عرض مشاركة واحدة
  #88  
قديم 12-23-2016, 06:26 PM
 





" كنت فتاة متحررة من كل القيود ، جامحة وعنيدة منذ الصغر ، جعل هذا أخي يولي إهتماما لأفعالي خارج البين ، يتتبعني ويراقب أخباري ،ثم يخبر أبي بنتيجة بحثه ويعاقبني الأخير كيفما يشاء ، ومع ذلك لم أكفّ تماما عن التصرفات الخرقاء التي كنت أقوم بها ،بعد أن تخرج أخي وبدأ العمل مع والدي قلّ إهتمامه بي / فوجدت حرية أوسع من النطاق الذي فرض عليّ سابقا ، وعمدت إلى فعل كل ماكان محظورا في زمن اخي ، أعني أني بالغت في تهوري إلى درجة كبيرة وقمت بالكثير من الأخطاء التي لا تغتفر ، من بينها كان تركي الجامعة ولجوئي للمبيت في مقهى تجنبا للعراك مع أبي ، ثم تزوجت في دير دون علم عائلتي ولم أدعُ أحدا من أقاربي لعرسي " ، ارتجفت شفتاها فجأة وهي تكمل :" عندما علم أخي ووالدي بهذا حرماني من إرثهما كما قطعا علاقتهما بي ، " .
ركزت نظري عليها وأنا أفكر ... أيفترض عليّ دعمها أم دعم قرار والدي وجدي ؟ تبدو نادمة فعلا ، لكن هذا لن يمحو أثر سذاجتها من قبل .
اعتدل راوند وهو يسألها سؤالابدا غريبا :" أهذه هي الحقيقة كاملة ؟ لا أصدق ؟" وهنا أجهشت حرفيا بالبكاء مما جعلنا نندهش من تدفق سيل المشاعر هذا ، أخيرا التقطت أنفاسها وهي تعترف :" أنت محق راوند ، ليست الحقيقة كاملة ، كل ما فعلته من قبل يسقط من هول ما فعلته بعد زواجي ، تركني زجي الوغد بعد أشهر، لم أجد عملا ورفضت كرامتي العودة للمنزل ، صاحبت المشردات فأدمنت الخمر والمخدرات ثم توجهت للقمار محاولة كسب المال ، لكن في أحد الأيام وجت نفسي احاول الإنتحار ، وهنا ساعدوني بوضعي في مركز إعادة التأهيل .. بعد الخروج منه عدت لإكمال دراستي ، ثم عملت واشتريت شقة ، ارتحت من عذاب سريان السموم في أوردتي ، لمن الندم تلبسني ، لأني عدت لرشدي حينما خسرت كل شيء ، والأسوء أن والدي وأخي رفضا اعتذاري وندمي ، ولم أرهما منذ ذلك الوقت .. إلى أن سمعت بتلك الفاجعة قبل أيام وجئت لهنا "
زاد نحيبها مما أسأمني ، وبعد مدة قالت بتوسل :" أرجوكما إقبلاني هنا ، أود العيش معكما ، أنتما آخر من بقي لي من عائلتي "
بحق كل شيء في هذا الكون مالذي تتفوه به ؟؟ ما الجدوى من بقاءها هنا ؟ .... لا نحتاجها ، بيتنا ليس مطانا للتكفير عن الذنوب ، لسنا وسيلة لتمحو بنا ندمها ، أغضبت والدها وابي دون إلقاء بالِ لهما عندها ، لم يسامحاها حتى الممات ، فكيف سنقبل بها ؟ وقفت امامها وقلت ببرود :"فلتذهبي من هنا وعالجي ندمك بعيدا عنّا " ، ثم استدرت وصعدت لغرفتي مُغلِقَةً الباب ، شغلت موسيقى صاخبة لتضعني في فضاء فوضوي آخر ، فوضى النوتات والرموز المبهمة وضجيج يمس العقل فينقله لبعُعدٍ آخر ، بعيدا عن خنادق الواقع الملتوية .
