عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 11-10-2016, 10:34 PM
 




٢٩

في صباح يوم جديد

~
آلبرت ~

أجلس على سريري الأبيض ، وأشد على غطاء السرير بقبضتي ، ليس هناك كلمة يمكن إن تصف مشاعري الآن ..
لازلت أتذكر حين صعقني الطبيب بكلامه بعد إستيقاظي ، نظرت إلى ياماتو الذي ينحني بكل أسف ، هذا اللعين أيظن أنني سأسامحه بمجرد أن ينحني لي ؟؟

قلت بهدوء محاولاً كبت المشاعر الحقيقية في داخلي : ارفع رأسك يا سيدي الصغير ، فالإنحناء لا يليق بمقامتك إطلاقاً ..
رفع ياماتو رأسه قليلاً وقال بتوتر : أفهم من هذا أنك سامحتني صحيح ؟؟

قلت ببرود ظاهري يخفي الكثير من الغضب والبغض : لا لم أسامحك ، ولن أسامحك ، ولا أفكر بمسامحتك ، لكن شخص بمكانتك لايجوز له الإنحناء لخادم مثلي مهما كانت الظروف ..

اقترب ياماتو من سريري أكثر ، وجثى على ركبتيه ومد يده ممسكاً كف يدي وقال برجاء : آلبرت أرجوك إذا كنت غاضباً مني فلتظهر ذلك ، لا تكن هادئاً هكذا ، أضربني إن شئت أو افعل بي ما تشاء ، لكن أرجوك لا تكن هادئاً فأنت بتصرفك هذا تقتلني حقاً ..
ثم صمت محاولاً كبت عبراته ، والدموع قد تغرغرت في عينه ، ويده تشد على قبضتي بقوة ..

قلت بملل : سيدي الصغير أليس من المفترض أن تكون في مدرستك الآن ؟؟ سيغضب والدك كثيراً إذا ما علم أنك تغيبت عن المدرسة وكنت معي ..

قال بقوة : لا يهمني إن غضب ، لا يهمني إن طردني من المنزل ، لا يهمني إن حرمني من الميراث أو ضربني ، كل ما يهمني ....
صمت لثواني وأردف بصوت لين : هو أن تسامحني يا آلبرت ..

جذبت يدي من بين يديه قائلاً : إنسى الفكرة فهذا مستحيل ..
قال وهو يهزني بعنف وانفعال : إذاً لماذا تتحدث معي بهذه الطريقة الهادئة ؟؟ تصرف بشكل طبيعي ، أصرخ في وجهي أطردني بعيداً عنك ، لكن لا تتصرف معي وكأن شيئاً لم يكن ، ألست سبباً في شللك وعدم قدرتك على السير ؟؟
جملته الأخيرة ذكرتني بحالي الذي كنت أحاول تناسيه عمداً ، وها هو ذا يُعاود تذكيري ، أي غبي هذا الياماتو ؟؟

لكن إن كان صراخي في وجهه سيريحه إذا سأفعل العكس ، ياماتو حساس جداً ، والتعذيب النفسي يُفيد معه أكثر من الجسدي، وإذا ما استمريت على التصرف معه ببرود فأنا متأكد من أن الندم سيأكله ، وضميره لن يدعه وشأنه وسيظل يعاتبه ، ليتعذب نفسياً هذا اللعين ، فهو السبب في ما أنا عليه الآن ..


إلتزمت الصمت وأنا متيقن من أن هذا سيزيد من عذابه ، وبالفعل كنت مصيباً فيما قلته ، فدموعه التي كان يحاول كبتها قد سالت على وجنتيه بإنكسار ..

لتبكي .. نعم لتبكي ، فأنت الملام الوحيد على ما يحصل لي ، أنت المذنب في حرماني من السير ، يجب أن تدفع الثمن يا ياماتو ، سأجعلك تُحرم من السعادة طوال حياتك بعدم إلقاء اللوم عليك ، تستحق هذا وأكثر ..


ظل يتحدث معي ودموعه النادمة أغرقت وجهه كالفتيات ، لكنني لم أكن أعره إنتباهاً ، والشيء الأكثر متعة هو رؤيته يتوسل إلي أمام فتاة مستلقية على السرير المجاور لي ..

كانت الفتاة تنظر إلينا متعجبة ، وياماتو يتوسل إلي كما لو أننا كنا كنا وحدنا في الغرفة ، بمعنى آخر أنه يرمي بكرامته من أجل أن أسامحه ، لكن هذا لن يحصل بتاتاً ..

قطع هذه اللحظة صوت الباب الذي فُتح بقوة ، ليظهر منها سيدي كودو والد ياماتو ، ووجهه لا يُبشر بالخير ، فقد بدى غاضباً حقاً ..
اقترب من ياماتو بخطوات سريعة ، وفور أن اقترب منه جذبه من ساعديه ليوقفه على قدميه بعد أن كان جاثياً على ركبتيه ..

