11-30-2016, 08:07 PM
|
|
.. ٣٠ ..
~ روز ~ فتحت عيني ببطء وأنا أشعر بصداع في رأسي ، وجدت نفسي مستلقية على الأرض في غرفة الجلوس ، نهضت بصعوبة محاولة إستيعاب ما يحصل .. آخر شيء أتذكره هو أنني عدت إلى المنزل وتوجهت إلى المطبخ ، فوجدت مشروباً غازياً على الطاولة ، حملته لأرتشف منه ، وبعدها لم أعد أتذكر شيئاً .. وقع بصري على المسدس الملقى بجانبي ، لأقطب حاجباي بإستغراب ، ما الذي أتى بالمسدس هنا ؟؟ أنا واثقة من أنني احتفظت به أسفل السرير .. أخذت المسدس بسرعه وخبأته ، وخرجت من المجلس لأعود إلى غرفتي وأعيد المسدس ، لكن المنظر الذي رأيته جعلني أتجمد في مكاني من هول المصيبة التي أمامي و لساني ألجم عن الكلام تماماً .. هل ما أراه حقيقياً ؟؟ أمي وأخي ممددان على الأرض ، وسط بركة من الدماء ، أخذ جسدي يرجف في مكانه من شدة الخوف ، لم أعلم كيف سأتصرف ، دموعي أخذت تشق طريقها على وجنتي ، كطوق لؤلؤ قطع خيطه وأخذ بالتساقط بشكل متتالي .. تجاوزتهما وأنا أركض بلا هدف ووعي ، شيء واحد فقط يتردد في ذهني ألا وهو كلمة (( أهربي )) .. فتحت باب المنزل لأركض مبتعدة ، هاربة من الواقع فإذا بي أصطدم بأحدهم ، وكدت أن أسقط على الأرض لولا اليد التي امتدت وأمسكتني .. حاولت معرفة صاحب هذه اليدين ، وحين رفعت رأسي وجدت السيد كيداي ينظر إلي بإستغراب وقال متسائلاً : مابك يا روز ؟؟ حينها لم أستطع أن أكبت شهقاتي أكثر ، وأجهشت في البكاء والنحيب ، والسيد كيداي يحاول فهم ما بي .. لا أعلم كم بقيت أبكي وهو يحاول تهدئتي دون جدوى ، ولكن بعد فترة استطعت تمالك نفسي ، وأشرت إلى داخل المنزل بيد مرتعشة .. قال السيد كيداي وهو لم يفهم اشارتي : روز تحدثي وأخبريني مابك ؟؟ أقامت والدتك بضربك ؟؟ أم أن أخاك أزعجك ؟؟ تمنيت أن يكون هذا ما حصل ، لكن الأمر أكبر من هذا ، هززت رأسي نافية وأنا أقول بصوت بالكاد خرج : أمي وماركو مقتولان .. قطب السيد كيداي حاجبيه قائلاً بإستنكار : ما الذي تقولينه يا روز ؟؟ قلت وأنا أوشكت على البكاء مجدداً : أقسم يا سيد كيداي ، إنهما جثة الآن .. قال بجدية : إذاً أريني أين هما .. هززت رأسي نافية ، لا أريد العودة إلى ذلك المكان المرعب ، لا أجرؤ على رؤيتهما مجدداً مقتولان .. حينها قال السيد كيداي وهو ينفث الهواء : حسناً أبقي هنا وأنا سأذهب لأتأكد من ما قلته .. ذهب السيد كيداي ، وأنا أشعر بالرعب الشديد ، ماذا يعني وجود المسدس بجواري ؟؟ وكيف وصل إلى هناك ؟؟ ولماذا لا أتذكر ما حصل لي بالضبط ؟؟ أمسكت رأسي وأنا أضغط عليه متمتمة برعب : ماذا يحصل يا ترى ؟؟ سمعت صوت خطوات السيد كيداي تقترب مني ، ويبدو أنه كان يركض ، وبعدها سمعته يقول بقلق : روز ما الذي حصل بالضبط ؟؟ أقام أحد بإقتحام المنزل ؟؟ قلت وأنا أحتضن جسدي : لا أعلم حقاً ، لا أتذكر شيئاً ، كل ما هنالك أنني حين استيقظت وجدت المسدس بجواري وحين أردت إعادته إلى غرفتي وجدتهما مقتولان ، وحينما قررت الهرب اصطدمت بك .. نظر إلي السيد كيداي متفاجئاً ، وجلس على الأرض كما أفعل وقال ببطء : أقلت للتو أنك وجدت المسدس بجوارك ؟؟ أخرجت المسدس الذي كنت أخبأه بنبرة مرتعشة : أنا لم أخرج المسدس من غرفتي ، لكن لا أعلم ما الذي أتى به إلى المجلس .. صار السيد كيداي ينظر إلي بخوف ، حتى أنني ارتعبت من نظرته ، قلت بصراخ : لماذا تحدق فيني هكذا ؟؟ نطق السيد كيداي بغموض وحذر : هل تعلمين كيف قُتلا ؟؟
- لا لا أعلم فأنا لم إقترب منهما ..
