عرض مشاركة واحدة
  #312  
قديم 08-29-2016, 02:14 PM
 



الفصل الواحد و الستون
*النصر المنتظر*




بانطفاء الكشاف مصدر الضوء الوحيد ران الظلام على المكان ، ظلام حالك دامس حتى أن المحاصر داخله لا يكاد يبصر يده.

بدرت عن آلويس على غير توقع ضحكة قصيرة لا تنم عن السخرية و الاستهزاء بقدر العجب و التفاجؤ.

و على غير عادته أيضا سأل ببراءة :

"ما بك ؟! هل أفزعك الصوت ؟!"


اعتدل جاستن في وقفته ، و ضبط توازنه قبل أن يتأهب للرد ، و إذ لم يستشعر في نبرة آلويس رنة تهكم أو مسحة استخفاف ، و لم ير - أو بالأحرى لم يكن في مقدوره أن يرى جراء العتمة المطبقة - على وجهه أي تعبير يثير الاستفزاز ، فقد قال بشيء من الحدة الدفاعية لكن دون انفعال :

"لقد فوجئت به فقط !" و أضاف بعد برهة من الصمت : "من كان ذلك على أية حال ؟!"


لم يدر إن كان رفيقه قد تعمد تجاهله أم أنه لم يسمعه فقط . كان يحيط مقبض الباب بكفه ، لكنه لسبب ما تلكأ في إدارته ، و للحظات وقف ساكنا لا يتحرك و لا ينطق.

ضاق جاستن ذرعا بصمته المثير للحنق ، و طاف ببصره في الزوايا المظلمة منقبا دونما جدوى عن الوافد الغريب.
بيد أنه لم يجد شيئا . لم يلمح ظلا يتحرك ، و لم يتنامى إلى مسامعه لا وقع أقدام ، و لا همس ، و لا مجرد نفس.

أين هو ؟!

تردد السؤال مرارا في عقله الحائر ، و في اللحظة التي التفت نحو رفيقه مقررا تكراره بالحاح أكبر ، فوجئ بالباب الصلد يصدر صريرا حادا و يفتح ، ثم بالكونت يتقدم للأمام ساحبا إياه.

و عاد جاستن يقول ببعض الغيظ و الحنق :

"انتظر ! قل لي من كان ذلك الشخص ؟! لست أرى أو أحس بأي أحد سوانا !"

صدرت عن المعني تنهيدة عميقة تطفح بالأسى ، و تريث لحظة قبل أن يجيب :

"كان خالي .."

"خالك ؟!"

هتف جاستن بأشد نبرات العجب و الانشداه ، هل تراه يعبث كما هي عادته ؟! كيف بحق الله يكون ذاك المتكلم خاله ؟! أليس كل أفراد هذه الأسرة أمواتا ؟!

عبر إلى ما وراء الباب سارحا ، مشغول البال ، متخبط الأفكار .. هل يعقل أن يكون .. شبحا ؟! أي أن روح خاله الميت ما زالت تسكن أرض القصر ؟!
و سرعان ما طرد الفكرة الأخيرة من رأسه بنفور و عدم تصديق كامل ، فلم تكن الأشباح - و الخرافات عموما - موضع قبول أو اعتراف بالنسبة له ، و لطالما أبدى سخريته و استخفافه بكل من يولي أمرها أي اهتمام.


بعد فترة غير طويلة من المشي الصامت عاد يتحدث :

"ماذا تعني بأنه خالك ؟! كيف يتكلم إن كان ميتا ؟! هل تحاول السخرية مني ؟! هي .. مهلا ما الذي تفعله ؟!"


فقد ترك آلويس إمساك ذراعه ، و ارتخت قبضته حول ظهره حين انحنى نحو الجهة المعاكسة .. و أنصت جاستن لتلمسات يده على الجدار قبل أن يسطع النور فجأة و يباغت أعينا ألفت الظلمة.

بصورة تلقائية أحاط جاستن عينيه بكفه ، و كان أول سؤال تبادر إلى ذهنه هو :

"ألم .. تفصل خطوط الكهرباء عن القصر ؟!"

"بلى.. "

و أخذ يزيح أصابعه ببطء تدريجي عن وجهه و هو يقول :

"إذن .. فهذه الغرفة تستخدم مولدا خاصا ؟!"

