عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 02-01-2017, 06:43 PM
 
الفصل الرابع عشر



وماذا بعد ؟


رفعت نانسي عينيها عن كتابها لتبتسم في وجه لينا التي دخلت عليها وهي تقول بلهفة :- نانسي .. لقد دعاني فراس لحضور حفلة موسيقية يقيمها المعهد الذي يدرس فيه مساء اليوم.. هل أستطيع الذهاب ؟
نظرت نانسي إلى فراس الذي وقف عند الباب بحرج ثم ابتسمت قائلة :- بالتأكيد
أطلقت لينا صيحة سعادة وهي تعانقها بامتنان ثم تستدير نحو فراس قائلة :- سأبدل ملابسي وأوافيك
ركضت خارجة بينما اعتدلت نانسي التي كانت تجلس مسترخية على أريكة جلدية احتلت موقعا تحت نافذة غرفة المكتب .. قال لها فراس :- شكرا لسماحك للينا بمرافقتي
قالت بلطف :- بل شكرا لك لأنك تعاملها بلطف
نظر إلى كتابها قائلا :- انت تدرسين الاقتصاد كابن عمي محمود .. لقد رغبت دائما بأن أكون مثله .. ولكن هوايتي الموسيقية قد غلبتني
قالت :- أنا متأكدة بأنك ستصبح موسيقيا بارعا
صمت لثواني قبل أن يقول :- على عكس والدتي وريم أنا سعيد لزواج محمود بك .. ما كان ليسعد مع ريم
قالت بحذر :- لماذا تعتقد هذا ؟
قال وهو يهز كتفيه :- لقد كانا صديقين دائما .. وقد خرجا معا مرارا .. ولكنه لم يشعر نحوها يوما بما يتجاوز الأخوة .. كما أنه وريم غير متلائمين .. ريم لا تناسبه أبدا
تمتمت :- أنت تحب محمود كثيرا
قال بصدق :- لطالما كان قدوتي الأولى
بعد دقائق نزلت لينا بعد أن تأنقت .. ورافقت فراس إلى الخارج .. فخلعت نانسي حذائيها ورفعت قدميها فوق الأريكة وعادت تحاول متابعة الدراسة
استغرقت في القراءة حتى أنها لم تشعر بمحمود وهو يدخل إلى الغرفة ويقف متأملا إياها لتوان قبل أن يتنحنح كاشفا عن وجوده .. فارتبكت عندما رأته وحاولت الاعتدال فقال مسرعا :- ابقي كما أنت
اقترب وهو ينظر إلى كتابها قائلا :- أنت تدرسين .. هذا جيد .. إن أردت أي مساعدة في الدراسة أخبريني
قالت بقلق :- إن رغبت باستعمال المكتب .. يمكنني أن أخرج
قال :- لا تقلقي .. لدي بعض المحاضرات لأجل الغد أرغب بمراجعتها .. ولن يزعجني وجودك
جلس خلف المكتب .. وأخرج حاسوبه المحمول من حقيبته الجلدية .. وأخذ يعمل بصمت .. وجدت نانسي نفسها تنسى كتابها وترمقه بطرف عينها .. هي لم تره منذ يومين .. كان يستيقظ مبكرا قبل نهوضها .. ثم يعود متأخرا بعد أن تنام .. وقبل هذا .. كان دائما يعاملها بلطف حيادي .. يشبه لطفه مع لينا أو أقل .. ولكنه كاف ليدفعها لافتقاده خلال الأيام التي لم تره فيها
رف رأسه إليها سائلا :- هل من شيء يزعجك ؟
احمر وجهها وهي تقول :- لا شيء
اعتدل قائلا :- كيف لا شيء .. لقد كنت تنظرين إلي بتركيز وكأنك ترغبين بالحديث معي
كانت مضطرة لاختلاق شيء ما .. فقالت :- كنت أتساءل كيف استطعت دراسة كل هذه الكتب الضخمة والوصول إلى المراتب العالية بينما أعجز أنا عن فك طلاسم كتاب واحد
ضحك قائلا :- هل تجدين أي صعوبة في الدراسة ؟ كل ما عليك فعله هو أن تحبي ما تدرسينه
