عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-05-2017, 10:17 PM
 
~ رماد تختبئ تحته النار || 2



















*1*


[6:30 pm: ألمانيا – فرانكفورت- شركة برودسكي]

وقفت مذهولة تطالعها بنظرات امتزج بها شيء من الغرابة وخيبة الأمل!

وما عساها تقول عن هذه المتحجرة المتصنعة المكبة بجد زائف على كومة الأوراق أمامها؟! هي نفسها تعلم أنها لم ولن تكون بذلك القدر المبتذل من الاهتمام في حياتها بما يخص هذا النوع من العمل، وما تراه الآن يناقض تماماً معرفتها العميقة برفيقة دربها منذ نعومة أظافرها....

"بالله عليكِ تافيا! أحقاً؟ ألستِ مهتمة قيد أنملة بما يتفوه به ذلك العجوز الخرف؟ أم أصبحتِ من أنماط عديمي الإحساس تصنفين؟!"

ليست هذه أول مرة تهاوشها في أمر ربما هو تافه في نظر البعض، لكنه أشد أهمية من كونها تقف في ممتلكات عائلة – برودسكي- أكثر الناس كرهاً لعائلتها – فهرنهايت- ،

لم يكن فعلياً هكذا فما من أحد يمكنه التجرُّؤُ والقول أن هاتين العائلتين كانت علاقتهما مبنية على الكره فيما مضى، فقد كان والدها روبرت فهرنهايت نعم الصديق لــــ لابن الأول لعائلة برودسكي ، ومن بعد الحادثة المؤسفة التي وقعت له، هنا يمكن القول أن العائلتان أصبحتا تكرهان بعضهما؛ من بعد استلام لافغورد دور شقيقه الأكبر في حمل اسم العائلة وأصبح المسؤول الوحيد عن الأملاك الضخمة التي تمتلكها...

لم يعد روبرت يحتمل الشراكة مع هذا المدعو لافغورد بعد مقتل شقيقه فهو بالأصل يكره هذا الابن الثاني ولكنه كان مجبراً على التعامل معه فيما مضى بحكم أن صديقه من يقوم بإدارة الشركة وهو المسؤول الأول عن كل ما يجري بها، ولم ينتظر وقتاً طويلاً قبل أن يسحب شراكته بما أن صديقه لم يعد موجوداً وهو ليس مجبراً على التعامل مع شخصٍ يبغضه لدرجة لا توصف...

"كروستــافيـــــا!"

امتزج صوت هتافها باسم صديقتها مع صوت قرع حذائها ذو الكعب العالي بأرضية المكتب مصدراً صوتاً يعبر عن كل ما يختلج في صدرها من تعابير الأسى والحنق، وقبل أن تكمل كلامها الذي كان سيخرج بصراخ غاضب...

" إيلين... ألا تملين من هذه الأسطوانة عديمة النفع؟ سبق وقلت لكِ أنني لا أهتم، وعندما أقول أنني لا أهتم.. فإنني حقاً لا أهتم."

قطعت كلامها الخالي من ذرة مشاعر وهمت بإغلاق الملف الذي كانت تطالعه بصمت، ثم قررت أخيراً أن ترفع رأسها لتقابل وجه صديقتها العزيزة ووجدته كما توقعت تماماً أن تجده... أحمر الشفاه الصارخ الذي يناسب وجهها الأبيض ذو الملامح الجميلة الهادئة... كما هي العادة تماماً...

" اذهبي إلى موعدكِ إيلين، فأنا لا أريد لـــ هستون أن يصاب بالجنون قبل زواجكما."

" لن أذهب تافيا، لن أذهب قبل أن تخبريني ما الذي يجري معكِ؟! لماذا تتصرفين على هذا النحو؟ ما الذي غيركِ فجأة؟"

صرخت إيلين وهي تضرب قبضتها بطاولة المكتب لتهتز لحركتها الأغراض الموضوعة عليها، وبشكل تلقائي ظهر شبح ابتسامة على شفتي كروس وهي تنظر إلى يد إيلين وتنتقل بعدها إلى هيئتها الحالية... من يراها بهذا الفستان الأخضر والذي يعكس لون عينيها الزمردي، وهذه التسريحة التي جمعت بها خصلات شعرها البني بشكل أنيق، ما كان ليصدق أنها حقاً إيلين نفسها التي يخشى الجميع الاقتراب منها أو ايذاء أي من أصدقائها تماماً كما في أيام الدراسة...

ما زالت تحتفظ بذلك الجانب من شخصيتها وهي في الحقيقة لا تختلف عنها في هذا الجانب... كلاهما بذات الشخصية وهذا ما جعلهما صديقتين حميمتين..

" إيلين إياك وأن يراكِ أحد تتصرفين بهذا الشكل خاصة وأنت بهكذا مظهر، والآن هيا إلى موعدك وأنا علي أن أعود إلى القصر فلست مستعدة لمقابلة يولاند الآن."

وتعالت قهقهات إيلين الساخرة بعد أن كانت تضغط على أسنانها بغضب وكل ما يعتليها الآن خليط من التساؤلات المتزايدة في كل ثانية...

وعلقت ساخرة معبرة عن شعورها في هذه اللحظة وهي تبعد يدها عن الطاولة وتستقيم في وقفتها:

" تريدين العودة للقصر ها؟ ولست مستعدة لمقابلة يولاند أيضاً!"

