36
~ ياماتو ~
قال بعد صمت :قبل أن أجيب على طلبك لدي سؤال ، تلك الفتاة قالت بأن الخاطف كان يرسل لصديقيها رسائل عدة أثناء إختطافها ، هل كنت تعرف بشأن هذا ؟؟
أجبت بصدق : نعم ، ولذا كنت مصراً على مقابلتهم رغم كل شيء ..
احتدت نظراته فجأة وصاح في وجهي حينها : إذاً كنت تعلم أنك أنت وأصدقائك كنتم في خطر ، لماذا لم تبتعد عنهم منذ البداية ؟؟ أي أحمق أنت تعرض حياتك وسمعتك للخطر من أجل فتاة لم تتعرف عليها إلا منذ بضعة أسابيع ؟؟
أغمضت عيناي بقوة حتى لا أفقد أعصابي أمامه ، وقلت محاولاً كبت جماح غضبي : أبي توقف عن محاسبتي ، فالأمر قد انتهى الآن ، وأنا تركتهم فعلاً عندما وعدتك بذلك لذا أرجوك اسمحلي بمقابلتها ولو لمرة للإطمئنان عليها ..
زفر أبي بقوة ثم أتبع زفيره بقوله : حسناً تستطيع الذهاب إلى حيث شئت لكن لمرة واحدة فقط ..
فتحت عيناي حينها بسعادة ، لم أظن أنه سيوافق ، الغضب الذي كان بداخلي قد تبخر في لحظة موافقته ، نظرت إلى أبي بإمتنان : شكراً لك يا أبي أنا سعيد حقاً ..
ههممت بالمغادرة إلا أن صوت أبي أوقفني في مكاني حين قال : انتظر لحظة ، أتعرف مختطفها يا ياماتو ؟؟
- لا فهي لم تصرح عن هوية المختطف في أثناء المقابلة ، سأذهب إليها وأسألها الآن ..
غادرت المنزل بعد أن طلبت من سائق السيارة إيصالي إلى منزل جوليا ، وطوال الطريق كنت أتلهف لرؤيتها لأعرف أخبارها التي انقطعت في الآونة الأخيرة ..
لكن صوت في داخلي أخذ يقول لي بأنه لا يجب علي أن أسعد برؤيتها ، فأنا أُعتبر كخائن ليس إلا وهي لن تسعد بمقابلة خائن ..
عندها انتابني شعور بالندم الممزوج بالمرارة ، رؤيتها لن يكون بالأمر السهل ، فماذا سأقول لها لو سألتني عن ما فعلته من أجلها ؟؟
أأخبرها بأنني عجزت مرة عن تنفيذ أوامر الخاطف وتسببت في تعذيبها ، ومن ثم قمت بخيانة الجميع ولم أتدخل وكأن الأمر لم يعنيني ؟؟
لا أجد التبرير المناسب لموقفي ، كما أنني لا يمكنني الكذب فسوبارو وروز يعلمان بالحقيقة ، وأنا في الأصل لم أعتد على الكذب ..
لم يوقظني من عالم أفكاري إلا صوت السائق الذي قال : سيدي الصغير لقد وصلنا إلى المنزل المطلوب ..
بلعت ريقي بتوتر وأنا أترجل من السيارة وأسير بخطوات مترددة ..
أنا مشتاق لرؤيتها كثيراً ومع ذلك خوفي من مقابلتها مساوي لهذا الشوق ، وربما يفوقه بقليل ..
بأصابع مرتعشة ضغطت على جرس الباب ، وأنا أنظر إلى ساعتي المحيطة بمعصمي والتي كانت تشير إلى الساعة السابعة ..
رأيت مقبض الباب يتحرك وهذا قد زاد من توتري ، وعندما فُتح الباب لم تكن جوليا ، بل أختها الصغرى التي كانت عاقدة الحاجبين وكأنها كانت غاضبة من شيء ما ..
وقبل أن أتفوه بكلمة صرخت بصوت عالي : هذا ليس وقتاً للزيارة ، غادر حالاً أيها المزعج ..
وبعدها أقفلت الباب في وجهي بقوة ، وأنا أرمش في مكاني محاولا أستيعاب ما حصل للتو ..
بعد ثواني ترجم لي عقلي تصرفها ، يبدو أنني أتيت في وقت خاطئ و تم طردي من قبل جودي ..
عدت أدراجي وأنا أجر ورائي اذيال الخيبة ، لم أتوقع أن أُطرد بهذا الشكل ، لكن لماذا بدت جودي غاضبة هكذا ؟؟ لا شك أن هناك شيء يحصل في المنزل ..
عدت إلى السيارة وأنا متردد ما إذا كان يجب أن أذهب إلى سوبارو أو لا ، إنها فرصتي الوحيدة بما أن أبي سمح لي بذلك ، ولا أظن أن هناك فرصة أخرى ..
حزمت أمري وأمرت السائق بالتوجه إلى منزل سوبارو ، وطوال الطريق وأنا أرتب كلماتي التي سأقولها له عند مقابلته ..
لا أستطيع التنبؤ بردة فعله ، أسيكون غاضباً علي حينها ، أم أنه سيتصرف ببرود معي ؟؟ أم يتجاهلني مرة واحدة ؟؟
لن أعرف الجواب إلا عندما أقابله ..
وصلنا إلى الحي الضيق ، المكان الذي يسكن فيه سوبارو ، خرجت من السيارة وتوجهت نحو منزله المترامي الأطراف ، ثم طرقت الباب بخفة ..
لكنني لم أسمع رداً ، لذا أعدت طرقها لكن بقوة أكبر ولم يجدي هذا نفعاً ..
استنتجت حينها أنه غير موجود في المنزل ، لذا زفرت بضيق ، ماهذا الحظ التعيس !!
عدت إلى السيارة والإحباط باد على وجهي ، ثم طلبت من السائق إعادتي إلى المنزل ، وهو لاحظ خيبتي وحاول تسليتي لكنه فشل في ذلك ، فتفكيري كله منصب على أصدقائي ..
عندما عدت إلى المنزل تفاجأت حين رأيت المنزل قد قُلب رأساً على عقب ، وكأن عاصفة عصفت بالمنزل ، فالتحف الثمينة التي كانت تزين المنزل كلها مكسورة واللوحات المعلقة على الأرض بفوضوية، والمكان في فوضى عارم ، والخادمات يعدن تنظيف المكان ، ويبدو على ملامحهن الذعر ..
أمسكت إحدى الخادمات وسألتها عن سبب كل هذا ، لتجيب بنبرة يعكس خوفها : السيد غاضب جداً وهو من تسبب في كل هذا ..
قطبت حاجباي بإستغراب : ولماذا ؟؟ أحصل شيء فترة غيابي ؟؟
- لا أعلم حقاً لماذا ، لكن ربما بسبب الإتصال الذي تلقاه قبل ثواني من هيجانه ..
تركتها تكمل عملها وأنا أفكر في الإتصال الذي قلب حاله ، سألت خادمة أخرى عن مكان أبي لتقول أنه غادر المنزل بعد أن تسبب بكل هذا ، وهم لا يعرفون إلى أين ذهب ..
خمنت أن شركته قد تعرضت لخسارة وهذا ما سبب غضبه ، لكن هذا ليس بمبرر كافي ، فأبي مهما تعرض من خسارة فهو يثق في نفسه ، وكان يردد دائماً ( خسارة واحدة لن تؤثر علي فأنا أستطيع تعويض الخسائر بسهولة )
إذاً لا شك أن هناك شيء أعظم من هذا ، ويجب علي إيجاده بسرعة ، فأنا لا أعرف ماذا يمكن أن يحصل لأبي أثناء غضبه بما أن الطبيب أوصاني بألا أدع أبي ينفعل كثيراً فهذا سيؤثر على صحته سلباً ..