قالت :- لم أستطع يوما أن أحب الاقتصاد أو أن أستوعبه
:- لماذا تدرسينه إذن ؟
هزت كتفيها :- لم يكن لدي طموحا مختلفا .. ولا هواية مميزة كحب لينا للرسم
ابتسم وهو ينهض ليتجه نحوها .. جلس إلى جانبها على الأريكة الكبيرة فاعتدلت باضطراب .. تناول كتابها من بين يديها قائلا :- لكل إنسان هواية أو ميول معينة .. فكري جيدا .. لابد من وجود عمل تحبين القيام به
فمرت قليلا ثم قالت بتردد :- ألن تضحك ؟
ابتسم فجأة لسؤالها الطفولي فقالت بسخط :- لن أخبرك إذن
لم تدرك نانسي إلى أي حد كانت تبدو طفولية بالتنورة الزرقاء القصيرة والقميص الأبيض المقلم .. وشعرها المعقود على شكل ذيلي حصان خلف عنقها .. أطلت نظرة رقيقة من عينيه وهو يداعب شعرها قائلا :- لن أضحك .. أعدك
رغبت بإبعاد يده عنها ولكنها خشيت ان يدرك الاضطراب الذي تسببه لها لمسته .. تمتمت :- أحب الطبخ
رفع حاجبيه دون أن يعلق .. فأوضحت :- عندما عملت لفترة في المخبز .. انبهرت بشدة وأنا اجد موادا بسيطة تتحول بشكل سحري إلى انواع مختلفة من الخبز والفطائر .. شعرت بالفضول لمعرفة ما تفعله حنان لتحضر لنا الأطعمة الشهية التي كنا نأكلها .. فبدأت أساعدها .. كنت أستمتع فعلا بهذا
قال مبتسما ..:- ما الذي يمنعك من استمرار المحاولة .. انا متأكدة بان الطباخة لن تمانع اقتحامك للمطبخ ..أحب أن أتذوق شيئا من صنعك .. حتى لو مت بعدها تسمما
تأوه عندما ضربت ذراعه بقبضتها .. ثم ضحكا معا .. قالت بحرج :- الأشياء الاخرى التي أحبها ليست مهمة .. اعني بانها تافهة نوعا ما .. أحب كل ما يتعلق بالملابس والزينة والرياضة .. باختصار أحب كل ما يجذب فتاة أفسدها الدلال
رسمت ابتسامة إحباط على شفتيها .. فقال بهدوء :- ليس من المعيب ان تهتمي كغيرك من الفتيات بهذه الامور .. كما أنك لست فتاة أفسدها الدلال
نظرت إليه مصدومة فقال باسما :- أنت مغرورة .. ومتعجرفة .. ولكن لو كنت مدللة حقا لما تمكنت من الصمود في وجه الظروف السيئة التي واجهتك
أمسك يدها الرقيقة .. ونظر إلى عينيها قائلا :- أنت قوية يا نانسي .. ويجب أن تبقي قوية
التقت عيناهما طويلا قبل أن تتورد وجنتاها وهي تقول :- أشكرك يا دكتور محمود
قال بحزم :- توقفي عن مناداتي بالدكتور
بدا عليها الارتباك فأمسك ذقنها بين سبابته وإبهامه .. وأجبرها على النظر إليه وهو يقول :- هيا .. أسمعيني اسمي مجردا
تمتمت بحرج :- محمود
:- مرة أخرى
قالت بحيرة :- محمود
لمحت بريقا غريبا في عينيه وهو يقول :- إياك أن تناديني بهذه الطريقة بالجامعة وإلا فقد هيبتي أمام التلاميذ
اقترب منها فجأة وهو يقول بصوت أجش :- وقبلتك أمام الجميع بلا تردد
ارتعدت وهي تشعر بأنفاسه قريبة منها وهمست :- محمود
:- عفوا
اعتدل محمود على الفور وابتعد عنها بسرعة عندما دخلت ريم إلى الغرفة .. وعبست وهي تنظر إليهما قائلة بجفاف :- لم أدرك بأنك لست وحيدا يا محمود .. لقد كان أبي يبحث عنك
