السلام عليكم
أراقب من على نافذة السيارة ملامح السيارة وأتفرس وجوه الحشود ،أمرر نظري علىكل محل وعلى كل مبنى حتى على الطريق ،ناثرة شيئا من عبراتي الروحية في كل زاوية منادية :" تذكريني باريس ، ففيك وجدت سعادتي " .
بدا الطريق قصيرا ، وها انا أقف أمام مكتب الجوازات رفقة والديّ ثمأسير خلفهما ببطء أتلو تراتيل الوداع الأخيرة لباريس ، المدينة التي آنست بها وفيها سُعدت ، قبل أن أتخذ مكاني في الطائرة بجانب أمي قالت لي بلطف :" عزيزتي أستشتاقين لها ؟ " ، أومأت بنعم ، فردت :" إحدي صديقاتي إنتقلت للعيش في مدينتنا ، قد ترغبين بقضاء بعض الوقت مع أولادها ، سيذكرونك باالأجواء الفرنسية حتما" حركت رأسي وقلت بشرود :" أحب المدينة نفسها لا الفرنسيين ، لا أستطيع فهمهم ، شعب بارد الأعصاب ولا يكترثون لأحد ، أتساءل كيف يعيشون ؟" لم أنتبه لصوتي الذي ارتفع معارضا فبادرتها اللطيفة فأردفت بإبتسامة لامحو ملامح الحزن التي كست وجهها الجميل :" لا بد ان عائلة صديقتك ستكون أفضل ، يسعدني التعرف إليها " ، انفرجت أساريرها وقالت :" هذا ممتاز، ظننت أنك ضقت ذرعا بالبقاء معنا هنا ، لم تفعلي صحيح ؟" أجبت بلا وإنتهى الحديث بمجيء المضيفة .
مضت ساعتان والهدوء يفرض سيطرته على درجتنا إلى أن أصاب أبي بعض الإرهاق وإحتاج تغيير كرسيه ليجلس بجانب النافذة كونه يشعر براحة حينما يمد بصره على البحر تحتنا ، فأصرت أمي على الجلوس بجانبه ، وهكذا قامت بتبادل مكانها مع الشخص الذي كان يجلس بمحاذاة أبي في الأساس وهكذا جلس المراهق الصغير ذاك قربي في ذاك المكان البعيد نسبيا عني . حسنا أنا أعتمد على المظاهر كثيرا دون أن أشعر في تحديد صنف الأشخاص ، هذا الشخص كان عاديا جدا لا يملك أدنى إشارة تجعلك تدرك بأنه من الأغنياء ممن يركبون الدرجة الأولى ، على كل كان قليل الحركة وهو ما إحتجته ، حاولت الإنغماس في قراءة كتاب شيق ، لكنه لم يتوقف عن الشخير ، تحاملت على نفسي كثيرا لألا أصغي لترانيمه المزعجة ... لم يكن بمقدوري فعل ذلك حركته بلين قائلة :" من فضلك استيقظ " ، أعدتها مرارا وتكرارا إلى أن ضقت به ذرعا ولم أملك زمام صبري فدفعته بقليل من القوة ، مالم أتوقع أنه سقط حرفيا على أرضية الطائرة وهو لا يفهم شيئا وإنطلقت ضحكة من فتاة كانت تجلس على بعد كرسي منا . بدا أن الوضع كان بالنسبة له عاديا ، فقد قام بكل بساطة بدفع تلك الفتاة لتسقط كما فعل من قبل وعاد لمحاولة النوم ، حمدا لله أن الفتاة كانت أخته ولم تتذمر من فعلته كثيرا لحد الإنتقام وإلا لكنت في ورطة إذ أني البادئة بالدفع .
