عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-27-2017, 08:10 PM
 
الكون حولنا - إستعمار الفضاء


الكون حولنا - إستعمار الفضاء

- سلسلة : الكون حولنا - ألفها وكتبها / عبدالله خضر عبدالله




كلما زادت دفعة التطور وقوة التقدم العلمي والتقني للإنسان المتحضر في العالم الأرضي مع مرور الأيام ؛ كلما أغراه ذلك إلى محاولة غزو الفضاء وإستعماره ، وتلك من الأمور التي مازال يبحث الإنسان في كيفيات حدوثها في عالم الواقع ! .


إن الحياة في الفضاء الكوني من الأمور العجيبة والأحداث الغريبة لبني الإنسان ، وهي كذلك تختلف في كيفيتها ونمطها وأوضاعها بالمقارنة بالحياة على كوكبنا الأزرق ! .


كذلك فهنالك جوانب كثيرة متشابكة ينبغي دراستها بدقة ؛ تتعلق بالوضع البيولوجي المعيشي للإنسان من ناحية ، ومن ناحية أخرى تتعلق بخصائص وأسرار الفضاء وأوضاعه وتأثيراته المعلومة والمجهولة على النوع البشري إذا كان في وسطه ! ، أي أن يستعمر الإنسان قسماً ضئيلاً جداً من الفراغ الكوني المحيط بكرته الأرضية ويعيش فيه فلا بد من سلسلة طويلة من الإختبارات والتجارب عن كيفية ذلك ؛ وصولاً إلى حصول نتيجة مرضية عنها ؛ ليتمكن هذا الإنسان من الوصول إلى ذلك الهدف شبه المستحيل ! .


فمثلاً : هنالك عوامل أساسية مصيرية لها دخل كبير في كيفية حياة الإنسان في هذا الفضاء ، منها : عامل إنعدام الوزن ، وعامل إنعدام الهواء ، عامل إنعدام الغذاء ، أي في الفضاء لايوجد وزن ولا هواء ولا غذاء ، وهي بالتأكيد بيئة غير مسالمة من عدة نواحٍ ، وتعادي كل أنواع الحياة المعروفة تقريباً ، هذا بالإضافة إلى إتساعها اللامحدود وصعوبة إدراك الوقت والجهة والمكان في هذه البيئة الفضــــائية المـوحشة ! ، وناهيك أيضاً عن الكم الضخم الواسع واللامنقطع من تأثيرات الأشعة الكونية النشطة المنتشرة في جميع جهات الفضاء الكوني !! ، ولكن يحاول الإنسان رغم كل هذا تحدي هذا الجدار الهائل الغامض والمخيف ! ؛ إذ أنه حالياً قد تجاوز كل أو أكثر هذه الصعوبات شبه المستحيلة ولكن في نطاق محدود جداً تقنياً كالتجارب الفضائية وفي المختبرات الأرضية والفضائية التي يجريها رواد وعلماء الفضاء في نطاق الدائرة الفضائية المحيطة بالأرض فقط ! .






أما إذا فكر الإنسان إلى أبعد من ذلك ؛ أي أن يعيش حتى نهاية عمره في مستعمرة فضائية ثابتة أو متنقلة تجوب الفضاء السرمدي ؛ فله أن يبني ويصمم مركبة فضائية أقل مايقال عن حجمها أن تكون ضخمة وهائلة ، مُعَـدَّة بكل إحتياجاته المعيشية والتقنية ، وقد تـُصَمَّم بشكل مبدئي في نقطة فضائية قريبة من الكرة الأرضــية البشرية ، وبعد إكتمال بنائها وتصميمها تبقى في موقعها الفضائي إن كانت ثابتة ، أو تنطلق إلى هناك في ساحة الكون الواسعة إذا كانت متنقلة ! .


وطبعاً بناء مثل هذه المدينة الفضائية ليس شيئاً هيناً ! ، فسوف يحتاج ذلك حتماً إلى :


1- توفير الخامات الصناعية والمعدنية .


2- القوى العاملة ( بشرية وآلية وروبوتية ) .


