الموضوع: Memorise
عرض مشاركة واحدة
  #220  
قديم 09-02-2016, 01:42 PM
 
🌴. أسعد رجل على وجه الأرض::

بقلم عبدالله المغلوث

لم ألتق في حياتي بشخص أكثر سعادة من السيرلانكي روشان داسن (37 عاما)...

فهو يبتسم على الدوام.. يبتسم وهو يستقبلك.. ويبتسم وهو يودعك.. ويبتسم بينهما..
لا يملك سوى ثلاثة قمصان يكررها على مدار العام!
لكنه يشعرك أنه يملك الدنيا وما عليها...

درست معه مادة قبل 9 شهور في مانشستر ببريطانيا ومازلت أقصده كلما حزنت.. فهو يملك قدرة فائقة على إطفاء أي حزن بابتسامة واسعة وتفاؤل غفير..

روشان لا يغادر جامعة سالفورد ببريطانيا التي يدرس فيها الدكتوراه في الهندسة.. فإما تجده في غرفة طلاب الدكتوراه يكتب ويقرأ.. أو تجده داخل دورات مياهها ينظف ويكنس.. مستعد أن يقوم بأي عمل شريف يساعده على تسديد رسومه الدراسية وإيجار شقته!!!

لم أره متذمرا قط.. ولم أره يأكل طوال معرفتي به.. عفوا رأيته مرة واحدة.. وكان يأكل مثل العصافير، قليلا جدا.. وعندما شاهدني أعاد علبة طعامه الصغيرة إلى حقيبته بسرعة فائقة وابتسم..

يقرأ التايمز والجارديان يوميا في مكتبة الجامعة..ولا يتابع التلفزيون إلا لماماً..لكنه يتابع برنامجا شهيا على إذاعة (ريل راديو نورث ويست).. هذا البرنامج يمتد إلى ساعة واحدة.. يذيع فقط أنباء سعيدة طريفة يستقبلها من مستمعيه..

لدى روشان ميزة استثنائية تكمن بالاحتفال بالأشياء الصغيرة.. سعادة تفيض من وجهه عندما يعثر على كتاب أو جملة جذابة في رواية..

تجاوز روشان الفقر المدقع الذي كان يرزح تحت وطأته في مسقط رأسه، وظروف صعبة عاشها في بريطانيا بفضل ابتسامته التي ورثها من والدته. يتذكر أمامي دائما كلمات أمه عندما كان صغيرا: "لا تحزن لأنك لا تملك حذاء، بل افرح لأن لديك جوربا"..

وعلى النقيض تماما من روشان لدي صديق عابس وقانط على الدوام.. لم أشاهده مبتسما قط. كل الأفراح يحولها إلى أتراح.. عندما باركت له التخرج صعقني قائلا: "اخفض صوتك.. من يسمعك سيعتقد أنني حصلت على وظيفة أو ورثت مالا؟"
وحينما هنأته بطفله الأول، سحب يدي بصرامة حتى كاد أن ينزعها ثم قال: "احذر. لا تنجب مبكرا.. منذ أن أبصر طفلي النور وأنا لا أعرف النوم"!!
إذا ابتسمت أمامه عاقبني قائلا: "سيجيء لك يوم وتبكي"!!
وإذا وجدني مهموما زاد همي هما بقوله: "قطعا، تفكر في دراهمك؟"..

صديقي هذا لا يمثل حالة شخصية، بل واقع الكثير من الذين ينظرون للنصف الفارغ من الكأس.. وينقلون عدوى الإحباط لأترابهم ليسود جو عارم من الانهزامية والخيبة والحزن!!

》يقول الفيلسوف الفرنسي، أوغست كونت: "لكي تحتفظ بالسعادة عليك أن تتقاسمها مع الآخرين". فالابتسامة التي تسكبها من وجهك ستعود لك. ستذهب بعيدا. لكنها حتما ستعود.

قضيت سنوات عديدة في الغربة أدرس ولا أختلط إلا بأبناء جلدتي. فأمسيت على الدوام أنتقد حجم المكافأة وارتفاع غلاء المعيشة وتجاهل الملحقية الثقافية الرد على اتصالاتي. أهدرت سنوات طويلة مكفهرا ومتجهما. ضيعت شهورا جمة غاضبا وحانقا!!!
لكن عندما تعرفت على روشان أدركت أن الحياة تستحق أن نتعلق بها بسعادة ورضى أكثر..
جعلني أستمتع بكوب الشاي، وأبتهج بقميصي الجديد. جعلني أحتفل برسالة نصية هاتفية، وأطرب لمحاضرة تقليدية. جعلني أفرح أكثر وأحزن أقل. جعلني أبتسم كثيرا.

》تفشى الإحباط في مجتمعاتنا لأننا تخلينا عن الفرح. ونسينا أن الأفراح الصغيرة وقود للأفراح الكبيرة. وأن البحر يبدأ بقطرة. والشجر ينهض من بذرة.

عبدالله المغلوث ~
__________________
-



يارب، فردوسك لأمّي وأبي وأحبتي أجمعين.
𝐖𝐡𝐚𝐭 𝐰𝐞 𝐝𝐨 𝐧𝐨𝐰 𝐞𝐜𝐡𝐨𝐞𝐬 𝐢𝐧 𝐞𝐭𝐞𝐫𝐧𝐢𝐭𝐲.