رفع يده عالياً عازماً على صفع ياماتو ، لكن حين وقعت عينه على الفتاة التي في السرير المجاور أنزل يده ، واكتفى بسحب إبنه خارجاً ..
غادر ياماتو وهو يصيح عالياً : سأعود يا آلبرت أعدك ..
لن أخفي عليكم رغبتي في رؤية ياماتو يُصفع من قبل والده أمام هذه الفتاة ، لكن للأسف الشديد استطاع والد ياماتو تمالك نفسه هذه المرة ..


بقيت أنظر إلى سقف الغرفة بشرود ، أحقاً لن أستطيع الوقوف على قدماي مجدداً ؟؟ أحقاً أصبت بالشلل ؟؟ أتمنى أن يمزح الطبيب معي ..
أزحت الغطاء عن قدماي الممدتان بعد أن جلست ، وحاولت تحريكهما عبثاً ..

ضربت قدمي بقبضتي وأنا أقول بغيظ : تحركي أيتها القدم الغبية تحركي ..
لم يتحرك هذا القدم ولو حركة بسيطة، وأنا الذي ظننت أنه سيتحرك لو صرخت عليه قليلاً ..


أتاني صوت ناعم يقول : ماذا حصل معك ؟؟
إلتفت إلى الفتاة الجالسة على سريرها تنظر إلي بعينين مليئتين بالفضول ..
قلت ببرود : وما شأنك ؟؟

قالت وهي تشير بيديها : لقد كنت أسمع كل ماكان يدور بينك وبين الشاب الذي كان هنا للتو ، وبحسب ما فهمته أنت تعمل خادم لديه ، وهو من تسبب في إصابة قدمك ، لكن كيف حصل ذلك ؟؟

نظرت إليها بطرف عيني ، ثم قلت بهدوء : أليس من الوقاحة أن تتنصتي إلينا وتتدخلي في أمور لا تعنيك ؟؟
قالت وهي تهز رأسها نافية : أنا لم أتعمد التنصت لكما ، لكنكما كنتما تتحدثان أمامي بصوت عالي ، لذا الكلمات تدخل إلى أذني من تلقاء نفسها ..

قلت وأنا أعيد تغطية قدمي وأضع رأسي على الوسائدة : تصرفي وكأنك لم تسمعي وتري شيئاً ..

أغمضت عيناي محاولاً تناسي وضعي ، لكن صوت الفتاة وصل إلى مسامعي وهي تقول : هل تعلم أشعر أن الشاب الذي كان هنا يبدو أنه طيب ، أعني أنه قد انحنى أمامك وأنت خادمه ليطلب العفو ، يبدو أنه متواضع جداً ، أما أنت فقد عاملته بقسوة وهو لا يستحق ذلك ..

لم أرد عليها وبقيت صامتاً مغمضاً عيناي ، لأسمعها تُكمل ثرثرتها : على الرغم من أن الشاب قد أذنب وتسبب في شلل قدمك إلا أن الأمر كان مجرد حادثة غير مقصودة على ما أظن ، فقد بدى نادماً جداً ، وأنت كان عليك مسامحته لا تجاهله ، المسكين لقد ذرف دموعه الغالية بسببك ، أنت فعلاً ...........

لم أستطع تجاهل هذه الثرثارة أكثر من هذا ، فتحت عيني والتفت إليها لأصرخ في وجهها غاضباً : لا تتدخلي فيما لا يعنيك أيتها اللعينة ، إصابتي بالشلل ليس بالأمر السهل ، أنت لن تشعري بما أشعر به ، لذا أطبقي شفتيك ..

ظننت بأنها ستخافني حين أصرخ في وجهها ، لكنني تفاجأت بأن ملامحها قد احتدت كثيراً ، وقالت بنبرة قوية : ولماذا تصرخ في وجهي يا هذا ؟؟ لن أسمح لخادم مثلك بأن يرفع صوته علي هل تفهم ؟؟

في البداية كنت أنظر إليها متفاجئة ، لكن سرعان ما تحولت نظراتي إلى سخرية وقلت بإستهزاء : حتى لو كنت خادماً لدى أحدٍ ما فأنا لا أسمح لك بمناداتي بالخادم هل فهمت ؟؟

ردت الفتاة وهي تُصدر ضحكة قصيرة ساخرة : ولماذا لا تريدنني أن أناديك بالخادم ؟؟ أتخجل من ذلك ؟؟ لكن هذه هي الحقيقة مهما حاولت إنكارها ..


لا جدوى من الجدال معها ، فهي ثرثارة كثيراً ولا أظن أنها ستصمت ، وإذا ما قلت كلمة ردت علي بعشر ، لذا فضلت الصمت والتظاهر بالنوم ، فالجدال معها سيُرهقني فقط ..