نهض قائلا بهدوء وكأن اللحظة الرقيقة التي مرت بينهما لم تكن :- هل وصل ؟ سأوافيه حالا
خرج ليترك الفتاتين وحدهما .. وضعت نانسي إحدى ساقيها فوق الأخرى وهي تقول بكسل :- ما الأمر يا ريم ؟ لا تقولي بأنك قد صدمت .. فأنت تعرفين بأن ما يحدث بيني وبين محمود أكثر بكثير من هذا
لرت ريم فمها قائلة بمكر :- لم أصدم يا نانسي .. بل تذكرت المرات التي ضبطت فيها أنا ومحمود في وضع كهذا
شعرت نانسي بطعنة أليمة في صدرها .. وبذلت جهدا خرافيا كي تخفي تأثير كلمات ريم المسمومة عليها .. قالت ببرود :- لقد سبق وعرفت بأنك كنت مولعه بزوجي يا ريم .. ما من داعي لتلميحاتك الرخيصة هذه
نهضت واتجهت نحو الباب .. وقبل أن تخرج استدارت نحو ريم قائلة :- تذكري دائما يا ريم بأنني المرأة التي تزوجها محمود .. وأن ماضيه بما يحتويه من مغامرات لا يهمني بما أنه قد انتهى
وبينما هي تغادر سمعت ريم تقول من ورائها بخبث :- المهم أن تتأكدي بأنه قد انتهى
أقفلت نانسي الباب ورائها بهدوء شديد .. بينما كانت النار تتأجج داخلها كالبركان الثائر .. إنها تكذب .. تكذب .. لا يمكن أن يكون محمود على علاقة بها .. إنه ليس موجودا طوال اليوم .. وعندما يتقابلان تكون هي موجودة دائما .. ولكن ريم أيضا تكون غائبة طوال النهار .. هل يتقابلان خارجا ؟ .. هل يلتقيان في تلك الشقة التي تحدثت عنها ريم ؟
ما الذي حدث لها ؟ لماذا تشعر بغضب شديد وبنيران تستعر في صدرها .؟ هل تغار ؟ .. لا .. هي لا تغار .. كما أن ريم تكذب بالتأكيد .. إنها تحاول إغضاب نانسي لا أكثر
في البهو وجدت السيدة منار توبخ إحدى الخادمات بعنف وقسوة .. وقفت لتعرف الحكاية وقد أشفقت على الفتاة المسكينة التي أجهشت في البكاء وهي تقف وسط شظايا ما كان يوما إناءا أثريا
كانت السيدة منار تقول :- هل تدركين ما فعلته بالضبط ؟ .. لقد حطمت تحفة فنية عمرها يعود إلى العديد من السنوات.. لن تبقي في هذا المنزل لحظة واحدة .. اجمعي أغراضك وارحلي من هنا
أخذت الفتاة تتوسل إليها .. بينما المرأة مصرة على موقفها .. اقتربت نانسي وهي تقول بهدوء :- لا أجد أي داعي لإجراء قاسي كهذا يا سيدة منار
عبست منار قائلة :- ليس هناك داعي أكبر مما فعلته هذه المهملة
:- ما زلت أجد بأن الفتاة لا تستحق الطرد بسبب خطأ بسيط قد يحدث مع أي منا
قالت منار بخشونة :- كان عليها أن تكون أكثر حذرا أثناء التنظيف .. لقد اتخذت القرار ولا رجعة فيه
ألقت نانسي نظرة سريعة على الفتاة المنهارة .. ثم قالت بحزم :- الأمر لم ينته يا عمتي .. الفتاة لن تخرج من هذا المنزل .. بل هي لن تعاقب على ما فعلته دون قصد منها
صاحت منار بغضب :- ومن الذي قرر هذا
قالت نانسي :- أنا
ساد صمت طويل نظرت خلاله كل منهما نحو الأخرى بتحدي وغضب .. استدارت نانسي نحو محمود الذي أقبل مع عمه على إثر الضجة .. قال السيد طلال :- ما الذي يحدث هنا ؟
قالت منار بغضب :- لقد حطمت هذه المهملة تحفة غالية الثمن .. ونانسي ترفض معاقبتها