أمسكت هاتفي ولم أتصل بوالدي فهو لن يجيب بكل تأكيد ، خصوصاً إذاً وصل إلى قمة غضبه ، ولهذا قررت الإتصال بسائقه الخاص ..
وما هي إلا ثواني قليلة حتى رد السائق لأسأله عن مكان أبي ..
فأجابني بإحترام : إنه في مقر الشرطة الآن ، وأنا أنتظره في الخارج ..
دهشت كثيراً ، ماذا يفعل أبي عند مقر الشرطة ؟؟
لم يكن لدي الوقت الكافي للتفكير ، وكل ما فعلته هو اللحاق به إلى هناك ، وسأعرف حينها ما يحصل ..
عندما وصلت خرجت من السيارة بسرعة دون أن أنتظر من السائق أن يفتح الباب لي ، ولمحت سيارة أبي الخاصة واقفة بالقرب من المكان ، لذا اقتحمت المخفر بحثاً عن أبي ..
أمسكني شرطي وسألني عن سبب مجيئي ، لأخبره عن من أكون وأسأله عن مكان أبي ، وهو قادني إلى مكانه بكل رحابة صدر ..
عندما فتح الباب الذي فيه أبي سمعت صراخه الحاد : كيف تجرؤين على تدنيس سمعتي أيتها الشيطانة السافلة ؟؟
لم أعرف الشخص المُخاطب إلا حين دخلت ووجدت راي زوجة أبي التي تبكي أمامه بشكل مخزي وتقول متوسلة له : أرجوك يا كودو أخرجني من السجن ، أنا لم أشاركهم في عملهم الإجرامي ، أنا بريئة صدقني ..
ركلها أبي ليبعدها عن قدمه بعد أن كانت متشبثة به وصاح بذات النبرة السابقة : كفي عن الكذب ، جميع من معك أكدوا أنك متعاونة معهم ، لا تحاولي إستغلالي لإخراجك من هنا ..
قالت وهي تضم أصابعها ببعضها وتنظر إليه بإنكسار : أستصدق أولئك المجرمين وتكذبني يا عزيزي ؟؟ أنا زوجتك والأولى أن تصدقني عوضاً عن المجرمين ..
رمقها أبي بنظرة مستحقرة وقال : إن كنت بريئة كما تدعين لماذا إذاً كنت معهم في الوقت الذي تم فيه مداهمة المنزل ؟؟ لماذا لم تخبري الشرطة عن مخططاتهم الشريرة ؟؟
- لقد هددوني بالقتل إذا ما تفوهت بكلمة ، وأخي ساي كان ضحية مثلي ، ولم يكن المدعوا كازوما الضحية وحدها ..
اقترب منها أبي وألجمها بصفعة قوية جعلها تسقط أرضاً من شدتها ، حينها أطلقت شهقة قوية جعله ينتبه إلى وجودي أخيراً ، قلت ببطئ محاولاً إستيعاب الأمر : ما الذي يحصل هنا يا أبي ؟؟
اقترب مني أبي وعندما مر بجواري قال بجمود : لا تهتم بالتفاصيل ، عليك فقط أن تعرف أنني لا اعد أمتلك زوجة تدعى راي ، ولا أعرف شخصاً بهذا الإسم ..
غادر أبي وأنا لازلت متيبسا في مكاني ، لازلت لا أفهم الأمر جيداً ، لماذا أبي غاضب هكذا ولماذا راي هنا ؟؟
ألتفت إلى راي لأرى رجلان من الشرطة قد أمسكاها وقال أحدهما مخاطباً راي التي تحاول الإفلات منهما : هيا يجب إن تعودي إلى زنزانتك حتى يصدر حكم بشأنك أنت ومن معك ..
قالت وهي تهز رأسها بشكل هستيري : أتركاني أنا بريئة ، لم أقم بأي خطأ ..
ثم نظرت إلي وقامت بالإستنجاد بي قائلة : عزيزي ياماتو ساعدني أرجوك ، أنت أملي الوحيد ، لا تخني كما فعل والدك الحقير للتو واستغنى عني ..
لم يعجبني ما قالته عن أبي ووصفها له بالحقير لذا قلت بحدة : إياك وأن تصفي أبي هكذا ، وأنا حتى لو لم أعلم بجريمتك إلا أنني أرى بأن هذا المكان ملائم لك كثيراً أيتها العجوز اللعينة ..
بعدها أدرت ظهري بإتجاهها وغادرت المكان محاولاً اللحاق بأبي ..
وجدته في الممر واقفاً مع والد جوليا يتحدثان بشأن أمر ما ، إقتربت منهما بفضول ، وفور أن لمحني والد جوليا حتى قال بسعادة : ياماتو أهذا أنت ؟؟ لم أظن أنني سأراك هنا مجدداً ، شكراً لك على ما فعلته من أجل إنقاذ إبنتي ..
شعرت بالخجل من نفسي حينها ، على ماذا يشكرني والد جوليا ؟؟ أعلى إختفائي فجأة وسط التحقيقات ؟؟ أم على خيانتي لأصدقائي ؟؟
لا أعلم كيف أرد عليه وأنا محرج من نفسي ، لكن أبي قال بإستغراب : ماذا تعني بأن إبني قد ساعدك يا حضرة المحقق ؟؟
أخبره والد جوليا بما فعلته وكأنني البطل الذي دلهم على طرف الخيط الذي قادهم إلى جوليا،صحيح أنني ساعدتهم قليلاً ، لكن مساعدتي لهم لا تذكر مقارنة بما فعلاه سوبارو وروز ..
قلت بتردد : أبي أأنت تعرف المحقق روك قبلاً ؟؟
أجابني بهدوء : لا لم أعرفه إلا الآن ، وكل ما أردته هو سؤاله عن تلك المرأة اللعينة ، وعن الحكم الذي سيصدر بشأنها ..
- أووه صحيح على ذكر راي ما المصيبة التي فعلتها من أجل أن يُأتى بها إلى هنا ؟؟
نظرا إلي حينها بتفاجؤ ، وأنا لم أفهم سر تفاجؤهم ، لكن أبي زفر قائلاً بعد أن أبعد نظراته المتفاجئة : حسناً لقد توقعت أنك لا تعرف بالأمر حتى الآن ، فأنا لم أكن لأعرف لولم يتصلوا بي رجال شرطة ويعلموني بذلك ، أتعرف من خطف صديقتك جوليا ؟؟
حركت رأسي بالنفي ، ليقول أبي : إنهما راي وساي الذي في غيبوبة الآن ، بالإضافة إلى مجموعة من الأشخاص المتواطئين معهم ..
الصدمة ألجمتني تماماً ، صحيح أنني أدرك أن راي إمرأة حقيرة وسافلة ، لكن لم أظن أن الأمر سيصل إلى أن تختطف جوليا وتسبب الرعب لسوبارو وروز ..
بينما أكمل السيد روك : حتى الجريمة التي كانت روز المتهمة الرئيسية فيه كان من تخطيطهم كذلك ، واتضح لنا أن زوج والدة روز هو من قتلهم وألقى بالتهمة على تلك المسكينة لأنهم كانوا ينوون قتلها ويُظهرون الأمر على أنه انتحار ..
لم أستوعب الصدمة الأولى ليفاجئني المحقق بصدمة أخرى ، لماذا يفعلون كل هذا ؟؟ ما السبب يا ترى ؟؟
قلت بعد أن أفقت من الصدمة : لكن لماذا ؟؟ ماهي أهدافهم ؟؟ ماذا كانوا يريدون من جوليا وروز ؟؟
رد المحقق : إنها قصة طويلة لا داعي لأن تشغل بالك بشأنه ، أووه صحيح بالمناسبة هل قابلت جوليا ؟؟ أنا واثق من أنها ستسعد برؤيتك ؟؟
حركت رأسي بالنفي وقلت : لقد ذهبت إلى منزلكم لكن يبدو أن هناك مشكلة لأن أخت جوليا الصغرى كانت غاضبة ولهذا تم طردي ..