"صحيح .. "


و بعد مدة وجيزة من تعريض بصره للنور أصبح قادرا على فتح عينيه جيدا و رؤية المكان . كان عبارة عن حجرة ، مستطيلة الشكل ، منخفضة السقف ، على الجهة اليمنى كراسٍ دوارة ، و منضدة خشبية طويلة تعلوها ثلاث حواسيب قديمة ، و تجاورها شاشة ضخمة مثبتة على الحائط بإحكام ، أما الجهة المقابلة فقد حوت أدراجا و خزائن مكدسة بالكتب و الملفات ، إضافة إلى طاولة محاطة بأريكتين مكسوتين بجلد أسود ناعم.

نحو تينك الاريكتين اتجه آلويس و جاستن . كان الغبار يملأ المكان أرضا و جوا ، و مع كل خطوة يقطعها الشابان تثور موجة ترابية جديدة تعكر الهواء و تدمع العيون.

بحذر و رفق أضجع آلويس رفيقه على إحدى الاريكتين بعد أن نفض عنها ما استطاع من الغبار ، ثم استلقى بدوره على الأخرى ، و أغلق عينيه مطلقا تنهيدة طويلة تشي بارتياح عظيم.

كان الإرهاق قد بلغ حده و طال كل مفصل في جسده ، و بدا النعاس يتسلل إلى عينيه و يرخي جفونه ، لكنه قاومه بضراوة و دس إصبعيه في أذنه ، و أخرج سماعة إنزو ، و التي بحكم حجمها الصغير و موقعها الأمين لم تتأذ بنار الانفجار و لا بقوة السقطة.

و بعد أن تفحصها و تيقن تماما من خلوها من الأضرار ، أعاد تثبيتها في أذنه ، و قال بصوت منهك :

"هل تسمعني يا إنزو ؟!"

و كرر سؤاله مرة ثانية قبل أن يأتيه الجواب :

"نعم أسمعك جيدا .. أخبرني عنك سيدي ! هل أنت بخير ؟! لقد حاول آوتنبورغ و الآخرون الدخول إلى القصر بكل طريقة ممكنة ، لكن النيران سدت كل المداخل !"

"أخبرهم بأن ينتظروا حتى يصل رجال الإطفاء ، نحن في مكان آمن الآن ، فلا داعي لأي مجافزة !"

"هكذا إذن .. لقد أرحتني فعلا ! مع أني سمعت أغلب ما دار بينكم إلا أن هناك ما لم أفهمه .. مثلا أين أنت الآن بالضبط ؟!"

"داخل حجرة سرية !" و بعد أن أطلعه بدقة على كيفية الوصول إليها أضاف : "سيكون عليكم أن تأتوا لإخراجنا بعد أن يخمد الحريق ، فليس بأي منا قوة على الحراك أكثر !"

هنا أفلتت من إنزو ضحكة قاهرة أتبعها بقوله :

"ما زلت غير قادر على تصديق أن ذلك العدواني الشرس في صفنا ، و أن علينا مد يد العون له !"

انتقلت لآلويس عدوى الضحك لكن بسرية ، و همس ناظرا إلى جاستن من طرف خفي :

"في صفنا ؟! لا أظنك وفقت في اختيار الوصف . لقد صدف فقط أن اتفقنا على عدو واحد و بعد زوال هذا الخصم لا أظنه سيتريث في مهاجمتي !"

"رباه ! و أنا الذي ظننته سيعقل ! في هذه الحالة سيتعين علينا أن نحبسه في زنزانة انفرادية ، و نقيد أطرافه ، و نربط لسانه أيضا ، و هذا أهم جزء كيلا يصدع رؤوسنا بسبابه النتن !"

و تبادل مع آلويس ضحكات خفيضة قبل أن يقطع الاتصال ، أما جاستن فقد أدار ناظريه نحو رفيقه ، و ضيق عينيه عليه في خليط من الحدة و الارتياب و الحذر ، و كأنما التقطت قرون استشعاره اللامرئية ذبذبات المؤامرة التي تحاك ضده !

تظاهر آلويس بالبراءة و عدم الانتباه . استرخى في مضجعه ، و عاد يغمض عينيه التماسا لغفوة قصيرة تخفف شيئا من حدة أوجاعه ، لكن مرافقه لم يكن ليسمح له بالراحة قبل أن يشبع فضوله بما يريد أن يعرف ، فقال عاقد الحاجبين :

"كان ذلك الصوت مجرد تسجيل .. أليس كذلك ؟!"