عاودت الإستلقاء على السرير ، بينهما هي ظلت تصرخ علي محاولة استفزازي ، لكني كنت أتجاهلها فقط ، وكأنها غير موجودة ، وقضية قدمي المشلولة تشغل تفكيري كثيراً ..

***



~ سوبارو ~


كنت وروز جالسين نتحدث مع بعضنا ، وبمعنى أدق كانت روز من تثرثر لوحدها ، وأنت أكتفي بالإنصات لثرثرتها ..

حسناً أنا سعيد لأنها تضحك بإستمرار ، ولا يبدو عليها الهم والحزن ، يبدو أنها سعيدة لأننا لم نعد نرى رسائل الخاطف ، وقد انقطع عنا لمدة ثلاثة أيام ، لكن قلبي غير مطمئن البتة ..

رن الجرس أخيراً معلناً إبتداء الحصة الأولى ، ليدخل المعلم وبجانبه طالب جديد صاحب شعر إسود طويل ، وعينان ناعستان..
قال المعلم لنا : رحبواً جميعاً بالطالب الجديد لوريوس الذي إنتقل إلى مدينتنا حديثاً ..


انحنى المدعو لوريوس وهو يقول بهدوء غريب : أنا لوريوس واتاني ، أتيت إلى هذه المدرسة لأقابل شخصاً معيناً ، أرجو أن تعتنوا بي ..


أشار المعلم له بالجلوس خلف روز أي في المكان الذي كان يجلس فيه ياماتو سابقاً ..
بدأ المعلم الدرس ، وأنا لم أكن أنصت إلى ما يقوله ، جل تفكيري في الرسالة التي توصلت إليها من خلال الأبيات الشعرية الغبية التي كتبها المدير كازوما ..


حصل هذا ليلة البارحة حين عدت إلى منزلي بينما كنت أتأمل ورقته وأنظر إليها فكرت في أن أستفيد من الأرقام المكتوبة في الأسفل والتي تساوي عدد الجمل المكتوبة ، وأقوم بإختيار الحروف حسب الأرقام ، لتظهر لي الجملة التي فاجأتني كثيراً (( ياماتو غير مراقب ))


جملته حيرتني كثيراً ، وجعلني أتسائل عن العديد من الأمور ، كيف له أن يعلم بأننا مراقبين ؟؟ وعلى أي دليل استند عليه ليقول أن ياماتو غير مراقب ؟؟ ولماذا لم يخبرني بهذا مباشرة ؟؟


أمن المعقول أنه يتعرض للتهديد أيضاً كما الحال معي أنا وروز ؟؟ هذا ليس بالأمر المستحيل ..
لا وقت لدي لإستنتاج الأمور ، ويجب أن أثق فيما يقوله المدير كازوما ، فلو كان الأمر مجرد فخ لما أتعب السيد كازوما في التفكير في طريقة يخبرني فيها بتلك المعلومة المهمة ..
وعندما ينتهي كل هذا يجب أن أعرف كيف تورط المدير في القضية ..


انتهت الحصة الأولى وبدأت الحصة الثانية والتي كانت حصة الكيمياء ، دخلت المعلمة راي وأول حركة قامت به عند دخولها إلى الصف هو أن وضعت عينها في عيني وابتسمت إبتسامة غامضة ، جعلني أشعر بالريبة ، ماذا تعني بتلك الإبتسامة ؟؟


قالت وهي تجلس على الكرسي المخصص للمعلمين : اسمعوني جميعاً اليوم لن نأخذ درساً ..
تعالت أصوات الهتافات السعيدة ، بينما سمعت روز تتمتم مع نفسها بصوت عالي قليلاً : هذا جيد فلا مزاج لدي لرؤيتها تتغنج أمامي ..


ابتسمت رغماً عني على روز ، حينها خالجني شعور بأن هناك من ينظر إلي ، حين رفعت بصري تقابلت نظراتي بالمعلمة راي لتُعاود الإبتسامة بغموض ..


أنقبض قلبي فجأة من دون سبب ، وشعور غريب ممزوج بالخوف قد انتابني ، ماذا يحصل بحق السماء ؟؟
حركت رأسي قليلاً محاولاً طرد هذه المشاعر الغريبة ، لتسألني روز بإستغراب : مابك يا سوبارو ؟


قلت متصنعاً الإبتسامة لكي لا أقلقها : لا شيء أبداً ، لا تُشغلي تفكيرك كثيراً ..


نظرت إلي نظرة مطولة وقالت : منذ الصباح وأنت لا تبدو على طبيعتك ، لكن لا تقلق لدي علاج سيُعيدك إلى ما كنت عليه في السابق ، لكن بعد أن تغادر المعلمة راي أولاً ..