تمتم حينها المحقق مخاطباً نفسه : هل يمكن أن ما يدور في خاطري هو ما حصل ؟؟
نظر إلينا حينها وقال بعجل : أنا سأغادر الآن ، سأتحدث معك لاحقاً سيد كودو ..
بعدها غادر المكان وهو يركض بأقصى سرعته ، وأنا متفاجئ من تغيره ..
نظر إلي أبي وقال : هيا لنعد إلى المنزل يا ياماتو ..
قلت برفض : لن أفعل ذلك ، أريد أن أعرف المزيد من المعلومات حول موضوع جوليا ، وأريد أن أعرف أهداف راي التي جعلها تفعل ما فعلته ..
أمسكني أبي وأخذ يجرني قائلاً بحزم : إن أردت أن تعرف شيئاً فالأفضل أن تعرفه من شخص آخر غير راي ، هيا إلى المنزل حالاً ..
عندما خرجنا من مخفر الشرطة كان رجال الصحافة ينتظروننا في الخارج ، فالجميع علم بأن زوجة السيد كودو تم سجنها ، والأمر يُعتبر فضيحة لن يفوتها رجال الصحافة ..
كان أبي يتجاهل الأسئلة التي تنهال عليه حتى وصلنا إلى السيارة ، وصعدناها متجاهلين الكاميرات التي تلاحقنا ..
نظرت إلى أبي بطرف عيني الذي بدى غاضباً جداً ، فحاجباه معقودتان وشفتيه مقوستان نحو الأسفل ، وأنا لا ألومه ..
أشخاص ذو صيت مثله ستؤثر على سمعتهم مثل هذه الأمور ، وهذا سيعرض سمعة شركتنا للخطر ، ويبدو أن أبي يفكر بهذه المشكلة أيضاً .. لم أتفوه بكلمة من أجل ألا أُغضب أبي أكثر ، وبقي الصمت مخيماً علينا حتى وصلنا إلى المنزل ..
***
~ جوليا ~
وقفت حاجزاً بين أمي وجدتي لأوقف جدالهما ، وقلت محاولة فهم الموضوع : أمي جدتي لن تصلا إلى حل إذا استمريتما بالصراخ بهذا الشكل ..
ثم رمقت جودي التي كانت تقف بجوار أمي بنظرة حادة وأكملت : وأنت كفي عن إشعال الجدال أكثر مما هي مشتعلة ..
قالت أمي بغضب وهي تحاول إبعادي من أمامها : تنحي جانباً يا جوليا ، فحديثي مع جدتك وأنت لا شأن لك ..
لترد عليها جدتي بغضب مماثل : كينور أنت وعدتني بأنها ستعيش لدي إذا ما وجدتموها ، وهاهي قد عادت ويجب عليك الوفاء بوعدك ..
- وعدت هذا لأنني ظننت أن ما أتيت به قد يفيدنا ، لكن الفاعل لم تكن عائلة شيبا كما قلت لنا ..
وضعت كلتا يداي أمام وجهيهما وقلت وأنا لم أستوعب الأمر بعد : لحظة كلتاكما ، ماشأن عائلة شيبا بالأمر وكيف علمت بشأنهم يا جدتي ؟؟
قالت جدتي : أنت حفيدتي وأنا أعرف كل شيء عنك ، وحتى لو لم تخبريني فأنا لدي وسائلي الخاصة في جمع المعلومات ..
بلعت ريقي وقلت بتوتر أخفيته : حسناً ولكن ما شأن عائلة شيبا في موضوع إنتقالي إلى منزلك ؟؟
قالت جودي : أنا سأروي لك ما حصل ، هذه العجوز عديمة الفائدة ....
قاطعتها بحدة وأنا أقول : ماذا قلت لتوك يا جودي ؟؟ لم أسمع جيداً ..
بدى على جودي الخوف وهي تنكس برأسها ، بينما قالت جدتي : أنا لا أهتم بما قالته ، فهذا دليل على تربية كينور السيئة ..
كادت أمي أن ترد عليها لكنني قلت بسرعة : جدتي ما لا أرضاه عليك لن أرضاه لأمي ، لذا أرجوكما لا تتهما بعضكما بسوء التربية ، إن كان هناك من هو سيء هنا ، فهما أنا وجودي ، وأنتما لم تقصرا معنا بأي شيء ..
قالت جدتي : أنا أتفق معك أن جودي السيئة هنا ، لكنك يا جوليا لست كذلك إطلاقاً ، ولهذا أرغب في أخذك معي خوفاً من أن تفسدي خصوصاً وأنت في بيئة فاسدة ..
صاحت أمي حينها وقد نفد صبرها بالفعل : سيدة موتسومي كنت أحترمك بسبب سنك ، لكنك تتمادين كثيراً وأنا لم أعد أستطيع تحمل إهاناتك هذه ..
أمسكت جدتي وأجلستها على الأريكة بهدوء ، وفعلت المثل لأمي ، وقلت بإبتسامة : إهدئا قليلاً وتناولا الشاي الذي أعددته ، لاشك في أنه قد برد بسبب جدالكما الطويل ..
سمعت حينها صوت باب المنزل وعلمت أن المنقذ قد أتى ، وكنت على صواب ، فقد دخل أبي إلينا وقال وهو يلهث : كما توقعت أنت هنا يا أمي ..
حملقت فيه الجدة وقالت : ماذا تعني بقولك هذا ، أأنا لست مرغوبة هنا ؟؟
هز أبي رأسه بالنفي بسرعة مبرراً : لا إطلاقاً يا أمي ، لكنني خشيت أن يحصل حرب طاحن في المنزل ، لكن يبدو بأن الأمور هادئة ، أظنني كنت قلقاً من اللا شيء ..
قفزت بإتجاه أبي قائلة بسعادة : أتيت في الوقت المناسب ، تعال وأخبرني بما يدور هنا ، ولماذا جدتي مصرة على أخذي معها ..
شرح لي أبي الأمر بإختصار ، ولم أكن متفاجئة إلا من خبر إنتقال عائلة شيبا إلى مدينتنا ..
وبعدها إلتزمت الصمت وبدأت جدتي الجدال مجدداً لكن مع أبي هذه المرة ، وأنا جالسة بعيدة عنهم أنظر إلى النتيجة التي سيصلون إليها ..
هم ليسوا بأطفال لأهدئهم في كل مرة ، ليتفاهموا مع بعضهم بالطريقة التي يريدونها وأنا لا يجب علي التدخل حتى لو كنت محور الحديث لقد سئمت المحاولة ..
بعد أن طال الأمر دون أن يصلوا إلى حل ، وقفت متململة وقررت الصعود إلى غرفتي حيث تنتظرني روز ، لكنني عندما وصلت عتبة الباب ، صاح كل من أبي وجدتي في آن واحد : إلى أين أنت ذاهبة الآن يا جوليا ، لن تذهبي إلى مكان حتى نحل الموضوع ..
انفلتت مني ضحكة قصيرة غير إرادية ، إنهما حقاً أم وإبنها ..
قلت وأنا أهز كتفاي ببرود : صحيح أن الموضوع يخصني ، لكنكم لم تحاولوا السؤال عن رأيي ، لذا لا أجد سبباً مهماً لبقائي معكم ..
تبادلا النظرات لثواني وتقول جدتي بعدها : صحيح أن الأمر يتعلق بك ، لكن لن يكون لك رأي في الموضوع ، فوالداك قطعا لي وعداً ، ولن أسمح لهما بنقض هذا الوعد ..
