ، مجرد غرفة صغيرة بيضاء و مملة تعبق برائحة الأدوية و المعقمات المثيرة للغثيان . أطلق زفرة ساخطة . متى يمكنه الخروج من هذا المشفى المقرف ؟!

إتكأ بظهره إلى وسادته و أخذ الحقد يشتعل بضراوة في عينيه . كل هذا حصل بسبب الوغد آلويس . كيف تجرأ على فعل هذا به ؟! سيجعله يدفع الثمن غاليا حالما يمكنه الخروج . سيمرغ أنفه بالتراب و يريه مقامه الحقيقي .. تحت قدميه.


"تبدو بصحة جيدة !"

رفع جاستن عينيه بتوجس تغلفه الحدة نحو الرجل الذي ظهر فجأة أمام بابه و ابتسامة غامضة تزين وجهه . عقد حاجبيه و سأل بعدائية : "من تكون أنت ؟!"

ثم أخذ يتحسس وجهه ، فانتبه لعريه من الضمادات التي تستر ندبه و جراحه فاشتعل غضبه و هتف : "و كيف تجرؤ على الدخول دون إذن ؟!"

توسعت ابتسامة الغريب و تقدم بثقة و جلس على الكرسي عديم الذراعين قرب السرير.

"أنا من اختارك للانضمام إلى النجوم المضيئة !"

رفع الفتى حاجبا وحيدا و اعتلى تعابير وجهه خليط من الاحتقار و الغيظ : "حقا ؟! و هل تراني مهتما ؟!"

لم يظهر الغريب ضيقا من وقاحة جاستن و ظلت الابتسامة معلقة بشفتيه مما زاد حنق الأخير ، تفرسه بعينين حاقدتين . بذلة رسمية فاخرة ، وجه حليق تتخله بعض التجاعيد من جانب العينين البنيتين و شعر لامع مصفف للخلف بأناقة . من يكون هذا الرجل ؟!

تكلم الرجل أخيرا بنبرته الهادئة : "هل عرفت بما حل بالمدرسة ؟!"

"أجل .. و سأجعل المتسبب يدفع الثمن !"

نفذت كلماته بصعوبة من بين أسنانه المصطكة ببعضها . كان من الواضح أنه يحترق غضبا . و عاد الغريب يسأل بذات اللهجة المحايدة : "و هل تعرفه ؟!"

تباعد حاجبا جاستن عن عينيه المتسعتين في تفاجؤ و قال بحدة : "أعرفه ؟! هل تعني أنكم لا تعرفونه ؟! يا للغباء ! من يمكن أن يجرؤ على فعلها غير المتبجح اللعين آلويس ؟!"

بدا على الآخر نوع من العجب شك جاستن في صدقه.

"لكن إن كان هو فلماذا أبعدك عن الخطر و أنت ألد أعدائه ؟!"

"لا يتطلب الأمر ذكاء لتدرك أنه فعل ذلك فقط ليبعد عنه الشكوك و يخرج نفسه من دائرة الاتهام ، و بالمناسبة هل أمسكتم به ؟!"

"ليس بعد.."

"عديمو الفائدة !"

قال جاستن بحنق و إزدراء و غرق في وسادته ، في حين يراقبه الرجل بهدوء و نوع غريب من الرضا . نفث الفتى أنفاسه بنفاذ صبر و عاد يسأل : "متى يمكنني مغادرة المشفى ؟!"

"ليس قبل الغد"

"اللعنة ! كيف يمكنني الانتظار حتى الغد ؟!"

"لماذا تستعجل الرحيل ؟!"

"بغض النظر عن كرهي الشديد للمشافي ، فأنا لا أطيق صبرا حتى أمسك بآلويس و أمزقه إربا !"

"آه .. يمكنك المغادرة هذه الليلة إن كنت مصرا.. " اتسعت ابتسامته و أضاف "لكن ليس للبحث عن آلويس !"

"حقا ؟! لأجل ماذا إذن ؟!"

"زيارة موطنك مثلا !"

رد جاستن بحدة :

"ليس لدي موطن !"

فرفع الغريب حاجبيه في دهشة :

"و كيف ذلك ؟!"

"إنه لا يعدو أكثر من مكان ولدت فيه و ختم اسمه على هويتي ، لكني لا أحمل له أي حب و لم أشعر يوما بالحنين إليه . إنه و باقي الأرض سواء بالنسبة لي !"

"و ماذا عن والديك ؟!"

صمت جاستن للحظة .. تشكلت عقدة بين حاجبيه و تغلغلت ظلمات الكراهية في عينيه قبل أن يقول أخيرا بعدائية مفرطة :

"ليس لدي !"

فقال الآخر بابتسامة واثقة :

"إن كان هذا ما تظنه ، فأنت بالفعل لا تعلم شيئا !"

أدار المعني رأسه و حدجه بنظرة حادة يعتريها بعض الشك و قبل أن يسعه الرد أضاف الغريب و هو يهم بالنهوض :

"سأمر عليك في الغد .. "

قاطعه جاستن بعدما استقام في جلسته : "و لماذا ؟!"

مرت لحظة صمت قبل أن يرد الآخر مراوغا : "لا أظنك تحب تلك التشوهات في وجهك ، أليس كذلك ؟!"

"ستجرون لي عملية جراحية إذن ؟!"

خبت نبرة العداء في صوته فجأة و لانت تعابيره المتشنجة .. فعاد الغريب يبتسم و يقول :

"أجل سأتكفل بتكاليف علاجك كاملة ، لكن بشرط واحد ؟!"

بدا الاستغراب على جاستن و هو يسأل :

"ما هو ؟!"

"أن تعود معي لبلادك !"


تجعد جبين الفتى و تفحص الرجل أمامه بارتياب . ما الذي يرمي إليه باشتراط أمر كهذا ؟! و بم يستفيد من عودته لموطنه ؟!

كانت تجوب في ذهنه الكثير من الأسئلة بهذا الخصوص . لم يحب ذلك الرجل و لم يرتح له ، لكن لم يسعه الرفض ، فقد بات لا يطيق النظر في وجهه المشوه و الجراحة التجميلية هي أشد ما يحتاجه الآن ، لذلك و على مضض أبدى موافقته.


و هكذا مساء اليوم التالي غادر جاستن المشفى و صعد بصحبة ذلك الرجل -الذي عرف نفسه باسم فرديناند- إلى الطائرة المتجهة إلى مسقط رأسه .. نيويورك !











رد مع اقتباس