ـ
على شفا حفرة الهاوية رمى كل سجلاته الماضية ، نظر لها بذبولها وهي تتهاوى لأعماق الحضيض ، لم يعد بحاجتها ، لن يسمح لها أن تعكر صفوه بسوادها ، يكفيه الظلام الدامس الذي يحيط به كالدجى من كل ناحية ، لن يتقوقع داخل علبة ينسجها بنفسه ليخلق أمراضا نفسية هو في غنى عنها ، سيبدأ من الصفر إذا تطلب الوضع ذلك ، سيقبل المخاطرة ، سيقف كل يوم بكل ساعاته على حافة الجحيم لكنه لن يسقط فيه بل سيرمي في لهيبه كل ليلة قربانا حيا ليلتهمه ، ولن يسمح لأي شظية بملامسته .
ـفي الطابق الأرضي كان راوند يمشي مجيئا وذهابا ، لا يعتقد بكذب هذه العمة ، أشفق عليها وخجل من كثرة توسلاتها ، هناك فكرة ما انفكت تتقاذفها عواصف خياله ـ تتخمر ببطء ولا ترضى الاستعجال .. لم يجد بدا من الإسراع فجل منتظرا إكتمال تخمرها ، أخيرا صاح بطريقة مفاجأة جعلت العمة تلك تنتفض :" علينا زيارة بعض الأماكن حتى نفصل في هذه المسألة " ، نظرت له بريبة فأجاب تساؤلها :"أريد التأكد من كلامك ، خذيني لمكان إقامتك حتى يشهد جيرانك على حسن سلوكك ، ومحل عملك كي أقابل زملائك وبعدها سنتأكد من صحة الأوراق لدى الجهات المختصة ، " ابتسم وهو يخرج فيما لملمت شتات دهشتها ، جمعت أوراقها داخل الحقيبة وتبعته للسيارة بسرعه " ، لم يكن الأمر بالسهولة ولا بالنتائج التي توقعها.. كلهم أكدوا على كلامها وهذا جيد .. لم يفكر راون د في الاعتذار عن تشكيكه في صدقها ، فهو يرى أن هذا ضرورة لحمايتهم ، لكنه لم ينس إيضاح نقطة هامة حينما قال لها :" عمتي ، بما أننا سوينا كل كل شيء ، أريد تنبيهك لأننا لا ننوي الحديث عن إرث والدينا وجدنا أنا واستيرا حتى تطلب هي ذلك ، حسنا ؟ أومأت العمة نورا موافقة وقالت :" لا تقلق لا أحتاج المال ، كل ما اريده هو قضاء بعض الوقت معكما ، أنتما كل ما بقي لي ، ستنهيان وحدتي وتمحوان فكرة الانتحار من رأسي –كما آمل - ، سأجد من خلالكما روح أخي الذي لم أجد لقبوله مسامحتي سبيلا ، سأسهر على راحتكما وأساعدكما ، أرجوكما اقبلاني ، أو جرباني لمدة شهر فقط ، واطرداني بعدها إن شئتما ، خفض راوند رأسه وأطلق زفرة طويلة ، لم يعد يعلم مالذي عليه فعله ، هل سيقبل أم لا ؟ نظر لها وقال مؤكدا : شهر ..
ثم أطلق العنان للسيارة ، أوصلها أولا لشقتها كي ترتب أمور الإنتقال ليوم الغد ، وعاد هو للفيلا ، هناك طلب سريعا من الخدم إفراغ غرفة ما للعمة ، وأبلغ اخته الخبر فتنهدت بخفوت , وفي مساء اليوم الموالي تمّ إنتقال العمة رسميا لليبيت .
ـ
قريبا ستبدأ المدارس ، أو بدأت .. لا أعلم ؟ كل ما اريده هو التخلص من الوهم الذي غزا مخيلتي والذي تزايد مع إضافة فرد جديد لقائمة معارفي ، تلك التي تسمى نورا ، عمتي المجهولة ، أرى نوعا من الابتذال والتمثيل في تصرفاتها ، لم اعتد عليها ، ولن أفعل ، فهي في نظري غريبة أتت لتخرب عالمي ... تحاول دوما لعب دور الأم الحنون هنا ، تأمر الخخدم بمنهتى اللطف وتشاهد مع راوند التلفاز كل ليلة ، وهناك يتكلم معها الأخير كأنه يعرفها منذ زمن بعيد ، يسألها عن حالها وكيف قضت اليوم ، عني وعن عملها ، حسنا .. هو لا يُلام فهذه أسئلة شائعه ، لكن عندما تبدأ هي بتقديم ملاحظاتها له ولعب دور الناصح .. تزعجني وتشعرني بطاقة تتكور داخل يدي راجية إخراجها للكم تلك المرأة ... ليست غيرة .. غير أني لم اعتد منظرها وهي تتجول في أرجاء بيتنا ، كمالكة لهذا المنزل ، ومع هذا عليّ الاعتراف أنها جيدة معي لحد كبير ، تهتم بأكلي للوجبات وتتكلم معي أحيانا ، وتمدح اسلوب رسمي وكتابتي عندا أسمح لها برؤية شيء منذلك ،
هناك شيء غير هذا ألاحظه ، راوند فقد من وزنه قرابة الكيلو بسبب العمل –على الأرجح- وعندما فتحت باب هذا الموضوع على مائدة العشاء فاجأني بقوله انه يفكر في ترك الجامعة والانكباب على عمله في الشركة ، لم أعلق بشيء وقتها ÷ فهو كبير كفاية ليميز الخطأ من الصواب ، ثم إني أعلم أنه فطن ومتمهل ، سيأخذ حتما القرار الأفضل له بعد أن يفكر مليا ، أذكر أن عمتي في ذلك الوقت وقفت في صف تركه للجامعه وبدأ العمل ، وأبدت إستعدادها لمساعدته إن لزم الأمر ،
ـ
عتمة تذيب القوى داخل زجاجة الأحلام ، وشمعه تصارع الموت في سبيل إنارة الجزءالمحيط بها ، فترسل مع نورها القليل بريقَ يقظة تسير عكس تيار الظلمة ، إجمع هاذان المتناقضان في تلك الغرفة الواسعة واستمعا بصمت لهمس تلك الرشيقة الواقفة أمام النافذة الكبيرة وهي تتكلم في الهاتف مع الشخص الذي بدا مهتما بأخبارها ، فقالت بدلال :" لا .. لا تقلق .. يمكنني تدبر أمري ، سأفعل كل ما تطلبه ممني وقد أضيف بعض البهارات وأعدل الخطط ، أنصتت لصوته المرح برهة ثم اطلقت ضحكة طويلة وهي تجيب :" حسنا ، حسنا ، يمكنك ذلك ". عاد الشخص على الطرف الآخر ليتكلم فإنزاحت ضحكتها من على وجهها لتخلف بسمة طال أمدها ، ولم تختفي إلا بانتهاء المحادثة .
ـ
وخارج غرفة الخدم وقفت ايزابيلا تعقد حاجبيها من القهقهات التي تسمعها ثم دفعت الباب ودخلت باحثة عن أجوبة .


إنتهى البارت .
الأسئلة :
- ما رأيك في إنتقال نورا للعيش مع استيرا وراوند ؟
- هل تسرع راوند في اتخاذ القرار ؟
- من في رأيك الشخص الذي قرر بدأ صفحة جديدة ؟
- هل تجدين العمة غريبة ؟ شريرة ؟ عادية ؟ لطيفة ؟
- من المرأة التي تكلمت في الهاتف في رأيك ؟
- مساحة لك ..
رد مع اقتباس