فكرت قليلاً في حل يرضي كلا الطرفين العنيدين ، وبعدها خطرت في بالي فكرة ستعيد لم شملنا ولذا قلت مقترحة : بما أنك يا جدتي تريدين مني العيش في منزلك ، ووالداي لن يتخليا عني ، فما رأيك بأن نذهب جميعاً للعيش معك ؟؟
قالت جدتي برفض قاطع : لا وألف لا ، لن أدع أحداً يسكن في منزلي سواك يا جوليا ..
ردت أمي عليها بإصرار : ونحن لن ندعك تأخذينها يا سيدة موتسومي ..
إجتاحني رغبة في البكاء ، لا أظن أننا سنصل إلى نتيجة إذا استمر الطرفان في العناد ، ماهو الحل الأمثل يا ترى ؟؟
أأقف في صف أمي وأبي وأرفض العيش معها ، أم أنصاع لجدتي وأذهب للعيش في منزلها ؟؟
حسناً أظن أنه من الحكمة أن أقف في صف جدتي الوحيدة والعجوز وأحاول كسب مودتها حتى تسامح أبي وتعود علاقتهما إلى سابق عهدها وترضى بزواجه من أمي ، وينتهي هذا الخلاف الذي دام لسنوات طوال ..
قلت بإبتسامة هادئة : أمي أبي بما أنكما وعدتما جدتي بأنكما ستدعاني أعيش عندها عندما أعود فيجب عليكما الوفاء بذلك ، ولهذا سأذهب معها حتى لا أظهركما أمامها بمظهر الكاذبين ..
ابتسمت حينها جدتي بإنتصار بينما نظرت أمي إلي وقالت بتفاجؤ : ماذا !! أستذهبين معها يا جوليا وتتركيننا ؟؟ فكري جيداً يا جوليا ، لا أظن أنها ستسمح لك بزيارتنا دائماً ..
قالت جدتي حينها بإزدراء : لاا تقلقي يا كينور ، سأكون أفضل منك و سأدعها تزوركم مرة في كل أسبوع ..
قبل أن ترد أمي عليها وتغير رأيها حول زيارتي لهم تكلمت بسرعة : إنه للطف منك يا جدتي بأن تسمحي بهذا ، أنت فعلاً إنسانة عظيمة ..
بعدها أمسكت معصم أبي وأمي وجررتهما إلى خارج الغرفة بينما أنا أقول لجدتي : سأتحدث مع والداي على انفراد لأقنعهما ، انتظرينا قليلاً يا جدتي ..
عندما خرجنا شرحت لهما عن رغبتي في إصلاح العلاقة بيننا وبين جدتي ، وكيف أنهما يجب أن يدعاني أعيش معها حتى أستطيع إقناعها بشكل متواصل ..
اقتنع أبي بالفكرة ، لكن أمي لازالت ترفض ذلك بشدة ، فهي وكما تقول ليست مستعدة لأن تفقدني مجدداً ..
نظرت إليها بحنية وقلت بصوت لطيف : أمي أنت تتصرفين وكأن لا أحد معك إذا غادرت ، أنت لديك أبي بجوارك وجودي ، أما جدتي فهي لا تمتلك أحداً بجوارها سوى الخدم ، حتى أن إبنها الوحيد والذي هو أبي بعيد عنها ، لذا أرجوك دعيني أكون معها ، هي مهما تظاهرت بالقوة إلا أنني واثقة من أنها حزينة على فراق أبي ، لكن كبريائها يمنعها من الإعتراف ، لذا ستكون مهمتي هي محاولة إصلاح العلاقة بينهما ، وإن أردت سعادة أبي فدعيني أفعل ذلك فأبي متألم كثيراً من فراق جدتي ..
لانت ملامح أمي قليلاً وكأنني استطعت التأثير عليها ، وبعدها وافقت على ذلك شرط أن أزورها دائماً وأبقى على تواصل دائم معها ، وعدتها على ذلك ، وعدنا إلى جدتي وأعلن والداي موافقتهما ، ولم يخف علي ملامح السعادة التي رُسمت على وجهها ، رغم أنها حاولت إخفائها ..
هذه هي جدتي ، لديها كبرياء يمنعها من الإعتراف بأخطائها ، فهي نادمة أشد الندم على طردها لأبي لكنها تأبى الإعتراف ، وعلى الرغم من صرامتها وحدتها إلا أنني واثقة من أنها طيبة القلب ..
طلبت مني مصاحبتها الآن إلا أنني رفضت بأدب ، محتجة بأنني لن أستطيع تجهيز أغراضي ، وسأذهب إليها بنفسي بعد يومين ، وبصعوبة وافقت على ذلك وغادرت المنزل ..
قررت بعدها الذهاب إلى روز التي وفور أن زارتنا جدتي وابتدأ الشجار بينها وبين أمي حتى انسحبت من المكان بعد أن شعرت بأنه لا معنى لوجودها بيننا ..
قبل أن أصعد السلالم لمحت جودي وقمت بندائها ، لتأتيني وهي ترمقني بنظرات نارية ..
تجاهلت نظراتها وقلت : جودي عندما أتت جدتي وكنت في المطبخ أعد الشاي سمعت صوت جرس الباب ، من كان الزائر آن ذاك ؟؟
قطبت حاجبيها بتفكير ، لتشهق بعدها : أووه صحيح إنه صديقك الثري ، لقد أتى إلى المنزل لكنني طردتـــ....
تداركت كلمتها بسرعة وقالت : أقصد طلبت منه المغادرة بأدب ..
نظرت إليها بشك ، أنا واثقة من أنها طردته ، فهي كانت ستفعل ذلك حتماً بما أنها كانت غاضبة آن ذاك من زيارة جدتي ..
تركتها وصعدت السلالم وأنا أفكر في ياماتو الذي أتى لرؤيتي بعد أن علم بنجاتي ، حسناً أنا واثقة من أنه سيأتي في وقت لاحق ، وأنا يجب أن أشكره عند مقابلتي له ، فهو قد ساعدني مع روز وسوبارو ..
دخلت غرفتي لألتقط حركتها حين رفعت الكتاب بسرعة متظاهرة بأنها منشغلة بالقراءة ، وحين رأتني قالت وهي ترمش ببراءة : أووه جوليا ماذا حصل في الأسفل ؟؟
قلت وأنا أتوجه نحو سريري : لا تتظاهري بالغباء ، أنا واثقة من أنك كنت تختلسين السمع إلينا ..
عندها تغيرت ملامح وجهها ، واقتربت مني متحدثة بصوت مرتعش : أستغادرين إلى منزل جدتك حقاً بعد يومين ؟؟
أومأت برأسي لتنفجر حينها بالبكاء وهي تقول : إذاً ستتركينني يا جوليا ، أنا لا أريد ذلك ، إذا غادرت فلا مكان لي لأعيش فيه ..
قلت مؤنبة بنبرة مرتفعة قليلاً : روز لا تقولي مثل هذا الكلام ، أمي وأبي لن يعارضا بقائك أبداً ، بل على العكس هما سعيدان حقاً بوجودك ، هذا المنزل أصبح منزلك ونحن عائلتك ، لذا إمسحي دموعك حالاً ..
قاطعنا صوت طرقات باب مميزة ، عرفت حالاً بأنه أبي ، لذا قلت مرحبة : تفضل يا أبي الباب مفتوح ..
عندما دخل أبي ورأى روز التي تبكي حاوطها بذراعه وقال وهو يتصنع الصراخ علي : لماذا عزيزتي روز تبكي ؟؟ أقلت لها شيئاً قاسياً يا جوليا ، لن أسامحك إذا فعلت ذلك ..
هزت روز رأسها بالنفي وقالت بسرعة وقد صدقت تمثيل أبي : لا لا يا سيد روك هي لم تفعل شيئاً ، أنا فقط كنت خائفة من القضية المتعلقة بأمي وماركو ..
أجلس روز بجواري على السرير ، وسحب كرسياً كان بجواره وجلس عليها وأصبحنا متقابلين ، وقال بصوت جاد : لقد أتيت إلى هنا بشأن هذا الموضوع ( وبإبتسامة عريضة : روز لقد تم إثبات براءتك ..
