الناظر الى الفضاء الكوني حولنا يدرك بالبديهة وجود طاقة تمد عالمنا الأرضي بالحرارة والضوء ، وهي طاقة شمسنا الصفراء التي تدور أرضنا حولها ... ولكن هل هذه الطاقة الشمسية هي الطاقة الوحيدة التي يحويها كوننا الشاسع ؟! .
قبل العصر الذي ظهر فيه نيوتن لم تعرف الجاذبية أو تدرك ، وبعد عصره أصبحت الجاذبية في الأجسام شيئاً هو من المسلمات الفيزيائية الطبيعية في الكون .
ومع مرور الأيام والسنين عُرف الطيف الكهرومغناطيسي ( الأشعة الكهرومغناطيسية ) الذي يحوي في سلمه الذبذبي سبعة أنواع معروفة من الأشعة هكذا بالترتيب :
أمواج الراديو ، أمواج الميكروويف ، الأشعة تحت الحمراء ، الأشعة المرئية ( بألوانها السبعة التي تظهر مجتمعة في منشور زجاجي ) ، الأشعة فوق البنفسجية ، أشعة إكس ، أشعة جاما .
وبواسطة هذه الأشعة - التي فيها مانرى بالعين المجردة وفيها مالانرى بها – سبر العلماء أغوار هذا الكون ليروا أجرام السماء بصور أخرى ! ، رأوا فيها أموراً غريبة وعجيبة تحدث حول النجوم والكواكب والأقمار والمذنبات والشهب ؛ مايجعل المتأمل يرى أن الكون مازال يحوي أنواعاً مجهولة من الطاقة .
الكثير من علماء الفضــاء يروا وجود عدة أنواع من الطاقة في هذا الكون ، ومن خلال إرهاصات معرفة طاقات الكون برز مفهومان جديدان في الساحة العلمية الكونية هما :
المادة المظلمة
و الطاقة المظلمة :
مسمى
المادة أو
الطاقة المظلمة (فيما بين المادة والطاقة) فيه شيء من الخلط واللبس ، إذا تأتي المادة هذه هنا بمعنى الطاقة وبالعكس ، لذا فإن أقرب تصور لهما هو أنهما شيء واحد بوجهين ، أي أنهما مادة مدمجة مع طاقتها ؛ وإن كانت المادة المظلمة الكونية لاتـُعرف فيزيائياً على أساس وجود ذرات لها بروتونات ونيترونات وإليكترونات ؛ بل تُعرف كونياً على أنها :
( مادة أو طاقة ) كونية غامضة مجهولة تحيط بنا في جميع أنحاء الكون المعلوم والمجهول .
وإحدى الطرق التي إستدلوا على وجودها هو ضوء النجوم المتفجرة البعيدة جداً ( المستعرات العظمى – السوبر نوفا ) التي في المجرات ، التي تدل بصورة ما على أن هنالك قوة غامضة تمدد الكون وتوسعه وتبعد أطرافه الى حدود قصوى مجهولة ، أي بمعنى آخر أن موضوع التمدد الكوني هو وراء هذه القضية ، على معنى :
أن هنالك طاقة كونية جذبية عكسية كبرى وظيفتها هي دفع و إبعاد المجرات عن بعضها البعض ؛ بعكس القانون الجذبي المعتاد بين النجوم ومادونها من أجرام سمائية الذي يجذب الكواكب الى نجومها والأقمار الى كواكبها ! .
تأملوا معي : إذا كانت جاذبيات الأجرام السمائية هي المسؤولة ظاهرياً عن تقاربها في مدى معين كالمجموعات الشمسية والتجمعات النجمية !! ، تـُرى فما هي إذن القوة الطاردة التي تدفع أجرام الكون ومجراته إلى التباعد بهذا الشكل ؟؟ ، قال جلت حكمته : (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )) .. هذا هو التوسع الكوني في أجرامه الكبرى : المجرات المتباعدة .
وليس لنا إلا أن نتعجب ؛ فرغم تباعد المجرات نفسها فمكوناتها من الشموس والكواكب والأقمار لاتفترق فيما بينها في محيط المجرة !! ، كيف ؟ , الله أعلم .
فهذه القوة الغامضة المركزية الكونية تدفع مليارات المجرات وتريليونات النجوم عن بعضها البعض لتتفرق وتبتعد عن بعضها بسرعات هائلة تقترب من ربع سرعة الضوء !!! ( على أساس أن مجرتنا درب التبانة تسير – أو تطير – في فضاء الكون بالنسبة لغيرها من المجرات بسرعة 232 مليون كيلو متر تقريباً في الساعة ! ) ، تصوروا :
شيء هائل ضخم في حجم وكتلة مجرة كونية يطير ويُدفع بهذه السرعة والقوة الخرافية في محيط الكون اللامحدود !!! - أمر مهول مقدار هذه القوة الرهيبة !! -
.
.
( وماذا بعد ) :
ستعرف أن مسمى المادة المظلمة يتحول بسلاسة الى مسمى الطاقة المظلمة ليتحول مسمى الطاقة المظلمة بدوره الى مسمى آخر هو الثابت الكوني ! .
وستعرف أن كلمة ( مظلمة ) يعني هنا الشيء اللامعروف الذي يشبه ظلام اللامعرفة عن الشيء ، ولايعنى معناها هنا لونها – هذا إذا كان لها لون أصلاً –
وستفهم في آخر الأمر أن هذه الطاقة المظلمة أو القوة الغامضة الكونية – حسب المفاهيم المذكورة – طاقة جذبية كونية طاردة ، أي تزيد من المسافات الكونية بين المجرات بشكل ثابت ، لذا يرى الكـــون المعلوم بهذا التمدد والاتساع المنسق المدرّج .
وهذه القوة الغامضة الكونية شيء تفرضه القياسات الفيزيائية الكونية المعقدة ، أي أنها تشير الى وجوده بديهياً ؛ لوجود مسلمات عن أن هذا الكون وأجرامه متزن ومنظم ، بل هو في منتهى الاتزان والنظام الذي لم يدركه العلم المعاصر الى الآن ! ... (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ... الآية
)) .
ورغم أن القياسات الفيزيائية الكونية تشير بقوة الى وجود الطاقة المظلمة ؛ وتشير الى وجود تأثير لها ؛ الا أن هذه الطاقة الى الآن استعصت على أفهام أكثر علماء علم الكــونيات لـــدرجة الخلط الإسمي لها ! ؛ كما استعصت الجاذبية الأرضية من قبل عن كنه المادية الملـــموسة ، فهم لايعرفون كنهها أو ماهيتها الحقيقية إن كانت مادة أخرى كونية أو شكل جديد من الطاقة الذي لم يعرف الى الآن ! ،
وبإختصار : هي شيء جديد مكتشف كونياً يحير أفهام البشر عنه ، ومن الصعب أن يُفهم الا إذا فـُهـِمَت القوانين اللامعلومة المختبئة وراء ( جاذبية الأجسام المادية ) بالإضافة الى القوانين الأخرى اللامعلومة المختبئة خلف مفهوم ( الأثير الكوني ) ! .