فيما تلحفت بغطاء الخيال مع الكتاب الذي أخذني مع حروفه لعالم آخر ، وفيما كنت أستشعر رائحة الصفات وأتذوق العبارات ... إنتشلني صوت مُحدثي من ذاك كله وهو يسأل :" يا آنسة هل تعرفين نهاية هذا الكتاب ؟ " سؤال غريب وإجابته معروفة ، أجبت :" لا زلت أقرأه كما ترى " ، حك رأسه قائلا وعيناه تذهبان يمنه ويسرة :" معك حق " ،ثم اعتدل ونظر لي بجدية وأنشأ ينصحني :" لست مؤهلا بالقدر الكافي لقول هذا ، ليس عليكِ إكماله ، إنه شيق وأنا لا انكر هذا لكنه سيء في نهايته ستندمين على قراءته صدقيني " ، لم اكن احتمل ان يفسد علي شخص ما افعله ، بشكل خاص إخباري بنهاية الفلم أو الرواية التي أقرأها ، أفلت أعصابي حينها ... لكن عليّ التحلي بالأخلاق ، إزدرت ريقي وأنا أرد عليه بهدوء :" لا أحب أن أعرف نوع النهايات قبل ان أكتشف ذلك بنفسي ، أقصد أنني لا أحب أن يخبرني شخص ما عنها ، لذا لا داعي لتكمل وتسرد عليّ النهاية " هز رأسه نافيا :" قلت إن النهاية سيئة ولم أقل إنه سيحدث فيها كذا أو كذا، هناك فرق بين ما قلته وما فهمتيه ، ثم إنيوبكل صدق لا أعف عن النهاية شيئا سوى ما أخبرتك به " ، استغربت قليلا من كلامه الأخير لكني حاولت التركيز في الكتاب ، لذا أكمل هو بملل :" أترين تك الفتاة الجالسة هناك ، التي أسقطتها بعدما ضحكت عني ، إنها اختي وكان لها كتاب بنفس الشكل تماما ، عندما أنهته قامت بتقطيعه ومكثت أسبوعا لا تذهب للمكتبة رغم انها من روادها اليوميين " رفعت رأسي نحوه بإستغراب ليؤكد كلامه :" صديقيني فيما قلته هذا الكتاب حول حياةفتاة إلى جحيم وستكون لك العاقبة نفسها إن لم توقفيه حالا " ، لم أتجاهل كلامه هذه المره بل وضحت له وجهة نظري : " أتمنى أن أستطيع إكمال الكتاب بهدوء في الوقت الحالي لأني أريد معرفة النهاية سواءا أأعجبت الأخرين ام لم تعجبهم ـ ثم إنك لا تعلم أهو نفس كتاب اختك أم لا لأنك اعتمدت على الشكل ولم تقرأ العنوان ، لست متأكدا منه وما تزال مصرا على تقديم نصائحك وجعلي أفقد تركيزي ، فمن فضلك حافظ قليلا على الهدوء " صفق ضاحكا ورد :" كيف يمكنك إيجاد كل هذا الكلمات وتكوين كل هذ الجمل في نفس الوقت ؟ يا لك من ثرثارة تشبهين عمتي تيريزا في هذا الأمر " ، وبوف أصابت رأسه كرة ورقية من جهة أخته وعندما فتحها إمتقع وجهه وصمت ، بقيت جامدة كالجلمود وأنا أفغر فاهي من كلامه سخريته وردة فعل أخته المدهشة في إصابتها رأسه من بعيد ، ثم اعتدلت واكملت القراءة بهدوء دون كلام ذاك المعتوه الصغير ـ النهاية لم تكت بذاك السوء بالنسبة لي ، فقلت له بعد أن وضعت الكتاب على الطاولة :" كانت نهاية جيدة " رد أنت تقولين هذا لأنك لا تردين الأعتراف ، أجبته : لا ، بل كانت فعلا جبدة ، ما رأيك في قراءة الكتاب لتعرف هذا ؟ "/ نظر حوله ثم سحب الكتاب وشرع في قرائته ممكا أمكنني الاسترخاء والنوم قليلا .
