عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-10-2016, 12:55 AM
 
ختم برونزي | النجاة من الفيل


نت احسنت النقل
Zizi

النجاة من الفيل
ركبت البحر مرة مع جماعة . فكسر بنا المركب ونجوت مع جماعة على خشبة من أخشاب المركب ، ووقعنا إلى مكان لا ندري أي مكان هو . فأقمنا فيه أياما ، لا نجد ما نقتاته الى أن أحسسنا بالموت ، وأشرفنا على الهلاك . فقال بعضنا لبعض : تعالوا حتى نأخذ الله شاهدا على أنفسنا أن ننذر له شيئا فلعله يرحمنا . فنذر بعضنا أن يتصدق بمال ، ونذر بعضنا أن يصوم شهرين و نذر الآخر أن يصلي خمسين ركعة ... ولما أتى دوري قلت : لا آكل لحم فيل أبدا . ولم يجئ في خاطري أو على لساني شيء غير ذلك . ثم تفرقنا في تلك الأرض للبحث عن القوت ، وتواعدنا بالرجوع إلى شجرة كبيرة اتفقنا على أن تكون مكان الاجتماع . فرجعنا خائبين إلا واحدا منا ظفر بدغفل صغير . فاحتالوا فيه حتى شووه ، وقعدوا يأكلون . أما أنا فقد اعتزلتهم ، وابتعدت عنهم ، وفاء بنذري لله ، إذ كنت أفضل الموت على أن يراني الله أنقض عهده . ولما أقبل الليل ، تفرقنا إلى مضاجعنا التي كنا نبيت ، وأويت إلى أصل شجرة كنت أبيت عندها . فلم يكن إلا لحظة وإذا بفيل عظيم قد أقبل وهو ينعر ، والصحراء تتدكدك بنعيره وهو يطلبنا . فقلنا ان الأجل قد حظر . وليس من الموت مفر ، وأخذنا في التسبيح والاستغفار . وجعل الفيل يقصد واحدا واحدا ، فيشمه من أول جسده الى آخره ، فإذا لم يبق فيه موضع إلا شمه شال إحدى قوائمه كأنها سارية فوضعها عليه وفسخ أعضائه فسخا فإذا علم أنه أهلكه قصد آخر ، ففعل به مثل فعله بالأول الى أن أتلفهم ومزقهم جميعا ، ولم يبق غيري ، وأنا جالس منتصب ، أشاهد ما يجري أمامي وأستغفر الله ، وأسبحه ثم قصدني الفيل . فحين قرب مني ، رميت نفسي على ظهري ، ففعل بي من الشم كما فعل بأصحابي ، ثم أعاد شمي مرتين أو ثلاثا ، وروحي في خلال ذلك تكاد تخرج فزعا .ثم لف خرطومه علي ، فرفعني في الهواء ، فما نحى خرطومه حتى جعلني فوق ظهره . وانطلق الفيل يهرول ويعدو الى أن طلع الفجر ، واشتد ضوءه فإذا به قد لف خرطومه وأنزلني من ظهره برفق ، وتركني على الأرض ، ورجع الى الطريق التي جاء منها ، وأنا لا أصدق بالنجاة . فمشيت قليلا ، وإذا بي قد انتهيت إلى بلد كبير آهل بالناس.


أبو المحسن التنوخي (بتصرّف)
رد مع اقتباس