- لقد قُتلا بطلق ناري أصابهما في مناطق عدة من جسديهما .. ماذا يعني هذا ؟؟ المسدس كان بجواري وأخي وأمي قُتلا بطلق ناري ، أهذا يعني أنني .... انتشلني صوت السيد كيداي من أفكاري وهو يقول : روز اروي لي كل ما حصل لك دون أن تهملي إي جزء .. أخذت أسرد له ماحصل لي منذ عودتي حتى هذه اللحظة ، ولم أهمل أدق التفاصيل ، وحين انتهيت لم ينطق السيد كيداي بكلمة ، ويبدو عليه أنه غارق في أفكاره .. لكن وبعد صمت قال برزانة : تعالي وأريني ماشربته .. وقفت معه متوجهين للمطبخ ، وأنا لا أعلم لماذا سألني هذا السؤال ، دخلنا معاً فإذا بي أبحث في سلة المهملات عن علبة المشروب الغازي الذي شربته ، لكنني لم أجدها ، كل ما وجدته هو علبة نبيذ .. سأل السيد كيداي : روز أين المشروب الذي شربته ؟؟ قلت وأنا أمسك رأسي : لا أعلم حقاً ، أنا متأكدة من أنني أنهيت الشراب وألقيته في القمامة ، لكني لا أجد العلبة .. قال حينها السيد كيداي : روز ربما لم يكن مشروباً غازياً ، ربما كان نبيذاً .. إلتفت إليه بصدمة وأنا أقول : نبيذ !! مستحيل أنا لازلت تحت السن القانوني .. رد علي وهو يقترب مني : ربما اختلط اللأمر عليك ، وشربت الكحول وأصبحت ثملة لا تعي ما تفعلينه ، وبعدها ....... صمت السيد كيداي دون أن يكمل ، لكنني فهمت ماكان يهدف إلى قوله ، فأنا الأخرى أشك في هذا .. أمسكت رأسي بين ذراعاي وأخذت أتمتم : إذاً أنا التي قتلتهما بيدي ، ماذا سأفعل الآن ؟؟ سأوضع في السجن .. لم تعد قدماي تقويان على حملي ، لذا انهرت على الأرض بضعف ، ودموعي أخذت بالجريان مجدداً .. اقترب مني السيد كيداي ووضع يديه على كتفاي قائلاً : اسمعيني يا روز أنا لن ادع الشرطة تقبض عليك سأحاول أن أجد طريقة لتنجي .. قلت بيأس ودموعي تنهمر بغزارة : وماذا ستفعل ؟؟ ليس هناك حل أبداً ، أنا قتلتهما بلا شك ، والشرطة ستكتشف ذلك .. قال السيد كيداي بصرامة : روز امسحي دموعك فلا جدوى من البكاء ، يجب أن نفكر في حل لا أن نبكي خوفاً .. ثم صمت قليلاً وهو يفكر في حل ما ليقول حينها بسرعة : وجدتها ، لتهربي يا روز وتختبئي في مكان لا تصل الشرطة إليه ، هيا تحركي لا تبقي ساكنة في مكانك .. قلت وشفتاي ترتعشان : أهرب !! هل أنت جاد ؟؟
- لا حل آخر يا روز ، لا تقلقي فأنا لن أتركك بعد هروبك سأكون معك دائماً .. قلت بإنفعال : وإلى أين يمكن أن أهرب ؟؟ ليس هناك مكان يمكن أن أختبئ فيه .. قال السيد كيداي : أليس لديك أصدقاء تختبئين في منازلهم ؟؟ قفز حينها إلى ذهني صورة سوبارو ، لأصيح بسرعة : سوبارو نعم أستطيع الإختباء في منزل سوبارو .. السيد كيداي : جيد إذاً إذهبي إليه حالاً ، لأُعلم الشرطة بشأن الجثتين ، وسأتظاهر بأني لم أرك إتفقنا ؟؟
- نعم اتفقنا .. طلب مني السيد كيداي جمع أغراضي المهمة في حقيبة كبيرة ، فربما لن يمكنني العودة إلى المنزل مجدداً ، أخذت معي بعض الملابس والمستلزمات المهمة ، وطلب مني أخذ المسدس معي بما أن فيها بصمات أصابعي ، وبعدها خرجت من المنزل مسرعة متوجهة إلى منزل سوبارو .. وصلت إلى منزله وأخذت أطرق الباب بقوة وأنا أتنفس بصعوبة ، فتح سوبارو لي الباب لأدخل بسرعة وأقفل الباب خلفي .. أخذت ألتقط أنفاسي في حين سمعت سوبارو يقول لي بقلق : روز ما بك ؟؟ لم أرد عليه وأنا لازلت ألهث بتعب ، وقلبي لم يتوقف عن الخفقان بقوة بسبب ما حصل .. جلست على الأرض بتعب ، في حين أعاد سوبارو سؤاله ، وبعد أن رأى حقيبتي الكبيرة قال بشك : روز هل هربت من منزلك أم ماذا ؟؟ أقام أخوك القزم بفعل شيء لك ؟؟ قلت بصوت مرتعش : لقد قتلت أمي وأخي .. قال سوبارو بإستغراب : ماذا ؟؟ قلت بإنفعال وقد عدت إلى البكاء وأنا أحرك يدي بعشوائية : أنا في مصيبة كبيرة ، لقد قتلت أمي وأخي ، لا أعلم كيف لكنني من قتلتهما بالمسدس الذي بحوزتي ، سيلقون القبض علي إذا وجدوني ، يجب أن تخبأني يا سوبارو ، حياتي شبابي مستقبلي كل هذا سيضيع إذا وجدوني ، أرجوك لا تدع رجال الشرطة يلقون القبض علي .. أمسك سوبارو بيدي التي تتحرك في الهواء ، وقال بهدوء : تعالي معي أولاً .. أخذني إلى الداخل وقدم لي كأس ماء ، وظل صامتاً حتى هدأت ، وتحدث بعدها أخيراً : والآن إحكي لي ما حصل معك ، ولماذا أتيت إلي في هذا الوقت المتأخر ؟؟ أخذت أروي له كل ما حدث وكيف أن السيد كيداي قام بمساعدتي ، وهو من أشار علي بالهرب وحين انتهيت قال سوبارو : قلتي أنك حملت المسدس معك ، أين هو الآن ؟؟
- إنه في حقيبتي .. أمسك سوبارو بالحقيبة ليبحث فيها ، لكنني سحبت الحقيبة منه وقلت بإحراج : أيها الأحمق لا تفتش حقائب الفتيات .. حك سوبارو شعره الأشقر وهو يقول : أوه آسف .. للتو انتبهت إلى أنه لا يرتدي قبعة على رأسه ، ولأول مرة ألاحظ لون شعره، قلت مندهشة : سوبارو إنها المرة الأولى التي أراك فيها بلا قبعة .. وضع سوبارو يده على رأسه ، ويبدو أنه أدرك هو الآخر أنه لا يرتدي قبعة على رأسه ، قام بسحب قبعة ملقاة على الأرض وارتداها .. ثم قال وهو يسعل : أحم لازلت أنتظر المسدس يا روز .. بحثت في حقيبتي وعندما وجدتها أخرجتها له ، وقلت : هذا هو .. امسك سوبارو المسدس بقطعة قماش ، وأخذ يتأملها ليقول بعد ثواني : إنه حقيقي .. قلت بغيظ : نعم هو كذلك ، ثم إذا لم يكن حقيقياً ماكنت لأقتل أمي وماركو به .. حدق سوبارو في وجهي وهو يقول : من أين أتيت به ؟؟
- إنها قصة طويلة ، كنت ذات يوم ....... سردت قصة المسدس كاملاً لكنني لم أُفصح عن سبب بقائي في تلك الزقاقة في وقت متأخر .. سألني سوبارو : هل أنت واثقة من أن ماشربته كان مشروباً كحولياً ؟؟ قلت بهدوء : في الواقع أنا لا أتذكر أنه كان نبيذاً ، أنا واثقة من أنه كان مشروباً غازياً ، لكن عندما بحثت مع السيد كيداي لم أجد سوى علبة نبيذ ..
-لماذا لا تتذكرين ما حصل لك بعد شربك للمشروب ؟؟
- لا أعلم حقاً ، لكن ربما يكون تفسير السيد كيداي صحيحاً ..