عقد محمود حاجبيه ونظر إلى نانسي التي قالت بصرامة :- لم تقصد تحطيمها .. خطأ كهذا لا يستحق أن تطرد لأجله .. مهما كانت التحفة غالية الثمن .. فهي لا تستحق أن يقطع رزق إنسان لأجلها
استمر محمود في صمته وهو يستمع إليها .. فقالت :- كل إنسان معرض إلى الخطأ .. وهذه الفتاة عملت هنا منذ سنوات كما علمت .. أي أنها فعليا أصبحت جزء من العائلة .. وقد عملت لفترة طويلة على خدمة سكان هذا البيت وراحتهم .. وليس من العدل أن تلقى في الشارع بسبب خطأ بسيط .. إن حدث هذا فلن يشعر أي موظف في هذا المنزل بالأمان بعد الآن .. وبالتالي لن يكون مخلصا
قال محمود بهدوء :- هل تؤمنين بهذا حقا ؟
قالت بحزم :- بالتأكيد
نظر إلى عمه وزوجته قائلا :- مادامت نانسي ترى هذا فليحدث ما تريد .. إنها سيدة هذا المنزل على أي حال .. من حقها وضع القوانين كما تشاء
بدت منار وكأنها قد تلقت صفعة قوية على وجهها .. بينما أظلمت عينا عمه .. شعرت نانسي بالامتنان لمحمود لوقوفه إلى جانبها .. بل كانت أكثر ذهولا من الآخرين .. أسرعت الخادمة الشابة تشكرها بحرارة .. فأوقفتها نانسي قائلة بحزم :- عودي إلى عملك
خلال وجبة العشاء .. ساد صمت ثقيل بين الجالسين .. كانت صدمة كبيرة للسيدة منار أن يعلن محمود وبوضوح سحب البساط من تحت قدميها .. وتقديمه لنانسي على انها سيدة المنزل الجديدة .. لم تتح الفرصة لنانسي لأن تشكره كما يجب إذ استأذن ليدخل إلى مكتبه وبقي فيه لساعات .. بينما دخلت هي إلى المطبخ كعادتها بحثا عن حنان .. صديقتها الوحيدة في هذا المنزل .. ففوجئت بالترحيب الكبير من العاملات هذه المرة .. أعدت لها نجوى شرابا ساخنا احتسته نانسي وهي تجلس على طاولة كبيرة توسطت المطبخ .. جلست نجوى أمامها بعد أن استأذنت .. وأخذت تشكرها لما فعلته وتحكي لها عن السيدة منار وتصرفاتها المتعجرفة مع الخدم .. قالت :- ليس هناك من يحسن معاملتنا سوى السيد الصغير .. فراس .. أما أخته ريم فهي تتصرف منذ سنوات على أنها سيدة المنزل المستقبلية
سألتها نانسي بتردد :- ومحمود ؟
: - من النادر أن يحتك السيد محمود بالخدم .. إنه يتعامل بهدوء ووقار مع الجميع .. حتى مع أفراد عائلته
قالت حنان التي كانت تساعد في تجفيف الأطباق :- السيدة نانسي كانت دائما مخدومة مثالية .. كانت مخيفة في بعض الأحيان .. ولكنها لم تظلم أبدا أي أحد
ضحكت نانسي قائلة :- مخيفة ! .. هذه الكلمة لا تصف حقا ما كنت عليه
ابتسمت حنان قائلة :- أفضل استخدامها كي لا أغضب مخدومتي
نهضت نانسي قائلة :- سعدت للجلوس معكن
أسرعت نجوى تقول :- هل تحتاجين إلى أي شيء يا سيدة نانسي ؟
قالت بدهشة :- لا .. أشكرك
خرجت من المطبخ وهي تدرك بأنها قد احتوت كل خدم البيت إلى جانبها
قضت بعضا من الوقت إلى جانب الجدة ثم صادفت محمود وهي نازلة .. سألها مبتسما :- كيف حال دتي ؟
ابتسمت بدورها قائلة :- بخير 00 وترغب برؤيتك
قال وقد بدا عليه الإرهاق :- سأحدثها قليلا ثم أذهب إلى النوم .. ماذا عنك ؟