لم تصدق روز إذناها ، وتوسعت حدقتا عينيها وأُلجم لسانها عن الكلام ، لأسأل عوضاً عنها : وكيف حصل ذلك ؟؟
- لقد توصلنا إلى القاتل الحقيقي ، وهو قد اعترف بجريمته بعد أن أرغمناه على هذا ..
نظرت إليه أنتظره ليكمل كلامه ، لكنه صمت وكأنه لا ينوي إكمال الموضوع ، أي أنه لا يرغب في ذكر اسم القاتل أمامنا ، وهناك سر في الأمر..
نظرت إلى روز التي لاتزال مشدوهة ، لأقول بإبتسامة : روز قولي شيئاً ، لا تبقي صامتة ، أنا كنت واثقة من برائتك ..
خرجت روز من صمتها أخيراً : لكن يا جوليا أنا واثقة من أن المسدس كان بجواري ، ولم يكن في المنزل أحد سواي ، كيف يكون القاتل شخص آخر ؟؟
أجاب عليها أبي فهو أدرى بالتفاصيل مني : لقد اعترف لنا بأنه وضع منوماً في المشروب الغازي ، وقتل والدتك وماركو وبعدها أوهمك أنك القاتلة ، وعلى ذكر المسدس أين هو الآن ؟؟
- لا أعلم ، آخر مرة بحثت عنه لم أجده ..
- من آخر شخص رآه معك ؟؟
- إنه سوبارو ، لكنني لا أظن أنه هو من أخذها ..
وقف أبي منهيا الموضوع : حسناً سنبحث عنه ، لكنني أحببت إسعادك بهذا الخبر لأجعلك تعيشين حياتك دون أن تشعري بأي ندم ، ونحن سعيدون حقاً ببقائك ، وبالمناسبة لا تناديني السيد روك ، تستطيعين مناداتي بعمي فهذا أفضل ..
***
~ سوبارو ~
أتى صباح يوم الإثنين ، ترددت في ما إذا كان يجب علي الذهاب إلى المدرسة أو لا ، لكنني عزمت على الذهاب وأنا متيقن من أن جوليا وروز ستذهبان ، وجميع من في المدرسة لن يبقوا هادئيين ، وأنا أرغب فعلاً في رؤية ما ستفعله جوليا لإسكاتهم..
قرأت ما فعلته جوليا لكاميرا أحد الصحفيين في إحدى الصحف ، الجميع غضبوا منها بسبب حركتها تلك ، وما فعلته جعلت الشكوك تدور حولها ، فإذا كانت ضحية كما تقول لم تكن لتخفي شيئاً ولم تتصرف بهذا الشكل الهمجي ، لا شك في أنها تخفي شيئاً أو أن ماقالته كان مجرد كذبة ، تلك الحمقاء من جلبت الشكوك لنفسها ..
هذه الإشاعات التي أصبح الجميع يتداولونها أصبح الحدث الرئيسي بجانب الفضيحة التي كُشفت عن شركة ساي ومنظمته الإجرامية ..
كلما تذكرت ساي اجتاحني نوبة غضب عارم ، كيف لي ألا أدرك أن ساي الحقير هو خلف كل هذا ؟؟
كل شيء كان يدل على ذلك ، فقد ابتدأ كل هذا عند انتقال توأمته اللعينة إلى المدرسة ، والرسائل التي تصل إلي أنا بالذات وروز ، وطرقه البشعة للإنتقام كل هذا كان يجسد أفكار ساي ..
لكن ولأنني غبي لم أدرك ذلك ، فأنا استبعدت هذه الفكرة بعد أن رأيت أن روز هي الأخرى تتلقى رسائل التهديد ، وأنا كنت أظن أن روز لا تعرف ساي ، ومن أجل هذا الشيء التافه استبعدت الفكرة نهائياً ، آآخ كم أشعر بأنني غبي حقاً ..
انتهيت من ارتداء زيي المدرسي وخرجت من منزلي ، وتعمدت الذهاب باكراً لأقابل روز وجوليا أمام بوابة المدرسة ، لأدخل برفقتهما ..
وقفت أمام بوابة المدرسة منتظراً قدومها ، ولم يخف علي همسات الطلبة إطلاقاً ، لكنني كنت أتجاهلهم متعمداً فأنا لا أنوي في أن أوجع رأسي بالشجار معهم ..
لكن يبدو أنني لست الوحيد الذي كان يقف منتظراً أحدهم ، فقد رأيت الطالب الجديد الذي كان يجلس بجواري في الصف يقف منتظراً كذلك..
تذكرت حينها أنه قد سألنا عن جوليا في أول يوم له ، هل من الممكن أنه يعرفها ؟؟ لكن ما العلاقة التي تجمعهما ؟؟
لمحت من بعيد الفتاتان ، وبعد أن اقتربا منا تحرك الطالب الجديد متوجهاً نحوهما ، لأدرك أنه كان ينتظر جوليا كما ظننت ..
لحقت به بفضول ، ولم يخفى علي نظرات جوليا المتفاجئة عند رؤيتها لذلك الطالب حتى أنها تصلبت في مكانها ولم تكمل طريقها ..
اقترب منها الشاب وقال : وأخيراً التقينا يا جوليا ، لا أظن أنك نسيت من أكون ..
قطبت روز حاجبيها وقالت بإستغراب : من أنت ؟؟
نظر إليها الطالب قائلاً : أنا لوريوس الطالب الجديد في صفك ..
ثم عاود النظر إلى جوليا وقال : لست مستغرباً من نسيانها لي ، لكنني واثق من أنك يا جوليا لن تنسينني ..
تبادلا النظرات لثواني معدودة ، لم أرد فيها مقاطعتهما ، لكنني لمحت مجموعة من الطلاب الأكبر سناً متوجهون نحونا ..
وعندما اقتربوا منا تحلقوا حولنا وقال أضخمهم : يبدو أنكم جريئون كفاية لتأتوا إلى المدرسة بعد كل ما حصل معكم ..
نظرت إليهم ببرود قائلاً : ما شأنكم أنتم ؟؟
رد علي بغرور : حضوركم إلى مدرستنا ستشوه من سمعة المدرسة وطلابها ، ونحن لا نريد ذلك ..
تمتمت بهدوء : تشوه سمعة المدرسة !!! إن كان هناك من سيشوه سمعة المدرسة فهم أنتم وحدكم ..
اقترب الطالب مني و أمسكني من ياقة قميصي ، وقال بغضب : أرى أن لسانك طويل جداً ، ألم تتعلم أن تحترم من هم أكبر منك سناً ؟؟
نظرت بطرف عيني إلى الفتاتان ، لأرى أن روز قد اختبأت خلف جوليا بخوف ، وجوليا لم تحرك ساكناً ، أما لوريوس فكان ينظر إلى جوليا بنظرات غريبة ومترقبة ..
لم أشعر إلا بلكمة على بطني كان قد وجهها لي هذا الفتى ، لكنني لم أستطع أن أنحني من الألم ، فلازال يمسكني من ياقتي بقوة ..
قال بحدة : إلى أين كنت تنظر ؟ أتحاول تجاهلي ؟؟
تقدم آخر وقال : ما رأيك أن نفتح الضمادات التي عليه ، فأنا أرغب في رؤية وجهه المشوه ..
ابتسم الممسك بي بخبث وقال : إنها ليست فكرة سيئة ، انزعوا ضماداته وأنا سأمسك به ..
كنت حينها على استعداد لمقاتلتهم جميعاً إلا أن صوتاً حاداً وغضاباً أوقفنا جميعاً : ماذا تظنون أنكم فاعلون أمام بوبة المدرسة ؟؟ إلحقوا بي جميعاً إلى مكتبي ..