فتح المعني عينيه و تطلع إلى جاستن بهدوء غامض ، ثم هز رأسه أيجابا ، فأردف الآخر مبديا قدرا بسيطا من الامتعاض تجاه نفسه :

"لم أضع هذا الاحتمال في بالي أول الأمر ، فالكهرباء حسبما رأيت كانت و ما تزال مقطوعة عن القصر ، لكن كان يجدر بي أن أتوقع وجود مولد احتياطي .. "

أضاف عبارته الأخيرة ، و مط شفتيه في استياء ، و إحساس مزعج بالهزيمة يتملكه.

و بعد لحظة عاد يقول في شك :

"عندما قلت أنه خالك. .. هل قصدت والد وليام ؟!"

و لم يتمالك آلويس نفسه من الابتسام و هو يجيب :

"نعم .. إنه أبوه . نحن أقارب كما تعرف !"


فانكمشت قسمات جاستن ، و تجعد أنفه في اشمئزاز و كراهية و هو يقول :

"لا أعجب لذلك ، كان في مقدوري الإحساس بصلة قرابة بينكما ، فكلاكما يحمل الدم الكريه نفسه ، و يماثل الآخر في الطباع البغيضة !"

فأضاف الآخر محادثا نفسه : (و كلانا أهان كبرياءك الغالي !) ، و ضحك في سره ، إذ لم تكن به طاقة لخلق شجار متعب مع رفيقه الشرس ، سريع الثوران.


******


استقبل الجميع خبر موت مورفان بفرح تعجز الكلمات عن وصفه . رقص غلبيرت ، سيباستيان ، روجر ، روبين ، و إلسا رغم مرضها و العديد من العقارب فرحا ، و قام آليكسي و لأول مرة في حياته بدعوة الجميع لتناول الكعك على حسابه الخاص احتفالا بهذه المناسبة .. و لو أنه اكتشف بعد ذلك أنه نسي محفظته في المنزل فاضطر سيباستيان للدفع كالعادة.

و كان من أكثر الناس ارتياحا و اطمئنانا لنصر العقارب هم القادة الأربعة المنشقين عن المنظمة ، فذلك الفوز يضمن لهم الأمان و الحرية و نجاة مؤكدة من شرور مورفان و أتباعه.

لكن يقينا لم يضاهي أحد إيلينا شقيقة مورفان في انشراحها لهذا الخبر ، إذ بكت بحرارة و كاد يغشى عليها من فرط السعادة.

و بحكم وجود وليام آيون قريبا من العقارب ، فقد وصله الخبر بأسرع ما يكون ، و أغدق عليه بهجة و سرورا عظيمين جعلاه يستبشر خيرا بالمستقبل الذي ينتظره و أخته.


******


قال إيريك :

"لا أصدق أننا انتصرنا أخيرا و قضينا على مورفان !"

كان ينسق ورود النرجس البيضاء في الزهرية الصغيرة و ابتسامة مفعمة بسرور غير مألوف تتراقص على أطراف شفتيه.

قال إنزو ببهجة مماثلة :

"أجل أظنني سأظل أحتفل بهذا النصر إلى آخر عمري !"


ابتسم الكونت دون تعليق ، و عاد يطالع الكتاب الذي يستقر بين راحتيه . مضى على نصرهم يوم واحد لا غير ، مع ذلك يشعر - و كذلك جميع من حوله - أن دهورا مرت عليه ، كما لو كانوا لم يخسروا يوما ، و كما لو كان مورفان لم يوجد قط.


أطلق إنزو فجأة ضحكة انحنى لها ظهره ، و حالما تمالك نفسه قال مخاطبا الكونت :

"ليتك رأيت آوتنبورغ قبل دخوله الحجرة السرية ! كان يحسب ذاك الصوت المسجل عائدا لمورفان ، فصار يدور حوله نفسه و يصيح "أين أنت أيها الجبان اللعين ؟! أظهر نفسك إن كنت تجرؤ !" و ظل على هذه الحال عشر دقائق قبل أن يقتنع أخيرا أنه مجرد تسجيل !"

و عاد يضحك و هذه المرة شاركه إيريك من أعماق قلبه ، في حين اكتفى الكونت بقهقهة صامتة ، ثم قال بشيء من الجدية :

"آمل أنكم دخلتم الممر وحدكم دون أن يراكم أحد !"