3- معدات النقل والمركبات الكبيرة الطائرة لتركيب أساسات التجهيزات ( التي لابد أن تكون ذات قوة صاروخية فعالة للنجاة من قبضة الجاذبية الأرضية القوية أولاً ولحمل ماتنوء به على متنها من حمل ثقيل جداً ثانياً ) .


4- المركبات الفضائية الفرعية المتوسطة والصغيرة ذات المهمات المختلفة المتعلقة بالتجهيزات الأقل حجماً في التركيب الأساسي .


5- فريق مِلاحي مدرب ومحترف لأقصى درجة في فن ملاحة وريادة الفضاء وقيادة المركبات الفضائية المعقدة الوظائف بديهياً .


6- تصميمات غير مسبوقة كلية عامة وجزئية خاصة في جسم المركبة الفضائية العملاقة بمنظومة الدفع والإنطلاق والحركة والمناورة كذلك !.


7- وأخيراً وليــس آخراً : تأمين موارد للطاقة آمنة وثابتة لهذا الجسم الفضائي العملاق ، والذي يتوقع من كلفة بنائه أن يبقى بعد إنجازه في الفضاء عشرات السنين إذا لم يكن للمئات من السنوات ! .


كل ماذكر بشكل واقعي يحتاج في حقيقة الأمر إلى معارف علمية كونية فريدة وإحتياجات صناعية وعلوم تقنية وإليكترونية تصل إلى حد مذهل من التطور .



والجدول الزمني المطلوب لعمل هذا البناء الفضائي الضخم ربما يصل إلى آحاد العقود من السنين ( عشرات السنين ) من العمل الجاد المتصل ، ولكن مع مراعاة إحتمال إختزال تلك الفترة الطــــويلة بسبب حدوث طفــــرة علمــــية تكنولـــوجية غير متوقعة ! ، ليصبح الجدول الزمني للإنجاز أقل وأقصر !! .


وإذا تمت هذه التحفة الفضائية العملاقة ؛ وبدأت في وظائفها الداخلية والخارجية فهنالك إحتمالات واردة عن وجود مخاطر تقنية أو كونية تهدد سلامة هذه المدينة الفضائية ، وأولها وأهمها مشكلة الشهب والنيازك ؛ التي يمكن أن توجد في أي فراغ فضائي في الكون ! ، وبسبب تعدد أحجامها فيمكن لواحد منها ( حتى لو كان حجمه يوازي قبضة اليد ) أن يصطدم بالمركبة أو يحتك بها ليخلف من وراء ذلك دماراً شاملاً أو تلفاً جزئياً هاماً لكيانها المعدني ! ، وهذا أبشع كابوس يعتري عقول العلماء المهتمين بإحتمالات سلامة المركبة وملاحتها !! .



وبالرغم من إحتمالات الأخطار التي يمكن أن تعترض هذا الجسم الضخم الصناعي ؛ إلا أن العلماء والمهندسين المكلفين بمشروع بنائه وإدارته التقنية لن يألوا جهداً في تزويد هذه المستعمرة الفضائية بكل مايعرفون (ومالايعرفون) من أجهزة إستشعار وإتصال ورادارات ومجسات وتليسكوبات تسبر أعماق الفضاء البعيد المحيط حولها ؛ وكل هذا بطبيعة الحال تلافياً لأي إصطدام نيزكي مروع ! .


ولكن مع كل ذلك لايمنع وجود المخاطر هذه ! ، قفد تصادف المركبة في سيرها الفضائي سيلاً كثيفاً من النيازك والشهب الطائرة التي لن تسطيع المركبة وملاحيها وأجهزتها المعقدة تجاوز خط سير تلك النيازك بسهولة !! .


