( 20 ) ~ ياماتو ~ تم استدعائي وسط الدوام المدرسي لذا سمح لي المعلم بالذهاب ، طرقت باب مكتب المدير قليلاً لأسمع صوت من الداخل يقول : فلتتفضل .. فتحت الباب لألاحظ وجود شخص آخر في مكتب المدير ، لم أعره إهتماماً ، وقلت مخاطباً المدير : هل طلبت رؤيتي ؟؟ قال بتلك النبرة المغرورة التي أكرهها : لست أنا من أريدك بل السيد الواقف هناك هو من أراد الحديث معك .. نقلت ببصري حيث أشار المدير ، رجل في الأربعين من عمره يرتدي بدلة رسمية سوداء وهالة من الوقار تحيط به .. تقدم الرجل بإتجاهي قائلاً : أنا المحقق روك وقد توليت قضية إختفاء الطالبة جوليا .. نظرت إليه بتفاجؤ ، إذا الموضوع يتعلق بجوليا .. بلعت ريقي بتوتر قائلاً : وماذا تريد مني بالضبط ؟؟ قال السيد روك : قبل أن أسألك أي شيء أحببت أن أوضح أنني والد جوليا ، وقد علمت من خلال التحقيق أنك تُعتبر أحد أصدقاء إبنتي ، أليس كذلك ؟؟ حين علمت أنه والدها بدأت أتصبب عرقاً ، لقم نهينا عن الإقتراب من أحد إفراد عائلتها ، وها هو والدها يقف أمامي محاولاً إستجوابي .. سمعته يقول : ياماتو ما بك ؟؟ أجب على سؤالي .. قلت بإبتسامة متوترة لم أستطع إخفاءه : احم نعم أنا صديقها ، لكني لست مقرباً إليها كثيراً .. قال وعيناه تتفحصانني عن كثب : لكن ما سمعته كان عكس ما قلته ، فالجميع قالوا أنك كنت تندمج معها كثيراً ، والفتيات قالوا أنك قد بدوت مهتماً بها ، أليس هذا صحيحاً ؟؟ قلت وأنا أحك رأسي : أنا صديقها لكني لا أعرف الكثير عنها فأنا لم أقابلها إلا قبل عدة أسابيع .. - لقد سمعت أنك فور قدومك إلى المدرسة بدوت وأنك قد قابلت جوليا من قبل ، على الرغم من أنها لم تدرس في تلك المدرسة السنة الأولى .. - رأيتها مصادفة في مكان ما .. - أين بالتحديد ؟؟ - مشفى كنت أرقد فيه بسبب حادثة حصل معي صمت المحقق لثوان ، لكن عيناه لا تزال مثبتتان نحوي ، يبدو أنه يشك في أمري ، كيف لا وأنا أتصبب عرقاً ويبدو على ملامحي التوتر .. تحدث بعد صمت : لقد أخبرني تلاميذ صفك في المدرسة القديمة أن جوليا قد قامت بخنقك ذات مرة ، وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أحد ما بمثل هذه التصرفات للطالب الأكثر غنى وشهرة .. ضيقت عيناي قائلاً بهدوء : سيد روك أنت تتحدث كما لو أنك تشك في أمري .. قال بذات نبرتي : ليس الأمر وكأنني أشك في أمرك ، لكن لم يصلنا أي مكالمة أو رسالة من الخاطف ، لذا لا أظن أن المال هو مراده ، لذا فالفرضية الأرجح هو أن دافعه الإنتقام .. قلت وقد احتقن وجهي من شدة الغضب : إذا أنت تظن أنني سأفعلها بمجرد أنها قامت بخنقي قليلاً ، لا تضحكني جوليا صديقتي ومن غير المعقول أن أقوم بإيذائها .. رد علي بنبرة غامضة : إذا لم تكن السبب في إختطافها لماذا يبدو على صوتك الرعشة إذا ؟؟ مسحت جبيني بتوتر قائلا : كل ما هنالك أنني لم أعتد على أن يقوم أحد بإستجوابي ، هذا كل شيء .. اقترب مني كثيراً لدرجة أنه لم يفصل بيننا إلا مسافة قصيرة ، ثم قرب وجهه لوجهي قائلا بفحيح أشبه بفحيح الأفحى : لقد استجوبت عدداً كبيراً من الناس حتى اكتسبت خبرة في تمييز الصادق من الكاذب .. قلت محاولا إخفاء خوفي : وماذا تظن بشأني ؟؟ أجابني بهدوء : أشعر أنك تخفي شيئاً ، ردة فعلك هذه شبيهة بردة فعل روز ، وكلاكما يخفي شيئاً ما أنا واثق .. شعرت أنني إذا ما استمريت في هذا سأجعل من نفسي موضع شبهة لذا وجب علي التماسك قليلاً ، أخذت نفساً عميقاً وأنا أقول بقوة ونبرة واثقة : سيد روك لا تورطني في القضية ، لا شأن لي بإبنتك وأمرها لا يهمني .. ثم أعدت شعري الموجود في مقدمة رأسي إلى الوراء وأنا أكمل : ثم أنني يا سيد روك إبن السيد كودو كما تعلم ، لذا لا تحاول أن تشك بي وإلا ندمت بعدد شعرات رأسك .. قبل أن يقول أي شيء ، خرجت من المكتب بسرعة لكن بخطى واثقة ، وحين أغلقت الباب تنفست الصعداء .. لا أحب أن أبدو بمظهر الفتى المغرور والمدلل بسبب مكانة أبيه ، لكن في مواقف كهذه يجب أن أبدو كذلك إن بقي يلاحقني فستكون جوليا في خطر ربما .. *** ~ روز ~ في موعد الإستراحة ، كنت جالسة في مكاني ، وعقلي مضطرب كثيراً ، لقد وُكل إلي مهمة جديدة هذا اليوم ، ولكنني خائفة كثيراً .. ما طُلب مني هذا اليوم هو أن أختلق شجاراً مع هانا ، الفتاة الأشهر في المدرسة .. كما أنه يريد أن يكون هناك اشتباكات جسدية بيننا ، أي أن الشجار لن يكون مجرد شجار بالألسن ، بالإضافة أنه يريد مني تسديد ثلاث لكمات قوية على وجهها .. أنا لست خائفة من هانا ، لكنني واثقة من أن الفتيان لن يتركونني وشأني إذا ما آذيتها، ففي النهاية هي محبوبة الجميع .. هززت رأسي محاولة طرد الوساوس ، يجب أن أفعلها من أجل جوليا ، لا يجب أن أتراجع .. وقفت وقد حزمت أمري ، سأفعلها نعم يجب ذلك .. سرت خارج الفصل وسألت البعض عن مكان هانا ، ليتجاهلني البعض ولا يعيرونني أي انتباه ، والبعض الآخر يسخرون مني ومن جوليا .. ليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذه الأمور ، فالجميع الآن سمع بتلك الإشاعة وأخذوا يتجنبونني ويحتقروني أكثر من السابق .. شعرت بالضعف وأنا أسمعهم يتهامسون فيما بينهم وأنظارهم تلاحقني وتحرقني من الداخل ، لهذا كنت أكره التجوال في الأرجاء .. فجألة لمحتها وهي جالسة على الكرسي الخشبي الموجود في فناء المدرسة وحولها مجموعة من أصدقائها .. أخذت أقترب منها بخطوات ثقيلة ، وعندما اقتربت منهم قليلاً إلتفت الجميع إلي .. تسمرا في مكاني بخوف ، لماذا ينظرون إلي جميعاً ؟؟ هل علموا بنواياي يا ترى ؟؟ وقفت هانا وبدأت السير متوجهة نحوي ، وعلى شفتيها إبتسامة لم أفهم مغزاها .. وعندما وصلت إلي قالت : سمعت أنك تبحثين عني ، ماذا تريدين مني ؟؟ إذا فقد علمت إني أبحث عنها ولم تعلم بشيء آخر ، نظرت إليها وهي تترقب جواباً مني .. شعرت أنها الفرصة المناسبة لأهجم عليها بما أنها أتت إلي وحدها والبقية كاانو يراقبون من الخلف .. رفعت يدي نحو شعرها وأخذت إجره بقوة ، لتبدأ هي بالصراخ عاليا محاولة مقاومتي .. فكرت في أنني يجب أن أوجه لها الضربات القوية حالاً قبل أن يُقبل أصدقائها إلينا .. وبالفعل أسقطتها أرضاً ، ورفعت قبضتي محاولة لكم وجهها ، لكنني لم أستطع القيام بذلك ، أخذ يدي بالإرتعاش بخوف أنا لا أقوى على ضربها .. انتشلني من أفكاري شخص ما قد أدخل يده في شعري وجرني بعيداً عن هانا ، صرخت متألمة وشعرت كما لو أن شعري سيُقتلع .. أخذ الفتى يصرخ في وجهي وهو لا يزال يجر شعري بعنف : أيتها الفتاة الحقيرة كيف تجرؤين على فعل هذا بهانا ؟؟ وسمعت آخر يقول : أنت فتاة حقيرة حقاً لا تستحقين العيش .. وبعدها ألقاني أرضاً بعد أن أخذوا هانا بعيداً ، ووضع قدمه على رأسي قائلاً : لن نتهاون معك بمجرد أنك فتاة ، ستنالين عقاباً قاسياً .. ركلني أحدهم بقوة على بطني ليتبعها مجموعة من الركلات والشتائم ، ودموعي قد شقت طريقها على وجهي .. مع كل ضربة أتلقها أصرخ متألمة ، لماذا يجب أن أعاني وحيدة هكذا ؟؟ لماذا لا يكون بجواري أي أحد يساندني ؟؟ فجأة سمعت صوت صراخ عاالي لصوت مألوف يقول : توقفوا عن ضربها حالاً .. رفعت رأسي قليلاً محاولة أن أرى الشخص الذي أنقذني ، لكن ولأن الفتيان كانوا متحلقين حولي فأنا لم أستطع رؤية شيء سواهم .. وبعد ثواني شعرت بأنني أرتفع من على الأرض ، لأدرك أنه قد تم حملي من قبل أحدهم.. أغمضت عيناي بتعب وأنا لم أرى وجه المنقذ بعد ، لأسمع صوتاً رجولياً يغمره الحنان يقول : روز هل أنت بخير ؟؟ حين سمعت الصوت مجدداً علمت صاحبها ، وطوقت ذراعاي حول رقبته وأدفن وجهي في صدره وأبدأ بالنحيب عاالياً .. سمعت صوته القلق يقول : لا تبكي يا روز أرجوك .. قلت وسط شهقاتي : لماذا تتركونني وحيدة هكذا ؟؟ قام ياماتو بإحتضاني دون أن يقول شيئاً ، وبعد دقائق قليلة ، شعرت به وهو يبعدني عنه قليلاً ، لكنني تشبثت به ، لا أريده أن يدعني أخشى أن يغادر بمجرد أن أتركه .. سمعته يقول : روز يجب أن تستريحي على السرير .. بتردد تركته ليضعني على السرير بعد أن أدركت أننا في غرفة العيادة .. بعدها أخذ يعقم الخدوش التي على وجهي ويدي ورجلي ، وأنا صامتة إنظر إليه ، ودموعي لم تتوقف عن الهطول .. بعد أن انتهى وضع المعقم والقطن جانباً ، ورفع يده إلى وجهي وهو يمسح دموعي قائلاً بحنية : روز إهدئي قليلاً واروي لي ما حصل معك .. قلت وشفتياي ترتعشان : لقد تلقيت أمراً من الخاطف وكان طلبه لهذا اليوم هو أن أوجه لهانا ثلاث لكمات على وجهها ، وعندما حاولت ذلك هجم علي الفتيان مدافعين عنها .. تمتم ياماتو بغيظ : ذلك اللعين ماذا يريد من طلب كهذا ؟؟ بعدها رفع بصره نحوي وقال : استريحي الآن يا روز ، وأنا سأحاول تنفيذ طلبه .. صمت لثواني ، وعندما لاحظت زيه المدرسي قلت متسائلة : أوه صحيح ، ماذا تفعل هنا يا ياماتو ؟؟ وكيف دخلت إلى المدرسة ؟؟ - لقد زارنا اليوم والد جوليا وأخذ يحقق معي قليلاً ، لذا قلقت عليك بعد أن علمت أنه قد قام بالتحقيق معك أنت والبقية ، عندها هربت من المدرسة لأطمئن عليك ، وقد تسلقت سور المدرسة للدخول إليها .. قلت وقد تجمعت الدموع في عيني ثانية : أنا سعيدة حقاً لأنك أتيت ، كم كان الأمر مؤلماً حين كنت وحيدة .. وضع يده على رأسي وخلخل أصابعه في شعري وهو يقول : لن تكوني وحيدة بعد الآن يا روز ، سأكون معك دائماً .. كلماته جعلت دقات قلبي تتسارع ، وانتابني شعور غريب .. أشحت بوجهي بعيداً عنه ، وأنا لا أعلم لماذا شعرت بالخجل .. قلت بتوتر ووجنتاي محمرتان : لا تقل شيئاً لست قادر على فعلها ، لا شك أنهم سيطردوك خارجاً بعد قليل .. أنهيت جملتي لأسمع صوت باب العيادة الذي فُتح بقوة ، إلتفت أنا وياماتو لنجد أحد المعلمين واقف أمامنا وخلفه مجموعة من الطلبة .. صرخ المعلم بغضب وهو يتوجه إلى ياماتو : ماذا تفعل هنا أيها الفتى ؟؟ وكيف استطعت الدخول إلى المدرسة ؟؟ وقفت أمام ياماتو قائلة : معلمي أرجوك لا تفعل شيئاً له .. دفعني المعلم ليمسك بي ياماتو بذراعه ً قائلاً للمعلم : أنا آسف لإقتحامي المدرسة ، لكن دعني أتحدث مع المدير من فضلك .. قال معترضاً : لن تراه فهو مشغول حالياً ، والآن غادر المدرسة بسرعة أيها الفتى .. نظرت إلى الفتيان الواقفين عند الباب وعلى شفتهم إبتسمة نصر ، أدركت أنهم من وشوا به ، وهم نفسهم الذين كانوا يرافقون هانا .. أخذ المعلم يدفع ياماتو محاولا طرده ، لكن ياماتو ظل يلح عليه بمقابلة المدير .. وبعد أن مل المعلم منه وافق مرغما، وتوجهت أنا وياماتو والمعلم خلفنا إلى مكتب المدير .. أنا واثقة أن المدير سيسمح له بالبقاء ، فهو شخص طيب على الرغم من أنه غريب أطوار .. طرق المعلم الباب وشرح له ما حصل ، ليطلب منه المدير المغادرة ليتولى هو الأمر .. بعد أن أغلق المعلم الباب قال المدير بحزم : ياماتو لماذا هربت من مدرستك وتسللت إلى مدرستنا ؟؟ حك ياماتو رأسه قائلاً : سيدي أرجوك دعني أبقى هنا اليوم .. ضرب بقبضته الطاولة وهو يقول بنبرة يتخللها بعض الغضب : سؤالي واضح جداً ، لماذا أنت هنا ؟؟ أجب علي ولا تحاول المراوغة .. اندهشت كثيراً من نبرته ، نظرت إلى ياماتو لأراه مندهشاً مثلي .. هل تغير أسلوبه أم أنني أتخيل ذلك ؟؟ المدير الذي أعرفه هو رجل متفهم ، ولا يغضب بسرعة .. قلت بشك : حضرة المدير هل أنت بخير ؟؟ نزع نظارته ليظهر ملامحه الوسيمة ، ورمقني بعدها بنظرة مرعبة وهو يقول : أنت غادري المكان حالاً ، فلا فائدة من وجودك هنا .. اختبأت خلف ياماتو لا إرادياً ، نظراته أرعبتني بحق ، فأنا لم أعتد على رؤيته هكذا قبلاً .. سمعت ياماتو يقول مخاطباً المدير : سيدي لقد أتيت إلى هنا لأنني اشتقت إلى أصدقائي وزملائي ، لذا دعني أبقى أرجوك .. رد المدير بنبرة صارمة : إذا أردت رؤيتهم فقابلهم بعد المدرسة ، أما أن تهرب من مدرستك وتتسلل إلى هنا فهذا ليس بالتصرف الجيد .. بدأ ياماتو بالتوسل إلى المدير ، لكن المدير لم يُغير رأيه وبقي يتحدث مع ياماتو بكل جفاء .. لم أستطع أن أتمالك نفسي أكثر ، فانفجرت في وجهه غاضبة : لماذا أنت عنيد كثيراً ؟؟ لن تخسر شيئاً إذا بقي هنا .. عندها وقف المدير والشرر يتطاير من عينيه ، ويبدو أنه متوجه نحوي .. دفنت وجهي في ظهر ياماتو من شدة الخوف ، وتمسكت به من قميصه طالبة مساعدته وحمايته .. عندها قال ياماتو : سيد كازوما أرجو أن تسامح روز ، فهي كما تعلم فتاة حمقاء ، لذا أعذرها أرجوك .. نظرت إليه قائلة بغيظ : أنت الأحمق ولست أنا .. وضع يده على رأسي وهو يتمتم : أصمتي أيتها البلهاء .. قاطع حوارنا صوت المدير وهو يقول بحزم : ياماتو غادر المدرسة فوراً ، وأنت يا روز ستعاقبين بسبب لسانك الطويل هذا .. قلت بإستنكار : ماذا !! هل قلت أنني معاقبة ؟؟ لكنني لم أفعل شيئاً .. صرخ المدير عالياً : لا تعارضيني وإلا طردتك من المدرسة .. خفت كثيراً من صراخه ، لهذا إلتزمت الصمت ، وأنا غير مصدقة أن الشخص الموجود أمامي هو المدير ذاته .. بعدها قام المدير بطرد ياماتو من المدرسة ، ومحاولات ياماتو باءت بالفشل ، لذا خرجنا من مكتب المدير بإنكسار .. وأمام بوابة المدرسة كان المعلم ينتظر خروجه ، وأنا أنظر إلى ياماتو بحزن ، لا أريده أن يغادر فنحن لم ننفذ طلب الخاطف بعد .. فجأة جذبني ياماتو نحوه وهو يحتضنني قائلا بهمس : سأعود يا روز لذا لا تقلقي علي .. قلت وأنا على وشك البكاء : هل تعدني بذلك ؟؟ - نعم أعدك يا روز ، لكن خذي حذرك من الفتيان حتى لا يضروك مجدداً .. صرخ المعلم بنفاذ صبر : هيا أيها الفتى غادر المدرسة حالاً .. ابتعد ياماتو عني وغادر المدرسة ، أطلقت زفيراً عاليا حين أغلق المعلم البوابة .. إلتفت إلى الخلف لأجد الفتيان يرمقونني بنظرات غاضبة ، بلعت ريقي بخوف ، ماذا يمكن أن أفعل الآن ؟؟ إلتفت محاولة الهرب ، لكن صوت المعلم أوقفني : إلى أين تظنين نفسك ذاهبة ؟؟ قلت بإبتسامة باهتة : ماذا تريد مني ؟؟ قال بحزم : طلب مني المدير إحضارك إلى مكتبه ، لذا تعالي معي .. رفرف قلبي من شدة السعادة ، أفضل مكان أبقى فيه هي مكتب المدير .. سرت برفقة المعلم والسعادة واضحة على وجهي ، حتى أن المعلم لاحظ ذلك وقال بسخرية : هل زيارة مكتب المدير مفرح للغاية ؟؟ قلت بإبتسامة بلهاء : هاا ، ومن قال أنني سعيدة ؟؟ أطلق المعلم زفيراً خافتاً دون أن يقول شيئاً ، وعندما وصلنا لمكتب المدير غادر المعلم وبقيت لوحدي مع المدير كازوما .. قال المدير : كما تعلمين يا روز أنت يجب أن تعاقبي صحيح ؟؟ قلت بملل : ماذا سيكون عقابي ؟؟ قال بعد صمت دام لثواني : ستضطرين إلى تنظيف صفك والصف المجاور لكم أيضاً لمدة شهر كامل .. قلت معارضة : لا بأس في تنظيف صفي ، لكن لماذا أنا مضطرة إلى تنظيف الصف المجاور كذلك ؟؟ أنا لا أريد ذلك .. صرخ بصرامة : إذا سمعت أي معارضة فستنظفين الصفوف كلها .. صمت وأنا أغلي في داخلي ، كم أكرهه الآن ، لماذا أصبح قاسياً هكذا فجأة ؟؟ إلتفت لأغادر مكتبه لكنه أوقفني قائلاً : ستبقين هنا حتى تنتهي الإستراحة ، وذلك لأضمن أنك لن تقومي بعمل أخرق .. لم أمانع أبداً ، ففي النهاية هذا لمصلحتي ، فإذا خرجت الآن فمعجبي هانا بإنتظاري .. جلست على الأريكة السوداء ، بينما انشغل المدير بمجموعة من الأوراق التي أمامه .. انتهى موعد إستراحة الغداء ، عدت إلى الصف بسلام ، لكن موضوع هانا يقلقني كثيراً ، يجب أن أفعل ما أمر به الخاطف قبل إنتهاء الدوام ، لكن كيف أقوم بذلك ؟؟ بينما كنت غارقة في دوامة التفكير ، دوى صوت صفارات الإنذار أرجاء المدرسة ، وسبب في اضطراب الجميع .. اندفعنا جميعاً نحو الباب بهلع ، كل منا يرغب في النجاة بنفسه .. أخذنا ندفع بعضنا البعض ، والرعب مسيطر على الجميع .. لم أستطع تمالك نفسي ، ودموعي تشق طريقها على وجنتاي ، شعرت بأحدهم يدفعني لأسقط أرضاً ، والجميع يندفعون دون أن ينتبهوا إلي .. شعرت بالضعف وأنا على الأرض ، لم يهتم أحد بي ، ولا أحد حولي .. أغمضت عيناي بإستسلام ، لا يهمني إن مت أو بقيت ، لا أحد سيكترث لأمري ، وأمي ستكون سعيدة بموتي ، فلن أمنعها من الزواج بعد الآن .. فجأة شعرت بأحدهم ييساعدني على النهوض ، وصوت مألوف يقول لي : لماذا أنت منبطحة على الأرض هكذا ؟؟ هذا ليس وقت النوم .. فتحت عيناي ببطء لأجد سوبارو جاثياً على ركبتيه بالقرب مني .. قلت منصدمة : سوبارو ماذا تفعل في المدرسة ؟؟ انتصب قائلاً : سأخبرك بما يحصل لاحقاً ، لكن الآن يجب علي المغادرة .. كنت سأوقفه لكنه ركض مبتعداً .. وقفت وإنا أتوجه نحو بوابة الخروج ، لكنني رأيت الجميع يعود أدراجه وهم متذمرين .. سمعت أحدهم يقول لصديق له : لقد كان إنذاراً كاذباً في نهاية الأمر ، هذا ممل حقاً .. أدركت أنه لا يوجد حريق ، لذا عدت إلى الصف مشغولة البال ، ماذا يفعل سوبارو في المدرسة يا ترى ؟؟ *** ~ ياماتو ~ بعد أن تم طردي ، اتصلت بسوبارو الذي قمت بأخذ رقمه سابقاً ، وطلبت منه إحضار ملابس لي وأدوات للتنكر .. بعد أن حضر بدلت ملابسي بتلك التي أحضرها سوبارو ، وارتديت على رأسي قبعة ، وارتديت نظارة شمسية وكمامة على وجهي .. قلت بإبتسامة : هل أبدو كياماتو ؟؟ أجابني ببرود : لا أعلم ، المهم ما الخطة التي وضعتها ؟؟ قلت له : في البداية سنتسلق أسوار المدرسة للدخول ، بعدها ستقوم أنت بضغط زر الإنذار ، وأنا سأنتظر بجوار صف هانا ، وفي وسط الفوضى سآخذها لأفعل كما أُمرنا .. هز سوبارو رأسه وهو يقول : حسناً لكن إحرص ألا يراك أحد ، وأن تسرع أيضاً في لكمها وإياك والتردد ، فلا تنسى أن سلامة جوليا أهم .. لم أستطع أن أجيب عليه ، ولأكون صريحاً أنا متردد كثيراً .. قمنا بعدها بتنفيذ الخطة بحذافيرها ، واستطعت سحب هانا ، وأبقيتها في الصف بعد أن غادر الجميع .. كانت تنظر إلي بعينين مليئتان بالخوف ، ولكنها لم تستطع الصراخ لأنني أكتم فمها بيدي .. قلت بتهديد : إسمعيني سأتركك لكن عديني أنك لن تصرخي .. هزت رأسها بإيجابية راضخة لي ،أبعدت يدي عنها بتوتر ومن الجيد أنها وفت بوعدها .. شددت على قبضتي وأنا أتذكر أنني يجب أن ألكمها على وجهها ، لكنني لا أستطيع ذلك قطعاً .. أنا في حياتي كلها لم أوجه لكمة قوية إلى أحد الفتيان ، فكيف لي أن افعلها لفتاة ؟؟ تبادر إلى ذهني ما قاله سوبارو حول أن سلامة جوليا أهم ، أعلم أن ماقاله صحيح ، لكن لا يعني هذا إلحاق الضرر لفتاة أخرى .. أغلقت عيناي بقوة ، لماذا لا أستطيع إتخاذ القرار ؟؟ لماذا لا أفعلها فقط من أجل جوليا ؟؟ فتحت عيناي مجدداً لألاحظ أن الفتاة قد فرت هاربة ، وسمعت أصوات تقترب من هنا ، إذا فقد أدركوا أن الإنذار كان كاذباً .. وإذا لم أهرب الآن فسيُلقى القبض علي .. وليت هارباً ولم يرني أحد ، وبعد أن خرجت من أسوار المدرسة رأيت سوبارو واقفاً أمامي .. قال سوبارو عاقداً ذراعيه : هل فعلتها ؟؟ شتت أنظاري في كل إتجاه ، ماعساي أقول له الآن ؟؟ أأخبره بأنني جبنت ولم أقدر على فعلها ؟؟ أم أختلق كذبة أخفي خلفها الحقيقة ؟؟ عندما أطلت السكوت أعاد سوبارو سؤاله ، وهو يرمقني بنظرات الشك .. أدركت أنه لا مفر من قول الحقيقة ، لذلك طأطأت رأسي بإنكسار وأنا أقول بضعف : أنا آسف لكنني لم أستطع فعلها ، لم أستطع ضربها يا سوبارو .. كنت أنتظر منه أن يصرخ في وجهي ، أو أن يضربني ، لكنني لم أتلقى أي منها .. وإنما شعرت بيده التي وُضعت على كتفي الأيسر وهو يقول : لا بأس أنا أتفهمك .. رفعت رأسي إليه وأنا غير مصدق ، لقد سامحني سوبارو ، هذا غير معقول !! فبعد تلك المتاعب التي تكبدناها معاً ، أضعف في الثواني الأخيرة .. قلت وأنا أشد من قبضتي : سوبارو إذا كنت غاضباً فلا بأس بأن تفرغه فيني .. لكن سوبارو قال : ولماذا أغضب ؟؟ ضرب فتاة أمر ليس بالسهل ، وخصوصاً ضرب وجهها ، ففي النهاية الإناث مخلوقات ضعيفة والرجال الحقيقيون لا يفكرون في إيذائهن أبداً .. هززت رأسي بتأييد وقلت بكراهية وحقد : أنت محق لكن الخاطف شخص متبلد الأحاسيس ، والرجل الذي كان يعذب جوليا ليس برجل ، كيف يجرؤ على فعل هذا لفتاة ؟؟ ما إن أجده سأقطع أحشائه .. أطلق سوبارو زفيراً طويلاً وهو يقول : دعنا الآن نفكر في خطة أخرى لنفعلها ، لكن هذه المرة أنا من سيقوم بها .. نظرت إليه بإستغراب ، هل هو قادر على فعلها حقاً ؟؟ *** ~ جوليا ~ نظرت من خلال الفتحة الموجودة في الجدار إلى السماء ، الشمس قارب على الغروب .. نقلت ببصري نحو ذلك الرجل الجالس على الكرسي بملل .. لازلت أجهل أين رأيته ، لكنه مألوف كثيراً .. ضربت رأسي بالحائط لعله ينعش ذاكرتي قليلاً ، لكن دون جدوى ، فلا زلت لا أتذكر .. كسر هذا الصمت صوت صرير الباب ، لأنظر إلى الداخل بفضول ، لكن ما رأيته جعلني أُصدم كثيراً .. وقفت فجأة وتقدمت نحو القضبان قائلة بإندفاع وأنا غير مصدقة لما أرى : ل.. لماذا أنتما هنا ؟؟ آنسة راي وسيد كازوما ؟؟ إلتفتت إلي المعلمة راي وقالت بإبتسامة : أوه مرحباً بطالبتي المجتهدة جوليا ، هل تشعرين بالراحة هنا ؟؟ بينما قال السيد كازوما بعد أن نزع نظارته : لم أرك منذ وقت طويل ، تبدين هزيلة عن آخر مرة رأيتك فيه .. شددت على قبضتي الممسكة بالقضبان الحديدية ، وقلت بقليل من الغضب : هل أنتما متآمرآن مع ....... بترت عبارتي حين لاحظت الشبه الكبير بين المعلمة راي وبين الرجل ، قلت غير مصدقة وقد توسعت عيناي : هل يمكن أن تكونا توأمين ؟؟ إتسعت إبتسامة الرجل و هو يقول : هل أدركت ذلك أخيراً ؟؟ نعم أنا توأم راي وأدعى ساي .. نظرت إلى السيد كازوما بحدة : ماذا يفعل مدير مدرستي هنا ؟؟ وماذا ينوي أن يفعل بطالبته ؟؟ إقترب مني السيد كازوما وهو يرسم على شفتيه إبتسامة هادئة قائلاً : أنت لم ترتكبي أي ذنب ، لكنك ثمينة لدى أشخاص نرغب في الإنتقام منهم .. وعندما اقترب مني مددت ذراعي نحوه واستطعت إمساك ياقة قميصه ، وجذبته نحوي بعنف ، حتى اصطدم وجهه بالقضبان الحديدية ، وقلت بنبرة مرعبة : ماذ تقصد بذلك أيها المخادع ؟؟ أمسك بيدي الممسكة بياقته ، وغرز أظافره فيه بكل وحشية ، وعلى الرغم من أنني تألمت ، إلا أنني لم أحب أن أوضح هذا ، لذا كسوت وجهي بالجمود .. لكن عندما شعرت به يضغط على يدي أقوى من قبل ، وأدركت أنني سأُهزم ، كورت قبضتي الحرة ، وسددت لكمة قوية على بطنه ، جعلته ينحني من شدة الألم .. إبتسمت بإنتصار بعد أن رأيته يتراجع إلى الوراء .. بينما سمعت الآنسة راي تقول : واو أنت فتاة مذهلة حقاً ، وأنا التي كنت أظن أنك فتاة مملة وضعيفة .. ليكمل ساي من بعدها : هذا ما نتوقعه من إبنة محقق بارع .. قلت بإستفسار : إذا أنتم تكنون الكراهية لأبي ، لذا أخذتموني كرهينة لتقوموا بإبتزازه .. هز ساي رأسه نافياً ما قلته وقال : لا ليس لهذا السبب .. فكرت قليلاً لثواني لأقول بعدها : إذا أيمكن أن تكونوا أحد المستهدفين لثروة جدتي ؟؟ تكلم السيد كازوما : لم تصيبي أيضاً يا جوليا .. قلت بكره : أنت أصمت ، فأنا لا أريد سماع صوتك .. قال السيد كازوما متفاجئاً : ولماذا ؟؟ لم أرد على سؤاله ، فأنا أكاد أنفجر غيضاً منه ، أنا متفاجئة أنه متواطئ مع هذا القذر وهذه اللعينة .. لم أظن ولو قليلاً أنه شخص سيء ، ولكنه كان عكس توقعاتي .. لكنني لست متفاجئة كثيراً من الآنسة راي ، فأنا مذ أن رأيتها لم أشعر بالراحة تجاهها إطلاقاً .. سمعت ساي يقول : سنضطر للذهاب الآن ، لكن سنعود لك قريباً .. لا أعلم لماذا لم أرتح لنبرته ، ماذا يعني بقوله سنعود لك قريباً ؟؟ غادر الثلاثة المكان بعد أن عاد الرجل الأصلع والمغطى بالضمادات .. نقلت ببصري نحو الآنسة يومي والتي لا تزال نائمة حتى الآن ، أنا لا ألومها على كثرة نومها ، فالمكان هنا ممل جداً وليس بوسعنا عمل أي شيء إلا النوم .. *** ~ راي ~ غادنا ذلك القبو القذر ، وتوجهنا إلى إحدى الغرف الفاخرة .. جلس ثلاثتنا على تلك الأريكة العنابية ذات الوسائد البيضاء ، ليبدأ أخي ساي الكلام : هل فعلوها إذاً ؟؟ أجبت عليه بغيظ : الحمقى لم يستطيعوا ذلك ، مع أنني كنت أرغب في أن يفعلوها كثيراً ، فتلك الفتاة تغضبني كثيراً .. حينها سمعت صوت كازوما الساخر وهو يقول : لأنها جميلة أليس كذلك ؟؟ صرخت غاضبة : لا شأن لك هل فهمت ؟؟ أنت تعلم أنك مجرد .......... قاطعني أخي ساي قائلاً بحزم : يكفي يا راي ، فحتى أنا لم أكن راضياً بذلك الطلب السخيف .. قلت بغضب ممزوج بالسخرية : إذا كان طلبي سخيفاً فماذا أقول عن طلباتك التي لا فائدة منها ؟؟ أجابني ساي : ومن قال أن ما فعلته كان بلا فائدة ؟؟ بل العكس سيفيدني كثيراً .. قلت ببرود : لا يهمني ما تسعى إليه ، لكن ثم أكملت بتهديد : إياك وأن تضر عزيزي ياماتو .. قال أخي بلامبالاة : أنا لا أرغب في ذلك أصلاً ، فأنا لا أكن له نوع من الكراهية ، لذا لا تقلقي .. قلت بإستفسار : صحيح يا ساي بما أنهم لم ينفذوا ما طُلب منهم ، ماذا ستفعل بجوليا ؟؟ قال ساي : أنا لا زلت أفكر في هذا .. تحدث كازوما : ما رأيكم أن نقوم ب.......... قاطععه ساي بسرعة : لقد وجدتها وجدتها .. قال كازوما بغيظ : تباً لماذا تقاطعني ؟؟ كنت سأقترح عليكم شيئاً مذهلاً .. رد أخي : إحتفظ به لنفسك ، فقد خطر في بالي فكرة أعظم .. قلت بفضول : وما هو ؟؟ إبتسم أخي إبتسامة ماكرة ، وقال وهو ينظر إلى الأعلى وكأنه يتذكر شيئا : قبل سنوات حصل لي موقف لن أنساه أبداً في حياتي ، بينما كنت أعاقب تلك المزعجة بسبب أنها سكبت العصير على ملابسي ، أتى ذلك الفتى وأنقذها وجعلني أسقط أرضاً ، بعدها حشى فمي بالوحل القذر ، وفر هارباً معها، وأنا اليوم سأفعل بجوليا كما فعل بي .. قلت متفاجئة : إذا أستطعمها الوحل كما فعل ؟؟ هز رأسه نافياً وعلى شفتيه إبتسامة خبيثة : بل أسوء من ذلك بكثير .. بعدها وقف مناديا الخادمات ، وبعد أن أتو أمرهم بإعداد مجموعة من الوجبات الشهية .. قلت بإستغراب بعد أن غادرن الخادمات : لمن ستعد الطعام ؟؟ أجاب ساي : لجوليا طبعاً .. قلت بإستغراب : ماذا ؟؟؟؟؟؟ ( نهاية الجزء ) |
التعديل الأخير تم بواسطة Lune~ ; 09-20-2016 الساعة 06:45 AM |