فتوقف إنزو عن الضحك و استعاد هدوءه ليجيب :

"بالطبع !"

و أضاف إيريك مؤكدا :

"لقد تأكدنا من خلو المكان كليا قبل أن نفتحه !"

"جيد ، لأنه يحتوي أغراضا بالغة القيمة و الأهمية ، و لا أريد أن يعلم عنها أحد من خارج منظمتنا !"


هز التابعان رأسيهما في طاعة ، و بعد فترة قصيرة من السكوت طرأ على ذهن إنزو سؤال أثار استغرابه ، و لم يتوانى في طرحه على الكونت :

"بالمناسبة كيف عرفت بوجود ممر سري في القصر ؟! ألم تكن زيارتك الأولى له ؟!"


حينئذ أطبق المعني كتابه . تنهد بعمق ، و أراح رأسه فوق وسادته فيما ارتفعت عيناه إلى السقف.

"لا.. لقد زرته مرة من قبل . كان ذلك قبل أحد عشر عاما و تحديدا بعد أسبوع واحد من إعادة لم شملنا . وجدت في نفسي حاجة ماسة لرؤية مسكن عائلتي ، أو بالأحرى ما تبقى منه ، فطلبت من رفاييل أن يصحبني إلى باريس من أجل ذلك .. "


لكن عقدة التفكير بين حاجبي إنزو ازدادت حدة و تشابكا ، و إذ غاب عن ذهنه ما يسببه الخوض في هذا الموضوع من غم و أسى لقائده فقد واصل أسئلته :

"لكن هذا لا يفسر معرفتك الدقيقة بمكانه و كيفية الدخول إليه . لا أظن من الممكن التوصل إلى كل ذلك بمحض الصدفة !"

"لم يكن ذلك ضربا من الحظ بكل تأكيد ، فقد تم إرشادي إليه و إن كان بغير إدراك مني !"


"ماذا .. تقصد ؟!"

طرح إنزو سؤاله هذه المرة ببعض التردد ، فلم يكن واثقا من أحقيته في طلب المزيد من التفاصيل.

لكن الكونت لم يبد امتعاضا أو ضيقا من فضوله ، و بدلا من ذلك اعتلت شفتيه ابتسامة صغيرة يمتزج فيها الحنو و الأسى و هو يجيب :

"عندما تعادلت مع خالي إدمون في لعبة الشطرنج في زيارته ما قبل الأخيرة ، قال لي : "الملك لا يحصل على هذه الأهمية المبالغ فيها إلا في هذه اللعبة الوهمية . أياد الجنود هي من ترفع عرشه ، و حين تسقط ينهار ملكه ، و لا يغدو لوجوده قيمة . يد الجندي المقاتلة أثمن من تاج الملك المرصع بالجواهر ، تذكر ذلك جيدا أيها الصغير !"


ثم سكت ، و رفع ناظريه إلى تابعيه مترقبا تحليلهما ، غير أن أي منهما لم يبد عليه الفهم ، رفع إنزو حاجبيه و تبادل مع إيريك نظرات التساؤل و العجب قبل أن يرتسم العبوس على وجهه و يقول في يأس :

"لم نفهم شيئا .. كيف دلك هذا الكلام على .. "

و أجفل حين هتف إيريك بحماس مقاطعا كلامه :

"هل يعقل أنه .. يقصد النافورة ؟!"

ابتسم الكونت ، و حدق إليه رفيقه مقطب الجبين.

"نافورة ؟! عن أي شيء تتكلم ؟!"

"إنها النافورة في فناء القصر . أنت لم ترها يا إنزو ، إن في منتصفها تماثيل تصور ملكا إغريقيا محمولا عرشه على أيادي الجنود !"

و فغر إنزو فاه في في اندهاش.

"جديا !"

و التفت الاثنان في ترقب نحو الكونت الذي جاء كلامه مؤيدا استنتاج إيريك :

"نعم ، صحيح ، و لا شك أنك لاحظت ذلك الجندي الذي يرفع ذراعه و يبسط كفه أمامه في حركة دفاعية !"

"أجل .. إنني أتذكره !"