هذه الأخطار المذكورة هي جدية ويمكن أن تحصل ، لذلك قد يمتلئ جدول المحاذير الأمنية لهذه المركبة ، خصوصاً من عدم اقترابها كثيراً من التجمعات النجمية والكوكبية خوفاً من قوى الناتج الجذبي لتلك الأجرام لها ( بسبب القاعدة الفيزيائية المرعبة وهي أن : الجسم الأكبر والأثقل يجذب إليه دائماً الجسم الأصغر والأخف ) ، لأن ذلك سيسبب أسر وسقوط المركبة في حزامها الجذبي ( نطاق جاذبيتها ) ؛ ومن ثم تحطمها بشكل عنيف مأساوي على سطح إحداها ! ، هذا أيضاً من ضمن السيناريوهات المحتملة الخطيرة المهددة لسلامة المركبة ورحلتها !! .




لماذا كل هذا ؟


كل ماذكرته قد يجعل المرء يتساءل في نفسه قائلاً :

لماذا قد يقحم الإنسان نفسه في كل هذه الدوامات من سلسلة الإنجازات الفضائية المكلفة المستحيلة وشبه المستحيلة ؟؟ وإلى أين يريد أن يصل ؟؟ .


صدقني إذا أجبتك عن هذه الأسئلة البديهية قد تعطى العذر لبني البشر !! ، الأسباب تكمن في العناصر التالية التي بسببها قد يتجه تفكير الإنسان لإستعمار الفضاء الكوني رغماً عنه منها :


1- حدوث كوارث طبيعية كبرى تؤثر جذرياً وسلبياً على كتل وتضاريس وأسطح القـــارات ( زلازل ، براكين ، غازات بركانية ، طوفان ، خسوفات أرضية ، إزدياد أو نقصان درجة الحرارة إلى حدود متطرفة لايمكن العيش فيها ، وغير ذلك من أسباب طبيعية نجهل أكثرها ، وأحد هذه الكوارث تسبب في فناء نوع الديناصورات قبل ملايين السنين ) ، وسببها من الكوكب الأرضي نفسه أو آتٍ من الفضاء .


2- إزدياد تلوث الكوكب الأرضي وتبعاته ( وهو الآن واقع ملموس نتيجة التقدم والتطور الصناعي والحضاري والإعتماد كثيراً على مصادر الطاقة الكربونية : النفط ورفيق طفولته الفحم ) ، وسببه من الإنسان .


3- الإنفجار السكاني ( الذي لم يسبق له مثيل أبداً في طول التاريخ البشري وعرضه ! ، ومن الواضح إستحالة التحكم فيه رغم الجهود المبذولة عالمياً ) ، وسببه من الإنسان .


4- تبعات وكوارث حروب الصواريخ والقنابل النووية والهيدروجينية ( المتعمدة وغير المتعمدة في ظل سباق التسلح المعلن والخفي والتي يمكن أن يتداخل فيها عامل الإرهاب ، ولعل كارثتي القنبلتين الذريتين في أواخر الحرب العالمية الثالثة التي ألقيت كل منهما على اليابان : هيروشيما و ناكازاكي ، ومن ثم كارثة مفاعل تشيرنوبل في الإتحاد السوفياتي السابق ، ثم كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان أيضاً كل الأمثلة هذه تعطي تلميحات وإشارات عن هول ومدى دمار هذا النوع من الكوارث الذي يستطيع في دقائق محو الجنس البشري من ظهر الأرض ) ، وسببها من الإنسان .


5- الطفرات العلمية التقنية الكبرى والمصيرية ( التي سوف تغري البشر لإستيطان في الفضاء ، حتى لو كان ذلك من باب التغيير أو الرفاهية أو التميز ) ، وسببها من الإنسان .


ويلاحظ أن الأربع العناصر الأولى من الخمسة أسباب هي عناصر كارثية محضة وأكثرها من الإنسان ( منه وإليه ) !! .


وفي الختام لا أقصد الحديث عن كثرة المخاطر ! ، ولكن بعد ما ذكرت لاننسى أن إستعمار الفضــــــــــاء هو نفسه قريب من الأخطار الطبيــــــعية الكونيــــــــة !! ،


أي أن الذي يريد جدياً إستعمار الفضاء ليس له إلا خيارين إثنين

أحلاهما مرّ !!
رد مع اقتباس