علمت صاحب الصوت ، إنه السيد كازوما بل شك ..
تركوني الفتيان وسرنا جميعاً نحو مكتب المدير ، حتى جوليا وروز سارا معنا ولوريوس كذلك ..
دخلنا إلى المكتب ، وبدأ المدير يستفسر عن سبب شجارنا ، وقام الفتيان الأكبر سناً بشرح الأمر له ، وأظهرونا بمظهر السيئين وأننا من بدأنا الشجار ..
لم أرد أن أتحدث وأشرح الأمر ، فلا جدوى من ذلك ، لكن روز الوحيدة التي كانت ترد على أكاذيبهم ، وأنا وجوليا ولوريوس ملتزمين الصمت ..
هدد المدير الطلاب الأكبر سناً بالفصل إذا ما تسببوا في مشكلة أخرى ، وبعدها أمرهم بالذهاب ، وطلب مني أنا وروز وجوليا البقاء قليلاً ، لكن لوريوس أصر على البقاء كذلك ، وبعد جدال خرج لوريوس من المكتب رغماً عن أنفه ..
عندما فرغ المكتب إلا منا جلس المدير على مقعده وقال وهو يزفر بضيق : أنتم يا رفاق ستعانون وقتاً عصيباً ، لكن إذا ما أساء إليكم أحد فأعلموني بذلك فوراً ، فأنا في صفكم وسأساعدكم ..
قالت روز : ولكن يا حضرة المدير ماذا لو هجموا علينا ولم نستطع إعلامك بهذا ؟؟
- حينها استعملوا قواكم لردعهم ، فأنا أعلم أنكم أقوياء ، ولن أفصلكم من المدرسة فأنا سأعتبره دفاعاً عن النفس ..
ثم نظر إلى جوليا تحديداً وقال : أرجوا ألا تتهاونوا في ضربهم إذا ما اضطررتم لذلك ..
ضحكت جوليا بشكل مصطنع ثم تحدثت : ألا تظن أنك أيها المدير شخص سيء ، أتحرضنا على قتالهم عوضاً عن تجنبهم ؟؟ أنت لست جديرا لأن تكون مديراً وأباً ، لو كنت ابنتك لكنت قد انتحرت من شدة شعوري بالخزي لوجود أب مثلك ..
إلتفت إليها بتفاجؤ ، لم أظن أن هذه الكلمات ستصدر منها ، أمن المعقول أنها ماتزال غاضبة عليه ؟؟ حسناً هذا وارد جداً ، لكن ألا تفهم بأن المدير كان مجبراً ؟؟
نظرت إليها روز وقالت مؤنبة : مالذي تقولينه يا جوليا ؟؟
أشاح المدير بوجهه بعيداً عنها وقال دون أن ينظر إلينا : تستطيعون المغادرة إن أردتم ، لكن لو واجهتكم مشكلة فأخبروني ..
تقدم جوليا إلى مكتبه ،و قربت وجهها إليه قائلة بإستهزاء : وماذا ستفعل لو علمت بمشكلتنا ؟؟ أستظل تراقبنا وتستفزنا فقط ..
سحبت جوليا من ملابسها ، هذه الفتاة غاضبة ولا تعي ما تقوله ، ثم قلت لروز بنبرة آمرة : هيا لنذهب للصف ..
خرجنا من مكتب المدير وأنا لا أزال أجرها من زييها ، وهي لم تحاول المقاومة إطلاقاً ، فقد بدت مستسلمة تماماً لي ..
عدنا إلى الصف ونظرات الجميع تلاحقنا ، تركت جوليا وجلست في مقعدي ، ولوريوس ينظر إلى جوليا ولم يزح ناظريه عنها ..
بينما هي عادت إلى مكانها بصمت ، أما روز فيبدو أنها تنوي قول شيء ، لكنها مترددة كثيراً ، لذا قلت محاولا حثها على البوح : ماذا لديك يا روز ؟؟
جلست روز في مكانها ثم إلتفتت إلي ناطقة : سوبارو أنا أريد أن أشرح للصف ما حصل ، حتى لا يسيئوا الظن بجوليا ..
نظرت إلى ظهر جوليا ثم قلت : هي لا تبدو منزعجة إطلاقاً ، لذا لا بأس ..
عبست روز حينها وهي تقول : لكن ضميري يؤنبني يا سوبارو وهي حتى لو بدت غير مبالية إلا أنني واثقة من أن هذا سيؤثر عليها في المستقبل ..
زفرت بضيق ، روز محقة ، مهما تصنعت جوليا فلا بد من أنه سيؤثر عليها حتماً ، لذا يجب أن نوضح كل شيء حتى تنتهي كل هذه الإشاعات وتصبح من الماضي ..
أخبرت روز بأن نؤجل الأمر فالحصة الأولى على وشك البدء ..
لكن طالبة من صفنا تقدمت نحو جوليا وقالت لها : جوليا هل صحيح أن من اختطفك هو أخ المعلمة راي ؟؟
سمعها الجميع فبدت الدهشة على وجوههم ، ليسأل أحدهم : هل أنت جادة يا يونا ؟؟
- لقد سمعت ذلك من أختي الكبرى التي تعمل مساعدة لوالد جوليا ..
سأل آخر بتردد : هل يعني هذا أن المعلمة راي متواطئة معه ؟؟
أجابت يونا : لا أعلم حقاً ، فأختي لا تمدني دائماً بالمعلومات الكافية حول القضايا التي تعمل بها ، فهي تقول أنها خصوصيات لا يجب علي التدخل فيه ، لكن الخبر قد انتشر في الصحف والأخبار ، لقد تم مداهمة منزل ساي أخ راي التوأم ، وألقوا القبض على مجموعة من الأشخاص اتضح أنهم عصابة مجرمة ..
قالت أخرى : قرأت الخبر في الصحيفة لكنني لم أكن أعلم أن ساي أخ المعلمة راي ..
صاح أحدهم مدافعاً عنها : حتى لو كان المدعو ساي مجرم ، فهذا لا يعني بأن المعلمة راي مثله ، هي ستكون علينا في الحصة الأولى ، إذا ما أتت فهذا يعني أنها بريئة ولا شأن لها في جرائم أخيها ..
رن الجرس معلناً عن ابتداء الحصة الأولى ، لينظر الجميع إلى الباب مترقباً دخولها ، تحرك الباب ليتهلل وجوه من يدافعون عنها ، لكن عندما دخل معلم آخر أصيبوا بالإحباط ..
أخبرنا المعلم بأن المعلمة راي لم تأتي ، فانهالوا عليه بالسؤال عن سبب غيابها ، لكنه كان يتهرب من الإجابة ، إذاً فهو يعلم بأنه قد تم إلقاء القبض عليها ..
غادر المعلم هربا من أسئلة الطلبة ، ليتحلقوا حول جوليا ويسألوها عن الأمر ، وقد انقسموا حينها إلى فريقين ، منهم المصدق ومنهم المكذب ..
لكن جوليا لم تكن تجيبهم واكتفت بتجاهلهم فقط ، وهي تعلم أن تصرفها هذا سيستفز الآخرين ، لذا تدخلت قائلاً : جوليا لا تعلم شيئاً فهي لم ترى أحداً ، لذا لا فائدة من سؤالها ..
قال أحد الطلاب : لكنها بالتأكيد تعلم الكثير من المعلومات بما أن والدها محقق ..
كنت سأرد عليه لكن لوريوس قال لي : سوبارو لا تتدخل ، جوليا تحسن التصرف وحدها ، ولا أظن أنها بحاجة إلى مساعدتك ..
نظرت إليه بريبة ، إنه يتحدث بثقة وكأنه يعرف جوليا حق المعرفة ، ألا يعلم بأنها مجرد فأرة متأسفة كما كان ياماتو يسميها ؟؟
لحظة !! هي منذ الصباح لم أرها تعتذر لأحد حتى الآن ، هل يمكن بأنها تغيرت ؟؟
بالتأكيد هي كذلك ، فلابد من أن التجربة التي مرت بها قد غيرتها ، أو أنها أعادت لها شخصيتها القديمة التي حكت لي روز عنها ..
قررت أن أبقى مشاهداً كما طلب مني لوريوس ، فأنا أريد أن أرى فتاة العدالة وماذا يمكنها أن تفعل ..
لكنني كنت أراهم على وشك الإنفجار بسبب تجاهلها وهي لا تلقي لتهديدهم بالاً ..
ما الذي تنوي هذه الحمقاء فعله ؟؟
وقفت فجأة من مكانها لأصب إهتمامي عليها منتظراً ما ستفعله ، لكنها قالت بهدوء : سواءً أأجبت على أسئلتكم أو لم أجب أسيفيدكم هذا بشيء ؟؟
عبارتها المستفزة قتل كل ذرة صبر لديهم ، ولم يعودوا يستطيعون تمالك أنفسهم أكثر ، فانقض عليها مجموعة من الطلبة دفعة واحدة ..
وقفت لأتدخل لكن لوريوس أمسكني مانعاً تدخلي ، وفجأة سمعت صوت صرخة عالية وإذا بطالب وسط هذا التجمع قُذف إلى الوراء بقوة ، وضرب ظهره بالطاولة الموجودة بالخلف ..
عندها بدى وكأن الجميع قد تصنموا في مكانهم للحظة ، لتنسحب جوليا وتقف مبتعدة عنهم ..
لم أعرف بعد ما الذي حصل ، لكن أحدهم صاح بغضب : أيتها اللعينة ، كيف تركلينه بهذه القوة ..
قالت حينها وهي ترمقهم بنظرة مرعبة : من أراد رؤية الموت فليتقدم..
انتابني رعشة بسيطة من نظراتها الحادة ، هذه الفتااة ليست بجوليا التي اعرفها مطلقاً ..
عندها تدخلت يونا قائلة : كفوا عن هذا جميعاً وتصرفوا بنضج ، ليس من العدل أن تهجموا عليها جميعاً ، ثم أنها لو كانت تعلم شيئاً لأخبرتكم ، عودوا إلى مقاعدكم ..
وقف الشاب الذي دُفع بقوة متحدثا والألم يكسو وجهه : أنا لن أسامحها ، كيف تجرؤ على فعل هذا بي ، سأقتلها بل شك ..
اندفع نحوها بقوة مجهزاً قبضته ليوجه لها ضربة قوية ، لكنها أمالت جسدها قليلاً لتتفادى الضربة ، وعرقلته بقدمها ليسقط على وجهه ..
رفع رأسه عن الأرض وقد نزف أنفه جراء سقوطه ، ويبدو أنه لم يستسلم بعد فلا زال ينوي الإنتقام وهو يوجه بنظراته الحادة نحوها ، ويبدو أن جوليا مستعدة لقتاله أيضاً ..
قال و هو يقف على قدميه بترنح : ستندمين على فعلتك يا جوليا ، لن أدعك حتى أمسح وجهك بالأرض..
أمسك به صديقه الأقرب وقال له : هذا يكفي أرجوك ، تعال لنوقف نزيف أنفك أولاً ..
نفضه بقوة قائلاً بغضب : دعني وشأني ، أنا لن أتركها حية حتماً ، لن أستسلم أمام هذه السافلة ..
نظرت جوليا إلى طلاب الصف قائلة بحزم : أمسكوا هذا المعتوه إذا أردتم الحفاظ على سلامته ، فلو حاول الهجوم علي مجدداً فأنا لن أرحمه مطلقاً ..
كلماتها بثت الرعب في الجميع ، فأصبحوا يحاولون تهدئة ذلك الطالب ، والفتيات ابتعدن عن المكان ، لتعود جوليا بالجلوس في مكانها ..
اقتربت روز منها لتهمس بإرتباك : جوليا إهدئي أرجوك ، فأنا لا أحب رؤية هذا الجانب المرعب منك ..
أغمضت جوليا عينيها لثواني ، وبعدها فتحتها مجدداً ورسمت على شفتيها إبتسامة بريئة ..
أفزعني تصرفها كثيراً ، للتو بدت ثائرة جداً ولن تتوانى في قتل أحد ، لكن وبمجرد أن أغمضت عينيها لثواني حتى عادت إلى ماكانت عليه ..
سمعت لوريوس يهمس محدثاً نفسه : هذه هي جوليا التي أحببتها يا شيبا ، يبدو أنها لم تتغير مطلقاً ..
***
~ لوريوس ~
هذه هي جوليا التي أعرفها ، والتي كرهتها بمقدار الحب الذي يكنه لها أخي ..
كانت جوليا تتحدث مع صديقتها وكأن شيئاً لم حصل ، وهذا هو طبعها ، يبدو أنها لم تتغير إطلاقاً ، وموت أخي لم يؤثر عليها كما كنت أظن ..
نطقت بغيظ : أرى أنك يا جوليا لم تتغيري ولو قليلاً ..
جفلت جوليا لثواني ، بعدها إلتفتت إلي بهدوء و قالت : إن كنت تريد قول شيء فاحتفظ به حتى نكون على انفراد ..
- ولماذا ؟؟
- حتى لا يسمعنا أحد أيها الأحمق ..
إلتفتت روز إلينا قائلة بفضول : هل تعرفان بعضكما ؟؟
إبتسمت مجيباً : نعم ، لكننا لسنا صديقين ..
تدخل سوبارو وقال بمكر : هو ليس صديقها لكنها حبيبة أخيه شيبا ..
إلتفتت إلينا جوليا وقالت بحدة : أي حبيبة وأي غباء تتفوه به يا سوبارو ..
ثم رمقتني بغضب وأردفت : أقلت لسوبارو شيئاً عن أمر شيبا ؟؟
أجبتها بذات النبرة الحادة : لا ترميني بهذه النظرات ، أنا لم أخبره شيئاً عن شيبا ..
نظر إلينا سوبارو بتلاعب قائلاً : أتحاولين يا جولي إخفاء الأمر عن حبيبك الحالي ؟؟
تفاجأت مما قاله ، وكنت أنظر إلى جوليا بصدمة ، لم أظن أنها تواعد أحداً ما ..
وقفت بغضب وأنا أقول : هكذا إذاً لقد كنت تكذبين علي وعلى شيبا ، اللعنة عليك وعلى صديقك ..
انهيت عبارتي وخرجت من الصف وأنا غير قادر على تمالك أعصابي أكثر ..
على الرغم من أن إنتقالي إلى هنا كان لغرض الإعتذار منها ، لكنني أكاد لا أصدق بأنها استطاعت أن تعيش حياتها دون أي شعور بالذنب ..
خرجت من مبنى المدرسة واختبأت في الحديقة الخلفية ، إستلقيت على العشب وأنا أتأمل السماء وعدت بذاكرتي إلى الوراء عندما انتقلت جوليا إلى مدرستي وكنت آن ذاك في آخر سنة دراسية ..
كانت فتاة كثيرة المشاكل عكس ما يبدو عليها مظهرها ، فقد كانت قصيرة القامة وهزيلة ووجهها طفولي جداً ، لكن في أول يوم لها كانت قد دخلت في شجار مع مجموعة من الصبيان الذين كانوا يتنمرون على طالبة في السنة الأولى ..
من أول يوم لها أصبحت بارزة ومشهورة ، قام مجموعة من الطلبة بالتحقيق بشأنها ، لنعرف أنها كانت تسمى بفتاة العدالة ، وأنها ماهرة في القتال ولم تُغلب يوماً ..
كانت تحمي دائماً الفتيات حتى لو لم تكن تعرفهن ، لذا استطاعت تكوين صداقات عديدة ، ولم يمر أسبوع إلا وقد زارت مكتب المدير وتلقت تهزيئاً منه ..