- وبماذا فسر نسيانك ؟؟ ـ لقد قال أن سبب نسياني هو أنني لم أعد بوعيي ، لذا قمت بما قمت به .. ثم أردفت بإنفعال : أقسم أنني لم أتعمد شرب النبيذ ، ولم تكن لدي نية في قتل أمي وأخي حتى لو كانا سبب تعاستي ، لكنني لم أكن لأقدم على عمل إجرامي كهذا صدقني يا سوبارو .. قال سوبارو : أنا أصدقك يا روز لذا إهدئي .. قلت بحزن : أنت صدقتني لأنني صديقتك ، أما الشرطة فلن تصدق ..
- سأعمل جاهداً لإثبات براءتك لكن عليك ألا تفكري بالأمر كثيراً ..
- هذا ماقاله السيد كيداي كذلك ، لكن كيف ستفعلان ذلك ؟؟ أجاب سوبارو : دعي التفكير لي ، أما الآن فأخبريني عن رأيك بالسيد كيداي ؟؟ قلت وأنا أفكر فيه : في البداية لم أشعر بالراحة لوجوده ، ولم يعجبني فكرة زواجه من أمي ، لكن في النهاية اتضح لي أنه شخص طيب جداً ، وهو صديق مقرب لوالدي ، ثم أنه ساعدني كثيراً اليوم ..
- هكذا إذاً .. لم أفهم لماذا سألني عن السيد كيداي ، و أرغب في سؤاله حقاً، لكنني واثقة من أنه سيتجاهلني ، لذا وحفظاً لكرامتي سأبقى صامتة .. قال سوبارو : إسمعيني لا يجب أن نبقى هنا فأنا متأكد من أن الشرطة ستبحث عنك إذا ما علموا بموت عائلتك ، وربما سيبحثون عنك في منزلي بما أن الجميع يعلم أننا صديقين.. قلت وقد تسلل الخوف إلى قلبي من جديد : وماذا أفعل الآن ؟؟ إلى أين أذهب ؟؟ وقف سوبارو وقال : احملي أغراضك سنغادر الآن ، فالشرطة لن ينتظروا بزوغ الفجر للبحث عنك ، ربما سيبدؤون البحث مباشرة بعد اكتشاف الجثتين ..
- وماذا تقترح علي عمله ؟؟ وقف من مكانه قائلاً : تعالي معي سأصطحبك إلى مكان آمن .. وقفت من مكاني وأنا أحمل حقيبتي الثقيلة ، وخرجنا من المنزل بعد أن ارتدى سوبارو معطفه الطويل ، أخذنا نسير في الشوارع المظلمة ، ويبدو أن سوبارو يتعمد السير في الزقاقات والأماكن التي يندر فيها وجود الناس .. نظرت إلى الساعة الملتفة حول معصمي ، إنها تشير إلى العاشرة والنصف ، يا إلهي لقد تعبت كثيراً على الرغم من أنني لم أسر سوى ربع ساعة .. قلت وأنا أتوقف في مكاني : سوبارو لنسترح قليلاً أرجوك ، لقد تعبت .. قال سوبارو وهو يعود أدراجه بإتجاهي : بقي القليل فقط وسنستقل بعدها سيارة ، تحملي قليلاً .. قلت بغيظ : أنت لا تشعر بما أشعر به لذا تطلب مني هذا ، لا تنسى أنني أتيت إلى منزلك ركضاً ، وها أنا الآن أعاود السير لقد تعبت حقاً .. رد سوبارو ساخراً : أنت لا تمتلكين لياقة بدنية أبداً .. قلت وأنا أمد الحقيبة إليه : بدلاً من السخرية احمل هذه الحقيبة عني يا عديم النفع .. أمسك بالحقيبة وقال : سأحمله عنك لكن يجب أن نتابع يا روز .. تأففت بضيق قائلة : حسناً حسناً .. ***
~ آلبرت ~ هاقد عاود المزعج بالقدوم ، ما الذي أتى به ثانية ؟؟ ألا يفهم أنني لا أريد رؤيته أمامي ؟؟ ومهما حاول أو فعل فأنا لن أسامحه مطلقاً ؟؟ قال ياماتو الجالس في الكرسي المجاور لي : هيا يا آلبرت قل شيئاً ، لا تبقى صامتاً وأخبرني عن رأيك في مرافقتي لك لرحلة العلاج .. صوته بدأ يصيبني بالصداع ، لم يتوقف عن الثرثرة مذ أن أتى إلى هنا ، أيظن أنني سأسامحه بمجرد أن يتكفل والده بتكاليف العلاج ؟؟ أيمزح معي أم ماذا ؟؟ نطقت أخيراً بعد صمت طويل : أنا لن أغادر اليابان أبداً .. قطب حاجبيه بإستغراب قائلاً : ماذا تعني ؟؟
- أعني أنني لن أسافر لرحلة العلاج تلك .. نظر إلي ياماتو متفاجئاً ، وردة فعله كانت متوقعة جداً ، في النهاية ياماتو كتاب مفتوح ، تستطيع فهمه من دون أن يتفوه بكلمة .. قاطعنا صوت تلك الفتاة المزعجة شريكتي في الغرفة : أأنت أحمق أم ماذا أيها الشاب ؟؟ ألست غاضباً من سيدك لأنه تسبب في شللك ؟؟ والآن والده يرتب لسفرك إلى أمريكا لتتلقى العلاج وأنت ترفض ذلك بكل بساطة ؟؟ إلتفت إليها وأنا إنظر إليها بإستحقار ، بينما أردفت مخاطبة ياماتو : أنت هناك ما اسمك ؟؟ قال ياماتو بإرتباك : ياماتو .. قالت وهي تشير إليه : ياماتو عليك أن تتجاهل هذا الأحمق ، فأمثاله لا يجدي معهم إلا هذا الأسلوب .. قلت ياماتو وهو يحك رأسه بحيرة : حسناً لكن من أنت ؟؟ قالت وهي تعدل من وضعية جلوسها : آسفة نسيت أن أعرفك بنفسي ، أنا شينا يوشي ، أبلغ من العمر 22 سنة ، عزباء ولست مرتبطة .. قلت ساخراً : لا نريد سماع تفاصيل مملة عنك ، إلتزمي الصمت وابقي نائمة على سريرك .. ردت وهي تمد طرف لسانها إلى الخارج : لم أتحدث معك يا صاحب القلب الجليدي ، أنا أتحدث مع سيدك .. قال ياماتو بتواضع مستفز : أنا لست سيده ، أنا وهو صديقان .. قالت بلا مبالاة : لا يهم إن كانت العلاقة بينهكما علاقة سيد وخادم ، أو صداقة المهم هو أنك يا ياماتو يجب ألا تبالغ في الأمر ، ولا تُحمل نفسك ذنب إصابته ، في النهاية هو يستحق ما حصل له .. قلت وأنا أرفع حاجبي بإستغراب : وعلى أي أساس حكمتي علي بإستحقاق الشلل ؟؟ من يراك يظن أنك تعرفينني .. قالت وهي تضم ساعديها إلى صدرها قائلة : صحيح أننا لم نتقابل إلا قريبا ، لكن رؤية ياماتو يعتذر منك وينحني لطلب العفو يدل على نبالة أخلاقه ، ورفضك مسامحته يدل على مدى سواد قلبك .. تدخل ياماتو قائلاً باندفاع : آلبرت ليس كما تقولين يا آنسة ، هو لطيف وطيب القلب حتى لو أظهر عكس ذلك ، لذا لا تحكمي عليه ظلماً .. ضحكت الفتاة ضحكة قصيرة ساخرة وقالت : أنت هو اللطيف هنا لا هو ، ولذا تراه بهذه الصفات الحسنة ، لكن الواقع شيء آخر تماماً .. قلت ببرود : ألا تظنين أنك تثرثرين كثيراً مقارنة بفتاة مريضة ؟؟ قالت بسخط : وما شأنك أنت ؟؟ أأنت من سيتعب من كثرة الثرثرة أم ماذا ؟؟
-لست أنا من سيتعب لكن أذناي سترهقان من سماع صوتك الحاد ، يبدو أنني سأطلب من الممرضة أن تغير غرفتي ..