قالت بارتباك :- سأنتظر لينا .. فهي لم تعد بعد
استأذنته ونزلت إلى الطابق السفلي .. جلست في غرفة الجلوس إلى جوار النافذة تراقب الظلام الشديد .. لقد تأخرت لينا .. غفت دون أن تشعر .. لتصحو على صوت لينا تقول :- نانسي .. لقد عدت
فتحت نانسي عينيها .. ثم قالت عابسة :- لقد تأخرتما كثيرا
قال فراس الواقف إلى جوار لينا :- أنا أعتذر يا نانسي .. لقد دعوت لينا إلى العشاء
اعتذر وصعد إلى غرفته .. بينما أخذت لينا تحكي لها عن اليوم الرائع الذي قضته مع فراس .. ونانسي كانت تستمع إليها وعلى شفتيها ابتسامة باهتة .. كانت تود لو تحذر أختها من صداقتها لفراس .. إن فراس فتى طيب ومن الواضح أنه لا يشبه أخته في شيء .. ولمنه يبقى أحد أفراد هذه العائلة المريبة التي تكرهها وتتحين الفرص للنيل منها .. ولكن بريق السعادة الظاهر في عيني لينا منعها .. مر وقت طويل منذ وجدت نانسي أختها بهذه السعادة
أدركت بأن الوقت متأخر عندما نظرت إلى ساعتها .. فأوصلت لينا إلى غرفتها .. ثن فتحت باب غرفتها وتسللت بهدوء إلى الداخل .. كانت الغرفة مظلمة إلا من نور الأباجورة الصغيرة إلى جانب محمود الذي بدا واضحا استغراقه في النوم .. بدلت ملابسها بهدوء .. ثم تسللت إلى الفراش .. تقلبت كثيرا دون أن تتمكن من النوم وهي تتذكر كلام ريم .. هل كانت تكذب حقا عندما تحدثت عن علاقتهما ؟ .. لا .. لو كان محمود يحب ريم لتزوجها هي .. كما أنها لم تلحظ على محمود أي إشارة في وجود ريم تدل على وجود مشاعر بينهما .. ولكن ماذا عن الشقة المزعومة ؟ هل هي موجودة أم من نسج خيال ريم ؟ تذكرت هديل والصدمة على وجهها عندما عرفت بزواجه .. من الواضح أنها كانت تتوقع بطريقة ما أن يختارها هي .. أو تلك المدعوة نسرين .. لقد سألته إن عرفت نسرين بزواجه أم لا .. وهذا يعني بأن نسرين هذه كانت تعني له شيئا ..
زفرت بقوة وهي تتقلب فوق السرير .. الحيرة والغضب داخلها يفاجئانها .. عليها أن تعترف بأن ثمة غيرة تشتعل داخلها .. تذكرت الحديث الذي دار بينها وبين محمود في المكتب .. لقد كان رقيقا .. وحنونا .. ومتفهما .. لم يحدث أن تبادلا الحديث بهذا الشكل الودي من قبل .. وعندما كاد يقبلها شعرت بالخوف الكبير .. والفضول الشديد اتجاه تلك القبلة التي لم تحصل عليها .. لا تستطيع أن تتجاهل مشاعرها التي اجتاحتها وهو يميل نحوها .. لقد رغبت في تلك القبلة .. خافت منها .. ولكنها رغبت بها .. عللت لنفسها بانفعال أن اثنين لن يتجادلا حول جاذبية محمود .. وأنها إن مالت إليه فإن أحدا لن يلومها ..
عادت تتقلب وهي تفكر بأن محمود يشاركها السرير منذ أسابيع .. ولكنه لم يحاول يوما أن يلمسها .. بقدر ما سبب لها هذا من الراحة .. بقدر ما أزعجها .. أن ينام هو قرير العين إلى جانبها بينما تقضي هب الليل كله متوترة ومتحفزة تصارع وحدها تلك المشاعر المتضاربة داخلها .. انتابها قلق مفاجئ حول انجذابه نحوها .. ثم ذكرت نفسها بأنه قد تزوجها لهذا السبب بالذات ..