انتابني الفضول لمعرفة العلاج الذي تتكلم روز عنه ، ورفع ببصري إلى المعلمة لأجدها تقف مغادرة الصف ، بعد أن غادرت إلتفت إلى روز بسرعة وأنا أقول : هيا أريني علاجك فقد غادرت المعلمة راي ..


ضحكت روز قائلة : تبدو متحمساً ، حسناً سأريك العلاج الآن ..


أخرجت روز من مخبئها سماعات بيضاء متصل بجهاز مشغل الأغاني ، وقالت مبتسمة : لتضعها في أذنك ..
قلت بشك ممزوج بخوف : لا تخبريني أنها مجموعة من الشعوذات واللعنات المختلفة ..


ردت بسرعة وهي تحرك يديها : لا لا أبداً صدقني ، أنت فقط ضعها في أذنيك ..
وضعت السماعات في أذني بتردد ليصدح صوت مغني أعرفه حق المعرفة فروز لم تكف عن الثرثرة عنه ، نظرت إلى روز التي ابتسمت في وجهي إبتسامة عريضة وهي تقول : ما رأيك بصوته ؟؟
قلت ببرود : لا بأس به ..


توسعت حدقتا عينيها وقالت بصوت عالي : ماذا تقصد بأنه لا بأس به ؟؟ أأنت أحمق أم ماذا ؟؟ أهذا شيء تقوله عن ورابوس !! أنت حقاً بلا ذوق ..
ثم أكملت وهي تشبك أصابها ببعضها وبحالمية : إنه مغني رائع جداً ، أنا أعشقه كثيراً وأعشق صوته ، عندما أكون غاضبة وأستمع إلى أغانيه تتبخر كل هذه العصبية ..

ثم سحبت السماعات مني وقالت وهي تزم شفتيها بغيظ : من لا يحب صوته فهو ليس بشري أبداً ..


ضحكت بخفة عليها ، ألهذه الدرجة تحب هذا المغني ؟؟ إنها معجبة مخلصة فعلاً ..


قاطعنا صوت غليظ آتي من الخلف يقول : هل يمكنني أن أسمع إلى الأغنية ؟؟
إلتفتت روز إليه وقالت بفظاظتها المعتادة : ولماذا أعطيك إياها ؟؟ ستتلوث الأغنية لو استمعت إليها ..

غطيت وجهي بكفي يائساً ، لازالت روز الفظة كما هي ، صحيح أنها تغيرت في تصرفاتها معي أنا وياماتو ، لكنها لا تزال كما هي مع البقية ..


قال الفتى المدعو لوريوس بغيظ : يالك من مغرورة ، أنا المخطئ الذي بدأت الحديث معك ..
روز بوقاحة : نعم ماكان يجب أن تتحدث معي يا صاحب العيون النائمة ..
صرخ لوريوس بحدة : إنها أعين ناعسة وليست نائمة أيتها الفتاة الغبية ..


لم أكن لأدعهما يكملان شجارهما طويلاً ، لذا قمت بالإمساك بوجه روز وأدرتها نحو الأمام وقلت بهدوء : كفاك إفتعالاً للمشاكل يا روز ..
والتفت إلى لوريوس وقلت مبتسماً بإعتذار :آسف على ما قالته هذه الفتاة الغبية ..

قالت روز غاضبة : أنت تتصرف الآن كما لو أنك جوليا ..
كنت لأرد عليها لكن صوت لوريوس قاطعنا وهو يقول بلهفة غريبة : أقلت للتو جوليا أيتها الفتاة ؟؟ أكنت تقصدين جوليا روك ؟؟
نظرت إليه بإستغراب وقلت بهدوء : ولماذا تسأل ؟؟
قال لوريوس : أتعرفان جوليا ؟؟ أين هي الآن ؟؟ أرجوكما أخبراني ، هل أنتما صديقيها ؟؟




تبادلنا أنا وروز النظرات المستفسرة ، وقالت روز : ولماذا تسأل عنها ؟؟
قال لوريوس ببطء وصوت خافت : سمعت إشاعة تقول أنها هاربة من المنزل والشرطة تظن أنها مختطفة ..
تفاجأت كثيراً مما قاله ، هل انتشرت الإشاعة بهذا الشكل الواسع ، حتى أن الطالب الذي أتى من مدينة أخرى يعرفها ؟؟ أي مصيبة هذه ؟؟


نظرت إلى روز التي شدت على قبضتها ، وأنكست رأسها إلى الأسفل ، أدركت من حركتها هذه أنها توشك على البكاء ..
أمسكت بيدها وهمست بهدوء : لا تبكي يا روز ، هذا ليس المكان المناسب لتبكي ..


يبدو أن كلماتي قد أدى مفعوله ، فقد توقف إرتعاش يدها ، وكأنها استطاعت السيطرة على نفسها وكبت دموعها التي كادت أن تهطل ..

بينما قال لوريوس بإنزعاج : لم تجيبا على سؤالي حتى الآن ، أخبراني هل تعرفانها ؟؟
قلت بكذب : لا ، لانعرفها مطلقاً ..


يبدو أن لوريوس لم يصدق كلامي ،وهذا كان وضاحاً من ملامحه الذي قطبها غير راضياً بإجابتي .
قال ببطء : لكن أيها الفتى لقد سمعت أن جوليا روك تدرس في هذه المدرسة ، وفي هذا الصف تحديداً ..

سمعت صوت فتاة في الصف تقول : جوليا حقاً عار على صفنا وعلى المدرسة ككل وعلى اليابان عامة ، حتى لوريوس الذي أتى من مدينة أخرى يعلم بفضيحتها تباً لها ..
إلتفت إلى الفتاة التي تحدثت ورمقتها بنظرة حادة ، في حين قال لوريوس ويبدو عليه الشرود : كما توقعت إنها جوليا نفسها ..


نظرت إليه بشك ، لماذا يسأل عن جوليا يا ترى ؟؟ أمن المعقول أنه يعرفها ؟؟
لم أفكر بشأن هذا كثيراً ، فأنا يجب أن أوقف الحرب الذي ينشأ الآن بين روز وطلاب الصف ..


أمسكت بروز الواقفة في مكانها تتجادل معهم قائلاً : اجلسي يا روز وابقي هادئة ..
قالت روز معترضة : وكيف تريدني أن إكون كذلك وهم يتحدثون عن جوليا بسوء ؟؟ لن أسامحهم ..


زفرت بضيق واقتربت منها هامساً في أذنها : كوني عاقلة يا روز ربما ماتفعلينه الآن سيتسبب في أذية جوليا ..
تغيرت ملاامح روز ، وأصبح أقل حدة ، ثم عاودت الجلوس في مكانها بهدوء ..



انتهت هذه الحصة وبدأت الحصة الثالثة ولم يحصل فيها أي شيء يُذكر ، وفي استراحة الغداء ، تم إعلامنا أن المدير يرغب برؤيتي أنا والطالب الذي ذهبنا إليه في الأمس معاً ..


لم أستطع أن أغادر تاركاً روز لوحدها ، فلاشك أن طلبة الصف لازالوا مغتاظين منها بسبب ما قالته لهم ، لذا اقترحت عليها أن تأتي معي وهي لم تعارض ..

دخلنا إلى غرفة المدير لأجد الطلاب التسع الأذكياء متواجدون ، نظر الجميع إلى روز بإستغراب ، وكأنهم يتسائلون عن سبب تواجدها بينهم ..
قالت روز بحدة موجهة خطابها لأولئك الذين يحدقون فيها : مابكم تنظرون إلي هكذا ؟؟ لا أظن أن فيني شيء غريب ..


تحدث أحدهم ويبدو أنه يعرفها : إن هذا التجمع للأذكياء العشرة فقط ، لماذا أنت هنا أيضاً ؟؟ لا أظن أنك أصبحت ذكية فجأة ..
ردت روز بقوة : وهل تراني أقف على رأسك الآن لتتضايق من وجودي ؟؟ تنهدت بيأس وفتحت الباب قائلاً : لتنتظريني يا روز خارجاً ، فأنت ستسببين المشاكل إذا بقيت هنا ..
قال شخص ما بنبرة ساخرة : لابد أن هذه هي حبيبة سوبارو ، أنهما ثنائيان مثيران للشفقة ..
وقال آخر متابعاً : يبدو أن روز حين يئست من فكرة إمتلاكها لصديق جيد لم يكن أمامها سوى هذا المشوه ..


قبل أن تنطق روز بكلمة قمت بدفعها خارجاً وإغلاق الباب في وجهها ، والتفت إلى المدير قائلاً بهدوء : لماذا جمعتنا هنا حضرة المدير ؟؟ قال وهو يقف من على مقعده : ظننت أنكم نسيتم وجودي ، حتى أنكم أصبحت تتشاجرون وكأنني غير موجود ..
ثم أردف وقد احتدت نبرته : إياكم ومعاودة مافعلتموه للتو ، وإلا كان حسابكم عسيراً ..

انحنى أحد الطلبة من الصف الثالث معتذراً وقال : نحن آسفون أيها المدير ، لن نعاود الكرة ..
رد المدير : أرجو ذلك فأنا لن أتهاون في معاقبتكم المرة القادمة ، أما بالنسبة لجمعي لكم هو أنني أريد أن أذكركم فقط بالإمتحان الذي سأقيمه غداً ، لذا كونوا مستعدين ، أما الورقة التي أعطيتكم هي فأتمنى أن تكونوا قد فهمتموها فأنتم لن تدخلو الإختبار إلا بها ..