قطعت كلامها لثوانٍ وأخذت تحاول سحب الكلام من عيني كروس لكنها بالتأكيد كما هو متوقع.. لن تجد ما تبحث عنه في هذا البحر المظلم قطعاً.. لم تكن تنظر إليها بل كانت تنظر لنقطة ما غير مرئية لمن سواها، وسواء أنظرت إليها أم لم تنظر فهي ستحصل على اجابة واحدة - لا شيء عندي-

وجعلها هذا تأخذ نفساً عميقاً أخرجته على شكل تنهيدة طويلة وتقدمت هذه المرة بخطى هادئة واستقرت على الأرض مسندة نفسها على ركبتيها بجوار كروس وسحبت كلتا يديها وحاصرتهما بكفيها وأكملت بألم واضح:

" هلا وضحت كلامك أرجوكِ؟ تكرهينهم لأنهم السبب في كل ما حصل ولكنكِ لا تتصرفين على هذا النحو... لماذا لا تقدمين أي دليل للشرطة لكي يقوموا بعملهم؟ أم أنكِ لم تعودي مهتمة لهذا أيضاً؟ ألا يكفي أنكِ رضيتي بأن تكوني مخطوبته؟ كيف هذا تافيا أخبريني؟! أرجوكِ أنتِ شقيقتي التي لم تلدها أمي قبل أن تكوني صديقتي... ألمكِ هو ألمي وحزنكِ هو حزني... أتعلمين أنني أمتلك العالم عندما أرى ابتسامتك؟ لا تحرميني منها أرجوكِ روستـــي."

وتوقفت عن الكلام عندما شعرت بأنها ستختنق بعبرتها، ولكن ما من جديد طرأ على ملامح صديقتها، واقتنعت لتوها أن كروس باتت تعيش في عالمين، هذا العالم وعالم آخر هي وحدها تعرف مفتاح دخوله وما يحتوي بداخله....

أبعدت إيلين يديها واستقامت بوقفتها وابتعدت بنية مغادرة المكتب دون أن تتفوه بحرف اضافي، التقطت حقيبتها وأكملت طريقها إلى الباب وقبل أن تخرج، مررت نظرة سريعة لــــ كروس لتجدها كما هي فتنهدت في أسى وغادرت الشركة على عجل قبل أن تصادف إحدى تلك الكائنات عديمة الاحساس الذين استطاعوا بنجاح قتل صديقتها.....






" اللعنة عليهم، ماذا عساي أفعل في هذا الوضع؟ أخبرني ما هو التصرف السليم هستون؟"

" لو أنكِ تريحينني من العذاب وتخبرينني فقط ما هو الأمر الذي يعكر مزاجكِ إيلين."

للمرة الأولى يخرج صوته أخيراً بعد نصف ساعة من تكرار إيلين لنفس الشتائم على تلك العائلة البغيضة منذ لحظة ركوبها في سيارته من عند بوابة شركة برودسكي وصولاً لهذه اللحظة ومن الواضح أن هذا الأمر بدأ يزعجه حد الملل... اعتاد دائماً على تصرفات مخطوبته منذ سنوات، فمعنى أن تكون مخطوبته زميلته من أيام المدرسة فهذا سبب كافي ليجعله خبيراً في كيفية التصرف معها وقد علم أنه بعد مرور نصف ساعة بالضبط من الغضب يمكنه التحدث معها ومناقشتها في أمور كثيرة وقد حان الوقت ليفهم ما بها الآن رغم أنه يعلم جيداً الموضوع برمته...

أخذ نفساً عميقاً وثبت نظره على الطريق بينما سألها بهدوء استفزازي بالنسبة لها:

" هيا إيلين أخبريني ما القضية؟"

ولم ينتظر طويلاً قبل أن يسمع اجابتها فقد جاءت بالسرعة المتوقعة تعليقاً على نبرة صوته قبل جملته:

" أنا بالكاد أضبط أعصابي هستون، وأنت تفهم قصدي جيداً.. صحيح؟"

تكلمت من بين أسنانها وهي تطالع الطريق أمامها ليعلق هستون ساخراً:

" عزيزتي ليس وكأنني سأدافع عن يولاند بحكم أنه كان صديقي فيما مضى... هل انتبهتِ؟ كـــان صديقي"

" أجل هذا واضح... لهذا رقمه ما زال يضيء في شاشة هاتفك!"

ختمت كلماتها بابتسامة ساخرة ونظرها لم يبتعد عن هاتفه الذي يستقر أمامها في مكانه المخصص وكلمة واحدة تراها وسطه - يولاند-

ويقول أنه لم يعد صديقه! هذا واضح جداً....

وساد صمتٌ مشحون عم أرجاء السيارة عدا عن هاتف هستون الذي لم يكف عن التنبيه بوجود متصل... من الجيد أنه كان يضعه بوضعٍ صامت وإلا لما كانت قد تركته مكوناً من قطعة واحدة...

" سحقاً هستون، ألن ترد على ذلك الغبي؟! يكفيني ما أنا به حالياً."

صرخت بقهر وهي تضرب الباب المجاور لها بقبضتها بحدة ما جعل هستون يتكلم:

" كان توقيته خارقاً جداً، ذكريني عندما أذهب لأقابله أن أشكره على اتصاله في هذا الوقت. "

لم تتكلم... ولو أرادت التكلم فما هو الكلام الذي عليها أن توجهه له... هل تصرخ به؟ تشتمه هو الآخر؟ أم ترتدي قناع البرودة مثله؟ لو استطاعت من الأساس التصرف كما يتصرف بقية البشر لما وضعت نفسها في مشاكل لها بداية وليست لها نهاية، لكنها ستحاول السيطرة على نفسها، حتى تنتهي هذه الأمسية على الأقل وبعدها فلتفعل ما يجول في خاطرها....

" مضحك جداً هستون، أنا هنا أكاد أنفجر من الغضب وأنت لا يهمك شيء."

علقت ساخرة بعد فترة وجيزة ثم أخذت نفساً عميقاً وجالت بنظراتها مروراً بهاتفه الذي وأخيراً اختفى اسم ذلك الوغد منه وصولاً إلى جانب وجه هستون الذي لم يبدِ أي تعليق على كلامها ونظره مركز بالكامل على الطريق أو لتقل على ما هو أبعد من هذه النقطة بكثير!

باتت تصرفاته في الآونة الأخيرة غريبة نوعاً ما، متأكدة أن هناك أمراً ما وراء هذا الانقلاب الغريب والمفاجئ..

" هل هناك خطبٌ ما بشعري إيلين؟"

سألها دون أن يلتفت إليها ولم ينتظر كثيراً قبل أن يسمع اجابتها:

" أبداً، كل ما في الأمر أنني كنت أتساءل كيف سيكون شكلك لو كان لون شعرك أسوداً."

تحدثت بهدوء متوقفة عن التفكير بالأمور الأخرى العالقة لأنها متأكدة أنها لن تجد حلولاً لها إلا من عند أصحابها، فلما تتعب نفسها دون طائل؟ وأيضاً فلتستغل الأمر فها هو قد كلف نفسه عناء التحدث أخيراً...

"لم تخبريني فيما مضى أنكِ تكرهين شعري الأشقر إيلين."

" وهل فعلت الآن؟ على كلٍ، لما أتيت إلى شركة برودسكي؟"

لاحظت شبح ابتسامة ظهرت على محياه قبل أن يجيب ونظره مثبت على الطريق:

" لأنني كنت أعلم أنني سأجدكِ هناك دوناً عن كل الأماكن، ومن الواضح أنني وصلت في وقت مناسب، لأنه لو بقيتي واقفة هناك لدقيقة أخرى لكنتِ قابلت يولاند وفي رأسي صورة واضحة عما كنت ستفعلين حينها."

" ألم نصل بعد؟ لماذا أشعر أن المسافة تطول بدل أن تقصر؟"

" عدلي مزاجكِ إذاً كي تشعري بشعور مغاير."

أجابها هستون وهو يضغط على مشغل الموسيقى لينساب إلى مسامعهما صوت مغنيتها المفضلة، وزاد من سرعته قليلاً في محاولة منه للوصول بالوقت المناسب، ولم تكد تمر دقيقة حتى ظهر أثر واضح انعكس بشكل جيد من تصرف هستون فها هي حادة المزاج قد بدأت تظهر عليها علامات الهدوء وهي تستمع إلى أغنيتها المفضلة وهذا ما يدل عليه استرخاؤها في مقعدها ونظرها من خلال النافذة بجوارها لطرق فرانكفورت التي حفظتها عن ظهر قلب منذ نعومة أظافرها.







[9:30 pm: فرانكفورت – قصر برودسكي]
قادتها قدماها لتقف أمام مرآته تناظر تلك الشخصية الجديدة التي تعرفت عليها حديثاً، لكن ليس بشكل حديث جداً إنما حدث هذا قبل ثلاثة أشهر تماماً، إنسانة أخرى لم يسبق لها رؤيتها في أي ظرفٍ كان لكنه حدث وتعرفت عليها...
تقدمت خطوتين اضافيتين ورفعت يدها لتستقر على انعكاس صورتها بالمرآة...
" ها أنا ذا منفية عن المحيط، فما الذي تريدينه بعد؟"
تمتمت بصوت خالي من الاحساس وسكنت لحظياً لتبحث عن الاجابة والتي هي بالفعل تمتلكها في داخل خلجات نفسها فهذه كانت ثلاثة أشهر كفيلة بجعلها واثقة من كل خطوة تسير بها... ما زالت البداية وإن كانت النهاية بعيدة إلا أنها ستبلغها فليس هناك واحدٌ من اثنين، إنما هو واحدٌ فقط... طريق واحد عليها بلوغه لتنهي هذا العذاب..
" سيدتي هل أنتِ بخير؟"
تلاشى الظلام من حولها تدريجياً وصارت تبصر صورة انعكاس تلك الفتاة التي تقف خلفها على بعد خطواتٍ قليلة منها والقلق واضح جداً على قسمات وجهها...
" أنا بخير لونا"
تمتمت بخفوت وهي تستدير لتقابل المرآة ظهرها وسارت مبتعدة حيث باب الشرفة تحت أنظار المدعوة لونا والتي تكون خادمة شابة من خدم القصر.....
ابتسمت لونا بهدوء وهي تتقدم ناحية الطاولة الزجاجية ووضعت عليها قهوة كروس المفضلة في هذا الوقت وقالت بصوت رقيق وهي تثبت نظراتها عليها وتراقب وضعية وقوفها:
" سيدة كــــــ..."
" لطفاً لونا لا تكرري هذه الكلمة."
قاطعتها بصوت هادئ دون النظر إليها وهمت بإبعاد يدها عن زجاج باب الشرفة..
وأخيراً.. أسدلت ستائرها الحريرية لتعلن بذلك عزل نفسها عن العالم الخارجي بصورة صحيحة، وتقدمت حيث تقف لونا وما إن أصبحت بجوارها حتى رفعت يدها لتستقر على كتفها وخاطبتها بصوتٍ ناعس:
" أنا لست سيدة أحد هنا.. حسناً؟"
لم تنتظر اجابة من الأخرى وعادت بخطواتها إلى مرآتها والتقطت المشط ومررته بهدوء خلال خصلات شعرها بعد أن تأكدت أنه جف بشكل جيد بعد حمامها الهادئ، صحيح أنه لم يعد كما كان سابقاً بالنسبة لطوله لكنه بقي محافظاً على جماله...
ما زالت تتذكر ملامح الصدمة التي ظهرت على وجه إيلين عندما التقت بها أول مرة بعد عودتها إلى فرانكفورت، كان شعرها قصيراً بالكاد يصل إلى كتفيها وهذا مستغرب جداً من كروس التي كانت تعتني بشعرها اعتناءً كبيراً لأنه يذكرها بوالدتها...
ما إن همت لونا بإبداء تعليقها حتى هتفت بها كروس بنبرة هي أقرب للصراخ وهي تعقد حاجبيها ويدها تضغط على المشط بقوة:
" وأنا هنا لدي كلمتي لونا، تنفذين أوامري كما تنفذينها لهم، لا أظن أن لهم شأناً في كيفية مناداة الآخرين لي، هل أنا على خطأ لونا؟ "
" لا كروستافيا."
أجابتها وهي مطرقة لرأسها تحدق بالأرض وسمعت كروس تقول لها:
" يمكنكِ الذهاب الآن."
" عن إذنكِ إذاً... أتمنى لكِ ليلة هادئة."
" أخبريهم أنني نائمة إذا فكروا بالسؤال عني."
" تقصدين السيد يولاند.. حسناً."
ختمت كلامها بابتسامة هادئة وغادرت من فورها مغلقة الباب خلفها بهدوء... وما هي إلا ثوانٍ حتى تركت كروس المشط وقصدت الأريكة وجلست عليها وبدأت تحتسي قهوتها في هدوء وسكينة وهي تعبث بهاتفها وكعادتها دخلت إلى صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي... ليس لأنها تريد تمضية الوقت بل لأجل معرفة ما يجول من حولها....
ما يثبت لها أن الخبر وصل إلى الصين ربما هو معرفة إيلين لهذا الأمر... لم يحدث إلا البارحة فكيف علمت صديقتها بأمر خطبتها من يولاند؟ خاصة وأن إيلين من النوع الذي يكره التحدث مع الناس.
بالتأكيد هذا السؤال غير قابل للطرح لأنها تعرف عمها لافغورد جيداً!
" حسناً هذا لا يهم.."
تحدثت بهدوء وهي تلقي بهاتفها إلى جوارها على الأريكة وأكملت قهوتها في صمت...







[12:00 am:- فرانكفورت- قصر فهرنهايت]
وقفت السيدة كاميليا فاغرة فاهها تحدق بابنتها المجنونة تحطم كل ما وقعت عليه يدها... ليس هذه أول مرة ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، ولهذا السبب بالذات خصصت هذه الغرفة لإيلين، لتفرغ بها طاقتها المتفجرة حتى تهدأ....
" عزيزتي إيلين ألا يكفي هذا؟ ألم تهدئي بعد؟ "
تكلمت السيدة بصوت طغى عليه القليل من المرح علها تغير الجو من حولها وهي تتقدم من ابنتها التي كانت تطلق زفرات تنين هائج وهي تعاود مهمة التحطيم بعد أن وصلت الخادمة ومعها مجموعة أخرى من الأغراض القابلة للكسر والتي خبئت لها خصيصاً تحسباً لظهور هذه الحالة....
" أمي أنا غاضبة سأجن."
صرخت بحدة وهي تقذف إناءً مزخرفاً ليصطدم بالحائط ويتهشم إلى ملايين القطع خلال ثوانٍ معدودة وأكملت على هذا المنوال....
" هذا واضح جداً إيلين، أخبريني ماذا حدث، هل هستون المسؤول أم ماذا؟ "
تكلمت السيدة بحنان وهي تقف بجوار ابنتها ووضعت يديها على كتفيها وأدارتها لتقابل وجهها ولم تنتظر ثانية واحدة حتى أخذتها إلى أحضانها وهي تربت على ظهرها وفي هذه اللحظة انطلقت شهقاتها أخيراً مما زاد الحيرة في رأس السيدة كاميليا.. ابنتها إيلين تبكي!
" إيلين حبيبتي."










لم تكن حالة هستون أفضل بكثير من حالة إيلين، فها هو الآخر يكسر أول ما وقعت عليه يده وهو يصرخ ويشتم يولاند بقلبٍ حاقد...
" سحقاً إلى متى سيبقى الوضع هكذا؟"
صرخ هستون عبر الهاتف بشكل جنوني فور تلقيه لاتصال أحدهم وانساب إلى مسامعه صوت غاية في الهدوء:
" كدت تصيبني بالصمم يا رجل... ما بالك؟"
" لا شيء.. كدت أفقد مخطوبتي بسببك وبسبب أفكارك العجيبة بل وما زال الخطر موجوداً.... أتعلم إن حدث أمر سيء لـــ إيلين، أقسم أنني سوف....."
" حسناً حسناً... ما دمت غير قادر على المساعدة فبإمكاني البحث عن شخص آخر."
تحدث الطرف الآخر بدون تغيير في نبرة صوته ما جعل هستون يحاول تمالك أعصابه.. أخذ نفساً عميقاً وتحدث وهو ينظر إلى طاولة المكتب الخاصة به في غرفته:
" أنا متوتر يا رجل، لو تخبرني لماذا تبحث عن هذا الملف"
" لكل منا أسراره هستون."
" حسناً لن أتدخل في شؤونك لكن أرجو أن تعجل قليلاً لأنه..."
" أعلم ذلك."
" أخبرني إذاً لما اتصلت بي في هذا الوقت؟"
" لأقول لك تصبح على خير."
" تمزح.... سحقاً!"
قهقه هستون ساخراً وهو يمرر يده خلال خصلات شعره، كالعادة تماماً.. ينهي المكالمة قبل أن تنتهي، لطالما سأل نفسه كيف كون صداقة مع هذا الشخص؟ وكيف بدأت من الأساس؟ والأهم لماذا يرى نفسه مجبراً دائماً على اقحام نفسه في أمور معقدة معه؟!
" هذه ضريبة الصداقة!"
تمتم مجيباً على أسئلته بإجابة بسيطة جداً ومنطقية ربما وهو يلقي بثقل جسده على السرير مستجيباً لنداء جسده مطالباً بالراحة بينما عقله ذهب إلى مكان آخر حيث إيلين....