أدركت بأنها لن تتمكن من النوم حتى تطفئ نور الأباجورة الأصفر المستفز .. عل النعاس يعرف طريقه غليها ويسكت وساوسها وأفكارها .. اعتدلت .. وألقت نظرة على محمود الذي كان ينام على جانبه الأيمن حيث كان ظهره مواجها لها .. مدت يدها من فوقه محاولة الوصول إلى المصباح فلم تصل .. مدت جسدها بحذر بحيث لا تلمسه .. ومدت يدها .. إلا أنها وقبل أن تصل إلى المصباح شعرت بذراعه تلتف حول خصرها .. فصرخت بذعر عندما سحبها لتجد نفسها خلال لحظة ممددة على ظهرها وهو فوقها مكبلا حركتها
خفق قلبها وهي تجد عينيه اللامعتين تحدقان فيها عبر الضوء الخافت .. وأنفاسه الحارة تلفح وجهها المتورد اللاهث ... همست بصوت مرتعش :- محمود .. أنا ..
وقبل أن تكمل عبارتها .. أطبق شفتيه على شفتيها بقبلة طويلة .. متسلطة متملكة .. ارتعد جسدها بعنف عندما شعرت بملمس شفتيه القاسيتين .. وبقبلته تزداد حرارة وتملكا .. تمكنت بصعوبة من انتزاع نفسها من بين أحضانه وهي تهتف :- محمود .. أرجوك
أفلتت منه .. وقفزت من فوق السرير .. فالتصقت بالجدار وهي ترتجف بقوة وعنف .. اعتدل جالسا وهو يقول بانزعاج :- إلى متى يا نانسي ؟
منعت بصعوبة دمعة خوف من الفرار من عينيها .. بينما وقف وهو يقول بحزم :- لقد تركت لك كل الوقت اللازم لتتأقلمي مع وضعك الجديد يا نانسي .. لقد مضت فترة طويلة على وفاة والدتك .. وإن ام تتجاوزي بعد حزنك عليها فأنت في مشكلة
عندما لاحظته يقترب منها .. انكمشت على نفسها وهي تقول متلعثمة :- ليس الآن .. أرجوك .. لست جاهزة
عندما اقترب أكثر ركعت على الأرض مغمضة عينيها وهي تحيط جسدها بذراعيها صارخة بذعر :- أرجوك
سمعته يزفر بقوة وهو يقول بانزعاج :- اعتدلي يا نانسي .. أنا لن أهاجمك
رفعت رأسها إليه فوجدت انزعاجا حقيقيا في عينيه .. قال ببرود :- سأمنحك فرصة أخرى يا نانسي .. ولكن لا تتوقعي مني الكثير من الصبر
عاد إلى السرير من جديد دون أن يلقي نحوها نظرة أخرى .. فما كان منها إلا أن ارتدت روبها بيد مرتعشة .. وخرجت جريا من الغرفة
في غرفة المكتب .. حاولت أن تجد كتابا تقرأه فلم تستطع .. فجسدها لم يتوقف بعد عن الارتعاش ... لقد كانت تتساءل منذ دقائق فقط عن شعورها في حال قبلها .. ألا يقول المثل احذر مما تتمناه ؟
تذكرت قبلته .. ولمساته المتملكة .. الخوف الذي أصابها كان بسبب المشاعر الغريبة والمتضاربة التي انتابتها عندما قبلها .. لم تتخيل أبدا بأنها ستتأثر إلى هذا الحد .. لقد أصاب جسدها ما يشبه الشلل والضعف الشديد بحيث كادت تعجز عن مقاومته ... لا .. لن تعود إلى الغرفة .. ليس قبل أن ينام .. حتى أنها لا تثق به وهو نائم .. بل لا تثق بنفسها إن لمسها مجددا .. وبينما كانت تتخبط بين أفكارها .. راحت في نوم عميق
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر