وصف الجنة
الحمدُ لله مبلغ الراجي فوق مأموله، ومعطي السائل زيادة على سُؤله، المنان على التائب بصفحه وقبوله، خلق الإنسان وأنشأ دارا لحُلُوله، وجعل الدنيا مرحلة لنُزوله، فتوطنها منْ لم يعرفْ شرف الأخرى لخُمُوُله، فأخذ منها كارها قبل بلوغ مأموله، ولم يُغْنه ما كسبه من مالٍ وولدٍ حتى انهْزم في فُلوله، أو ما ترى غربان الْبين تنُوحُ على طُلُوله، أما الموفقُ فعرف غرورها فلمْ ينخدع بمُثُوله، وسابق إلى مغفرةٍ من الله وجنةٍ عرضُها السماء والأرضُ أعدتْ للذين آمنوا بالله ورسوله، وأشْهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عارفٍ بالدليل وأصُوله، وأشْهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه ما تردد النسيمُ بين شماله وجنوبه ودبُوره وقبوله، صلى الله عليه وعلى أبي بكر صاحبه في سفره وحلوله، وعلى عمر حامي الإسلام بسيفٍ لا يخافُ من فُلوله، وعلى عثمان الصابر على البلاء حين نزوله، وعلى عليٍ الماضي بشجاعته قبل أن يصول بنصُوله، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ ما امتد الدهرُ بطُوله، وسلم تسليما.
إخواني : سارعُوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها كعرض السماء والأرض، فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشرٍ. قال الله تعالى : { مثلُ الْجنة التي وُعد الْمُتقُون تجْري من تحْتها الأنْهارُ أُكُلُها دآئم وظلُها تلْك عُقْبى الذين اتقواْ وعُقْبى الْكافرين النارُ } [الرعد:35].
في وصف الجنة -جعلنا الله من أهلها- :
...............................................................
قال تعالى : { مثلُ الْجنة التي وُعد الْمُتقُون فيهآ أنْهار من مآءٍ غيْر آسنٍ وأنْهار من لبنٍ لمْ يتغيرْ طعْمُهُ وأنْهار منْ خمْرٍ لذةٍ للشاربين وأنْهار منْ عسلٍ مُصفى ولهُمْ فيها من كُل الثمرات ومغْفرة من ربهمْ كمنْ هُو خالد في النار وسُقُواْ مآء حميما فقطع أمْعآءهُمْ } [محمد:15].
وقال تعالى : { وبشر الذين آمنُواْ وعملُواْ الصالحات أن لهُمْ جناتٍ تجْري من تحْتها الأنْهارُ كُلما رُزقُواْ منْها من ثمرةٍ رزْقا قالُواْ هـذا الذي رُزقْنا من قبْلُ وأُتُواْ به مُتشابها ولهُمْ فيهآ أزْواج مُطهرة وهُمْ فيها خالدُون } [البقرة:25].
وقال تعالى : { في جنةٍ عاليةٍ.لا تسْمعُ فيها لاغية.فيها عيْن جارية.فيها سُرُر مرْفُوعة.وأكْواب موْضُوعة.ونمارقُ مصْفُوفة.وزرابيُ مبْثُوثة } [الغاشية:10-16].
وقال تعالى : {يُحلوْن فيها منْ أساور من ذهبٍ ولُؤْلُؤا ولباسُهُمْ فيها حرير } [الحج: 23].
وقال تعالى : {عاليهُمْ ثيابُ سُندُسٍ خُضْر وإسْتبْرق وحُلُواْ أساور من فضةٍ وسقاهُمْ ربُهُمْ شرابا طهُورا } [الإنسان:21].
وقال تعالى : {مُتكئين على رفْرفٍ خُضْرٍ وعبْقريٍ حسانٍ } [الرحمن: 76].
وقال تعالى : { مُتكئين فيها على الأرائك لا يروْن فيها شمْسا ولا زمْهريرا } [الإنسان:13]، وقال تعالى: { إن الْمُتقين في مقامٍ أمينٍ.في جناتٍ وعُيُونٍ.يلْبسُون من سُندُسٍ وإسْتبْرقٍ مُتقابلين.كذلك وزوجْناهُم بحُورٍ عينٍ.يدْعُون فيها بكل فاكهةٍ آمنين } [الدخان:51-55].
وقال تعالى : { ادْخُلُواْ الْجنة أنتُمْ وأزْواجُكُمْ تُحْبرُون.يُطافُ عليْهمْ بصحافٍ من ذهبٍ وأكْوابٍ وفيها ما تشْتهيه الأنْفُسُ وتلذُ الأعْيُنُ وأنتُمْ فيها خالدُون.وتلْك الْجنةُ التي أُورثْتُمُوها بما كُنتُمْ تعْملُون.لكُمْ فيها فاكهة كثيرة منْها تأْكُلُون.إن الْمُجْرمين في عذاب جهنم خالدُون } [الزخرف:70-74].
وقال تعالى : { فيهن قاصراتُ الطرْف لمْ يطْمثْهُن إنس قبْلهُمْ ولا جآن.فبأي آلاء ربكُما تُكذبان.كأنهُن الْياقُوتُ والْمرْجانُ } [الرحمن:56-58].
وقال تعالى : { فيهن خيْرات حسان.فبأي آلاء ربكُما تُكذبان.حُور مقْصُورات في الْخيام } [الرحمن:70-72].
وقال تعالى : {فلا تعْلمُ نفْس مآ أُخْفي لهُم من قُرة أعْيُنٍ جزآء بما كانُواْ يعْملُون } [السجدة: 17].
وقال تعالى : { للذين أحْسنُواْ الْحُسْنى وزيادة ولا يرْهقُ وُجُوههُمْ قتر ولا ذلة أُوْلـئك أصْحابُ الْجنة هُمْ فيها خالدُون } [يونس:26].
فالْحُسنى هي الجنةُ لأنهُ لا دار أحسنُ منها، والزيادةُ هي النظرُ إلى وجه الله الكريم رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه. والآياتُ في وصف الجنة ونعيمها وسرورها وأنْسها وحبُورها كثيرة جدا.
وأما الأحاديثُ :
........................
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قُلْنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤُها قال : « لبنة ذهبٍ ولبنة فضةٍ، وملاطُها المسكُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وترابها الزعفرانُ، منْ يدخلُها ينعمُ ولا يبأسُ، ويخلُدُ ولا يموتُ، لا تبْلى ثيابه ولا يفْنى شبابُه »، رواه أحمد والترمذي.
وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أنه خطب فحمد الله وأثْنى عليه، ثم قال : « أما بعدُ فإن الدنيا قد آذنتْ بصرْم وولتْ حذاء ولم يبْق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء يصطبُها صاحبُها، وإنكُمْ منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها فانتقلوا بخير ما يحْضُرنكُمْ. ولقدْ ذُكر لنا أن مصراعين منْ مصاريع الجنة بيْنهما مسيرةُ أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام »، رواه مسلم.
وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « في الجنة ثمانيةُ أبوابٍ فيها باب يسمى الريان لا يدخلُه إلا الصائمون »، متفق عليه.
وعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ألا هلْ من مُشمر إلى الجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلأْلأُ وريحانة تهْتزُ وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيْجة وزوجة حسناءُ جميلة وحُلل كثيرة ومُقام في أبدٍ في دارٍ سليمةٍ وفاكهة وخضرة وحبْرة ونعمة في محلةٍ عاليةٍ بهيةٍ، قالوا: يا رسول الله نحن المشمرون لها. قال: قولوا إنْ شاء الله. فقال القوم: إنْ شاء الله »، رواه ابن ماجة والبيهقيُ وابنُ حبان في صحيحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن في الجنة مئة درجةٍ أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتُمُ الله فأسألُوه الفرْدوس فإنهُ وسطُ الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجرُ أنهار الجنة وفوقه عرشُ الرحمن »، رواه البخاريُ .
وله عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أهْل الجنة يتراءوْن أهل الغرف فوقهم كما تتراءوْن الكوكب الدُري الغابر في الأفُق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بيْنهم ». قالوا : يا رسول الله تلك منازلُ الأنبياء لا يبلغُها غيرُهم قال : « بلى والذي نفْسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقُوا المرسلين ».
وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن في الجنة غُرفا يُرى ظاهرُها من باطنُها وباطنُها من ظاهرها أعدها الله لمنْ أطْعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام»، أخرجه الطبراني.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدةٍ مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلُون يطوفُ عليهمْ فلا يرى بعضُهم بعضا »، متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أول زُمْرةٍ تدخلُ الجنة على صُورة القمر ليلة البدْر، ثم الذين يلونهُمُ على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم همْ بعد ذلك منازلُ لا يتغوطُون، ولا يبولُون، ولا يمتخطون، ولا يبصُقون، أمشاطُهُم الذهبُ، ومجامرُهم الأُلوة، ورشْحُهمُ المسْكُ، أخلاقُهم على خلْق رجلٍ واحدٍ على طول أبيْهم آدم ستُون ذراعا ». وفي روايةٍ : « لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبُهُم قلب واحد يسبحون الله بُكرة وعشيا ». وفي روايةٍ : « وأزُواجُهُم الحورُ العين ».
وله من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أهل الجنة يأكلُون فيها ويشْربُون ولا يتفُلُون ولا يبُولون ولا يتغوطون ولا يمْتخطون، قالوا: فما بالُ الطعام؟ قال: جُشاء ورشْح كرشح المسك يُلْهمُون التسبيح والتحميد كما يُلْهمُون النفس ».
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « والذي نفسُ محمدٍ بيده إن أحدهُمْ (يعني أهل الجنة) ليُعْطى قوة مئة رجلٍ في الأكل والشرب والجماع والشهوة، تكون حاجةُ أحدهم رشْحا يفيض منْ جلودهم كرشْح المسْك فيضْمُر بطنه »، أخرجه أحمد والنسائي.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لقاب قوس أحدكم أو موضع قدمٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولوْ أن امرأة من نساء الجنة اطلعتْ إلى الأرض لأضاءت ما بيْنهُما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفُها (يعني الخمار) خير من الدنيا وما فيها »، رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن في الجنة لسُوقا يأتونها كُل جمعةٍ فتهبُ ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادُون حُسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليْهمْ فيقولُون لهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا »، رواه مسلم.
وله عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ : إن لكمْ أن تصحُوا فلا تسْقموا أبدا وإن لكم أن تحْيوْا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبُوا فلا تهرموا أبدا . وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا،وذلك قولُ الله عز وجل : { ونُودُواْ أن تلْكُمُ الْجنةُ أُورثْتُمُوها بما كُنتُمْ تعْملُون } » [الأعراف:43].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « قال الله عز وجل : أعْددْتُ لعبادي الصالحين ما لا عيْن رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشر. وأقْرؤوا إن شئتُم { فلا تعْلمُ نفْس مآ أُخْفي لهُم من قُرة أعْيُنٍ جزآء بما كانُواْ يعْملُون } »[السجدة: 17].
وعن صُهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا دخل أهلُ الجنة الجنة نادى منادٍ يا أهل الجنة إن لكم عند الله موْعدا يريدُ أن يُنْجزكُمُوهُ، فيقولون : ما هُو ألمْ يُثقلْ موازيننا ويُبيضْ وجوهنا ويدخلْنا الجنة ويزحْزحْنا عن النار؟ قال : فيكشفُ لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهمْ من النظر إليه ولا أقر لأعينهم منهُ »، رواه مسلم.
وله من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن الله يقول لأهل الجنة : « أحلُ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبدا ».
اللهُم ارزقنا الخُلْد في جنانك، وأحل علينا فيها رضوانك، وارزقْنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء مُضرة ولا فتنةٍ مُضلةٍ.
اللهُم صل وسلم وباركْ على عبدك ونبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر : موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين