الفصل الثالث
الضحية
سارت نانسي لاول مرة على قدميها نحو منزلها .. لحسن حظها ان الطريق لم يكن طويلا .. ولكن لدهشتها .. فالطريق الذي تسير فيه للمرة الاولى خلب لبها بجماله وهدوئه .. إذ انها وما إن ابتعدت عن الطرقات الرئيسية .. دخلت في الشوارع الجانبية التي اصطفت على جانبيها المنازل الأنيقة والفخمة .. المحاطة بالحدائق الغناء .. أذهلها هدوء المكان الشديد .. إذ بدا وكأن لا أثر للحياة فيه .. فكرت للحظة بأن انفجار قنبلة وسط هذه المنازل لن يهز شعرة من سكانها .. خاصة لو كانوا على شاكلتها .. فهي ما اهتمت يوما بما يحدث حولها .. وبما يدور خارج منزلها الكبير .. منزلها الذي لن يعود كذلك قريبا
عندما وصلت أخيرا .. كانت متعبة للغاية .. وقد لاحظت عليها حنان هذا وهي تقول :- هل أسخن لك الغداء ؟
تمتمت نانسي بإرهاق :- لا يا حنان .. كل ما أريده هو أن أنام
كانت معتادة على مناداة حنان لها باسمها .. فحنان لم تكن أبدا مجرد خادمة عادية .. لقد ترعرعت في هذا المنزل إلى جانب نانسي عندما كانت والدتها تعمل فيه قبل وفاتها .. غادرت حنان عندما تزوجت لعامين .. ثم عادت بعد طلاقها لتعمل من جديد في المكان الذي لم تعرف غيره منزلا .. عندما دخلت نانسي إلى غرفتها .. وجدت لينا تجلس على حافة سريرها ممسكة بصورة والدهما .. كان وجهها البريء شاحبا .. وقد اختفى اللون الوردي الذي قلما فارق وجنتيها في الماضي .. وعيناها الزرقاوان كانتا حزينتين للغاية .. سألتها بهدوء :- كيف كان يومك في الجامعة ؟
كذبت نانسي قائلة :- لقد كان جيدا للغاية
جلست إلى جانبها وتناولت منها الصورة .. وأخذت تتأملها بدورها صامتة حتى سألتها لينا :- نانسي ... أمازلت تحبينه ؟
سألتها نانسي بحذر :- أتعنين أبي ؟
قرأت الإجابة في عينيها فقالت بهدوء :- طبعا ما زلت أحبه .. فهو بالرغم من جميع أخطاءه كان أبا رائعا ومثاليا .. ولم يقصر بحقنا قط
كتمت داخلها صوت هتف بحدة :- ألم يخطئ بحقكما عندما حطم حياتكما بما فعله ؟
رسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول :- هل تذكرين المرات التي كان يجلسك فيها على ركبتيه ويهزك كالطفلة قائلا بأنه لن يسمح لك أبدا بأن تكبري ؟ .. لقد كنت ابنته المدللة
تمتمت لينا قائلة :- لماذا أجد نفسي غير قادرة على مسامحته ؟
أحاطتها نانسي بذراعها بحنان وهي تقول :- ستسامحينه يا نانسي .. أنت تحتاجين فقط لبعض الوقت
صمتت لينا للحظات قبل أن تقول :- لا أستطيع العودة إلى المدرسة
وقبل أن تقول نانسي أي شيء انفجرت لينا قائلة بعنف :- لا أستطيع ان أواجه الناس أو زميلاتي في المدرسة .. أو معلماتي اللاتي كن يميزنني عن غيري بسبب أبي .. أنا لست بقوتك وشجاعتك يا نانسي .. أريد أن أبقى في البيت حتى ينسى الناس من هو سلمان راشد
أخذت تبكي بحرقة .. فما كان من نانسي إلا أن تمتمت :- ليس عليك أن تعودي إلى المدرسة حتى تشعري بأنك مستعدة لهذا
ثم نهضت قائلة :- أين أمي ؟
:- إنها في غرفتها .. تعاني من الصداع كالعادة .. وتنتظرك حتى تتحدث إليك
عندما دخلت نانسي إلى غرفة أمها .. وجدتها تعيد سماعة الهاتف إلى مكانها وعلى وجهها خيبة أمل كبيرة .. سألتها :- ألم تعثري على خالي بعد ؟
هزت رأسها نافية :- لا .. أنه لا يرد على هاتفه المحمول .. أو على هاتف منزله في مارسيليا
جلست نانسي إلى جوارها على الأريكة التي توسطت الغرفة .. خالها فوزي هو القريب الوحيد الذي بقي لهم .. فوالدها يتيم بلا أخوة .. وجداها لوالدتها متوفيان منذ سنوات .. سألتها نانسي بقلق :- كيف تشعرين اليوم ؟
ابتسمت أمها بشحوب وهي تقول :- أفضل بكثير
ولكن نانسي كانت تعرف بأن أمها تكذب .. فمنذ وفاة والدها ووالدتها تذبل كما لو أنها لم تعد تجد سببا لتعيش لأجله
تمتمت :- أخبرتني لينا بأنك أردت رؤيتي
اعتدلت أمها وهي تقول بجدية :- هذا صحيح .. يجب أن نتحدث عن تركنا لهذا البيت يا نانسي .. يجب أن نجد مكانا آخر يأوينا في أقرب وقت
سألتها نانسي بحذر :- وهل لديك أي اقتراحات ؟
:- أنت تذكرين منزل الشاطئ الذي يمتلكه خالك .. لقد ذهبنا إليه عدة مرات برفقته .. أظن من الأفضل أن ننتقل إلى هناك لفترة من الزمن .. حتى ينسى الناس قصة والدك على الأقل .. قبل أن نعود من جديد ونختلط بالمجتمع كغيرنا من الناس
اتسعت عينا نانسي وهي تقول :- هل تريدين منا أن نهرب يا أمي ؟
بدا الألم على وجه أمها وهي تقول :- نعم يا نانسي .. نحن غير قادرين على مواجهة غضب الناس ونبذهم لنا .. فكري بلينا .. إنها صغيرة جدا على أن تساء معاملتها بسبب ما فعله والدها
نهضت نانسي وهي تقول بحزم :- لا .. أنا أرفض أن أهرب بهذه الطريقة .. على الناس أن يتقبلونا كما نحن .. بل وأن يحترمونا أيضا
أمسكت بيد أمها وهي تقول برجاء :- أرجوك يا أمي .. لا أريد أن نبدأ حياتنا الجديدة بالهرب كالجبناء .. امنحيني فرصة واحدة فقط .. سنبحث عن شقة صغيرة في أي حي بسيط .. وسأجد وظيفة ما .. لا بد أن يكون هناك من هو بحاجة إلى توظيف طالبة اقتصاد في السنة الثالثة
بدا الاعتراض على وجه امها ولكنها منعتها وهي تسرع في القول :- لا تعترضي يا أمي .. أعدك بأن الأمور ستتحسن
قالت الأم :- أنا من عليه البحث عن وظيفة .. يجب ألا تهملي دروسك قبل أن ...
قاطعتها نانسي بحزم :- لن تتعارض الوظيفة مع الدراسة .. أعرف الكثير ممن يعملون ويدرسون في الوقت نفسه .. وأنت غير قادرة على التفكير بالعمل حتى تتحسن صحتك
ترقرقت الدموع في عيني أمها الجميلتين .. وعرفت نانسي بانها تتذكر زوجها الراحل .. وتلومه على كل ما يحصل وإن أبت أن تظهر مشاعرها لبناتها ..
عندما خرجت من الغرفة .. وجدت نانسي حنان في انتظارها تقف في الممر .. فاقتربت تسألها :- هل من خطب يا حنان؟
قالت حنان :- نانسي .. أنا أعرف كل شيء عن ظروفكم الحالية .. وأعرف بانكن مضطرات لترك هذا البيت في وقت قريب
أحست نانسي بطعنة ألم لسماع الحقيقة .. ولكنها أخفت مشاعرها منتظرة ما ستقوله حنان التي أكملت :- أريد البقاء معكن ..أن أرحل معكن إلى أي مكان تقصدونه
استوعبت نانسي بسرعة ما تقوله حنان .. ثم أسرعت تقول :- كنت اتمنى هذا يا حنان .. أنت تعرفين بأنك فرد من العائلة .. ولكننا لن نعود بقادرين على دفع راتبك كالسابق
قالت حنان بهدوء :- أنت تعرفين جيدا يا نانسي بان راتبي لم يكن يوما سبب بقائي هنا .. فأنا لم أعرف غير هذا المكان منزلا .. وغيركم عائلة بعد وفاة أمي .. وبعد طلاقي .. أصبحتم فعلا آخر من تبقى لي .. لا مكان آخر أقصده إن رحلت من هنا .. كما انني لا أريد راتبا .. أريد الإقامة معكن .. والمساهمة في تحمل مسؤولياتكن الجديدة .. سأستمر في العمل .. في الطهي والتنظيف .. وإن اضطررت فسأعمل كي أساهم في مصاريف البيت
منعت نانسي نفسها من البكاء تأثرا بصعوبة وهي تقول بخفوت :- لست مضطرة لتقديم التضحيات للبقاء معنا يا حنان .. يكفي انك الانسان الوحيد الذي احبنا بصدق واعتبرنا عائلته
أشرقت عينا حنان وهي تقول :- هل هذا يعني أنني أستطيع الرحيل معكن ؟
أومأت نانسي برأسها .. فما كان من حنان إلا أن عانقتها بقوة .. مسحت نانسي دمعتها الفارة .. على الأقل .. هناك شخص على وجه الارض تستطيع الثقة به
:- وظيفة ؟؟؟؟
نطق ماهر بالكلمة باستنكار وهو ينظر إلى نانسي التي ردت بضيق :- نعم .. وظيفة .. أين الغريب في هذا ؟
قال ماهر صريحا كعادته :- في الواقع لم أتخيلك يوما كفتاة عاملة .. بل ..
لم يستطع إكمال عبارته .. ففعلت هي بلهجة حادة :- طفلة مدللة تحصل على كل ما ترغب دون جهد
هز كتفيه قائلا :- لم أقصد الإهانة .. بل قصدت بأن هذا ما تستحقينه .. على كل حال.. أنا لا أعرف حقا أين يمكن أن أبحث لك عن وظيفة مناسبة لك
قالت باهتمام :- ماذا عن شركة الاتصالات التي تعمل أنت فيها ؟ أما من مكان شاغر ؟
قال مفكرا :- لا أعرف .. سأستفسر عن هذا .. وإن شئت سأسـأل بعض معارفي عن أي وظيفة متاحة
قالت بامتنان :- سأكون شاكرة لك لمساعدتك لي
سألها باهتمام:- هل وجدت سكنا مناسبا ؟
هزت رأسها نافية :- أنا أبحث منذ أسبوعين دون جدوى .. لا أجد مكانا مناسبا لذوق أمي
لم تستطع إخباره بأن المشكلة تكمن في الإيجارات المرتفعة والتي لا تناسب وضعهم الجديد
قال بجدية :- هل تريدين أي مساعدة ؟
أسرعت تقول :- لا .. أنا أتدبر الأمر جيدا
لم تكن تريده أن يعرف التفاصيل الدقيقة لظروفهم الصعبة .. نهضت قائلة :- علي العودة إلى البيت قبل حلول الظلام
نهض بدوره قائلا :- وأنا لدي موعد بعد نصف ساعة
قالت مداعبة :- أهو موعد غرامي ؟
منحها ابتسامة باهتة وهو يقول :- لم أسقط إلى ذلك الدرك بعد
غادرا مبنى الكلية .. ثم انفصلا عند بوابة الجامعة كالعادة .. كانت نانسي تواظب على الدوام منذ 3 أسابيع .. دون أن تلاحظ أي تغيير في ردة فعل الطلاب .. ما زالت الأنظار تتجه إليها أينما سارت .. وما زالت التعليقات تلاحقها باستمرار .. والكل يتحاشاها ويرفض الاحتكاك بها .. لقد نسوا تلك الأيام التي كانوا يسعون فيها راكضين خلف رضاها
سارت كالعادة مشيا إلى البيت .. فقد أدركت بأنها يحب أت تنسى رفاهية التنقل بسيارات الاجرة اقتصادا في المصروف
كان الظلام قد بدأ يهبط عندما شعرت بأن هناك من يمشي قريبا منها .. وسرعان ما أدركت بأنه كان يتبعها .. أسرعت في المشي وقد انتابها إحساس كبير بالخوف والتوتر عندما سمعت صوت الخطوات يتسارع هو الآخر .. فكرت بعصبية .. إنها تتوهم .. لا أحد يطاردها .. مجرد شخص يسير إلى جوارها وسيتجاوزها حالا.. هي ليست خائفة .. إن تجرأ احد ما على مهاجمتها فستغرز أظافرها في عينيه .. شهقت عندما ظهر شبح ما امامها من أحد الشوارع الجانبية .. واعترض طريقها متعمدا .. توقفت مرغمة .. فتوقفت الخطوات التي كانت تلاحقها بدورها .. قالت بتوتر :- من أنت ؟ وماذا تريد ؟
سمعت ضحكة شريرة أثارت الرجفة في جسدها .. ثم صوت مألوف يقول :- إن الإجابة على سؤال ماذا أريد يا فتاتي .. يطول شرحه
تراجعت خطوة إلى الوراء وهي تهتف بتوتر :- من انت ؟
تمكنت من خلال ضوء النهار الذي بدأ يتلاشى من تبين ملامحه عندما اقترب .. لقد كان جابر
استدارت لتجد الشاب الثاني الذي كان معه ذلك النهار الذي صفعته فيه على مرأى من جميع الطلاب .. أدركت من البريق في عينيهما بانهما ينويان بها شرا .. تراجعت بعيدا عنهما وهي تقول :- ما الذي تريدانه مني ؟
قال جابر وهو يقترب منها :- دين قديم لي عليك يا عزيزتي .. أود استرداده الآن
كانت خائفة .. حقا خائفة .. حاولت إخفاء خوفها بالتظاهر بالشجاعة وهي تقول :- لا ديون لك علي يا جابر .. لقد أخطأت بحقي فرددتها لك .. نحن متساويان
قال بغضب :- لا يا ابنة القصور المدللة .. لسنا متساويان
استدارت محاولة أن تركض بعيدا .. إلا انه لحق بها .. أمسك بخصرها بقوة بين ذراعيه فصرخت بذعر .. ولكنه قال شامتا :- لن يسمعك أحد .. انا أراقبك منذ أيام .. و يا لحظي السعيد ..إن الطريق الذي تسلكينه عادة يكاد يكون مهجورا .. وحتى إن لم يكن فسكانه من الأثرياء أمثالك الذين لا يهتمون إن حدثت كارثة إلى جوار منازلهم الفخمة
قاومته بشراسة وهي تقول :- إياك أن تتجرأ على لمسي أيها القذر الوسخ .. إني أحذرك من مغبة ما تفعله
ضحك عاليا وهو يقول ساخرا :- من سيحاسبني يا أميرتي .. لقد انهارت مملكتك ولن تجدي من يسمع شكواك .. بل ستجدين الكل يشكرني على تلقين صاحبة السمو درسا في التواضع .. أعيدي علي ما قلته .. أنا أخطأت بحقك فرددتها لي .. وكيف فعلت هذا بالضبط ؟
لم تفكر قبل أن تصرخ به كالمجنونة :- صفعتك على وجهك .. وقد كان هذه أكثر بكثير مما تستحق إذ لوثت يدي بملمس وجهك العفن
اشعلت كلماتها غضبه الوحشي وهو يقول بحقد :- تعنين هكذا
هوى بيده على وجهها بصفعة قوية دفعتها لتسقط على الأرض بعنف وقد سالت الدماء من شفتيها .. رفعت عينيها إليه وقد اعترتها رجفة خوف حقيقية عندما أطل عليها قائلا :- هناك أمران لطالما رغبت بفعلهما طوال السنوات الثلاث الماضية
صرخت بألم عندما شعرت بقدمه تغوص بمعدتها .. فتلوت حول نفسها محاولة درأ نفسها من ضرباته .. ولكنه لم يسمح لها بالابتعاد .. جذبها من شعرها وصفعها مجددا بكل ما يحمله نحوها من حقد .. دارت الدنيا حولها وتشوشت رؤيتها .. فكرت وهي تذرف دموع الذل والألم بانه ليس الوحيد الذي يكن لها كل هذه الكراهية .. ربما جميع من تعرف .. لم يتوقف جابر لحظة واحدة عن إفراغ غضبه في جسدها الضعيف الذي فقد كل قدرته على المقاومة .. أخذ يصرخ بها دون أن يتوقف عن ضربها :- منذ ثلاث سنوات .. دخلت إلى الكلية .. ونظرت إلى الجميع وكأنهم حشرات .. ليس لهم الحق في استنشاق نفس الهواء الذي تستنشقينه .. الكل كان يعرف من أنت وابنة من .. أحدهم لم يجرؤ يوما على مواجهة غرورك وبطشك .. كل من يقف في طريقك تكون نهايته إما الطرد من الجامعة .. أو النبذ من جميع الطلاب .. الكل كلن يسعى خلف رضاك .. خلف ابتسامة منك .. والآن .. أنت لا شيء على الإطلاق ..والدك الذي كنت تحتمين وراءه مات حقيرا في سجن قذر .. نعم .. لقد كان لصا وضيعا كسب ثروته من أموال الناس .. أما آن الوقت لتعرفي قيمتك الحقيقية ؟ .. إنه لشرف عظيم أن أقوم أنا بهذه المهمة .. أن أجعلك تدركين أي حثالة أصبحت
سالت دموعها بغزارة .. لم تتخيل يوما أنها ستتعرض لهذا النوع من الذل والإهانة .. ما آلمها أكثر هو أن كل ما كان يقوله كان صحيحا .. ألهذا استحقت حقد زملاءها جميعا ؟ .. أ لأنها كانت دائما تعاملهم وكأنهم خلقوا أقل مرتبة منها ؟ ..
ولكنها لم تقصد هذا .. لقد عاشت دائما بهذه الطريقة دون أن يوجه لها أحدهم انتقادا .. إنها لا تستحق كل هذه المذلة ..
انكمشت وهي تهمس :- لم أقصد هذا .. أقسم بأنني لم أقصد هذا
لم يسمعها جابر .. فقد خاطبه زميله متوترا :- أسرع يا جابر .. ماذا إن رآنا أحد ؟
قال بخشونة :- لم يبدأ الجزء الممتع بعد يا جميل
اقترب منها مجددا وهو يسحبها إليه ويقول :- أما الشيء الثاني الذي لطالما رغبت بفعله .. هو هذا
مزق قميصها بحركة حادة .. إلا أنها لم تستطع أن تقم بأي حركة مقاومة .. فقد أصيب جسدها بما يشبه الشلل .. وبدأ وعيها يتسرب منها ببطء دون أن تتوقف دموعها للحظة وهي تشعر بأنفاسه الكريهة تلفح وجهها وهو يقول :- لو تعلمين ما الذي كان رؤيتك تفعله بي وأنت تسيرين بهذا الجسد الجميل بين أروقة الكلية .. لقد رغبت بك منذ رأيتك أول مرة .. ووعدت نفسي بأنك ستكونين لي ..ههه .. هل تعلمين بما كان الطلاب يلقبونك ؟.. بالفتاة المحرمة .. كان هذا اللقب ما يزيد رغبتي بك .. ويسعدني أن أنتزعه منك ما أن ....
لم تكن تعي ما يقوله .. كانت تسمع صوته بعيدا وهي تعجز حتى عن رؤيته من خلال عينيها اللتين أغشتهما الدموع .. ولكنها سمعت صديقه يصرخ بشيء ما .. ثم توالت الأصوات المختلفة .. ضجيج وصراخ .. لم تع إلا بأن الهدوء قد عم المكان فجأة .. وساد الصمت من حولها
كان الجو باردا للغاية .. فأخذت ترتعش بضعف وخوف .. وعندما أحست بيدين تمسكان بها .. شهقت بذعر ووجدت القوة لتصرخ :- اتركني .. لا تلمسني
سمعت صوتا غريبا يقول لها بدفء :- اهدئي .. ستكونين بخير
النبرة المهدئة في صوته فعلت فعلها .. إلا أنها همست بصوت مرتعش :- لا تؤذني .. أرجوك لا تؤذني
ضمتها ذراعان إلى صدر قوي جعل الدفء يسري في أوصالها المتجمدة .. سمعت الصوت يقول من جديد :- لا تخافي .. لن أسمح لأحد بأن يؤذيك بعد الآن .. أعدك بأنك ستكونين بأمان
كان آخر ما تذكرته قبل أن تغيب تماما عن الوعي .. هو أنها حقا أحست بالأمان