" إذا لم يكن هنا فأين يمكن أن يكون؟! ذلك العجوز الأحمق."
تنهدت بانزعاج وهي تريح جسدها على الكرسي الجلدي الخاص بمكتب عمها لافغورد أو بالأصح بمكتب والدها سابقاً والأمل بوجود خيطٍ قصير يصلها لما تريد بات ضرباً من الخيال!
"ماذا الآن؟"
تمتمت بصوت ناعس وهي تحاول جاهدة الوصول في تفكيرها إلى المكان الذي من الممكن أن يكون به ذلك الملف أو أي شيء شبيه ربما!
وبحركة آلية أسندت جبينها على طاولة المكتب وأغمضت عينيها مطالبة بظلمة أشد من الظلمة التي تحيطها في الغرفة لتنعم بتفكير هادئ... لكن! لماذا يحدث هذا دائماً؟ كلما اقتربت من نهاية فعلية لمشكلتها التي أرقتها مدة ليس بالطويلة تعود مرة أخرى لتتشبث بعقلها بشكل أقوى من ذي قبل؟! ألن ترتاح أبداً! أم عليها عيش تلك السويعات التي مضت في كل ثانية من حاضرها؟
أبداً من الواضح أنه لا يمكنها ذلك فإرادة تلك الأفكار في البقاء أقوى من إرادتها في محوها... صدقاً! من الأحمق الذي يمكنه نسيان الوقت الذي كاد يفقد به روحه بمنتهى إرادته؟!
لا زالت تتذكر تفاصيل تلك الحادثة صغيرها وكبيرها فشعرها شاهد على ذلك اليوم ولا زالت تتذكر شعورها الخانق وهي بين ذراعي منقذها من الموت - يولاند- كانت تتوقع ظهوره لكن ليس هنا وليس في هذا الوقت...
ربما ظهر لها بصيص أمل بظهور جيو لكن!
بعد ثلاثة أيام من مكوثها في المشفى عندما كانت تتجهز للعودة برفقة يولاند إلى ألمانيا أدركت أنها كانت حمقاء منذ البداية، رأته صدفة وهي في طريقها بالسيارة إلى المطار...
لا زالت تتذكر تفاصيله آن ذاك، تتذكر وقفته وهيئته المعتادة وكذلك غطرسته المألوفة... كان يضع يديه في جيوب بنطاله كأنه يقول أنا لا أبالي.. التقت نظراتهما...
وكالعادة لم تستطع قراءة ما تحتويه بداخلها وهي فعلياً لا تعلم ماذا قرأ في عينيها، فعن نفسها لم تكن تعلم كيف كان شعورها ذلك الوقت!
بعدما رأت ظلمة عينيه وملامح وجهه غير المبالية ومنذ تلك اللحظة قررت سحق مشاعرها وجميع أحاسيسها..
كان الأول وسيكون الأخير، هذا وعد قطعته على نفسها، ولن تهتم لأحد هو منطقها الجديد...
شهقت بخفوت وهي ترفع رأسها بسرعة غريزية وصوبت نظرها ناحية الباب ثم إلى الساعة المعلقة على الجدار... لم تستطع معرفة الوقت جيداً فالإضاءة التي تنير هذه الزاوية من الغرفة لا تصل حيث توجد الساعة لكنها خمنت أن تكون قد تجاوزت الثالثة بعد منتصف الليل...
" سحقاً.. من الذي لا يزال مستيقظاً حتى هذا الوقت؟"
انتفضت عن الكرسي تستمع لتلك الخطوات التي كانت تقترب رويداً رويداً عاجزة عن فعل أي شيء عدا عن التحديق في الباب في انتظار اقتحام المجهول صاحب الخطوات المريبة!
"هل يعقل أن يكون يولاند؟ لا أستبعد هذا حقيقةً."
ولما هي متوترة الآن؟ لم تفعل شيئاً خاطئاً، ألقت نظرة على المكتب في هذا الوقت وستعود للنوم حالاً.. يا له من عذر مقنع!
ابتسمت ساخرة وهي تتقدم أخيراً نحو الباب وقررت فتحه أخيراً غير مهتمة للشخص الذي يقف خلفه...
حركت يدها وأمسكت مقبض الباب وأخذت نفساً عميقاً وفتحته سريعاً وما لبثت حتى فغرت فاهها في استغراب بينما الرجل كبير السن وقف متفاجئاً وهو يعلق يده التي كان يريد فتح الباب بها في الهواء...
" يا الهي هذه أنتِ آنستي كروستا! سببتِ سكتة قلبية لي كدت أوقذ السيد لافغورد، ظننت أن هناك سارقاً في القصر."
تحدث أشيب الشعر ثم تنهد براحة وهو يضع يده على صدره ناحية قلبه كرد فعل طبيعي في مثل هذا الظرف...
" عمي داركو، أنا أعتذر على اخافتك في مثل هذا الوقت، لكن اسمح لي أن أسألكَ لماذا لست في فراشك الآن؟"
تمتمت كروس وشبح ابتسامة ظهر على محياها وشعور بالراحة انتابها لأنه لم يكن يولاند أو عمها لافغورد، إنما كان داركو رئيس الخدم والذي بقي بمثابة الأب الحنون لها، اعتادت دائماً مناداته بعمي ولا زالت لكنها لم تنادي عمها الحقيقي بهذا اللقب منذ خمسة عشر عاماً....
علق داركو على كلام كروس وابتسامة دافئة ارتسمت على شفتيه جعلت المزيد من التجاعيد تظهر على ملامحه تدل دلالة واضحة على كبره في السن:
" هذا السؤال موجه إليك صغيرتي، هل كنتِ تبحثين عن شيء ما هنا؟"
علقت كروس وهي تغلق الباب خلفها بهدوء:
" ليس تماماً عمي، لم أستطع النوم فقدمت إلى مكتب والدي."
"كما في الماضي."
" تماماً، حسناً علي الذهاب لغرفتي وأعتذر مرة أخرى على إفزاعك.. تصبح على خير."
استدارت عنه وغادرت بخطوات هادئة جداً وعقلها بقي مشغولاً في أمر ما... مرت خلال الصالة وقصدت السلالم مباشرة ، صعدتها ونظرها كان محدوداً جداً جعلها تغفل عن تلك الأعين التي كانت تراقبها وصاحبها تعلو على وجهه ابتسامة جانبية تكاد تكون غير ظاهرة....
" لم يكن العم داركو صاحب تلك الخطوات."
تمتمت محدثة نفسها وهي تغلق باب غرفتها برفق واتجهت مباشرة نحو سريرها وجلست عليه... امتدت يدها لتتناول كأس الماء الموضوع على – الكومودينو- ورشفت منه دفعة واحدة....
" كان هناك شخص آخر أنا متأكدة.. توقف صوت تقدم تلك الخطوات المريبة للحظات وبعدها ظهرت خطوات العم.. إذا لم يخطئ حدسي فهو يولاند، لكن أين اختفى قبل ظهور العم؟"
أعادت الكأس إلى مكانه واستلقت تحدق بالسقف وهي تفكر ثم حرفت نظرها لتنظر إلى الساعة فوجدتها تشير للثالثة والنصف....
لم تجد الملف هنا إذاً بقي لها مكتبه في الشركة أو ربما غرفة نومه رغم أن الأمر مستبعد... لا بأس لديها المزيد من الأيام لتبحث لكن ليس الكثير، سيتم إعلان خطبتها من يولاند غداً والزفاف بعد ثلاث أسابيع...
" كم هذا مضحك، سأتزوج من قاتل أمي."
فكرت ساخرة وهي تقلب نفسها للجهة اليمنى تحدق بصورة والديها المحاطة باطار صدفي فاخر وظهر بريق خافت بداخل عينيها وسرعان ما سال خيط من الدموع على وجنتيها بصمت... تبكي ثم تنام، هذه أصبحت عادتها حديثاً.....










[ am 10:30 :- فرانكفورت- قصر فهرنهايت]
وقفت كاميليا تطالع ابنتها بنظرات مصدومة، فقد تفوهت بشيء غريب جداً يكاد يكون مستحيلاً... فهمت لتوها أن السبب في حالتها البارحة كان هستون ولا مجال للشك لكن السؤال هو لماذا؟!
" إيلين، هل أنت واعية لما تقولينه؟! لم أصر على معرفة السبب الليلة الفائتة لكنني أود السماع الآن.."
علقت ونظراتها تلاحق إيلين في كل حركة تقوم بها..
كانت تقف أمام المرآة تضع آخر لمساتها على وجهها ثم انتقلت لتنتعل حذائها وتكلمت دون أن تنظر إلى والدتها:
" هذا قراري النهائي أمي، لقد مللت هذا الحال."
سألت والدتها وهي تقترب منها:
" أخبريني لما هذا القرار المفاجئ؟"
" ليس مفاجئاً أمي، كنت أفكر به منذ شهرين تقريباً"
التقطت حقيبتها ووضعت الخاتم الألماسي فيها وأعقبت:
" علي الذهاب الآن لا تنتظروني على الغداء سأكون عند تافيا."
وركضت قبل سماع تعليقات والدتها..










" أجل سيدي.. أظن أنها ستصل إليكِ قريباً."
" لقد وصلت بالفعل."
أغلق هاتفه وهو يبتسم بهدوء وعيناه تحدقان بها وهي تنزل من سيارتها..
علم فوراً السبب وراء مجيئها وهو ليس متفاجئاً البتة... هو من بدأ فليتحمل إذن..
تنهد بهدوء وسار إلى داخل غرفته مغلقاً باب الشرفة خلفه في انتظار اقتحامها خلال ثوانٍ....
ولم يطل انتظاره طويلاً.. تقدم حيث تقف بالقرب من الباب وكلاهما لم يتفوها بكلمة... وقف قبالتها وأسر نظراتها بنظراته الهادئة ولم تشعر بيده عندما امتدت لتغلق الباب من خلفها...
" إيلين."
تمتم لتجيب بهمس: " أصمت."
وعادت بذاكرتها إلى أحداث ليلة أمس التي لن تنساها أبداً.....
^~^~^~^~^~^~^
أخرجت حذاءها المستوي من حقيبتها بسرعة وانتعلته بدل الآخر الذي كانت ترتديه ذو الكعب العالي وكلمت نفسها وشعور بالفخر ينتابها:
" كانوا يسخرون مني على هذه الحركة، حمقى أنظروا إلى فائدتها."
وقبل أن تضيعه عن أنظارها ركضت خلفه بأريحية بمساعدة الحذاء دون أن تصدر أي صوت....
ستكتشف الآن ما يخفيه عنها منذ أشهر ولن تعود إلى القصر قبل هذا....
" صدقني هستون إذا كنت ذاهباً إلى ذلك الوغد سوف أضربكما بحذائي الآخر."
همست وهي تعقد حاجبيها ووقفت في زقاق مظلم عندما توقف هستون عن التقدم وبقي واقفاً كأنه ينتظر أحدهم...
كان يلتفت إلى يمينه تارة وإلى يساره تارة أخرى وكل دقيقة ينظر إلى ساعة معصمه...
وقفت لنصف ساعة ولم يحدث شيء حتى بدأت تشعر بالملل وكادت تعود أدراجها خائبة لولا تلك الحركة الغريبة التي استدعت كل حواسها...
نظرت إلى تلك السيارة السوداء وهي تُفتح وينزل منها رجل لم تستطع رؤية وجهه لأنه كان يعطيها ظهره ورأته يتجه حيث يقف هستون ينظر إليه في صمت وملامح جادة... لكن مهلاً..
" ما هذا؟"
ضيقت إيلين عينيها ونظرها منحصر على ذلك الملف الأزرق الذي كان يحمله الرجل الغريب، بات الأمر مزعجاً لها، ما الذي يخفيه هستون عنها؟ الأمر الذي لا تنكره هو شعورها بالسعادة لأنه لم يكن هنا لمقابلة يولاند... شعرت من هذه الناحية بالراحة لكن بالمقابل ظهر لها هذا...
كانت تود بشدة معرفة ملامح الغريب لكنهما كانا يقفان بعيداً عن عمود الإنارة على طرف الطريق المقابل لها....
كان الطريق خالياً في مثل هذا الوقت ولم تلحظ أي حركة أخرى.. ولأنها كانت تريد معرفة ما يجري قررت التقدم أكثر دون أن يلاحظها هستون لكن كلباً أحمقاً حال دون ذلك...
أطلقت إيلين صرخة فزعة وحاولت الهروب من هذا الكلب المزعج ولسوء حظها رآها هستون ومن معه ولم يلبث طويلاً حتى غادر الغريب وبقي الاثنان هناك يحدق كل بالآخر... ومن شدة قهرها صرخت بالكلب من بعيد:
" لو أنك إنساناً لكنت ضربتك أيها المزعج.. سحقاً لك."
" إيلين!"
التفتت إيلين ناحية هستون وعقدت حاجيها أكثر وهي تتقدم منه حتى وقفت أمامه وقبل أن يتكلم...
" لن أبرر وجودي هنا هستون حسناً؟... ستخبرني الآن ما هذا."
تحدثت بحدة وهي تشير إلى يده التي يمسك بها ذلك الملف وكادت تسحبه لكنه أبعد يده بسرعة وما زال متفاجئاً منها...
" أيتها الحمقاء... سحقاً متى ستصبحين مسؤولة؟"
علق هستون بغضب وهو يقتادها من ذراعها معه بقوة حيث أوقف سيارته لكنها لن تسير معه بسهولة... حاولت سحب ذراعها من قبضته لكنها لم تنجح واستمر يقتادها معه حتى توقف بجوار باب السيارة الأمامي..
" أوصلتكِ إلى القصر فلماذا لحقتي بي إيلين؟"
تحدث من بين أسنانه وحاول جاهداً منع نفسه من الغضب لكنها لم تسمح له بذلك....
هذه المرة تمكنت من التحرر من قبضته بعنف ودفعته بكلتا يديها بقوة وهي تصرخ...
" لأنك لا تخبرني بشيء هستون.. أوشكنا على الزواج وأنت لا زلت لا تثق بي.. أخبرني كيف علي أن أتصرف في مثل هذه الحالات؟ لو كنت مكاني ماذا كنت ستفعل؟"
" أخفضي صوتكِ إيلين وانظري أين أنتِ."
لكنها لم تستمع له وضربته بقبضتها على صدره عدة مرات وصرخت:
" أنا أكرهك هستون.. سحقاً لك ولبرودك.. أنا الغبية منذ البداية لأنني تعلقت بك."
وبدأت ترتجف ودموعها وجدت طريقها على وجنتيها وهي تصرخ بانفعال وكان هذا يعني شيئاً واحداً.... يعني أنها تحتاج لشيء يجعلها تستيقظ من هذه الحالة....
وبدون سابق انذار ارتطمت يده بوجنتها مصدرة صوتاً مؤلماً تماماً كما كانت صفعته... كان يعلم تماماً ما هي النتائج لكن ما من خيار آخر....
وساد صمتٌ ثقيل أحاط بهما وكانت تحدق به مصدومة مما فعله منذ لحظات وهو بدوره واقف كالتمثال دون أي تأثير....
شهقت ووجدت يدها طريقها لوجنتها وتلمست مكان صفعته وهي تتمتم بصوت أبح مختنق:
" شكراً جزيلاً هستون، لن أنساها ما حييت."
^~^~^~^~^~^~^~^~^
حركت يدها لتنتشل خاتم خطوبتها من الحقيبة وعيناها لم تبتعد عن وجهه..
" سأصمت إيلين وسأدع شخصاً آخر يتكلم."
علق بهمس ولم تستوعب كيف أصبحت جالسة على الأريكة وأمامها الحاسوب المحمول الخاص به....
لم يكن لها أدنى فكرة عما يجول في فكره لكنها انتظرت وراقبت في صمت بتأثير داخلي منها رغم أنها نبهت نفسها كثيراً أنها ستكون النهاية، واستمعت لكل كلمة يقولها بينما يقوم بعمله على الحاسوب وهو جالس إلى جوارها..
" إذا كنتِ تظنين أنه يمكننا الانفصال فأنا آسف على تخييب أملكِ... ربما أفضل أن تنتهي حياتي قبل أن أترككِ إيلين.."
أدارت رأسها لتنظر إلى وجهه وعلقت:" لم يكن هذا رأيك مساءً هستون.."
" سيبقى هكذا دائماً إيلين.. وعن تلك الصفعة فأنا لن أعتذر، كنتِ تستحقينها."
" هكذا إذن."
تكلمت من بين أسنانها وكادت تنهض لولا يده التي منعتها من ذلك وصرخ بها: " ألست تريدين معرفة ما أخفيه عنكِ؟ ستعرفين الآن إيلين."
علقت بصراخ: " لم أعد أريد، افعل ما يحلو لك لن أكترث."
" هل أتدخل هستون؟"
عقدت حاجبيها في تساؤل وهي تحدق بوجه هستون الذي عدل جلسته ونظره ثابت عليها والانزعاج واضح على وجهه... لم يكن هذا صوته بل صوت شخص ثالث، هدأت نفسها ونفذت طلب هستون الصامت بشكل آلي ونظرت إلى شاشة الحاسوب في صدمة...
" من؟!"
تمتمت بهمس وهي تمرر نظرة خاطفة إلى هستون ثم تعود إلى الشاشة وسألت هذه المرة بصوت طبيعي لا يخلو من الريبة: " من أنت؟"
" ألن تخبرها هستون؟ يكفي أنني عطلت نفسي لأجل مشكلتك التي كان عليك حلها وحدك."
تحدث الطرف الثالث ليجيبه هستون:" أترك الكلام لك ولا تنسى أيضاً أنني أساعدك كذلك."
" هذا ليس كذاك هستون."
" هل سأبقى أستمع إلى ثرثرتكم أم ماذا؟"
تدخلت إيلين وقد تبدل صوتها للجدية هذه المرة في انتظار أن يُعرِّف هذا الرجل الذي ظهر أمامها عبر الشاشة عن نفسه وحتى تفهم لما هستون أجرى معه هذا الاتصال... كان يمكنه أن يتكلم معه عبر الهاتف لما يريد منها رؤيته؟!
" مهلاً.."
صرخت وهي تشير بسبابتها إليه..
عندها أمال رأسه قليلاً وأغمض عينيه وعلت وجهه ابتسامة جانبية...


انتهى

























__________________



"وَالعقلُ استَلهَمَ مِنّا عِصْيانَ الأفُقِ فَزال مُخلفّاً بُرودَة بلوتُو"
سبحان الله-الحمدلله-لا اله الا الله-الله اكبر

رد مع اقتباس