-أنت بهذا ستكون قد أسديت لي خدمة ، فرؤية وجهك تصيبني بالغثيان .. سمعت صوت ضحكة مكتومة صدرت من ياماتو ، إلتفت إليه قائلاً بحدة : لماذا تضحك ؟؟ قال وهو يضحك بخفة : يبدو أنك انسجمت مع هذه الآنسة يا آلبرت ، فقد بدأت بالأخذ والعطاء معها بسهولة .. رمقته بنظرة غاضبة وقلت محاولاً السيطرة على نبرتي الهادئة : ألا زلت تستطيع الضحك بعد كل ما فعلته بي ؟؟ يبدو أن ندمك وأسفك لم يكن سوى كذبة .. مُحيت تلك الإبتسامة عن شفتيه ، وقال وقد انقلب وجهه : ليس الأمر وكأنني نسيت أنا ....... رفعت يدي إلى وجهه قائلاً : كفى أعذاراً واهية ، غادر المكان لو سمحت .. اقترب مني ياماتو وأمسك بيدي الموضوعة أمامه ، وقبل أن يتفوه بكلمة جذبت يدي بعيدا وقلت بنبرة عالية : قلت كُفّ عن الإعتذار وغادر حالاً ، لا أطيق سماع صوتك يا ياماتو .. ظهرت على ملامحه الوسيمة علامات الضيق والشحوب ، وأخذ ينظر إلي بإنكسار في حين أنني أبادله النظرات الحارقة .. بقينا نتبادل هذه النظرات لفترة ، وقلبي لم يعطف عليه ولو قليلاً ، ما فعله بي ليس بالأمر القليل ، ونظراته المنكسرة لن تكون سبباً في عفوي له .. أشاح هو بنظره بعد أن وصلته رسالتي ، وقال بإبتسامة صفراء : سأغادر الآن يا آلبرت لكنني سأعود في وقت لاحق ، إلى اللقاء .. غادر ياماتو الغرفة يجر وراءه أذيال الخيبة والحزن ، بينما أرحت أنا رأسي على الوسادة ، وأغمضت جفوني لإراحة عيني، لكن صوت حاد اخترق أذني عن قرب : أنت شخص قاسي حقاً ، كيف تركته يذهب وهو حزين هكذا ، ياماتو المسكين لا يستحق حقاً ما فعلته به .. فتحت عيني الأيمن بينما الأخرى مغلقة ، وكما ظننت كانت شينا المزعجة واقفة بجوار سريري ووجهها مقابل لوجهي ، لذا كان صوتها قريب مني جداً .. قلت بملل : أبعدي وجهك القبيح عني أرجوك ، رائحة أنفاسك كريهة جداً .. صدقت شينا ما قلته ، وتراجعت إلى الوراء بسرعة واضعة يدها على فمها بإحراج ، لم أستطع منع نفسي من الإبتسامة على عفويتها.. نظرت إلي بحنق حين أدركت أني كنت أتلاعب بها ، بعدها رفعت قبضتها عالياً لتوجه لي لكمة ، لكنني استطعت الإمساك بقبضتها قبل أن تصلني وقلت بإبتسامة مستفزة : هذه الأيادي الهزيلة مهمتها الترتيب والتنظيف ، وليس لتوجيه لكمة للرجال .. حاولت الإفلات مني لكني بقيت أمسك بها بقوة ، وهي تسعى جاهدة للتحرر مني لكن دون جدوى ، وحين شعرت أن محاولاتها تبوء بالفشل اتخذت طريقة أخرى للإفلات مني ، وبدأت تقوم بخمش يدي بتلك اليد الحرة .. نظرت إليها وقلت ضاحكاً : أأنت قطة أم ماذا ؟؟ قالت بتجهم : دعني أيها الغبي ، أترك يدي أنت تؤلمني ..
-أنت من أتيتِ إلي بقدميك وحاولت مد يدك الهزيل هذا علي ، لذا يجب أن تتحلمي غبائك .. رمقتني بنظرة ثاقبة وبعدها انحنت قليلاً لأشعر بلحمي يكاد أن ينتزع من مكانه ، ضربت رأسها بقوة لتبتعد عني وهي تبتسم بإنتصار .. مسحت فمها بذراعها قائلة بإبتسامة ماكرة : تستحق ذلك ، أنت من جلبت هذا لنفسك .. نظرت إلى يدي التي طُبعت فيه آثر أسنانها وازرق لونه لأنطق بغيظ : أيته المتوحشة انظري ماذا فعلتي بيدي ، لن يزول آثاره بسهولة .. قالت وهي تخطو نحو سريرها : هذا لتعلم أنني لست بعادية ، ولا تجرؤ على مواجهتي ثانيةً .. كلما قلت لها كلمة ردت علي بعشرة ، فعلاً كم هي نزقة ومزعجة ، لابد من أن أتجاهلها .. هذا ما أخذت أردده في نفسي ، ومهما وصل بي الغضب لابد من أن أظل هادئاً .. لكن المزعجة لم تدعني وشأني وظلت تحاول إستفزازي ، وبقيت تسخر مني دون توقف ، تصرفاتها كالأطفال تماماً ، ولا يبدو كتصرفات البالغين أبداً ، لابد أن هناك خللاً في دماغها .. وبما أنني العاقل هنا لن أبالي بما تقوله ، وسأعتبرها مجرد مريضة نفسية ، وهذه هي الطريقة المُثلى للتعامل معها .. الشيء الذي يرهق تفكيري ليست قدمي المشلولة ، ولكن أمي المسكينة وفيفي الصغيرة ، هما أكثر من أحمل همهما .. حتى الآن أمي لا تعلم بما حصل لي ، فأنا لا أذهب إليها إلا في يوم الأحد والذي هو يوم عطلتي ، ولا أعلم حقاً كيف سيكون ردة فعلها حين تراني هكذا .. شللي سيؤثر على عملي ،ولا أظن أن السيد كودو سيسمح لي بالعمل وأنا بهذه الحالة المزرية ، إذاً لابد وأنه سيطردني .. وليس من السهل العثور على عمل يُسهل التعامل معها بهذين القدمين العاجزتين .. تذكرت الحوار الذي دار بيني وبين والد ياماتو عصر هذا اليوم ..
(( أنهيت التحاليل وأعادني الطبيب إلى السرير ، وبينما كنت مستلقياً في مكاني سمعت صوت طرقات باب الغرفة قليلاً ، ومن ثم فُتح الباب ليظهر من ورائها والد ياماتو .. لأكون صريحاً لقد تفاجأت من وجوده جداً ، فأنا لم أظنه سيأتي لزيارتي في المشفى .. لم يكن بإمكاني الوقوف إحتراماً له ، كل ما استطعت قيامه هو الإعتدال في جلوسي .. قلت بهدوء : أعذرني يا سيدي فأنا لا يمكنني الوقوف على قدماي لأرحب بك كما تعلم .. جلس السيد كودو على الكرسي المجاور لسريري وقال : لا بأس يا آلبرت ، أتيت فقط للإطمئنان عليك لا غير .. قلت ببرود : إنه للطف منك يا سيدي زيارتي .. شبك السيد كودو أصابعه ببعضها ، ووضع ذقنه عليها وقال وهو يرمقني بنظرة ثاقبة : هناك خادمة شهدت على كل ما دار بينكما ، وأطلعتني على أدق التفاصيل ، وأخبرتني أن إبني ياماتو هو من دفعك لتسقط أرضاً ، هل هذا صحيح ؟؟ اكتفيت بأن أومئ برأسي بإيجابية ليكمل السيد كودو : لكن وقبل أن يدفعك دار بينكما جدال بسيط فهو يريد منك أن تدعه وشأنه ليغادر المنزل ، لكنك رفضت ذلك لأنني أمرتك بمراقبة ياماتو وملازمته ، لكنك قلت له بعض الكلمات التي استفزته والتي كانت السبب الرئيسي لما أنت عليه الآن ، ما رأيك ؟؟ قلت بإحترام مرغماً : لن أنكر حرفاً مما قلته ، وأنا أقر بخطإي أمامك ، لذا أرجو المعذرة ..
- أنا لم آتي إلى هنا لمحاسبتك فحسب ، وبما أن إبني السبب فيما أنت فيه الآن فأنا سأتكفل بعلاجك .. قلت بإستغراب : وهل هناك علاج لحالتي ؟؟ رد السيد كودو : سأكون صريحاً معك ، لقد تحدثت مع الطبيب حول إمكانية علاجك ، وأخبرني أن هناك أمل في أن تعود إلى ما كنت عليه سابقاً ، وأن هناك طبيب بارع في الجراحة يستطيع الإشراف على عمليتك ..
-وأين ستكون العملية ؟؟
-لن يكون العلاج هنا في اليابان وإنما في أمريكا .. صمت أفكر في الموضوع قليلاً ، لأسمعه يكمل بنبرة غريبة : لكن يا آلبرت لن أخفي عليك شيئاً فهناك شيء مهم يجب أن تعلمه .. تسلل الخوف إلى قلبي ، وانكمش وجهي ليقول السيد كودو بحذر وبطئ وهو يراقب تعاليم وجهي : نسبة نجاح العملية لا تتعدى الأربعين بالمائة .. ٤٠٪ !!! هذا جنون حقاً ، كلامه هذا يعني أنه لا أمل لي بالسير ثانيةً ، شددت على غطاء السرير وأنا أتمتم بهدوء مصطنع محاولاً إخفاء البراكين التي في داخلي: ألم تقل أن من سيجري لي العملية جراح ماهر ؟؟ كيف تكون هذه النسبة الضئيلة هي نسبة نجاح العملية ؟؟ نطق السيد كازوما : لو أجرى لك جراح آخر العملية لكانت نسبة النجاح لا تتعدى الواحد بالمئة ، لذا كن متفائلاً قليلاً .. أملت زاوية فمي قليلاً ، النسبة لم تصل إلى النصف بعد ، من الغباء أن أكون متفائلاً وهذه نسبة ضئيلة جداً .. )) الشيء المغضب أكثر أن ياماتو المغفل يبدو متحمساً جداً لرحلة العلاج هذه ، وأنا واثق أنه لم يعلم أن نسبة نجاح العملية منخفضة كثيراً ، لو كان يعلم لم يكن بهذا الحماس .. ***
~ راي ~ صخرة عملاقة وقعت على رأسي هذا ما أشعر به الآن ، لم يستطع قدماي التحمل أكثر لذا هويت على الأرض ليلتقطني يد الطبيب الذي قال بقلق : يا آنسة هل أنت بخير ؟؟ ماهذا السؤال الغبي ؟؟ كيف أكون بخير وأخي في غيبوبة لا أحد يعلم متى سيفيق منها ، والأدهى من ذلك أنه ترك أمر الرهينتين بين يدي ، وألقى بالإنتقام على كاهلي .. أنا لست بارعة في التخطيط والقيادة ولا حتى التصرف وقت الأزمات ، فماذا يمكنني أن أفعل بعد ساي ؟؟ أي مصيبة هذه ؟؟ أي كارثة أمر بها الآن ؟؟ أأُكمل الطريق الذي سار عليه ساي وأستمر في رحلة الإنتقام هذه ؟؟ أم أكتفي بقتل الرهينتين فقط ؟؟
- سيدتي.. أسف على ما حصل مع السيد ساي .. هذا الصوت ذو النبرة المترددة انتشلني من دوامة الحيرة ، وحين وقع بصري على المتحدث لم أستطع تمالك نفسي .. صرخت في وجهه المغطى بالجروح والكدمات : يا عديم النفع لماذا لم تصب بأذىً بالغ بينما أخي في غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت ؟؟ أنا متأكدة من أنك تسببت في الحادث متعمداً .. قال السائق البالغ من العمر الخمسين ، وهو يتراجع إلى الوراء بخوف : لا يا سيدتي أنا لم أتعمد فعلها صدقيني .. لم أكن لأصدق ما يقوله ، لذا اقتربت منه والغضب قد أعماني ، بسببه أنا في ورطة كبيرة ، ففقدان ساي العقل المدبر يعني هلاكي .. قلت وأنا لازلت أخطو بخطواتي الطويلة نحوه : أنت كاذب ، لن أدعك حياً ، سأحجز لك سريراً بجوار أخي أيها الخائن .. أوقفتني يدين ضخمتين وأتبعه صوت غليظ يقول : ما قاله السائق صحيح ، فالحادثة ليست متعمدة ، والخطأ لم يكن منه ، بل من سائق الشاحنة الأخرى .. إلتفت إلى الرجل الذي يرتدي بدلة عسكرية وقلت بغضب : وأين هو الآن ؟؟ لن أسامحه على ما فعله بأخي أبداً ، كيف يقود بتهور هكذا دون الحفاظ على أرواح الآخرين ؟؟ حياة الإنسان مهمة ، وهو كاد أن يزهق روح أخي بسبب إهماله .. قال الشرطي محاولاً تهدئتي : أيتها الآنسة سائق الشاحنة لم يكن متعمداً ولا مهملاً ، كل ما هنالك أنه قد أُصيب بالألم في رأسه فجأة وفقد السيطرة على الشاحنة وحصل بعدها ما حصل ، وبعد التحاليل اكتشفنا أن السائق مصاب بورم في رأسه وهذا ما سبب الألم .. قلت وأنا أدفع يده الممسكة بي : هذا ليس عذراً أبداً ، لماذا ساي الوحيد الذي أصيب إصابة بالغة بينما سائقنا وسائق الشاحنة قد خرجا من الحادث بإصابات طفيفة ؟؟ لا بد أنهما متآمران عليه .. اقترب السائق مني قائلاً : الأمر ليس كذلك يا سيدتي ، لا تشكي فيّ أرجوك أنا عملت لديكم عدة سنوات ولم أفكر يوماً في التآمر عليكما .. قلت بحدة : ولماذا لم تصب بأذى ؟؟
-الشاحنة قد اصطدمت بنا في الجهة التي كان السيد ساي جالساً فيها .. قلت بسخرية مريرة : إذاً أنت تلقي باللوم على الحظ السيء ؟؟ أنت تحاول أن تنجو بنفسك أنا واثقة من هذا .. أفزعني صوت الشرطي الذي قال بنبرة صارمة : كفي عن توجيه الإتهامات الباطلة إلى رجل بريء ، أقدر أنك حزينة على أخاك ، لكن إلقاء اللوم على الآخرين أمر سيء يا آنسة راي .. في هذه اللحظة أتاني صوت كودو الذي أتى لتوه وقال : هل أنت بخير يا راي ؟؟ نظرت إليه بحزن قائلة : أخي في غيبوبة ولا أعلم متى يستفيق كيف تريدني أن أكون بخير ؟؟ قال كودو وهو يوجه خطابه للطبيب : أليس هناك أي طريقة لعلاجه ؟؟ قال الطبيب بإحترام : لا يا سيد كودو ، لقد بذلنا جهدنا لمساعدة المريض وهذا آخر ما يمكننا فعله .. طأطأت رأسي بحيرة ، ماذا أفعل الآن ؟؟ يجب أن أحل مكان أخي وأمسك بزمام الأمور و أرى ما إذا سارت الخطة التي رسمناها قد سارت جيداً ، وسأبدأ بجمع الأعضاء حالاً وبسرعة .. نظرت إلى كودو وقلت : عزيزي أنا مغادرة الآن إلى منزل أخي ، لدي شيء مهم يجب أن أقوم به ، ربما سأتأخر في العودة لا تنتظرني ..
-أأرافقك يا راي ؟؟ أجبت بسرعة : لا لاأريدك أن ترافقني .. وحين أحسست أنني كنت فظة قليلاً ، تداركت الأمر قائلة بنبرة تصنعت الحزن فيها : أحتاج أن أكون لوحدي لفترة .. أومأ كودو رأسه بتفهم قائلاً : حسناً كما تريدين ، انتبهي إلى نفسك يا راي .. استدرت مغادرة المشفى ، وأخذت أمشي في ممرات المشفى للوصول إلى المخرج ، لكنني لاحظت أن السائق يلاحقني ، إلتفت إليه متسائلة : ماذا تريد مني لتلاحقني ؟؟ أخذ ينظر يميناً وشمالاً بتوتر ، وبعد أن تأكد من أن لا أحد حولنا قال هامساً : هناك شيء مهم أخبركِ به يا سيدة راي ..
-وما هو ؟؟
-لقد كان السيد ساي غاضب جداً وهو لم يكف عن التفوه بكلمة خائن طوال الوقت .. قطبت حاجباي بإنزعاج قائلة : ومن كان يقصد بالخائن ؟؟ أجاب السائق : لا أعلم حقاً من يقصد بكلامه ، لكنه كان يقول بأن الخائن قد يتسبب في إلقاء القبض عليه ، وأنه يعلم بجرائمه كلها وشيء من هذا القبيل ، لكنه لم يتفوه بإسمه بشكل صريح .. ها هو ذا مصيبة أخرى تثقل كاهلي ، أمن المعقول أن شخصاً من الذين يعملون مع ساي يخطط لخيانتنا ؟؟ ماذا سأفعل الآن ؟؟ أنا واثقة من أن الخائن سيستغل غياب أخي ويلقي القبض علينا ، لابد أن أتصرف بسرعة .. خرجت من المشفى وتوجهت نحو سيارتي الحمراء ، وأرسلت إلى أتباع أخي رسالة جماعية طلبت فيها منهم القدوم إلى منزل ساي لنقاش أمر هام ، والغائب سيُعامل معاملة الخائن ..
***
~ كازوما ~ بينما أقوم بمراجعة الأسئلة على حاسوبي المحمول ، لتكون غداً جاهزة ومكتملة ، لمحت هاتفي الموضوع على المنضدة يهتز معلناً عن وصول رسالة إلى الهاتف .. أمسكت بالهاتف لينتابني شعور بالدهشة والإستغراب ، فقد كانت راي هي المرسلة ، إنها المرة الأولى التي ترسل فيها رسالة إلي .. فتحت الرسالة وعيوني تلتهم أحرفها بفضول ، وعند انتهائي وقفت بسرعة تاركا كل شيء ورائي وغادرت المنزل بسرعة ، متوجهاً نحو منزل ساي .. كنت أقود السيارة بسرعة جنونية ، ربما سيتسنى لي رؤيتهما ، فقد اشتقت إليهما كثيراً ، ولو كان هناك تعبير أقوى من الإشتياق لكان هذا هو التعبير الأصح لما أشعر به الآن .. وصلت إلى المنزل لأجد عدة سيارات أخرى مرصوصة في المواقف ، غادرت السيارة متوجهاً نحو فيلا ساي ، وحين فتحت الباب وجدت الجميع واقفين بملل في الصالة الرئيسية الكبيرة .. لم أبالي بأحد وعيوني تبحث عن شخص ما ، الشخص الذي يجب أن يكون هو من يرافق أبنائي ، وحين وقع عيني على الرجل ذو الشعر البني رحت إليه مسرعاً ، وأنا أقول بلهفة واضحة : أين هما الآن يا يوما ؟؟ قال بإستغراب : أتقصد ساي وراي ؟؟ لا أعلم حقاً .. قلت بغضب : لا أيها الأحمق أعني كيم وكين .. تكلم بملل : إنهما في المنزل الآن يغطان في نوم عميق ، لا تنسى أن موعد نومهما كان قبل ثلاث ساعات .. رفعت معصمي لأرى الساعة السوداء التي أرتديها قد أشارت عقاربها نحو الساعة الثانية عشرة تماماً ، شعرت بالإحباط كثيراً لهذا ، ماكان يجب أن أشعر بالحماسة هكذا أبداً .. أخذت عيناي تجوبان أرجاء المنزل بملل ، إنه منزل كبير حقاً ، والقطع الفاخرة واللوحات الثمينة تزين المكان كله بطريقة راقية ، والثريا الضخمة التي أعلانا وبأضوائها الخافتة تزيد من جمال المكان .. ساي اللعين ماكان ليصل إلى مثل هذا الثراء الفاحش إلا بعد أن بدأ سلسلته الإجرامية التي يسميها عدالة .. لم أعد إطيق البقاء مع ساي ولا أخته المزعجة بعد الآن ، أريد أن أتخلص منهما تماماً ، وأعيش بسلام كما كنت في السابق .. قلبي يتقطع على جوليا بعدد شعرات رأسي ، لكن ليس بيدي أي حيلة .. فُتح الباب الرئيسي ليدير الجميع رؤوسهم نحوه ينظرون إلى راي التي دخلت المنزل للتو ، وملامح وجهها لا يبدو كما العادة .. تقدمت نحونا وهي تقول : قد تتسائلون عن سبب تجميعي لكم في هذا الوقت المتأخر صحيح ؟؟ أومأ الجميع برؤوسهم لتقول هي : لنذهب أولاً إلى غرفة الإجتماع .. سرنا جميعاً نحو الغرفة الموجودة في الطابق الأول ، والتي كانت خاوية تماماً إلا من طاولة طويلة وكراسي موزعة على طرفيها .. اختار كل منا مكانه وجلس عليها ، في حين وقفت راي تترأس الطاولة وهي تقول : أولاً أريدكم أن تكتبوا اسم أذكى شخص هنا شرط أن لا تصوتوا لأنفسكم.. قال أحدهم بطريقة مستفزة : وماذا إذا كنت أظن أنني الأذكى هنا ، أأنا مجبر على كتابة اسم آخر ؟؟ أجابت راي بحدة : كفاك تحامقاً وقم بالتصويت الآن .. ألقيت نظرة خاطفة إلى الجميع ، لم أتعرف عليهم جيداً بعد ، لذا لن أستطيع الحكم على نسبة ذكائهم .. لكن من خلال إحتكاكي السطحي بهم أدركت من هو الأقل دهاءً ولم أتردد ثانية في كتابة اسمه .. لا أعلم في ماذا تفكر به راي ، وما مقصدها من هذا كله ؟؟ ولماذا لم يظهر أخوها ساي بعد ، هناك شيء مريب يحصل !! انتهينا جميعاً ومررنا الاوراق لتصل إليها وتنظر إلى كل ورقة وما كُتب فيها ، وبعد دقائق نطقت : سيد يوما قف أرجوك .. وقف يوما لتكمل راي : تم ترشيحك كبديل لساي ، وستكون أنت المسؤول عن كل ما يحصل من الآن فصاعداً .. علت الدهشة معالم الجميع ، فلماذا يتم تنصيب بديل لساي ؟؟ أمن المعقول أن هناك شيء حصل له ؟؟ تحدثت راي بعد أن لاحظت على وجوهنا الإستغراب : قد تتسائلون أين ساي ، وأنا لن أكذب عليكم فأنتم ستعلمون ما حل به عاجلاً أو آجلاً ، هو الآن في غرفة العناية المركزة ولا نعلم حتى الآن متى سيفيق منها .. ما تفوهت به للتو لم يبعد عنا الدهشة ، وإنما زادتنا حيرة على حيرتنا ، وأخذنا نمطرها بأسئلة متنوعة .. ضربت بقبضتها الناعمتين الطاولة ليعم السكوت لثواني وما لبث أن انكسر حين هتفت راي بحدة : لا شأن لكم بالتفاصيل الغير ضرورية ، وإن كنتم فضوليين جداً ، فانتظروا حتى الغد فما حصل لأخي سينشر في الجرائد حتماً بلا شك .. كانت محقة فيما قالته وهذا ما أسكت الجميع ، كان قلبي يرفرف سعادة عند سماعي لهذا الخبر .. ساي في غرفة العناية المركزة !! هذا أروع خبر يمكن أن أسمعه ، سيخف الضغط علي قليلاً ، وأستطيع التخطيط دون قلق من أن يكتشف ساي شيئاً ، كم هذا مريح فعلاً .. قالت راي : قبل أن تنصرفوا أخبروني هل نجحت الخطة التي رسمها أخي ؟؟ ابتسم أحدهم بمكر وهو يقول : نعم ، لقد تم تنفيذ الخطة بحذافيرها ، والأمور تسير كما خططنا له .. قطبت حاجباي متسائلاً : عن أي خطة تتحدثون عنها ؟؟ إلتفت إلي الرجل وقال بإستغراب : ألم تعلم بما حصل هذا اليوم ؟؟ تحدث يوما : ساي لم يُرد لكازوما أن يعلم بالخطة إلا بعد أن يتم تنفيذها ، ولهذا هو لا يعلم شيئاً عن الأمر .. شددت على قبضتي بتوتر ، أي مصيبة جديدة قام بها هؤلاء المجرمين ؟ ولماذا لم يطلعوني على تفاصيلها ؟؟ قلت بتجهم : الأمر لا يعجبني البتة ، لماذا أنا الوحيد الذي لا يعلم شيئاً ؟؟ ألا زالتم تشكون في إخلاصي ؟؟ سئمت من طريقة معاملتكم لي ككلب في المجموعة .. وضع الرجل القابع بجواري يده على كتفي وقال مواسياً لي : لا تبتئس فهكذا يُعامل الجدد دائماً ، وكلنا مررنا بتجربتك ذاتها ، لكن مع مرور الوقت ستزداد ثقتنا بك إذا قمت بإنجاز عظيم .. إلتفت إليه لأرى وجهه فإذا بي أراه ملفوفاً بالضمادات ، وأدركت أنه هو ذاته الذي حُرق وجهه بالزيت الحار .. أبعدت يده عن كتفي وقلت وأنا أشير بيدي بإشمئزاز : أبتعد عني لا أريد شخصاً مثلك أن يشفق علي .. احتدت نظراته كثيراً ، ويبدو أن حركتي تلك جعلت الدماء تغلي في عروقه ، وصدق حدسي حين وقف رافعاً بقبضته في الهواء في حين أنه يصرخ بحنق : أنت تريد مني أن أقتلك أليس كذلك ؟؟ لم أرتعب من نظراته إطلاقاً ، ولم ألقي بالاً لنبرته العالية ، حتى أن حركته لم تحرك فيني شعرة واحدة .. هذا كله كذب !!! أشعر أن قدماي لا تقويان على حملي ، ولو كنت واقفاً لسقطت على الأرض كورقة شجر جافة من على الشجرة في فصل الخريف ، وقبضته التي في الهواء جعلت كل شعرة من جسدي تقف .. أسعفني صوت يوما الذي قال بصرامة : أنزل قبضتك ، هذا ليس وقتاً للشجار .. شعرت بأريحية حين عاود الأصلع الجلوس في مكانه وهو يتأفف عالياً .. انتهى الإجتماع الممل وانصرفنا جميعاً ، وكل منا عاد إلى منزله ، فتحت باب المنزل بالمفتاح وحين دخلت ألقيت نظرة في المكان ، لقد أصبح المنزل خاوياً تماماً في الآونة الأخيرة ، أصوات ضحكاتهم وبكائهم وهمساتهم وكلماتهم كلها افتقدتها .. الوحدة التي أشعر به الآن أشد من الوحدة التي شعرت بها يوم وفاة زوجتي ، إنهرت على الأرض بضعف من ذكرى زوجتي .. لقد وقعت في مصيبة كبيرة ، وتورطت مع مجموعة من الأشرار والمجرمين الذين تجردوا من معاني الإنسانية والرحمة ، وكان على طفلي دفع الثمن .. على الرغم من أنني وعدت زوجتي بحماية أبنائي والإهتمام بهما إلا أنني خنت هذا الوعد ، فها أنا الآن لا أعلم عنهما شيئاً ، ولا عن مكانهما أبداً ، ما يثبت لي أنهما أحياء حتى الآن هو وعود ساي التي لا أعلم ما إذا كانت صادقة أو لا .. ما هذه الحياة البئيسة التي أعيشها الآن ؟؟
*** في صباح اليوم التالي
~ ياماتو ~ على مائدة الفطور ، كنت أتناول طعامي وكل ثانية تتوجه أنظاري نحو راي لا شعورياً ، وعدت أنظر لطبقي مجدداً .. يا إلهي أشعر بتوتر شديد ، ما يغضبني أنها هادئة تماماً كما لو أنها لم تفعل شيئاً .. أنا قلق من أن يعرف أبي بما حصل ، وحينها لا أظن أنه سيتركني حياً ، والأمر الآخر هو أنني أخشى أن تكرر فعلتها مجدداً ، حينها لا أعلم ماذا قد أفعل بها .. انتهينا جميعاً من تناول الطعام ، وحين نهضت تحدث أبي : قبل أن تذهب إلى مدرستك تعال إلى مكتبي فهناك ما أريد أن أريه إياك .. نظرت إلى راي مباشرةً ، لتبتسم لي بغموض ، أومأت برأسي ولحقته إلى مكتبه وأنا أتصبب عرقاً ، أتراه قد علم بما فعلته تلك اللعينة راي ؟؟ وإن كان الأمر كذلك لماذا يستدعيني أنا فقط ؟؟ أو ربما تكون راي قد غيرت الأحداث حيث تظهر في الحكاية كالمظلومة ، وأنا الظالم والمعتدي ، نعم هذا هو ما حصل بالتأكيد ، وإبتسامتها هو الدليل على هذا .. دخلت المكتب بعد أبي وقلبي لم يكف عن الخفقان بخوف ، وحين وصل إلى مكتبه والتفت إلي شعرت بأن قلبي يكاد أن يخرج من مكانه .. فتحت فمي لأتحدث لكن أبي كان الأسبق : انظر إلى هذا يا ياماتو .. نظرت إلى يده المدودة نحوي وفيها جريدة هذا اليوم ، أمسكت بالجريدة وقلت : وماذا تريدني أن أفعل بها ؟؟
- ألقي نظرة عليها .. لا أعلم ما يجول في خاطر أبي ، لكنني نفذت ما أمر به ، وأخذت عيناي تجولان على مواضيع هذه الصفحة ، ليلفت نظري صورة لفتاة أعرفها موضوعة بجوار خبر كان عنوانه { فتاة تقتل والدتها وأخوها وتلوذ بالفرار } لم أصدق عيناي أبداً ، لابد أنها ليست هي وإنما شبيهتها فقط ، بدأت بقراءة المقال بسرعة وحين وقع عيني على الإسم تأكدت شكوكي ، وظهرت الدهشة على ملامحي .. أتاني صوت أبي الذي قال : يبدو أنك قد وصلت إلى ما أريد قوله .. رفعت رأسي إليه وأنا أقول بنبرة مرتعشة : هذا كذب ، روز لا يمكن أن تكون قد فعلتها ..
- الأخبار لا تكذب ، والدليل بين يديك ، وإن أردت التأكد أكثر فاذهب إلى منزلها لتجد الشرطة تحقق في قضية الجثتين .. ثم أردف بسخرية : أنظر إلى الفتاة التي كنت تصاحبها أيها الأحمق ماذا فعلت .. تمتمت مكذباً : لابد أن هناك لبساً في القضية ، روز لا يمكن أن تقتل أحداً ،كما أنه ليس هناك دافع لتقتلهما .. قال أبي : يبدو أنك لم التقرأ الخبر كاملاً ، لقد كانت والدتها وأخاها يعاملانها بقسوة ووحشية ، وهذا ما أكده زوج والدتها ، وهي قتلتهما بعد أن ملت من الجحيم التي هي فيه ، وبعدها ولت هاربة ، ولو كانت بريئة كما تقول لما اختفت بعد الجريمة .. ألقيت بالجريدة أرضاً ، و صحت بإنفعال : لن أصدق ما سمعته حتى تقر روز بنفسها ، وأنا سأذهب لسؤالها وأرى ما إذا كان هذا صحيحاً أو لا .. أصدر أبي ضحكة قصيرة ساخرة وقال : لقد اختفت أيها الأحمق ولا أحد يعرف مكانها ، حتى أنهم سألوا صديقك الآخر وأجاب بأنه لا يعلم مكانها ، وحينما أرادوا التحقيق معك أخبرتهم بأنه لا شأن لك فيها ، وأنك قد قطعت علاقتك معها منذ زمن .. فهمت ماكان يقصده بالآخر ، والذي هو سوبارو ، لكن هذا غريب حقاً ، أين يمكن أن تكون قد ذهبت روز ؟؟ لابد أن أجدها مهما كلف الثمن .. لكن كيف يا ترى ؟؟ وحتى لو وجدتها كيف سأخلصها من الورطة ؟؟ الشيء الذي يضايقني كثيراً هو أنني وعلى الرغم من أنني أُعتبر كصديق لها إلا أنني لم ألاحظ أنها تعاني من أسرتها ، لم تقل يوما أن عائلتها تعاملها بقسوة ، هل كانت لا تثق بي ولهذا لم تخبرني بأمر كهذا ؟؟ آآه يا روز لماذا أخفيت أمر كهذا عني ؟؟
.. نهاية الجزء ..
|
|