أدركت وكأنه يحاول أن يستفسر ما إذا فهمت الرسالة جيداً أم لا لكن بطريقة غير مباشرة ، لذا أجبت بثقة : لا تقلق الورقة محفوظة جيداً ، ومعانيها رسخت في أذهاننا ، ولو أردت مني إعادة ما كتبته في الجملة المطلوبة لفعلتها ..
علت الإبتسامة وجهه ، ويبدو أنه فهم مقصدي ، لذا قال : لا لاداعي لأن تعيد ما كتبته فأنا أدرى بذلك ، كما أنني لا أريدهم أن ينصتوا إلى إلقائك الجميل للأبيات المبدعة ..
علمت هنا أنه يلمح لي بأنه مراقب من قبل الخاطفين ، لذا إلتزمت الصمت ، بينما المدير كازوما أخذ يلقي بعض النصائح حول الإختبار القادم ..


قال المدير كازوما : الأسئلة لن تكون بسهولة فهم هذه الأبيات ، أرقام السؤال مهمة ويجب أن تلقوا نظرة عليها فهي تشير إلى الكلمات المطلوبة ..
سأل أحدهم : ماذا تعني يا سيدي ؟؟ أجاب المدير وهو يحرك نظارته : أعني أن تتأكدوا من السؤال حتى لا تتجاوزوا سؤالاً ما ، والآن أرجوا أن تكونوا قد فهمتم مقصدي ..


أكتفتيت بأن أومأ رأسي دلالة فهمي ، وأنا بالفعل قد فهمت مقصده ، يبدو أن الإمتحان سيحتوي الكثير من الرسالات المهمة ، وربما سيخبرني فيها عن الخاطف ، أتمنى أن يأتي الغد بسرعة ..


خرجنا من مكتب المدير وعدنا إلى الصف ، وأنا أنظر إلى ساعتي كل دقيقة ، أتلهف لرؤية ياماتو لأخبره بأنه ليس مراقباً ، ويستطيع التحرك بحرية ..


لحظة !!!
لقد نسيت شيئاً ، كيف يمكنني إخباره وأنا مراقب ؟؟ يا إلهي يالغبائي ، لماذا لم أفكر في هذا ؟؟ أخذت أضغط على رأسي علّ وعسى أن تأتيني فكرة ، لكن للأسف لم أتوصل إلى شيء ..
زفرت بقوة ويأس ، لماذا لم أفكر في هذا مسبقاً ؟؟ لا لا يجب أن أيأس الآن ، لابد وأن يكون هناك حل ..

صحيح لماذا لا أستخدم الورقة التي أعطاني إياها االمدير وأعطيها لياماتو ، ولكن قبل ذلك سأظلل الأحرف المطلوبة لفهم الرسالة ..
أخرجت الورقة من الحقيبة ووضعت خطاً تحت الأحرف المطلوبة ...ابتسمت برضى ، هكذا سيفهم الرسالة ، وأنا واثق من هذا ..
لكنني غاضب قليلاً من المدير الغبي الذي لم يجد طرييقة أسهل لإخباري بمثل هذا الأمر المهم ، كان من الافضل لو ابتكر طريقة اكثر بساطةعندما انتهى الدوام المدرسي خرجت من المدرسة بسرعة ، حتى أنني لم أساعد روز في التنظيف وتركتها وحدها ، بقيت أنتظر أمام بوابة المدرسة حضور ياماتو ، وطال إنتظاري طويلاً ، حتى أن روز انهت التنظيف وحدها وخرجت من المدرسة لتتفاجأ من وجودي واقفاً ..


-
ماذا تفعل هنا يا سوبارو ؟؟ ظننت أنك قد عدت إلى منزلك ..
هذا ماقالته روز متسائلة ، لأجيب عليها وعينان مثبتتان على الطريق : أنا أنتظر قدوم ياماتو ..


وقفت روز بجواري لتنتظره معي ، وبقينا معاً حتى أن المدرسة قد خلى من الطلبة ، وياماتو الأحمق لم يصل بعد ..
أمسكت بهاتفي بغضب ، أين يمكن أن يكون ذلك الأحمق عندما أحتاجه ؟؟ اتصلت عليه لأتفاجأ بأنه أغلق الخط في وجهي ، عاودت الإتصال لكن النتيجة واحدة ، قطبت حاجباي بإنزعاج ، أمن المعقول أنه غاضب مني ولذلك لا يريد أن يرد علي ؟؟لكنني لم أكن لأتصل عليه لو كان الأمر غير ضروري ، ياماتو الأحمق كم أرغب في ضرب وجهه وتهشيم جمجمته ..


***


~
ياماتو ~


لا تسألوني عن حالي ، أنا الآن أشبه بالجسد الخالي من الروح ، أرغمني أبي على الذهاب إلى المدرسة بعد أن تلقيت صفعة قوية منه ..


بعد المدرسة عدت إلى منزلي لأتلقى توبيخاً من أبي ، وها أنا الآن ذاهب معه إلى شركة ساي لبدأ العمل ..
في السيارة كان أبي يلقي علي المحاضرات الطويلة ، ليقاطعه صوت رنين هاتفي ، نظرت إلى المتصل لأتفاجأ بأن سوبارو هو من اتصل ، كنت لأرد عليه متحمساً ، لكن حين تذكرت ما فعلته بآلبرت أغلقت الخط في وجهه ، ولكنه عاود الإتصال وأنا أغلق الخط ..

-
من هذا المزعج الذي يتصل بك بإستمرار ؟؟ هذا ماصاح به أبي غاضباً ، لأجيب بهدوء : إنه طالب في مدرستي ، يريد التقرب مني ..
بدى عليه الفضول وهو يقول لي : إلى أي عائلة ينتمي إليه هذا الطالب ؟؟ لم أتفاجأ من سؤال أبي ، فأنا أعلم إلى ماذا يطمح ، نطقت بكذب : إنه من عائلة سايرين ..


ظهرت علامات الإحباط على وجهه ، وقال بملل : تجاهله فحسب فعائلته ليست بتلك الشهرة والثراء ..
نعم هذا ما ظننته سيقول ، فلو كان من عائلة ذات صيع لأرغمني على مصاحبته ، أما لو كان من عائلة عادية لقال لي ما قاله ..


قلت بتردد : أبي ماذا سيحصل لآلبرت ؟؟ قال أبي ببرود : لا تحمل همه ، الطبيب قال أنه يمكن معالجته في أمريكا ، ولهذا سأقوم بتسفيره إلى هناك لمعالجته ، لذا لا يجب عليك أن تشعر بالذنب لأجله ..


صرخت غاضباً : كيف لا أشعر بالذنب وأنا تسببت بشلله ؟؟ أنا السبب فيما حصل له ، لذا .....
صمت ولم أكمل ليقول أبي وهو يحثني على الإكمال : لذا ماذا ؟؟ تحدث ..
رفعت ببصري إلى أبي وسرعان ما أبعدت بصري عنه وأنا أقول بحذر : أريد أن أسافر معه للعلاج ..

مجموعة من البراكين تفجرت داخل أبي حين قلت ما قلته ، واحتقن وجهه احمراراً وعيناه احمرتا حتى كادت أن تخرج من مكانها ، وصرخ عالياً وعرق رقبته مشدود كثيرا : أأنت مجنون ؟؟ أستترك التدريب في شركة ساي لترافق خادم ؟؟ قلت بهدوء محاولاً امتصاص غضبه : لكن يا أبي أنا من تسببت في إصابته ، لذا وجب علي ....
قاطعني بحزم : نحن سنتكلف بتكاليف المعالجة وهذا يكفي ، ولا أريد سماع كلمة أخرى عن هذا الموضوع ..


صمت وأنا أشعر بالغيظ الشديد ، لكن التحدث مع أبي الآن لن يزيده إلا عناداً ، لذا سألتزم الصمت الآن و سأناقشه بشأن هذا الموضوع في وقت لاحق ..

وصلنا إلى شركة ساي ، وكان هناك موظف في استقبالنا ، طلب منا مرافقته إلى حيث مكتب ساي المدير ..
سرت وراءه أنا وأبي وعند وصولنا إلى باب المكتب تفاجأت من وجود المعلمة راي واقفة بإنتظارنا ..


ما إن رأتنا حتى هرولت إلينا مسرعة وعيناها تشعان سعادة ، قالت بإبتسامة عريضة : مرحباً بك عزيزي ، لم أظن أنك سترافق ابنك إلى الشركة ..
رد أبي : لقد أردت التأكد من وصوله فقط حتى لا يغيب عن الحضور كما حصل في الأمس ، وسأغادر الآن بعد أن أوصي ساي بعدة أمور ..


قالت راي : ساي غادر الشركة منذ قليل ليجلب أوراقاً مهمة من المنزل ، لذا أخبرني بما تريده وأنا سأوصل له الرسالة ..

أخبرها أبي ببعض التوصيات المتعلقة بي وبالعمل ، وما إن انتهى حتى استأذن وغادر الشركة ، بينما أنا كنت جالساً في مكتب ساي على أريكة سوداء منتظراً عودة ساي، وراي لم تزح ناظريها عني أبداً ..


شعرت بالضيق الشديد من نظراتها وقلت وأنا مقطب الجبين : مابك تنظرين إلي بهذه النظرات الغريبة ؟؟تقدمت راي بخطوات متزنة بإتجاهي ، وصوت كعبها العالي يضرب الأرض ليصدح صوته في أرجاء الغرفة الباردة ..


ما إن وصلت عندي حتى انحنت أمامي قائلة بإبتسامة : وهل هذا يضايقك يا عزيزي ياماتو ؟؟ تأففت أمامها بصوت عالي وأنا أقول : ابتعدي عني قليلاً فوجهك قريب مني كثيراً .


نظرت إلي بمكر وهي تقول : وماذا إذا لم أفعل ؟؟ شعرت بالتوتر من هذه الأجواء ، لذا وقفت مبتعداً عنها ، لتنظر إلي ولاتزال تلك الإبتسامة الماكرة على شفتيها المطليتين باللون الأحمر ..



أخذت أتراجع إلى الوراء بينما هي تتقدم نحوي ، قلت لها بتردد : ما رأيك أن تريني الشركة ريثما يعود أخوك ساي ..
هزت رأسها نافية ليتحرك معها شعرها القصير وقالت : لا لن تخرج من الغرفة ، وساي سيقدم لكن ليس الآن ربما بعد ساعة ..
ثم أردفت بخبث : ما رأيك أن نستمتع ريثما يأتي أخي ؟؟ هرعت إلى الباب بسرعة وقلبي ينبض بسرعة ، لكنني تفاجأت حين رأيت الباب مقفلاً ، هذه اللعينة أقفلت الباب علينا ..
سمعت صوت ضحكتها الرقيقة وقالت بغنج : أنت خجول جداً يا ياماتو ، وهذا ما أحبه فيك ..


ركضت نحو المكتب وبقيت خلفها وأنا أقول بصوت مرتعش : أيتها المجنونة إلى ماذا تخططين ؟؟ إنت زوجة أبي أم أنك نسيتي ذلك ؟؟
-
لا لم أنسى وأتمنى لو لم أكن كذلك ، فوالدك شخص ممل ، وأنا لم أوافق على الزواج منه إلا للتقرب منك ..

تفاجأت من جوابها كثيراً ، هذه المرأة اللعينة كيف تجرؤ على قول هذا أمامي ؟؟ ألا تخجل من نفسها ؟؟ ألا تخشى من أن أخبر أبي عنها ؟؟ لم أنتبه إلا وهي قد اقتربت مني كثيراً ، وحاصرتني بين ذراعيها ، بلعت ريقي بقلق ، أستطيع ضربها لأبتعد عنها ، لكن أنا لم أعتد على ضرب الإناث بعد ..
أشعر بتوتر شديد ، لأول مرة أكون في موقف كهذا ، هذا مربك كثيراً ..


أسعفني صوت رنين هاتف صادر من هاتف راي ، ظهر الإنزعاج على وجهها في حين أنني ابتسمت بسعادة ..
ابتعدت عني راي وراحت تنظر إلى المتصل وبعدها ردت على الهاتف لتصيح مباشرة بغضب : ساي أيها اللعين لماذا تتصل في هذا الوقت ؟؟ لقد قاطعت ما بدأته ..


صمتت راي ولكن محلامها انقلبت فجأة حين سمعت ماقاله المتصل ، تحولت ملامحها إلى الخوف المشوب بالقلق ، وقالت بعدها بسرعة : حادث ؟؟ حسناً سآتي الآن وداعاً ..

أقفلت راي الخط وراحت تركض نحو الباب خارجة من المكتب ويبدو أنها على عجلة من أمرها ..

تنفست الصعداء ، لقد كنت متوتراً كثيراً ، سعيد أنني نجوت من تلك اللعينة راي ..
قررت حينها مغادرة الشركة والذهاب إلى آلبرت في المشفى ، فأنا أعلم أن ساي لن يأتي إلى هنا ، فقد استنتجت من الإتصال أن أخاها ساي قد أصابه حادث وربما لن يستطيع القدوم ..


***


~
روز ~


فتحت عيني ببطء وأنا أشعر بصداع قوي ينهش عقلي ، ووجدت نفسي فجأة مستلقية على الأرض وفي غرفة الجلوس ، نهضت من الأرض بصعوبة وأنا لا أتذكر جيداً ما حصل لي ..


آخر شيء أتذكره هو أنني عدت إلى المنزل وتوجهت إلى المطبخ ، فوجدت مشروباً غازياً على الطاولة ، فحملته لأرتشف منه ، وبعدها لم أعد أتذكر شيئاً ..

وقع بصري على المسدس الملقى بجانبي ، لأقطب حاجباي بإستغراب ، ما الذي أتى بالمسدس هنا ؟؟ أنا واثقة من أنني احتفظت به أسفل السرير ..
أخذت المسدس بسرعه وخبأته ، خرجت من المجلس لأعود إلى غرفتي وأعيد المسدس ، لكن المنظر الذي رأيته جعلني أتجمد في مكاني من هول المصيبة التي أمامي وألجم لساني تماماً ..

نهاية الجزء


رد مع اقتباس