كنت أنظر إليها بإعجاب ودائماً أروي مغامراتها لأخي الذي كان يكبرني بسنتين ..
كان أخي أصم وأبكم ، ولهذا كان موضع سخرية أحياناً ، وأصبح منعزل عن العالم ولا يخرج من المنزل إلا بشكل نادر ، وتعمدت أن أروي له تصرفات جوليا حتى يصبح بقوتها وشجاعتها ..
قررت مرة الخروج مع أخي للتنزه وبعد إلحاح وافق أخي على ذلك ، وبقينا خارج المنزل حتى ساعة متأخرة ..
مررنا بجانب متجر وأردت الدخول لأشتري بعض الحاجيات ، فطلبت من أخي أن ينتظرني ..
بينما كنت في المتجر تعرض أخي لمضايقات من قبل مجموعة من الرجال الجانحين الأكبر سناً ، وتعرض حينها للضرب بسبب أنه استفزهم بصمته ، وظنوا أن أخي يتجاهلهم ، ولم يدركوا أنه عاجز عن الكلام ..
عندها أتت جوليا التي كانت بالقرب من المتجر مصادفة ، وعندما رأت أخي لم تستطع أن تقف مكتوفة اليدين ، فرؤية ستة رجال يتشاجرون مع شخص واحد أثار عندها حس العدالة التي تُشتهر به ..
بدأت بالقتال معهم محاولة الدفاع عن أخي ، وقامت بتلقين كل شخص منهم درساً لن ينسوه في حياتهم ، لكنها هي كذلك تعرضت لضرب مبرح وتلقت مجموعة من اللكمات في أنحاء عدة من جسدها ، تدخلت الشرطة حينها ، وأخذوا الجميع إلى قسم الشرطة ، وأنا لم أعرف ذلك إلا بعد ان تم استدعائي للمخفر ..
تبعت الشرطة ورأيت أخي الذي تورم وجهه من الضرب الذي لقيه ، فأخذت أسأله عن ما حصل بالإشارة ولم أنتبه بعد للفتاة التي كانت تجلس على بعد عدة مسافة من أخي وتنظر إلينا ..
روى أخي ما حصل وأراد مني أن أوصل شكره للفتاة التي أنقذته ، وحين سألته عن مكانها أشار إليها لأنتبه إليها أخيراً ، وكنت متفاجئاً حين رأيت جوليا التي لم تكن بأفضل حالاً من أخي ..
قبل أن أسألها عن شيء كانت قد بدأت تنظر الي بإنبهار متحدثة بإعجاب : أأنت تتقن لغة الإشارة ؟؟ هذا مذهل حقاً ..
لأرد عليها بإرتباك : ها !! نعم أعرف ذلك فأخي أصم كما ترين ولذلك كان يجب أن أتعلم لأتواصل معه ..
قالت حينها بتوسل : إذاً أرجوك علمني ، فأنا كنت أرغب في تعلمه منذ زمن ..
بعد تلك الحادثة أصبحنا أقرب إلى بعضنا ، وكنت أعلمها بعض الإشارات كل يوم ، وهي كانت سريعة التعلم جداً وهذا ليس بغريب فهي الأولى على المدرسة ..
ومن حين لآخر كانت تقابل أخي لتطبق ما تعلمته مني وتمارس اللغة أكثر ، وكان أخي حينها قد أحبها وتعلق بها ، فهي الفتاة الوحيدة التي كانت تعامله بشكل طبيعي ، دون أن تشعره بالنقص ..
لاحظت ذلك لكنني لم أقل شيئاً ، فأنا أردت من أخي أن يُفصح عن مشاعره لها بنفسه ، وجوليا بالتأكيد لن ترفضه فقط لأنه أصم ، فهي ليست كالفتيات الأخريات المملات ..
طلب أخي مني المساعدة ، فهو لا يجرؤ على الإعتراف لها ، لكنني اكتفيت بتشجيعه وإسداء بعض النصائح له ، وأنا سعيد برؤية أخي الذي يتغير دائماً للأحسن ..
بعد إلحاح مني جاء اليوم الذي عزم فيه شيبا أن يعترف لها ، وكان ذلك اليوم هو أسوء يوم في حياته ، فبعد أن جمع كل شجاعته للإعتراف لها ، نظرت إليه جوليا بحنية ثم أشارت له بأنها لا تفكر مطلقاً في إمتلاك حبيب ، واعتذرت منه بلطف ..
رفضها نزل كالصاعقة عليه بالرغم من أنها حاولت أن يكون رفضها لطيفاً ، عندها انقلب حاله وانعزل شيبا في الغرفة ورفض مقابلتنا جميعاً حتى والداي ، ليصير حاله أسوء من السابق ..
علمت برفض جوليا لشيبا فتشجرت معها لكنها قالت بهدوء : لتعلم يا لوريوس أنني لم أرفضه بسبب نقص فيه ، لكنني حقاً أرفض الفكرة نفسها ..
كرهتها بعد ذلك بشكل كبير ، وأصبحت كلما أراها ألقي عليها ببعض الكلمات الجارحة لكنها لم ترد على اهاناتي يوما ، بل كانت تتقبله بصمت ..
بعد أيام لم يعد شيبا يأخذ الطعام التي تضعه أمي أمام باب غرفته ، ولم يعد له أي حس أو حركة ، فارتبنا كثيراً ، وقررنا كسر الباب ، لنتفاجأ بأنه قد انتحر في غرفته ..
موته أحزن الجميع ولكنني كنت أكثر من في المنزل حزناً بما أننا مقربين ، لم أكن لأصدق بأن أخي قد انتحر بسبب انكسار قلبه ، لذا إختلقت كذبة قلت فيها أن جوليا هي من قتلته بلا شك وجعلت الأمر يبدو كإنتحار ، وأخبرتهم بأنني رأيتها تزور المنزل خلسة وتدخل إلى غرفة شيبا ، ولا شك بأنها قامت بقتله في ذلك الوقت ..
كذبتي سببت الكثير من المشاكل ، فأخذت الشرطة تحقق مع جوليا ، وأصبحت متهمة بسببي ، لكن وبعد عدة تحقيقات إكتشفوا بأنني كذبت وأن جوليا بريئة ،لكنهم لم يعاقبوني لأن جوليا طلبت ذلك منهم ، وأخبرتهم بأنها لم تتأذى مطلقاً لذا لا داعي لمعاقبتي على كذبتي ..
وبعدها بأيام غادرت عائلة جوليا المدينة ، وانقطعت أخبارهم عني ..
بعد أشهر من الحادثة أدركت مدى دنائتي ، فما كان مني أن أتهم جوليا ظلماً فقط لأنها رفضت أخي ..
كما أنها كانت محترمة جداً حينما رفضته ، لكن أخي هو المخطئ فلم يكن يجب عليه الإستسلام بمجرد أن رفضته مرة ..
أخبرت عائلتي برغبتي في الإنتقال إلى المدينة التي تعيش فيها جوليا من أجل الإعتذار لها ولعائلتها ، فوافقت عائلتي على ذلك وانتقلنا ، لكننا تفاجأنا بشأن الشائعات التي كانت تدور حولها ..
كانت الصحف والأخبار تروي لنا أنه مختطفة ، لكن الناس كانوا يقولون أنها هاربة ، لذا لم أعلم من أصدق ..
لكن بما أن ذلك المومياء القبيح هو حبيبها فأنا لن أعتذر لها مطلقاً ، كيف ترفض أخي وتقبل بذلك المشوه ؟؟ أنا لا أعلم فعلاً كيف تفكر ، أقسم أنني سأنتقم منها ، وأنا أعرف كيف سأقوم بذلك ..
أذكر أن لديها أخت تصغرها بسنتين ، سأنتقم من تلك اللعينة من خلال جودي ..
نهاية الجزء ..