فتنهد الكونت و تابع كلامه في تأن و هدوء :

"يوم قدمت إلى القصر أول مرة ، وجدت كل ما حولي خرابا ، لم يسلم من الدمار سوى مسرح لونا الصغير و تلك النافورة ، و حين نظرت إلى هذه الأخيرة ، و أبصرت يد الجندي المبوسطة أمامي و قسمات وجهه المغالية في الصلابة و العزم .. بدأت كلمات خالي تنبض في قلبي و تستحوذ على كل تفكيري.. "يد الجندي" ، "يد الجندي " ، "يد الجندي" ثم صرت أتحرك دونما إدراك كما لو كنت مُنوماً ، و أثب فوق النافورة و أدنو من الجندي ، ثم أجمع كفي بكفه أملا في شيئا من قوته و صموده .. و ما كدت أرفع خاصتي حتى أتاني عبر التمثال الحجري صوت حانٍ يقول : ”مرحبا بك في بيتك آلويس !“"


لم يكن من داع لوصف حاله عند سماعه هذه العبارة ، و لا الوقوف على ما خلفت في قلبه من مشاعر ، فتلك الدموع التي ترقرقت في عينيه بعد مرور أحد عشر عاما أبلغ في التعبير عن دواخله من كل كلام الدنيا.

صمت هنيهة ليسحب عبراته ، و في تلك الأثناء أشاح المنصتان بأعينهما بعيدا عنه . لم تكن بأي منهم لا القائد و لا تابعيه رغبة في رؤية قطرات الألم تلك.

و بعدما تمالك نفسه ، و أعاد لعينيه جفافهما الطبيعي و لصوته نبرته الرصينة استأنف حديثه المجرد من العواطف :

"إثر قوله ذلك دارت الدائرة الرخامية التي تستقر فوقها التماثيل و لم تتوقف حتى كشفت ممرا مخفيا تحتها . نزلت إليه دون تردد ، فقادني إلى الحجرة السرية .. حيث ترك لي خالي و جدي كل ما أمكنهما جمعه من معلومات عن سامويل مورفان ، و أدلة تدين منظمته و تشهد على المنتسبين إليها ، و كانت تلك أول مرة أعرف فيها عن انتمائي غير المشرف لأسرة مورفان و بُنُوَتي لأب كنت لأفضل كلاب الشوارع القذرة عليه .."


ختم كلامه بتنهيدة ثقيلة مغمومة ، ثم أغمض جفنيه ، و غاص في وسادته ، و كاد النوم ينفذ إلى عينيه لولا أن زائرا آخر قد حضر ، فعاد شيء من النشاط يدب فيه.

كان غلبيرت ، و قد دخل حاملا معه باقة زهور جميلة . سار بقامته الفارعة نحو الكونت و تبسم قائلا :

"مساء الخير سيدي ! آمل أنك تشعر الآن ببعض التحسن !"

بادله الكونت الابتسام.

"مهما تكن حالتي فهي بكل تأكيد أفضل من ليلة أمس !"


و عندما هم الوافد الجديد بوضع باقته فوق الطاولة رفع الكونت يده ناهيا ، ثم أشار بسبابته ناحية اليسار و غمز بعينه.

فهم غلبيرت - و كذلك الاثنان الاخران - مقصده على الفور ، فاكتسحت الابتسامة وجهه ، و تحرك مبتعدا عن سرير الكونت في اتجاه السرير الآخر قرب النافذة و الذي حجبت ستارة بيضاء صاحبه عن الأنظار.

أزاح الستارة و قال بوجه بشوش :

"كيف حالك يا جاستن ؟! لقد جئت و أحضرت لك بـ.. "

و ما كاد يتم عبارته حتى باغته المريض - أو من يفترض أن يكون كذلك - بعلبة مناديل أصابت منتصف جبهته.

"اغرب عن وجهي أيها الغبي أنت و زهورك النتنة !"

زمجر جاستن في شراسة ، و أوشك أن يرمي زائره بالزهرية الخزفية ، لو لم يقفز و يتراجع في الوقت المناسب.

و عاد إلى أصحابه و هو يقول متقطع الأنفاس :

"يا إلهي ! ما زال هذا الكلب مسعورا !"


ضحك إنزو ملء فمه ، و كذلك فعل إيريك ، و شاركهما غلبيرت ، أما آلويس فلم يكن يضحك . كان إحساسه أكبر و أهم من مجرد ضحكة ، فها هو الآن قد حقق راحته المتمثلة في إغاظة جاستن و أصبح في ميسوره النوم مطمئن البال.











رد مع اقتباس