بعد فترة من الوقت داهم أحلامي صوت قائد الطاقم وهو يردد : متوجه بالشكر الجزيل على إختيارنا ....نتكنى أنكم قضيتم رحلة ممتعة و نرجو ربط الأحزمة فنحن على وشك الهبوط ،
ربط حزامي وتركت عيني تتفحصان المنظر من النافذة ، إنه المساء هنا ، أشعر بالحنين نوعا ما ، لكن لست أحس به كثيرا لدرجة البكاء . مرت دقائق قبل أن تحط الطائرة ونستطيع النزول ، بدا أبي على ما يرام إذ قام بحمل أغلب الحقائب بنفسه ، ولم ينس وصف مدى استمتاعه بالرحلة ، كما أنني وامي شكرنا ذاك المراهق على قبوله مبادلة المكان مع والدتي و إستمعنا لإعتذار أخته على فضاضته معي بعد أن أخبرتها بنوع من المزاح أنني عانيت من إزعاجه ، على كل بعد أن إفترقا عنا أكملنا المعاملات الإيدارية ونقلنا الحقائب لسيارة سائق أبي لننطلق لبيت ، أخذ والديّ يتكلمان حول عملهما ، أنصت لهما قليلا لكني لم أفهم شيئا فعدت لتأملي واستغراقي ، غريب ما أشعر به الآن ، عودتي لمدينتي كان لها وقع مختلف عما ظننته في قلبي ، لم أملك أن أقول إنه الأمل أو هو السعادة ، لا أصفه أنه الإنزعاج أو شعور بالكره أو الغرابة ، أنا إبنة مدينتي عشت فيها حياتي كلها ، لكني أعود اليوم كفتاة أخرى ، فتاة بعائلة ، أظن هذا الوصف هو الأمثل عدت بنفس جديدة غير نفسي القديمة ،
إستمر الطريق بمد طوله أمامنا لكنه – كما هو حال كل شيء- نفد وإنتهى ، لأجد نفسي أمام الفيلا ، منزلي في وحدتي ، يا ترى كيف ستكون الأجواء داخله بعد أن عاد إليه مالكاه .؟ نزلت من السيارة لأتبع والداي ، لكني توقفت –كما فعلا – امام كل هؤلاء الأشخاص بملابسهم الرسمية ، قام أبي بسد باب التساؤل امامي قائلا بمرح وصوت جهوري :" رحبي بالعاملين الجدد هنا ، هذه مربية المنزل –وأشار لإمرأة كبيرة بالسن – تدعى إيزابيلا وهي المسؤولة عن هؤلاء " ثم وجه نظره لإيزابيلا قائلا :" عرفينا بالطاقم من فضلك " إبتسمت ونظرت لامي قائلة :" سيدتي لقد أمرني السيد باختيار أفراد أثق فيهم وعينتهم كعاملين هنا وأتمنى أن نكون عند حسن ظنكم ، أطلقت سعالا خفيفا وبدأت تعرفنا بكل واحد على حده ، ثم وجهتنا لرؤيتة الديكور الذي غيرته تماما ككل الغرب ، اقول بصراحة : لم تعد نفسها الفيلا القديمة ، كل الوانها وصورها وإطاراتها و ألوانها وثرياتها و أوانيهاو تحفها .... بإختصار كل شيء تغير ، أحسست بالزهو وشكر أبي المديرة وأثنى على حسن إختيارها ، فيما تساءلت أمي عن سبب ذلك ليهمس لها بالسبب دون أن أسمع
"ها قد عدتم أخيرا " " أهلا سيد راوند " ردت إحدى الخادمات على راوند الذي دخل فجأة لغرفة المعيشة ، سارعتُ لإحتضانه فيماربتعلى ظهري معلقا :" كم اشتقت لك يا مجنونة ، إبتعدت عنه دون رد إذ أن والداي كذلك قدما نحوه لإستقباله والتأكد من سيرورة اموره على ما يرام ، لم تمر ساعة وإلا وقد جلسنا في غرفة الطعام محاطين بالأطعمه اللذيذة المختلفة الأصناف لم أطق صبرا أن التهمت كل ما وضع في الصبق وطالبت بالمزيد ، دون أن القي بالا لحديث الثلاثة الآخرين الباقين ، وبعد فرغنا جميعا من الأكل والتحلية ، صعدنا لغرفتنا لأخذ قسط من الراحة ، أخذت حماما دافئا نزعلت به كل الشوائب التي علقت بي أثناء الرحلة ، جفت شعري لألقي نفسي في السرير بعدها محاولة النوم .
لم يجد النوم إلي سبيلا فأخذت كتابا قد وضع على كتبي بعد إعادة تعديل الغرفة وحاولت قراءته ، لم اجده مسليا بالقدر الكافي ، لذا حملت جهازي اللوحي و بدأت اجول في عالمه .